ضمن ندوة عالمية نظمها مركزا تريندز وموشيه ديان بعنوان: الاتفاق الإبراهيمي

مشاركون: الثقافة والإعلام والتعاون التنموي والتكنولوجي تُعضد اتفاقات السلام والتسامح في الشرق الأوسط

مشاركون: الثقافة والإعلام والتعاون التنموي والتكنولوجي تُعضد اتفاقات السلام والتسامح في الشرق الأوسط

احتفاءً بمضي عام على توقيع الاتفاق الإبراهيمي بين دولة الإمارات العربية والمتحدة ودولة إسرائيل، وفي إطار سلسلة الفعاليات العلمية والمعرفية، نظم "مركز تريندز للبحوث والاستشارات"، بالتعاون مع "مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا"، التابع لجامعة تل أبيب، ندوة عالمية حملت عنوان: "الاتفاق الإبراهيمي.. فرص تعزيز التعاون والتسامح والتنمية في المنطقة"، وذلك الأربعاء الماضي في قاعة رايا وجوزيف جاغلوم بجامعة تل أبيب.
وشاركت صحيفة "الاتحاد" كشريك إعلامي واستراتيجي لمركز "تريندز" في الندوة، التي جاءت دعماً لاستحقاقات السلام؛ وشملت ثلاث جلسات نقاشية هي: "دور الثقافة في تعزيز قيم التسامح والحوار"، و"دور الإعلام في تعزيز السلام والأخوة الإنسانية"، و"آفاق التعاون في التنمية والتكنولوجيا".
وأكد المشاركون في الندوة أن اتفاقات السلام بين الدول العربية وإسرائيل تؤسس لشرق أوسط جديد، خالٍ من الصراعات والنزاعات التي لا تخدم سوى قوى التطرف والإرهاب، كما يدعم التعاون تطلعات شعوب المنطقة في الأمن وإشاعة قيم التسامح والعيش المشترك، موضحين أن الثقافة والإعلام والتعاون التنموي والتكنولوجي تُعضد اتفاقات السلام وتعزز الازدهار والتنمية.

سعادة محمد آل خاجة:  التنمية لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل سلام مستدام
وافتتح أعمال الندوة سعادة محمد محمود آل خاجة، سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى إسرائيل، حيث ألقى الكلمة الرئيسية للندوة، وأكد فيها أن دولة الإمارات العربية المتحدة تؤمن إيماناً راسخاً بأن تحقيق التنمية والازدهار والتقدم لا يمكن أن يتم إلا في ظل السلام المستدام، الذي يبني الثقة بين شعوب المنطقة، ولا سيما الشباب منهم، ويؤسس لقاعدة من التفاهم البنّاء والمصالح المشتركة التي تقنع الأطراف كافة بأن العيش المشترك يخدم مصالح الجميع.
وأوضح سعادة محمد آل خاجة أن اتفاق السلام الإبراهيمي يتسق مع رؤية الإمارات وقيادتها لتحقيق التسامح والتعايش بين الدول والشعوب؛ فأحد أولويات الإمارات يتمثل في توسيع مجتمع التعايش السلمي، مضيفاً أن الوصول إلى المستقبل المشرق الذي تنشده شعوب المنطقة يتطلب تضافر الجهود لتحقيقه بالتركيز على استثمار الفرص الإيجابية، إلى جانب التركيز على التعاون الثنائي بين الإمارات وإسرائيل القائم على الإبداع والابتكار في إطار الإيمان بتعددية الثقافة التي تعود بشكل إيجابي على المجتمعات.
وتقدم سعادة محمد آل خاجة بالشكر إلى مركزي "تريندز" و"موشيه ديان" على عقد هذه الندوة التي تعكس فهماً جيداً لما يجب أن تقوم به مراكز البحوث في تعزيز قيم التسامح والتعاون بين الدول، فبناء السلام وتحقيق الازدهار والرفاهية والمكاسب المشتركة بحاجة إلى تعزيز الثقافة الداعمة لهذه القيم.

