ضمن البرنامج الثقافي لمعرض العين للكتاب
محاضرة ثقافية حول أثر مدينة العين في التكوين الفكري للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان
ألقى معالي زكي أنور نسيبة المستشار الثقافي لصاحب السمو رئيس الدولة , الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات العربية المتحدة , محاضرة ثقافية في معرض العين للكتاب , حول أثر مدينة"العين في التكوين الفكري للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وذلك ضمن البرنامج الثقافي لمعرض العين للكتاب .
شهد المحاضرة وهي بعنوان "زايد والعين ..أثر المكان في وجدان القائد المؤسس" عدد من المسؤولين والمثقفين وجمع غفير من جمهور معرض الكتاب .
استهل معاليه حديثه في المحاضرة التي قدم لها الإعلامي علي عبيد , بالقول " أعتزُّ وأتشرّفُ بتواجدي مَعكمْ اليوم في هذا الحدث الثقافي الهام الذي يُعنى بأثر مدينةِ العين في وجدان القائد المؤسِس، محتفيا برؤيةِ الشيخ زايد رحِمه الله وبتُراثِهِ الغنيّ بالإنجازاتِ التي أذهلتِ العالمَ بأسِره. وأَودّ أن أتوجّهَ بالشكرَ الجزيل إلى دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي على استضافتي في هذه الجلسة القيمة. " وقال "لو استعرضنا كلماتٍ تَفخرُ كافةُ الأممِ بوجودِها مثل: إنجازاتٍ، تنميةْ، بناءْ، تمكينْ، تعليمٍ وغيرُها الكثير، لَوجدنا أنها وببساطةٍ شديدةٍ تُلخِّصُ مسيرةَ المغفور له بإذنِ الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسسَ دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي أقامَ دولةً اتحاديةً مُتطوّرةً ومُتقدّمةً بكافةِ المقاييسْ، وقادَ ريادتَها لتحتلَّ مكانةً سائدةً في مصافِّ الدولِ الأكثرَ تقدُّماً في العالم. ولا تكاد تُذكَر الدولَ ذاتِ الدخلِ الفردي المُرتفع ورفاهيةَ العيشِ، إلا وتكونُ الإماراتَ في طليعَتِها. كلُّ هذا وأكثرْ بفضلِ جهودِ الشيخ زايد رحمه الله وإيمانَه العميقَ بأن الإنسانَ هو الثروةُ الحقيقيةُ للشعوبْ وأنَّ لِشعبِهِ وبلادهِ القدرةَ على تحقيقِ المستحيلات.
وذكر معالي زكي أنور نسيبة في حديثه قائلاً " عندما نريد الكلام َعن العلاقةِ الحميمة التي كانت تربط الشيخ زايد رحِمَهُ الله بمدينةِ العين وبالمنطقة الشرقية من إمارة أبو ظبي، علينا أن نتصورها وأن نصورها على أنها كانت علاقةَ عِشقٍ وشغفٍ ومحبةٍ، رافقَتهُ رحِمَهُ الله طُوالَ مَسيرَتِه التاريخية. وكما جاءها طِفلا صغيرا برعايةِ أُمٍ حنون أتت به لكي تجدَ الأمنَ والأمانَ في واحاتِها الخضراءِ الجميلة، بقيَ على مرِّ السنين، وبالُرغم من مشاغلهِ الجسيمة، يترَددُ عليها، ويتغنى بمفاتِنها، ويحرِصُ على نموِها وازدهارِها، وتأمينِ أرقى معاييرِ العيشِ الكريمِ لسكانِها.
واستطرد قائلا " بِقدرِ اهتمامُه الكبير بتنمية العين وتطويرِها، للانتقالِ بها من قساوةِ العيشِ والحاجة، إلى مصافِ المدنِ العصريةِ الحديثة في زمنٍ قياسي، حرِصَ سموُهُ بنفسِ الوقتِ أن تُحافِظَ المدينةُ في تنميتِها الحضريةِ على خصائِصها العُمرانِيةِ التُراثية، بحيث لا ترتفعُ فيها ناطحاتُ سحابٍ تحجِبُ النظرَ عن أشجارِ النخيلِ الزاهيةِ في الأُفُقِ ، أو عن كُثبانِ المدينةِ الرملية الذهبية، وعن تضاريسَ جبل حفيت الشاهقة.
