رئيس الدولة والرئيس الإندونيسي يبحثان علاقات التعاون والشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين
تقدم ديبلوماسيته مزيجًا لافتا منها:
ماكرون والتقاليد الأربعة للسياسة الخارجية الفرنسية
الأول هو التقليد السيادي والواقعي: فرنسا دولة عريقة سيادية، تم بناؤها عن طريق السيادة، التي طالبت بها ودافعت عنها ضد السلطات العابرة للقوميات في العصور الوسطى “الامبراطور- البابا”. وكان الملك “إمبراطورًا في مملكته” “فيليب العادل”، متفوقًا على الجميع، “وفقًا لشعار لويس الرابع عشر المتعالي”، ثم أرادت فرنسا أن تكون “الأمة العظيمة” في عهد نابليون، وحافظت على عظمتها بإمبراطوريتها الاستعمارية “فرنسا الأعظم”، باستخدام تعبير بول رينو عام 1931».
وبصفتها “أمة سياسية”، اذابت الخصائص العرقية والمحلية في البناء الوطني، وتريد أن تكون محملا للقيم الإنسانية والجمهورية التي تتجاوز جغرافيتها، تجمع فرنسا، مثل الولايات المتحدة، بين الدفاع عن مصالحها ومثلها العليا، مما يعطيها -رغم تراجع قوتها –”قوة معادلة للمعنى” “زكي العايدي».
وكان نابليون الأول ونابليون الثالث، يحلمان برابطة أوروبية يكون فيها التفوق للإمبراطورية الفرنسية. وبعد فشل بالون اختبار أريستيد براياند عام 1929، تم تبنّي المشروع الأوروبي، القائم على المصالحة الفرنسية الألمانية، بقناعة ومثابرة، من قبل شومان ومونيه، ومن قبل جيسكار ديستان، ومن قبل ديلور وميتران. واستعاد إيمانويل ماكرون المشعل بطموحه لـ “السيادة الأوروبية”. ولم تستبعد هذه الحركة وضع فرنسا في المقدمة في التعاون الحكومي الدولي (رأينا ذلك في مناورة التعيينات لرئاسة المؤسسات الأوروبية، أو في إعادة تشغيل المحرك الفرنسي الألماني) وهي منسجمة تمامًا مع توجهه للعمل المتعدد الأطراف، لأن تعددية الأطراف هي أساس البناء الأوروبي، والاستمرارية واضحة من السلام في أوروبا إلى السلام في العالم (كما أدركه إمريك كروسيه، رئيس دير سان بيير، وأريستيد برايان، أو المؤرخ لوسيان فبفر مؤكدا عام 1945: “أوروبا، إذا كان يجب ان تقام، فبالنظر الى الكوكب»).
دافع جيسكار وميتران وشيراك عن علاقة “صديق، حليف، غير مصطف” مع واشنطن (هـ. فيدرين)، وسعوا إلى تعزيز “أوروبا قوة عظمى” لإعادة توازن العلاقة العابرة للأطلسي. بعد ذلك تحمّل نيكولا ساركوزي عام 2007 مسؤولية “قطيعة” لصالح “الأسرة الغربية”، والتي يرمز إليها التطبيع داخل الناتو والتدخل في ليبيا، قطيعة لم يشكك فيها فرانسوا هولاند ولوران فابيوس. وهذا لم يمنع باريس من لعب دور خاص، غير مصطف وراء واشنطن، من اجل “نزع فتيل” النزاعات في جورجيا (2008) وأوكرانيا (2014) مع روسيا.
إن العلاقة مع الناتو، وروسيا، وبدرجة أقل مع الصين، هي مؤشر على سياسة خارجية تمنح الافضلية للجغرافيا السياسية وتوازن القوى، باسم الواقعية (التحالف العكسي ضد ألمانيا أو إعادة توازن القوى مع واشنطن)، مقارنة بأولوية القيم الغربية والتحالف الأمريكي. وقد لعب ديغول وجيسكار وميتران وشيراك بشكل مختلف، ومازال فيدرين وشوفانمن يدافعان عن هذا الخط.
التقليد الغربي هو الذي يبدو أن الرئيس الفرنسي الحالي أكثر بعداً عنه. إنه لا يتنكر له باسم القيم (راجع دفاعه عن التقدمية ضد الشعبوية) أو على مستوى التعاون العسكري (راجع الضربات ضد سوريا، بالتعاون مع لندن وواشنطن، بعد الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية عام 2018) أو اقتصاديا (يؤمن بالليبرالية)، لكن الأزمة في العالم الغربي (بروز الدول الصاعدة، “الانعطاف” الأمريكي نحو آسيا، والشعبوية التي ظهرت في قلب الديمقراطية الأمريكية) تجبر بالضرورة إعادة ضبط العدادات. إن اليد الممدودة لموسكو، وانتقاد الناتو الذي هو في حالة “موت سريري”، هي رمز لهذا الاتجاه الجديد. والهدف المعلن “السيادة الأوروبية”، يحيي طموح رافعة أوروبية لفرنسا في عالم “متعدد الأقطاب».
في النهاية، لا يمكن مطلقًا فصل الخطاب البرنامجي والموقف الدبلوماسي عن البراغماتية في الحركة، وهو أمر لا مفر منه بالنسبة لـ “قوة متوسطة” لم تعد في وضع يمكّنها من طرح رؤية للعالم بمفردها. لقد أظهر إيمانويل ماكرون، الذي لا يُستثنى من التقليد الواقعي، أكثر من مرة، أن مصالح فرنسا ونفوذها ومكانتها لا تزال تلوح في الأفق من وراء هذه المواقف.