خلقت لنفسها مساحة آمنة تفرض بها شخصيتها وموهبتها

(من الشغف إلى المقاومة).. دلال عبد العزيز تجربة فنية استثنائية

(من الشغف إلى المقاومة).. دلال عبد العزيز تجربة فنية استثنائية

ربما يكون الجمال عنوانًا لرحلة النجاح لدى البعض، إلا أن الفنان الراحلة دلال عبد العزيز، خلقت لنفسها مساحة آمنة تفرض بها شخصيتها وموهبتها؛ حيث بدأت رحلتها من الصفر من خلال العمل بالمسرح (أبو الفنون)، لتقف أمام عمالقة من أزمنة وأجيال مختلفة.

السطور الماضية ترسم باختصار شديد رحلة الفنانة دلال عبد العزيز، (رحلة) الموهبة والعطاء للفن من البدايات وحتى آخر نفس، كما ظهرت على الشاشة في رمضان الماضي من خلال مسلسل (ملوك الجدعنة) قبل أن يصيبها فيروس كورونا، الذي أصابها قبل 3 شهور.
لم تكن محطات النجاح في رحلة دلال عبد العزيز (عادية)، بل يمكن التوقف عند عناوين عريضة فيها رسمت ملامح تجربتها الفنية على مدار أكثر من أربعين عامًا، وكانت فيها دائمًا قريبة من مزاجية الجمهور الذي أحبها وأرتبط بها منذ البدايات، وإذا تطرقنا للرحلة منذ البدايات فيمكن ترتيبها على النحو التالي.

الشغف
من يأتي زاحفًا من قريته (ديرب نجم) بالشرقية، باحثًا عن الفن وأهله من المؤكد أنه عاشق ومتيم بهذا المجال، فالشغف هو الذي يقود صاحبه لتحقيق حلمه، وأختارت الراحلة أن تبدأ خطواتها من أصعب الطرق والأبواب (المسرح)، فمن يبدأ الرحلة منه يستطيع التنقل بين شخصياته بسلاسة وتلقائية في الأداء من جانب، ومن جانب آخر يفرض لذاته طرقًا خاصة في الأداء.
وبالفعل نجحت دلال عبد العزيز، في مزج أكثر من نوع من مدارس التمثيل الشهيرة، معتمدة على (الأسلوبية) في خلق ورسم مشاعر خاصة للشخصية التي تقدمها، وبين (التشخيص) في التقمص بإحترافية وإتقان على الشاشة.

التحدي
هنا رفعت الراحلة شعارًا جديدًا في رحلتها الفنية ربما منذ البدايات، عندما أختارت أن تقف أمام عملاقة الوسط الفني وأصحاب الرصيد والخبرة الطويلة، وتفرض شخصيتها وأداءها وكأنها في تحديًا واضحًا أمامهم، فقد بدأت دلال عبد العزيز، بالوقوف مع المخرج نور الدمرداش لأول مرة في مسلسل (بنت الأيام) عام 1977، أمام الفنان القدير محمود مرسي وكريمة مختار ونعيمة وصفي، ثم واصلت رحلة البدايات بالوقوف أمام ثلاثي أضواء المسرح (سمير غانم، جورج سيدهم، الضيف أحمد) في مسرحية (أهلًا يادكتور)، فؤاد المهندس في (هالة حببتي)، فريد شوقي في (يارب ولد) وآخرون.
وفي رحلة البدايات، نجحت دلال في اختبار (النفس الطويل)، ما يعني العمل مع خبرات ومزاجية نجوم ربما لم يكن من السهل المرور أمامهم، تأكيدًا منها في حبها برحلة الشغف والتعلم والتحدي لصناعة البصمة الفنية.

الانتشار
ليس أمرًا سهلًا أن تنتشر ولكن لكلًا أسلوبه وطريقته، خرجت دلال عبد العزيز، إلى الساحة الفنية في توقيت شديد الحرج، يتمثل في تخبط على جميع المستويات، فعلى مستوى المسرح كان قد بدأ بالفعل في التراجع عن سابق زهوه في مرحلة الستينات من القرن المنصرم، كما كانت السينما المصرية تعيش أسوء أوضاعها فيما يطلق عليه بمرحلة (سينما المقاولات) التي أتخذت من عقود نهاية السبعينيات والثمانييات وحتى منتصف التسعينيات قسطًا ليس بقليل، تندرج، لكن رغم ذلك فقد أتخذت دلال على عاتقها التمسك بالأفضل، فأختارت أن تقدم مجموعة من الأعمال السينمائية المميزة برغم قتامة المشهد أبرزها: «بئر الخيانة» مع نور الشريف وعزت العلايلي، (بيت القاضي) مع نور الشريف وفاروق الفيشاوي، (إنقاذ ما يمكن إنقاذه) مع محمود يس، (عشماوي) مع فريد شوقي وغيرها، وصولًا إلى (النوم في العسل) أمام الزعيم عادل إمام، (أسرار البنات) مع المخرج مجدي أحمد علي والذي أثار جدلًا واسعًا في الرأي العام.

لكن النجاح الحقيقي في تجربة دلال عبد العزيز الفنية بهذه المرحلة يكمن في (التلفزيون)، الذي صنع لها العلاقة الوطيدة مع المشاهد، خصوصًا وأن ما كان يتم إنتاجه في مرحلتي منتصف الثمانيات والتسعينات يحمل علامات خاصة في رصيد أصحابه.
وأبرز محطات الراحلة هنا لاشك أنها كانت على يد الملحمة الشهيرة (ليالي الحلمية) بأجزائها ونجومها المتعددين، بخلاف مسلسلات: (لا) أمام الفنان يحيى الفخراني والذي يعد واحدًا من كلاسيكيات الدراما المصرية، ويبقى الأبرز في ذاكرة المشاهد نظرًا لرحلة الحب والظلم التي جمعت بين بطلي العمل، (الناس في كفر عسكر) مع الفنان صلاح السعدني، وشخصيتها المثيرة للجدل به (فطوم) ذو الشعر الأصفر الفاقع والملامح الشرسة وصاحبة الخطط والمؤامرات.

ورغم تعددية أدوار دلال عبد العزيز في الدراما التلفزيونية على مدار عقدين تصدرت فيهم المشهد (التسعينات والعشر سنوات الأولى من الألفية الجديدة) لكن تعود الراحلة وتخطف الأنظار والإعجاب مجددًا لها قبل أربع سنوات من خلال مسلسل (سابع جار) وشخصيتها (لمياء) التي قدمت فيه شخصية الأم المصرية من الجيل الوسطي التي لا تزال تقف عند مرحلة معينة من الزمن لم تتجاوزه.

الاستمرارية
ربما تكون ناجح لكن كيف تستمر؟.. تساؤل ربما تكون إجابته صعبة إذا كنت في مكانة دلال عبد العزيز، فالزوج هو الفنان الراحل سمير غانم، صاحب الشعبية الكبيرة، أما هي من جيل نجمات لعل الكثيرون منهم أبتعد عن الشاشة، في حين كان الآبناء هم أصحاب النجومية والنجاح والشهرة الأبرز في السنوات الأخيرة، لذلك كانت النجمة في مأزق يحتاج مزيد من الاجتهاد والاستمرارية في الشغف، لذلك تنازلت عن مرض النجومية المطلقة الذي يصاب به الغير، وطوعت ذاتها لتكون حاضرة في أمزجة الشباب، فعادت للسينما لتشارك الجيل الجديدأعماله وكذلك بناتها على مستوى الأعمال التلفزيونية التي كانوا يقدمونها في كل عام.
الشهرة والنجاح والتقارب اللذان حققتهما الراحلة في السنوات الأخيرة بالعمل مع الشباب مثل أحمد حلمي، تامر حسني، أكرم حسني، شيكو، هشام ماجد وآخرون، لربما خلقوا لها تجدد مزيد من التجدد على صعيد أداءها الذي قارب مزاجية الشباب، بما يحمل التواصل مع جيل جديد وهو أمر ليس سهلًا بالمرة.

الأيقونة
كيف تصبح أيقونة للصداقة.. للوفاء.. للحب.. للاجتهاد بالعمل، جميعها أمور ربما ينجح البعض في أشياء منها لكن الراحلة نجحت في أن تكون رمزًا لكل هذه الكلمات، بداية من مفهوم الصداقة الذي كلمته بمحبتها لصديقاتها الراحلة رجاء الجداوي والفنانة ميرفت أمين مرورًا لأصحابها بالوسط الذين لم تتأخر مرة في تقديم واجب العزاء والدعم لأيًا منهم.كانت دلال نموذجًا أصيلًا يحتذى به في التمسك بالحب والشريك الذي خاضت من أجله معركة للفوز به بعد أن كان رافضًا للأمر، وباتت قصة الحب بينها وبين الراحل سمير غانم حديث الجميع خصوصًا في الفترة الأخيرة التي أعقبت مرضهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
أما عن الإجتهاد في العمل، فهو أمر أختارته الراحلة منذ البداية الرحلة، لكن أبرز ما تحوي عناوينه أنها أختارت أن تكون صاحبة (النفس المسالمة) ما يعني أنها اهتمت بالعمل على ذاتها ولم ترهق تفكيرها في الدخول في مهاترات مع زملاء أو البحث عن البطولة المطلقة المتفردة، اهتمت فقط بتطويع الأداء لتكون جزء من تركيبة شخصية السيدة المصرية التي عبرت عنها في جميع أعمالها.

المقاومة
أعلم أنا وآخرون ممن كانوا يرون الصديقات الثلاثة (دلال عبد العزيز، رجاء الجداوي، ميرفت أمين) مدى القرب والصداقة بينهم، فلم يكن الوجع الذي تركته الراحلة رجاء الجداوي بالأمر السهل على دلال عبد العزيز، وألتزمت الصمت والعزلة منذ الوفاة واكتفت فقط بالاستمرار في عملها الذي تحبه كنوع من المقاومة والإستمرارية.
لكن يبدو وكأن القدر فرض واقعه على الراحلة لتعيش تجربة صديقاتها المؤلمة بالمكوث في المستشفى عدة أشهر، بعد إصابتها بفيروس كورونا في إبريل الماضي، حاولت دلال عبد العزيز المقاومة من أجل بناتها، وزوجها الذي يبدو أنها شعرت برحيله في الأيام الأخيرة فأدركت أن الرحلة لن تكتمل إلا بوجوده وأختارت أن تلحق به متخلية عن المقاومة.
رحلت دلال عبد العزيز.. أيقونة المرأة المصرية البسيطة، صاحبة الوجه الريفي الأصيل، تركت خلفها تجربة فنية مليئة ومضيئة بالمحطات الهامة التي تستدعي التأمل والتوقف أمامها، ويبقى العزاء الوحيد في نجلتيها اللتان سيذكرونا دائمًا أنهم حقًّا عائلة فنية أصيلة أدخلت البهجة والمتعة إلينا جميعًا.

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot