محطات من حياة محمد بن عبد الله العمران رجل الصناعة و التجارة

محطات من حياة محمد بن عبد الله العمران رجل الصناعة و التجارة


كانت المحطة الأولى في حياة المرحوم محمد بن عبد الله العمران هي في بيت والده المرحوم عبد الله بن عمران بن أحمد، تاجر اللؤلؤ المعروف، والذي حاز على ثقة أهل الجزيرة الحمراء في إمارة رأس الخيمة، فكانوا يضعون أماناتهم عنده، ويقصدونه لاستشارته بمشاكلهم الأسرية والتجارية، وكانت حكمة والده، وصبره على الناس، أول خطوات التعلم في حياته. وفي الثانية عشرة من عمره بدأ أولى خطواته التجارية، حيث افتتح أول محل تجاري في الجزيرة الحمراء برأس الخيمة، وكان هذا العمل محصوراً يوم ذاك بالإيرانيين القادمين من بر فارس، فتعلم بذلك مهنة البيع والشراء، وكيف يسجل الأرقام في دفتر صغير، في وقت كان العلم عصيا، والمتعلم محظوظاً ومقدرا ممن حوله.

إلى دبي
انتقل بعد ذلك إلى دبي، وكان الخور وقتها قلب التجارة، فتتراص المحلات جنباً إلى جنب، وكان مجال تجارته في الملابس الشتوية، وكان جيرانه في المحلات المجاورة، من أصحاب الأسماء اللامعة اليوم في عالم التجارة مثل العويس والرستماني والحبتور وغيرهم. فلم يكن الأمر سهلاً لمزاولة العمل بنجاح، والتجارة تتطلب طاقة، وتفرض منافسة، وعلاقات تمتد إلى كل مكان، وكانت سيارته «الجيب» الخضراء فرصتهُ لمساعدة أصحاب المشاوير ليقدم لهم يد العون، وإلى كل من يحتاج لمساعدته.

إلى الكويت
كانت محطة الكويت المنعطف الأهم في حياته، حيث قصدها لدراسة اللغة الإنكليزية والمحاسبة والسكريتاريا، كما افتتح في منطقة الصباح محلاً تجارياً، وكانت التجربة ثرية في مسيرة حياته من حيث قراءاته للكتب، وما تعلمه في المعهد المسائي. إضافة إلى محله التجاري الصغير، فتراكمت لديه التجارب، وتعززت علاقاته  مع الناس بمن فيهم من التجار والمفكرين والمثقفين المناهضين للاستعمار و المتغنين بالقومية العربية، و كانت المشاعر متأججة ضد المستعمر، و لكل معاد لمصالح الأمة العربية.

العودة إلى الإمارات
وفي أوائل الستينيات، عاد إلى أرض الوطن، وباشر بتأسيس شركة المقاولات الثانية على مستوى الإمارات، كما بدأ يتعاون مع المرحوم علي بن عبد الله العويس. و توالت الأعمال تباعاً و كبرت شركة المقاولات، فكانت أول شركة تقوم ببناء المدارس ما بعد تأسيس الاتحاد العام1971 . وكانت دولة الإمارات في ذلك الوقت في أوج انتعاشها مع  اكتشاف البترول والاستقلال عن المستعمر الإنكليزي.

في عالم الصناعة
في العام 1973 أسس المرحوم محمد عبد الله العمران أول مصنع للحديد في الدولة، وكان المصدر الأساسي لكل أعمال البناء والعمرانُ على مستوى دولة الإمارات كلها. ثم تبعه مصنع مرطبات الاتحاد، وقد اختار له هذا الاسم لإيمانه و قناعته بالاتحاد، مستبشراً بمستقبل دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك في العام 1976 ،و كان أول مصنع مرطبات في الدولة. وتبع ذلك إنشاء مصنع الأنتربلاست، وكان أول مصنع من نوعه في الدولة متخصصا بصناعة البلاستيك، الأمر الذي كرس قناعته بأن الصناعة هي شريان الاقتصاد الحيوي لكل دولة، وأن الزخم الصناعي كان ينبغ لديه من يقينه بأن الصناعة لا تفشل، وأن استمرارها وتطورها يعني ديمومة الحياة، وبخاصة أن العمل لديه كان يعتبر إكسير حياته. وكان يحث من حوله كذلك على أن يبدؤوا أعمالهم ويشجعهم ويساعدهم بكل ما في وسعه.

إلى إفريقيا
وكانت محطة إفريقيا هي الأحب إلى قلبه، لاكتشافه الكثير من المعالم في تلك القارة التي كانت لا تزال مجهولة لدى الكثيرين، فكان يشعر باكتشافه لعالم جديد. فمن تنزانيا إلى زنجبار، ومن كينيا إلى موزمبيق، يتنقل في ربوع القارة السمراء ليواصل عمله فيها فتتحول مزارعها إلى فرص أعمال لأهلها. ستون عاماً من العمل، والمرحوم محمد عبد الله العمران يتقدم ويرتقي بدرجات نتاجه، فيمسك بيد من هم في حاجة إليه، فيصحبهم معه إلى ما هو أعلى وأفضل وأنجح بلا كلل ولا ملل، فكان صمته الملحوظ صدى لشغفه بتعلم الجديد، والقيام بالرحلات، وحب الاطلاع، ومعرفة المستجد. ومع كل صخب حياته وزخم أعماله، وضجيج الأصوات من حوله، كل ذلك لم يمنعه من تكريس حبه المتميز للجزيرة الحمراء لتكون محطته الأخيرة كما كانت محطته الأولى، ليجاور والديه وإخوانهم رحمهم الله جميعاً .­­­ ولعل الندم كل الندم بأننا نحن أبناؤه لم نوثق الكثير من الأحداث، التي عاصرها بوعيه وتجربته الخاصة، وعمق تحليله للتداعيات وقتها... لقد كان رجلاً من طراز مختلف سبق عصره بقناعات تؤكد صحة وجهة نظره اليوم... رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.