وأضاف " حرِصَ كذلك رحِمَه الله على حِمايةِ واحاتِ العين الرئيسةَ ومواقِعَها الأثريةَ في قُراها المتناثرةِ، من تداخل التوسعِ العمراني الحثيث داخلَ تلك الواحاتِ والمواقع. هذا الحِرصُ على مُراعاةِ التُراثِ الحضري برُغمِ سُرعةِ وتيرة التغيير والنمو في جميع المرافقِ والبُنى التحتية دفع بمنظمةِ الأمم المتحدةِ للتربيةِ والعلوم والثقافة اليونسكو لِادراجِ المدينةِ في التاسعِ وعشرين من حزيران 2021 على لائحةِ مواقعِ التُراثِ الإنساني العالمي.
وذكر معاليه ان اختيارُ مدينةِ العينِ، أتى كما خطَّطَ لها الشيخ زايد، واستمرَّ على نهجهِ صاحبُ السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله ، وصاحبُ السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وسمو الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان ممثل الحاكم في منطقة العين ، حفظهم الله جميعا، لتُمَّيزَ المواقعَ الثقافيةَ فيها، وبشكلٍ خاص الأهميةَ الجيولوجيةَ والأثريةَ والتاريخيةَ لجبلِ حفيت، وحضارةِ هيلي، وبِدِع بنت سعود، ومناطق الواحات، ونظامُ الأفلاج، التي تعطيها الكماليةَ والتنوعَ التي يُصعَب تواجِدَها في مواقعَ أخرى من هذا النوع في العالم.
وأوضح أن الشيخ زايد رحِمَه الله , هو أولَّ من تجولَ في تلك المواقعِ وحدد حيثيات مواقعِ الحضارات القديمة لبعثاتِ الآثار في خمسيناتِ القرنِ الماضي أثناءَ تِرحالِه الدائمِ في صباه في كلِّ المناطقِ المحيطةِ بالواحات، في رحلاتِه الدؤوبة للاطلاعِ على شئونِ شعبِهِ وللقنص والاستكشاف.. وأذكرُ أن بعثةَ اليونسكو التي أتت بدعوة من هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث لِتُقيّمَ مدينةَ العين كموقعٍ مرشحٍ على لائحةِ الُتراثِ الإنساني أبلغت المسؤولينَ آنذاك أن المدينةَ بأكَملِها عبارةٌ عن مُتحفٍ حضاري وثقافي.
كما وعملَ الشيخ زايد رحِمَهُ الله وغفر له على إنشاءِ أولَ مدينةِ العابٍ عالمية كموقِعِ ترفيهٍ مثالي، وأولَ حديقةَ حيوانات، وأولَ مُتحف أثري أمرَ دائرةَ الثقافة بالإمارة آنذاك- وكنتُ أعملُ فيها، ببِنائِهِ في العام 1971 هو "متحفُ العينِ الوطنيِّ" الذي يقعُ بالقربِ من قلعةِ الشيخ سلطان، وهوَ أقدمُ مُتحفٍ في الدَّولةِ وأرادهُ أن ينقسمَ إلى قسمين رئيسيين هما "قسمُ لآثار" الذي يقدمُ للزائرِ نبذةً شاملةً عن عاداتِ وتقاليدِ البلادِ، كما يحكي تاريخَ أوائلِ النَّاسِ الذينَ سكنًوا المنطقةِ قبلَ أكثرِ من 8000 عام . وقِسْمٌ آخرٌ يستعرضُ تاريخَ حَقبةِ ما قبلِ النِّفطِ، وعرضاً لمهنةِ صيدِ السَّمكِ، والغوصِ بحثًا عن اللؤلؤِ، بالإضافةِ إلى عرضٍ للآلاتِ الموسيقيةِ والمشغولاتِ الفنيةِ.
