تقدم ديبلوماسيته مزيجًا لافتا منها:

ماكرون والتقاليد الأربعة للسياسة الخارجية الفرنسية

ماكرون والتقاليد الأربعة للسياسة الخارجية الفرنسية

-- العلاقة مع الناتو، وروسيا، وبدرجة أقل مع الصين، مؤشرات على سياسة خارجية تمنح الأفضلية للجغرافيا السياسية وتوازن القوى، باسم الواقعية
-- لقد أظهر ماكرون أن مصالح فرنسا ونفوذها ومكانتها لا تزال تلوح في الأفق من وراء مواقفها 
-- التقليد الغربي يبدو الأبعد عن الرئيس الفرنسي الحالي 
-- تقاليد السياسة الخارجية الفرنسية: تقليد سيادي وواقعي، وتقليد للأمن الجماعي وتعاون متعدد الأطراف، وتقليد أوروبي، وتقليد غربي
 
كيف يمكن تعريف دبلوماسية ماكرون؟ وفقًا للدبلوماسي مكسيم ليفبفر، الأستاذ بالمعهد العالي للتجارة في باريس-أوروبا، ومعهد العلوم السياسية بباريس، المتخصص في العلاقات الدولية والجغرافيا السياسية الأوروبية، يمكننا تبيّن أربعة تقاليد في السياسة الخارجية الفرنسية: تقليد سيادي وواقعي، وتقليد للأمن الجماعي وتعاون متعدد الأطراف، وتقليد أوروبي، وتقليد غربي. دبلوماسية إيمانويل ماكرون تقترض من كل هذه التقاليد، وتقدم دبلوماسية الرئيس مزيجًا مثيرًا للاهتمام من التقاليد الأربعة التي يمكن تحديدها في السياسة الخارجية لفرنسا.

الأول هو التقليد السيادي والواقعي: فرنسا دولة عريقة سيادية، تم بناؤها عن طريق السيادة، التي طالبت بها ودافعت عنها ضد السلطات العابرة للقوميات في العصور الوسطى “الامبراطور- البابا”. وكان الملك “إمبراطورًا في مملكته” “فيليب العادل”، متفوقًا على الجميع، “وفقًا لشعار لويس الرابع عشر المتعالي”، ثم أرادت فرنسا أن تكون “الأمة العظيمة” في عهد نابليون، وحافظت على عظمتها بإمبراطوريتها الاستعمارية “فرنسا الأعظم”، باستخدام تعبير بول رينو عام 1931».
 
وترتبط بعظمة فرنسا هذه، القوة، والدفاع عن المصلحة الوطنية، وإرادة الدفاع عن مكانة البلاد في العالم. وتواصل الدولة، التي لا تزال العمود الفقري للأمة، السهر على الدفاع عن مصالحها في المفاوضات اليومية. الا انه لم يكن لفرنسا أبدًا مفهوم أناني وقومي ضيق وواقعي لمصالحها. ففي جيناتها -وهو بلا شك الارث التاريخي للرومانية -ميل كوني أساسي... إنها تريد أن تكون فاعلة وضامنة لنظام دولي.إن مصالحها كقوة عظمى -حقيقية وشاعرية -ترتدي خطابًا برامجيا حول القيم الكونية. ويعود هذا إلى المسيحية، واستمر في الحقبة المعاصرة في التوجه العالمي والأوروبي والغربي لسياستها الخارجية.

وبصفتها “أمة سياسية”، اذابت الخصائص العرقية والمحلية في البناء الوطني، وتريد أن تكون محملا للقيم الإنسانية والجمهورية التي تتجاوز جغرافيتها، تجمع فرنسا، مثل الولايات المتحدة، بين الدفاع عن مصالحها ومثلها العليا، مما يعطيها -رغم تراجع قوتها –”قوة معادلة للمعنى” “زكي العايدي».
 
المدرسة الواقعية
   المدرسة الواقعية، التي تمثلها تاريخيا السياسة الخارجية للملوك، من قبل تاليران، ومن قبل الدبلوماسية الجمهورية لديلكاسيه أو كليمنصو ضد ألمانيا، وعن طريق الدبلوماسية الديغولية، التي لا تزال موجودة اليوم “راجع هوبير فيدرين” مدرسة يتبنّاها “السياديون”، وتسقي، في الوقائع، الدفاع عن المصالح الوطنية من قبل الزعماء السياسيين باسم “الدولة العميقة”، لكنها لا تنفصل تمامًا عن خطاب حمّال لمعنى.    وإيمانويل ماكرون، الذي ارتدى بتلقائية ملابس رجل الدولة على المستوى الدولي، يقدم مثالا لذلك.
 
تقليد الأمن الجماعي
   التقليد الثاني، الكوني، هو الأمن الجماعي والتعاون متعدد الأطراف. لقد ارتداها ببراعة وكفاءة ليون بورجوا أو أريستيد بريان قبل الحرب، ولكنها ضعفت بعد ذلك. ديغول، الذي أراد أن يتخطى منطق المعسكرات والكتل، والتحدث إلى العالم، سخر من الأمم المتحدة (“الشيء”)، واستغرق الأمر بعض الوقت حتى تستثمر فرنسا بدافع أكبر في الأمم المتحدة وعملياتها في حفظ السلام، تحت جيسكار، ميتران، شيراك. ومن خلال الدفاع بقناعة عن العمل المتعدد الاطراف، دون التخلي عن حركة القوة العظمى (الانتشار العسكري، عمل مجموعة السبع، العلاقات الثنائية)، ويتنزل إيمانويل ماكرون في هذا التقليد.
 