د. محمد العلي: الاتفاق الإبراهيمي رسم ملامح جديدة لمستقبل الشرق الأوسط
بدوره، قال الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لـ "مركز تريندز للبحوث والاستشارات"، في الكلمة الترحيبية للندوة، إن مشاركة فريق "تريندز" في رحاب جامعة تل أبيب تجسيد واضح لثمار الاتفاق الإبراهيمي الذي رسم ملامح جديدة لمستقبل شرق أوسط أكثر رغبة في تحقيق السلام والاستقرار عبر التعاون والحوار البنّاء.
وذكر أن هذه الندوة تهدف إلى بناء سلام مستدام قائم على أسس قوية من التفاهم والتعايش المشترك وضمان الحقوق المشروعة للأطراف كلها، مضيفاً أن الاتفاق الإبراهيمي يمثل واحداً من أهم التحولات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط منذ عقود، حيث يؤسس لعهد جديد من التعاون البنّاء والأمن والتنمية والازدهار.
ونوّه بأن تنظيم هذه الندوة بالشراكة مع "مركز موشيه ديان" يأتي انطلاقاً من قناعة "تريندز" بضرورة أن تضطلع مراكز الفكر والدراسات بدورها المهم في إرساء مُثل السلام والتسامح والتعايش بين مختلف الشعوب والثقافات، باعتبارها الأساس في تحقيق السلام والازدهار في هذه المنطقة والعالم، ودعم الجهود الرامية إلى ترسيخ أسس السلام.
وأوضح الدكتور محمد العلي أن هناك عوامل عدة مثل: الثقافة، والإعلام، والمصالح الاقتصادية المشتركة، تلعب أدواراً مهمة لضمان تحقيق السلام المستدام، ووضع قواعد صلبة تحميه من أي هزات، فالعمل على التقريب بين الثقافات وتعزيز الحوار الثقافي والحضاري الذي يساعد في فهم كل طرف لثقافة الطرف الآخر، ويخلق أجواء من قبول الآخر والتعايش معه، وبالتالي يعزز من فرص السلام.

عوزي رابي: الارتقاء بالسلام يحتاج إلى إحداث تغيير في ثقافة الشعوب وفكرها
من جانبه، أكد البروفيسور عوزي رابي، مدير مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، أنه يجب أن تتجاوز الشعوب العلاقات بين الحكومات لتصل إلى علاقات قوية تستطيع الارتقاء بالسلام في منطقة الشرق الأوسط، فمن المهم أن يحدث تغيير في ثقافة الشعوب وفكرها، كما علينا أن نبني جسوراً أفضل للتواصل والتعاون والتسامح والتعايش.
وأوضح أن التسامح واحترام الآخر ومواجهة التطرف، خاصة من قِبل هؤلاء الذين يتسببون في الاضطرابات لإسرائيل ودولة الإمارات، كلها أمور مهمة لتحقيق السلام بين البلدين، مضيفاً أن التعليم يلعب دوراً كبيراً في نشر ثقافة الحوار واحترام الآخر.
وأضاف عوزي رابي أن الندوة تمثل خطوة مهمة إلى الأمام في اتجاه إقامة سلسلة من التعاون المستقبلي، بينما يلعب الدكتور محمد العلي ومركز "تريندز" دوراً فعالاً في تعزيز حوار السلام في المنطقة.

ميليت شامير: المبادرات الإماراتية - الإسرائيلية تبلورت إلى تعاون فعال ونشط
إلى ذلك، قالت البروفيسور ميليت شامير، نائبة الرئيس للشؤون الأكاديمية الدولية بجامعة تل أبيب، إن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين مركز "تريندز" وجامعة تل أبيب، حيث تحرص المؤسستان بطبيعتهما على التصدي للتحديات الرئيسية التي تواجه المجتمعات والعالم بأسره، كما تلتزمان ببناء شراكات دولية قوية وتعزيزها على المستويين الإقليمي والعالمي.
وذكرت أنه من الواضح أن الاتفاق الإبراهيمي استثار الفضول، وسرعان ما تحولت التطلعات البناءة إلى اتصالات بين الإمارات وإسرائيل، وبدأ عدد من المبادرات يتبلور بالفعل إلى تعاون فعال ونشط، وكانت المبادرة الأولى في مجال بحوث المياه التطبيقية، ويأمل الجانبان أن يؤدي هذا التعاون إلى إنشاء مركز لبحوث المياه، وتتعلق الثانية بخطط إنشاء أكاديمية لبحوث الشيخوخة.
وأضافت: "ما يعزز إمكانيات مثل هذه المشروعات التعاونية البحثية الطموحة هو تحويلها إلى إطار أوسع يقوم على التبادل البنّاء للأفكار".

