رئيس الدولة ورئيس أوزبكستان يبحثان علاقات البلدين وعدداً من القضايا الإقليمية والدولية
ماذا وراء تنافس القوى الكبرى على غرينلاند؟
أكد المحللان الاستراتيجيان ماثيو بوروز وجوزيف برامل الأهمية الاستراتيجية لغرينلاند في رقعة الشطرنج الجيوسياسية في القطب الشمالي.
الموقع الاستراتيجي لغرينلاند يجعلها أحد الأصول المحورية في مراقبة المنافسين واستعراض القوة
وبرزت غرينلاند كنقطة محورية للقوة التنافسية بين الولايات المتحدة وروسيا والصين بفضل مواردها الغنية وموقعها الجغرافي وإمكاناتها في التأثير على طرق الشحن الناشئة.
وأوضح بوروز وبرامل في مقالهما المشترك بموقع مجلة «ناشوال إنترست» الأمريكية كيف أن تغير المناخ والعناصر الأرضية النادرة والتحالفات العالمية المتغيرة تزيد من أهمية غرينلاند في عصر جديد من الجغرافيا السياسية العالمية.
القيمة الاستراتيجية لغرينلاند
وقال الكاتبان إن أهمية غرينلاند تكمن في جغرافيتها ومواردها، فذوبان القمم الجليدية في القطب الشمالي، بسبب تغير المناخ، يكشف عن رواسب غير مستغلة من النفط والغاز والزنك والنحاس والبلاتين والعناصر الأرضية النادرة، مما يجعل المنطقة لاعباً رئيسياً في الاقتصاد العالمي.
وتشير تقديرات «هيئة المسح الجيولوجي» الأمريكية إلى أن غرينلاند تحتوي على 1.5 مليون طن من احتياطيات العناصر الأرضية النادرة، وهو ما يقرب من 1.8 مليون طن في الولايات المتحدة، وهو محتوى ضئيل مقارنة بـ 44 مليون طن في الصين.
وتعد العناصر الأرضية النادرة ضرورية للتكنولوجيات الحديثة، بما في ذلك الطاقة المتجددة وأنظمة الدفاع.
علاوة على ذلك فإن قرب غرينلاند من طرق الشحن الناشئة في القطب الشمالي يزيد من جاذبيتها الاستراتيجية. فيربط «الممر الشمالي الشرقي»، وهو طريق على طول ساحل القطب الشمالي الروسي، بين المحيطين الأطلسي والهادي، ويصبح مشروعاً قابلاً للتطبيق بشكل متزايد مع ذوبان القمم الجليدية. ويمكن لهذا الطريق أن يقلل بشكل كبير من الوقت اللازم للنقل بين أوروبا وآسيا، مما يعزز كفاءة التجارة ويعيد تشكيل التجارة العالمية.
تنافسات جيوسياسية
في القطب الشمالي
أدركت روسيا منذ فترة طويلة الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية للقطب الشمالي. وتعطي سياساتها، في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، الأولوية للتوسع العسكري وتنمية الموارد في هذه المنطقة.
وتحدد «استراتيجية تنمية منطقة القطب الشمالي» التي وضعها بوتين خططاً لزيادة تجديد المطارات والقواعد العسكرية وأنظمة الدفاع. وتهدف روسيا إلى السيطرة على طريق البحر الشمالي، وخفض أوقات الشحن للسلع الصينية إلى أوروبا بنحو النصف.
وترى الصين في القطب الشمالي حجر الزاوية في استراتيجيتها العالمية. وتنظر مبادرة «طريق الحرير القطبي» إلى «الممر الشمالي الشرقي» باعتباره شرياناً بحرياً بالغ الأهمية، يتجاوز نقاط اختناق مثل قناة السويس. ويوفر هذا الطريق للصين مساراً آمناً وفعّالاً من حيث التكلفة للتجارة مع الحد من التعرض للحصار البحري الأمريكي.
كما زادت الصين من حضورها الاقتصادي في غرينلاند، حيث استثمرت بكثافة في عمليات التعدين للوصول إلى العناصر الأرضية النادرة. وتتوافق هذه الجهود مع أهداف بكين الأوسع نطاقاً للهيمنة على سلاسل التوريد العالمية الحيوية.
ومع ذلك، فإن اعتماد الصين على روسيا لاستخراج الموارد في القطب الشمالي ونقلها يسلط الضوء على الشراكة الصينية الروسية المتعمقة في المنطقة.
