أول تقدم أوكراني كبير في الأراضي الروسية

ما هي نهاية اللعبة الأوكرانية في كورسك؟

ما هي نهاية اللعبة الأوكرانية في كورسك؟


في تحول مفاجئ في الصراع الروسي الأوكراني الجاري، نجح الجيش الأوكراني في التوغل داخل منطقة كورسك الروسية، مما يمثل أول تقدم أوكراني كبير في الأراضي الروسية منذ بدء الحرب. وعلى عكس الغارات الصغيرة السابقة التي شنتها الميليشيات المناهضة لبوتين، شملت العملية وحدات عسكرية أوكرانية مخضرمة، اخترقت قسماً من الحدود غير محمي بشكل جيد، بالقرب من كورسك.
وهذه المنطقة مهمة تاريخياً، نظراً لكونها موقعاً لانتصار سوفييتي كبير ضد ألمانيا في الحرب العالمية الثانية. وتشير التقارير إلى أن القوات الأوكرانية استولت على ما يصل إلى 70 مستوطنة، وسيطرت على منطقة تبلغ مساحتها حوالي 1000 كيلومتر مربع، بعمق يصل إلى 30 كيلومتراً في روسيا.

الدوافع المحتملة وراء الغزو
وفي هذا الإطار، قال ماثيو ساسكس، أستاذ مشارك (مؤقت) بمعهد غريفيث آسيا وزميل مركز الدراسات الاستراتيجية والدفاعية بالجامعة الوطنية الأسترالية، في تحليله بموقع «آسيا تايمز» إن هناك تكهنات حول أهداف أوكرانيا من هذا التوغل الجريء، حيث يعتقد بعض المحللين أن كييف تهدف إلى تأمين موطئ قدم في الأراضي الروسية كورقة مساومة في المفاوضات المستقبلية، وربما مقايضتها بالأراضي التي استولت عليها روسيا في أوكرانيا.
وتشمل الأدلة التي تدعم هذه النظرية علامات على أن القوات الأوكرانية تقوم بحفر الخنادق والتمترس، في المنطقة التي استولت عليها استعداداً للاحتفاظ بها وعدم التخلي عنها تحت أي ظرف.
ومع ذلك، فإن التفسير الأكثر ترجيحاً، برأي الكاتب، هو أن أوكرانيا تنوي تعطيل اللوجستيات الروسية من خلال الاستيلاء على المدن الرئيسية ومراكز النقل، الأمر الذي من شأنه أن يعقد الجهود العسكرية لموسكو. وهناك نظرية أخرى مفادها أن أوكرانيا قد تنسحب بعد إجبار روسيا على تحويل موارد كبيرة لتأمين حدودها، مما يضعف المواقف الروسية في أوكرانيا.
 التداعيات الاستراتيجية والرمزية
وأوضح الكاتب أن التحرك في اتجاه الأراضي الروسية يخدم أغراضاً متعددة لكييف. فبعيداً عن المكاسب الإقليمية، فإنه يمنح دفعة معنوية للسكان الأوكرانيين، الذين سئموا من الصراع المطول. وأكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن العملية يمكن أن تساعد في استعادة الجنود الأوكرانيين الأسرى، مشيراً إليها باعتبارها «نقطة تجديد لعملية التبادل».
بالإضافة إلى ذلك، يرسل التوغل رسالة واضحة إلى روسيا مفادها أن الحرب لها عواقب مباشرة على أراضيها، وليس فقط على أراضي الأوكرانيين. كما يرسل إشارة إلى الولايات المتحدة وحلفاء الناتو بأن أوكرانيا يمكن أن تحقق نتائج عسكرية كبيرة إذا تم تزويدها بقدرات متقدمة، مما يعارض التردد الأمريكي بشأن تصعيد الصراع.

رد الفعل الروسي الفاتر
وقال الكاتب إن رد فعل موسكو على التوغل يظل خافتاً حتى الآن، مما يدعم اعتقاد أوكرانيا بأن مخاوف التصعيد الروسي مبالغ فيها، فقد أصدر المسؤولون الروس، بمن فيهم الرئيس السابق دميتري ميدفيديف، تهديدات غامضة، في حين زعم الدعاة المتحالفون مع الكرملين زوراً أن قوات الناتو تقاتل إلى جانب القوات الأوكرانية، وهي ليست اتهامات جديدة، حيث اتهمت روسيا الناتو منذ فترة طويلة بالتورط في الصراع.
وتشير الاستجابة الروسية المحدودة إلى أن المغامرة الأوكرانية قد تؤتي ثمارها، حيث تفوق الفوائد الدولية والمعنوية والمادية خطر الانتقام الروسي الشديد.

نقاط الضعف العسكرية الروسية
كما سلط التقدم الأوكراني الضوء على عيوب كبيرة في الجيش الروسي. ويعكس نجاح العملية، التي شملت تحرك قوات أوكرانية كبيرة دون أن يتم اكتشافها، الحالة السيئة للاستخبارات والقيادة الروسية، حسب الكاتب.
وتشير التقارير إلى أن القادة العسكريين الروس تجاهلوا التحذيرات بشأن تمركز القوات الأوكرانية بالقرب من الحدود، مما أدى إلى استجابة غير فعالة وفوضوية. ووصف الرئيس فلاديمير بوتين العملية بأنها مجرد «عملية مكافحة إرهاب»، وهو ما زاد من ارتباك رد الفعل الروسي.
وخلّفت هذه الفوضى خليطاً من المجندين والمشاة البحرية وقوات الأمن لمواجهة القوات الأوكرانية المستعدة جيداً، والتي نجحت في تأمين خطوط الإمداد والتعزيزات.

التداعيات السياسية لبوتين
وأضاف الكاتب: يشكل التوغل الأوكراني إحراجاً كبيراً للرئيس بوتين من الناحية السياسية، والذي أصبح رد فعله البطيء على الأزمات يشكّل نمطاً. إن التقدم الأوكراني في الأراضي الروسية يقوض رواية الكرملين بأن روسيا لا تُقهر، مما يعرض بوتين لانتقادات محلية.
وفي كورسك، أعرب النازحون الروس عن غضبهم من السلطات المحلية وقوات الأمن، الذين كانوا من بين أول من فروا. هناك أيضاً تقارير عن أعمال نهب من قبل الجنود الروس، مما يزيد من تآكل ثقة الجمهور. وبرغم أنه من غير المرجح أن يؤدي هذا السخط إلى تحدي فوري لحكم بوتن، فإنه يثير تساؤلات حول استقرار نظامه.

التأثير الأوسع
ولفت الكاتب النظر إلى أن توغل أوكرانيا في الأراضي الروسية مهم على عدة مستويات؛ فهو يعزز الروح المعنوية الأوكرانية، ويوضح نقاط ضعف القوات الروسية، ويعمل كتذكير للغرب بأهمية أوكرانيا الاستراتيجية وضرورة تقديم المساعدات المطلوبة التي تعينها على تحقيق نصر كامل. واختتم الكاتب مقاله بالقول: في حين يظل من غير الواضح إلى متى يمكن لأوكرانيا الاحتفاظ بمناطقها التي استولت عليها حديثاً، فلا يعني هذا أن روسيا سوف تستسلم بسهولة. في الواقع، نجحت العملية بالفعل في تحقيق عدة أهداف رئيسة. فقد كشفت عن هشاشة الدفاعات الروسية وأحرجت الكرملين وأوصلت رسالة قوية إلى المواطنين الروس والمراقبين الدوليين على حد سواء مفادها أن أوكرانيا ما تزال قادرة على مفاجأة العالم.