وذلك كلُهُ قبل أن تنتهي اعمالُ الُبنى التحتية التي كانت المدينةُ بأشد الحاجةٍ اليها، ايمانا منه بأن المرافقَ الاجتماعيةَ والحضريةَ والثقافيةَ، التي تُعنى براحةِ المواطنِ والزائر، وتُحافِظُ على الثرواتِ الطبيعية والبيئية، وتُعَّرِفُ المواطنَ والزائر بتُراثِ الوطن، يجِبُ ان تكونَ أيضا في اعلى مراتبِ اولوياتهِ. واذكرُ كيف انَّه كان يحرِصُ رحِمَهُ الله منذ سبعينات القرن الماضي ان نُرافقَ جميعَ زُوّارِ الدولةِ من الملوكِ ورؤساءِ الدُولِ وكِبارِ المسؤولينَ الى مدينةِ العين كجزءٍ رئيس من برامجِ زياراتِهم الرسمية.
واكد معاليه ان اهتمامُ الشيخ زايد رحِمَه الله بالزراعةِ وبشجرةِ النخيل، وحِرصُه على مُحاربةِ التصحرِ، وتوسيعِ الرُقعِ الخضراءِ، والعملُ على تحقيقِ الأمنِ الغذائي، مع المحافظةِ على البيئة، أصبحت اليومَ جزءا لا يتجزأ من الذاكرةِ الشعبية لدولةِ الإمارات، وهو نهجٌ يسيرُ على هُداه الجيلُ الحالي من قيادَتِنا الرشيدة.
وفي الختام قال معالي زكي نسيبة " لا أستطيعَ أن أنهي مداخلَتي حول أثر العين في التطوير الفكري للشيخ زايد رحمه الله دونَ أن أتطرقَ إلى الحديثِ حول رؤيتِه للتعليم.
لقدْ قَطعَ المغفورُ لهُ الشَّيخ زايد على نفسهِ عهداً بأنْ يكونَ التعليمُ كالماءِ والهواءِ، فالتعليمُ في فِكرِ المغفورِ لهُ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كانَ نافذةً وعَتَبةً مُهمةً مِنْ عتباتِ الثَّقافةِ والفِكْر، وقد أصرَّ على التَّعليمِ الإجباريِّ والمجانيِّ مِنَ الرّيفِ إلى الحَضَرِ، واستطاعَ خلالَ 30 عامًا أنْ يمحوَ الأميةَ بالكاملِ في دولةِ الإماراتِ.
وكانَ التَّعليمُ العالي بِمفهومِهِ الحاليِّ هوَ الآخرُ حُلُماً بعيدَ المنالِ، ولمْ يَكُنْ هناكَ خيارٌ أمامَ القائِدِ الذي اختارَ العُلا طريقاً ومنهجاً لبناءِ شعبهِ على أُسُسٍ حضاريةٍ عريقةٍ إلاّ أنْ يٌدشِّنَ جامعةَ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ، ففي سُيوحِ منطقةِ عودِ التوبةِ بالعينِ اختار زايدٌ تلكَ البقعةَ لأنْ تكونَ مَركزاً للإشعاعِ الحضاريِّ والفِكري على صعيدِ الدولةِ والمنطقةِ بلْ والعالمِ، كانَ يؤمنُ بأنَّ جامعةَ الإماراتِ ستكونُ قاطرةَ التَّنميةِ البشريةِ في الدَّولةِ، وهيَّأَ الشيخُ زايد لهذهِ الجامعةِ أسبابَ النَّجاحِ، بلْ شَرّفها بأنْ حدَّد رسالتَها وأهدافهَا بنفسهِ، وأكَّدَ على أنَّها جامعةٌ عربيةٌ إسلاميةٌ تغرسُ القيمَ وتُعزِّزُ ثوابتَ الأمة، وتصقُلُ قدراتِ الشَّبابِ، وتُكسبهُم مهاراتِ العصرِ، وتؤهلُهُم لِخدمةِ مجتمعِهِم.
وختم قائلا "ندعو العلي القدير أن يسددَ خُطانا لكي نسيرَ على نهجِ زايد في مدينة العين وفي جامعتِه العتيدة التي أتشرفُ اليومَ برِئاستها لُنكمِلَ معكم رسالتَهُ الخالدة وأشكركم على حسنِ الاستماع "