الجهود الأمريكية
وعلى الرغم من تأخر الولايات المتحدة في تبني استراتيجية القطب الشمالي، فإنها تبذل جهوداً كبيرة لمواجهة التقدم الروسي والصيني. وتتضمن المبادرات الرئيسية ما يلي:
أولاً التوسع العسكري: نشرت الولايات المتحدة طائرات مقاتلة من طراز إف-35 في ألاسكا، التي تستضيف أكبر تجمع للقوة الجوية من الجيل الخامس على مستوى العالم. وتعكس استراتيجية الجيش للهيمنة على القطب الشمالي وتدريبات البحرية في الدائرة القطبية الشمالية تركيزاً متجدداً على الأمن الإقليمي.
ثانياً تطوير البنية الأساسية: تهدف الاستثمارات في ميناء نومي في ألاسكا إنشاء مركز للمياه العميقة لعمليات خفر السواحل والبحرية. ومع ذلك، أدت التكاليف المتصاعدة إلى تأخير التقدم في تلك المشروعات.
ثالثاً أسطول كاسحات الجليد: في حين تخطط الولايات المتحدة لنشر ثلاث كاسحات جليد جديدة، فإنها تتخلف عن روسيا، التي تدير بالفعل 41 كاسحة جليد.
غرينلاند في التنافس
بين القوى العظمى
ويجعل الموقع الاستراتيجي بالقرب من فجوة جيوك – وهي نقطة اختناق بحرية بين غرينلاند وأيسلندا والمملكة المتحدة - غرينلاند أحد الأصول المحورية في مراقبة المنافسين واستعراض القوة. خلال الحرب الباردة، كانت هذه المنطقة بالغة الأهمية لعمليات الناتو، وتبرز أهميتها مع زيادة نشاط الغواصات.
وتمتد أهمية غرينلاند إلى الحد من النفوذ الصيني والروسي. في عام 2019، اقترح الرئيس ترامب آنذاك شراء غرينلاند، مما يعكس قيمتها المتصورة لأهداف الأمن والتجارة الأمريكية. وفي حين قد تبدو مثل هذه المقترحات استفزازية، فهي تؤكد أهمية غرينلاند في التخطيط الجيوستراتيجي الأمريكي.
تحديات الشراكة
الصينية الروسية
تواجه طموحات روسيا في القطب الشمالي عقبات ديموغرافية واقتصادية كبيرة. فقد انخفض عدد سكان القطب الشمالي في روسيا، مع تدفق سنوي يبلغ 18000 نسمة، مما أدى إلى نقص العمالة في صناعات استخراج الموارد. ويشير كاتبا المقال إلى أن روسيا قد تتطلع إلى «جارتها الصديقة» الصين للحصول على العمال، مما يزيد من تعميق تعاونهما.
تعزز الشراكة الصينية الروسية في القطب الشمالي مواقف الدولتين ضد الهيمنة الغربية. وتوضح الاتفاقيات المتعلقة بتطوير سفن الحاويات من فئة الجليد واستغلال موارد القطب الشمالي أهدافهما المشتركة. ولكن هذا التحالف يتحدى أيضاً مصالح الولايات المتحدة، لأنه يجمع بين طموحات موسكو الإقليمية واستراتيجيات بكين الاقتصادية.
مبدأ مونرو الجديد
لإدارة ترامب
وأشار الكاتبان إلى الدور الحاسم الذي تلعبه غرينلاند في المشهد الجيوسياسي في القطب الشمالي. فقد أصبحت نقطة محورية للولايات المتحدة وروسيا والصين نظراً لمساهمة تغير المناخ في إعادة تشكيل طرق التجارة العالمية وشدة المنافسة على الموارد. ويتعين على الولايات المتحدة أن توازن بين التوسع العسكري والاستثمارات الاقتصادية والجهود الدبلوماسية للحفاظ على نفوذها في القطب الشمالي.
وفي حين تسعى روسيا والصين إلى استراتيجيات تعاونية لاستغلال موارد القطب الشمالي، تواجه الولايات المتحدة تحدي إعادة تأكيد هيمنتها دون تنفير الحلفاء. وستظل غرينلاند، بوصفها مركزاً استراتيجياً، قضية محورية في هذا التنافس بين القوى العظمى، وتشكل مستقبل الجغرافيا السياسية العالمية في القطب الشمالي.