الجلسة الأولى: دور الثقافة في تعزيز قيم التسامح والحوار
وعقب ذلك، انطلقت جلسات الندوة، وحملت الأولى عنوان: "دور الثقافة في تعزيز قيم التسامح والحوار"، وأدارها البروفيسور عوزي رابي، مدير مركز موشيه ديان، واستهلها الباحث والكاتب الإماراتي محمد خلفان الصوافي، قائلاً إن المنطقة بقيادة دولة الإمارات العربية المتحدة شهدت العديد من التطورات الثقافية التي أدت إلى طرح رؤية جديدة في فهم الآخر، وبالتالي التخفيف من التوترات الدينية والطائفية.
وذكر أن الاتفاق الإماراتي- الإسرائيلي قاد إلى عدد من اتفاقات السلام مع دول عربية أخرى، وسجلت مرحلة جديدة في منهج تفكير صناع القرار السياسي في المنطقة في كيفية معالجة الخلافات والأزمات بين دول المنطقة، وذلك من خلال الاستناد إلى المقاربة الثقافية.
وأوضح أن التحركات الإنسانية الإماراتية الخارجية تعد مفتاحاً دبلوماسياً ناجحاً لخلق حوار بين السياسيين وبالتالي تحسين التفاهم بين الشعوب، من أجل تطوير خطط التنمية وتنويع الاقتصادات للوصول إلى الهدف النهائي وهو: معالجة أزمات المنطقة، وتحقيق العيش المشترك.
إلى ذلك، أشارت الدكتورة ليورا هيندلمان – بافور، مديرة مركز التحالف للدراسات الإيرانية بجامعة تل أبيب، إلى أنه لا توجد بين إيران وإسرائيل حدود مشتركة، ولم يخض البلدان حرباً بينهما، ولا توجد لأحدهما مطالب في أراضي الآخر، ومع ذلك، خاضت إسرائيل وإيران على مر العقود الأربعة الماضية "صراعاً منخفض الحدة"، ولكن ترتبط العلاقات بينهما بأحداث وروابط رئيسية في التاريخ اليهودي - الإيراني.
وتابعت: "يمكن لهذه الروابط التاريخية والثقافية أن تكون بمنزلة لَبِنات مهمة في تجاوز الانقسامات المعاصرة بين شعبيْ هذين البلدين العريقين على خلفية مبادرات ثقافية غير رسمية".

الجلسة الثانية: دور الإعلام في تعزيز السلام والأخوة الإنسانية
أما الجلسة الثانية من الندوة، فجاءت تحت عنوان: "دور الإعلام في تعزيز السلام والأخوة الإنسانية"، وأدارتها الدكتورة ليورا هيندلمان-بافور، مديرة مركز التحالف للدراسات الإيرانية بجامعة تل أبيب.
واستهل أعمال الجلسة الأستاذ حمد الكعبي، رئيس تحرير صحيفة "الاتحاد"، موضحاً أن الإعلام كان ولا يزال سنداً وداعماً لخطوات كبرى اتخذتها الإمارات تجاه العالم، بهدف صون السلم وبث روح التسامح والانتصار للاعتدال والوسطية.
وأكد الكعبي أن الإعلام بمؤسساته ومنصاته وكوادره يستطيع نشر ثقافة التسامح والسلام، بمد جسور الحوار والتواصل مع الآخر بتنوعاته الدينية والثقافية كلها، وبث التوعية، وتوضيح الحقائق، وتحصين الناشئة ضد خطر الانغلاق والتطرف، والتحرك بإيجابية نحو تنشئة أجيال تدرك معنى السلام وأهميته.
وشدد على أن الإعلام قادر على سرد تجارب التواصل والتعايش والحوار الإنساني، كما بمقدوره تنشئة الجماهير على ثقافة الانفتاح والتواصل الإنساني مع الآخر، ويستطيع غرس فكرة (عالم واحد) و(مستقبل إنساني مشترك) في مقاربته للقضايا والتحديات العالمية أيضاً.
من جانبه، قال نطع ليفنه، رئيس تحرير صحيفة "يديعوت أحرونوت": "أعتقد أن وسائل الإعلام لعبت دوراً محورياً في تسهيل اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل، لأن الصحافة هي التي مكنتني من كتابة مقال موجه للجمهور في الإمارات.
وذكر: "أتاح لنا اتفاق السلام فرصة لنشر أخبار مشجعة ومتفائلة، وقبل عام، كنا لا نزال نأمل أن يأتي شعب الإمارات لزيارة العديد من المواقع الطبيعية الجميلة، مضيفاً: "قبل عام كانت فكرة وجود إسرائيلي يحتسي فنجاناً من القهوة في دبي تبدو وكأنها حلم بعيد المنال، ولكن الآن تحققت الأحلام".
وفي السياق ذاته، أوضح الدكتور نير بومز، زميل باحث لدى مركز موشيه ديان أن سوق الإعلام الحديث أصبح يتسم بمزيد من التعقيد في ظل الظهور السريع لمنصات الإعلام والتواصل الاجتماعي الجديدة، وبقدر ما يتعلق الأمر بالسلام في الشرق الأوسط، لا تزال منصات تقليدية وحديثة تناهض فكرتيْ السلام والأخوة الإنسانية، مضيفاً أن الظواهر المعاصرة للجماعات الإرهابية المتطرفة استفادت من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي. وأضاف: "يُفترض أن نضع هذه الأمثلة المتطرفة نصب أعيننا عند التصدي للتحديات الماثلة أمامنا، والمتمثلة في كيفية بناء زخم إعلامي إيجابي عبر المنصات المختلفة بما يخدم مشروع بناء السلام في الشرق الأوسط".

الجلسة الثالثة: آفاق التعاون في مجالات التنمية والتكنولوجيا
بينما جاءت الجلسة الثالثة تحت عنوان: "آفاق التعاون في مجالات التنمية والتكنولوجيا"، وأدارها الدكتور ستيفن بلاكويل، المستشار العلمي، مدير إدارة الدراسات الاستراتيجية في "تريندز".
واستهلت اليازية الحوسني، مديرة إدارة الإعلام في "تريندز"، أعمال الجلسة الثالثة، مؤكدة أن الإمارات وإسرائيل رائدتان في مجال التكنولوجيا النظيفة الناشئة؛ حيث تتبوأ إسرائيل المركز الثاني من حيث أحدث نتائج مؤشر الابتكار العالمي للتكنولوجيا النظيفة، بينما تُعتبر الإمارات رائدة عالمياً في مجال الطاقة المتجددة.
وذكرت الحوسني أنه بالنظر إلى توافر آفاق الربط بين شبكات الطاقة الكهربائية وتطوير أسواق الغاز الطبيعي، تنطوي الشراكة بين الإمارات وإسرائيل على إمكانات بناء شرق أوسط أكثر مراعاة للاعتبارات البيئية، وتستند هذه الشراكة إلى القدرات التكنولوجية لدى إسرائيل والمكانة المرموقة عالمياً التي بلغتها الإمارات في مجال الحياة الحضرية المستدامة.
وتابعت: "في اعتقادي، سيساعد الاتفاق الإبراهيمي في تعزيز التعاون التكنولوجي والتنمية الاقتصادية بين الإمارات وإسرائيل، والأهم من ذلك، يمكن للشراكة بين البلدين أن تضطلع بدور كبير في المضي قُدُماً بالتنمية التكنولوجية المستدامة في منطقة الشرق الأوسط بأسرها".
عقب ذلك، قدمت كسينيا سفيتلوفا، مديرة برنامج العلاقات بين إسرائيل والشرق الأوسط في المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية مداخلتها في الجلسة، موضحة أن العوامل المشتركة التي تشكل أرضية للتعاون العلمي والأكاديمي بين الإمارات وإسرائيل تجعل هذا التعاون يكتسب أهمية استراتيجية كبيرة للبلدين.
وشددت على أهمية التعاون الأكاديمي وتطوير العلاقات بين المراكز البحثية وبرامج التبادل ونقل المعرفة، فهذه البرامج مشروعات طويلة الأجل يشارك فيها الشباب وتجمع الخبراء والعلماء وتساعدهم على تبادل الآراء والوصول إلى نتائج أفضل.
وشارك في الجلسة الثالثة أيضاً الدكتور بول ريفلين، زميل أول في مركز موشيه ديان، الذي سلط الضوء على آفاق التعاون والتنمية في أعقاب توقيع الاتفاقات الإبراهيمية، وتحدث عن النظام الإيكولوجي وأثر البيئة على الشركات في الإمارات وإسرائيل.
ونوه بأن مؤشر الابتكار العالمي يشير إلى أن الإمارات تتبوأ باستمرار مكانة أعلى من إسرائيل من حيث مؤسساتها وبناها التحتية، بينما تبلي إسرائيل بلاء حسناً على صعيد الابتكار والإنتاج القائم على التكنولوجيا المتطورة، ما يعني وجود أوجه تكامل بين هذين الاقتصادين يمكن أن تشكل أساساً للتجارة والاستثمار.

أفكار ورؤى قيمة
وأسدلت اليازية الحوسني، مديرة إدارة الإعلام في "مركز تريندز للبحوث والاستشارات"، الستار على جلسات الندوة، ملقية الكلمة الختامية لـ "تريندز" التي أكدت فيها أن الندوة حملت الكثير من الأفكار والرؤى القيمة التي تخدم وتدعم وترسخ أسس السلام المستدام الذي تنشده شعوب المنطقة.
وأشارت الحوسني إلى أن الندوة حملت الكثير من الأفكار والتصورات التي تستهدف تعزيز دور الثقافة والحوار الثقافي كمدخل لفهم كل طرف للآخر، كما استعرضت العديد من الآراء التي تؤكد محورية الإعلام في التصدي لخطاب الكراهية، والتركيز على بناء أجواء الثقة والحوار والتواصل بمنظور إنساني.