التقليد الأوروبي
   يعود التقليد الثالث، الأوروبي، إلى فترة بعيدة جدا، لأن لأوروبا (خاصة أوروبا الغربية) وحدة وعمق تاريخي حضاري لا تملكها القارات الأخرى. كان الملوك هم أصحاب المصلحة في الكل المسيحي المشترك، وخاصة من خلال مشاركتهم في الحروب الصليبية (راجع لويس السابع الذي تلقى من البابا الوردة الذهبية للأمراء المسيحيين في القرن الثاني عشر، أو تطويب سانت لويس -إدراجه في قائمة القديسين-بعد حملتيه الصليبيتين).    لطالما روّج الفرنسيون للمشروع الأوروبي (بيير دوبوا، مشروع سولي بقيادة هنري الرابع، إيمريك كروس، فيكتور هوغو).

وكان نابليون الأول ونابليون الثالث، يحلمان برابطة أوروبية يكون فيها التفوق للإمبراطورية الفرنسية. وبعد فشل بالون اختبار أريستيد براياند عام 1929، تم تبنّي المشروع الأوروبي، القائم على المصالحة الفرنسية الألمانية، بقناعة ومثابرة، من قبل شومان ومونيه، ومن قبل جيسكار ديستان، ومن قبل ديلور وميتران.    واستعاد إيمانويل ماكرون المشعل بطموحه لـ “السيادة الأوروبية”. ولم تستبعد هذه الحركة وضع فرنسا في المقدمة في التعاون الحكومي الدولي (رأينا ذلك في مناورة التعيينات لرئاسة المؤسسات الأوروبية، أو في إعادة تشغيل المحرك الفرنسي الألماني) وهي منسجمة تمامًا مع توجهه للعمل المتعدد الأطراف، لأن تعددية الأطراف هي أساس البناء الأوروبي، والاستمرارية واضحة من السلام في أوروبا إلى السلام في العالم (كما أدركه إمريك كروسيه، رئيس دير سان بيير، وأريستيد برايان، أو المؤرخ لوسيان فبفر مؤكدا عام 1945: “أوروبا، إذا كان يجب ان تقام، فبالنظر الى الكوكب»).
 
التقليد الغربي
   التقليد الأخير هو التقليد الغربي، الذي ولد من التحالف بين القوى الديمقراطية الأطلسية (فرنسا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة) ضد ألمانيا الإمبراطورية ثم ألمانيا النازية خلال الحربين العالميتين. لقد فرض نفسه خلال الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي، وكان اختيارًا اراديا للجمهورية الرابعة، بما في ذلك التقارب مع إسرائيل ..كما ينبع أيضًا من التعلق بالقيم الديمقراطية، وقبول واقعي للهيمنة الأمريكية. وفي حين نأى الجنرال ديغول بنفسه عن هذا التوجه بشكل جليّ (مع الاختيار الرمزي بالانسحاب من القيادة العسكرية المتكاملة لحلف الناتو)، إلا أن هذا الاخير استعاد تفوقه لاحقا.

دافع جيسكار وميتران وشيراك عن علاقة “صديق، حليف، غير مصطف” مع واشنطن (هـ. فيدرين)، وسعوا إلى تعزيز “أوروبا قوة عظمى” لإعادة توازن العلاقة العابرة للأطلسي. بعد ذلك تحمّل نيكولا ساركوزي عام 2007 مسؤولية “قطيعة” لصالح “الأسرة الغربية”، والتي يرمز إليها التطبيع داخل الناتو والتدخل في ليبيا، قطيعة لم يشكك فيها فرانسوا هولاند ولوران فابيوس. وهذا لم يمنع باريس من لعب دور خاص، غير مصطف وراء واشنطن، من اجل “نزع فتيل” النزاعات في جورجيا (2008) وأوكرانيا (2014) مع روسيا.

إن العلاقة مع الناتو، وروسيا، وبدرجة أقل مع الصين، هي مؤشر على سياسة خارجية تمنح الافضلية للجغرافيا السياسية وتوازن القوى، باسم الواقعية (التحالف العكسي ضد ألمانيا أو إعادة توازن القوى مع واشنطن)، مقارنة بأولوية القيم الغربية والتحالف الأمريكي. وقد لعب ديغول وجيسكار وميتران وشيراك بشكل مختلف، ومازال فيدرين وشوفانمن يدافعان عن هذا الخط.   

التقليد الغربي هو الذي يبدو أن الرئيس الفرنسي الحالي أكثر بعداً عنه. إنه لا يتنكر له باسم القيم (راجع دفاعه عن التقدمية ضد الشعبوية) أو على مستوى التعاون العسكري (راجع الضربات ضد سوريا، بالتعاون مع لندن وواشنطن، بعد الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية عام 2018) أو اقتصاديا (يؤمن بالليبرالية)، لكن الأزمة في العالم الغربي (بروز الدول الصاعدة، “الانعطاف” الأمريكي نحو آسيا، والشعبوية التي ظهرت في قلب الديمقراطية الأمريكية) تجبر بالضرورة إعادة ضبط العدادات.   إن اليد الممدودة لموسكو، وانتقاد الناتو الذي هو في حالة “موت سريري”، هي رمز لهذا الاتجاه الجديد. والهدف المعلن “السيادة الأوروبية”، يحيي طموح رافعة أوروبية لفرنسا في عالم “متعدد الأقطاب».

في النهاية، لا يمكن مطلقًا فصل الخطاب البرنامجي والموقف الدبلوماسي عن البراغماتية في الحركة، وهو أمر لا مفر منه بالنسبة لـ “قوة متوسطة” لم تعد في وضع يمكّنها من طرح رؤية للعالم بمفردها. لقد أظهر إيمانويل ماكرون، الذي لا يُستثنى من التقليد الواقعي، أكثر من مرة، أن مصالح فرنسا ونفوذها ومكانتها لا تزال تلوح في الأفق من وراء هذه المواقف.

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot