من واشنطن إلى باريس.. أجندة ترامب تُربك ديمقراطيات أوروبا
فيما يسعى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في ولايته الثانية إلى ما تسميّه صحيفة «بوليتيكو» تسميم الثقافة السياسية العالمية، تمر أوروبا بنقطة تحول، بين إعادة تأكيد المُثُل التي تعهد بها الاتحاد الأوروبي أو ومواجهة التيار الاستبدادي المنبعث من الولايات المتحدة. وفي تعليقه على منع السياسية اليمينية المتطرفة الفرنسية، مارين لوبان، من الترشح للمناصب العامة، قال ترامب إنه «فضيحة القرن»، واعتبر أن لوبان تتعرّض لحملة اضطهاد، مقارنا ذلك بتحدياته القانونية، ومُصوّرا نفسه مرة أخرى على أنه الضحية.
وهنا، ترى «بوليتيكو»، أن التعالي على القانون ليس أمرا مقبولا فحسب لدى ترامب، بل متوقعا، وهذه هي الرسالة التي يريد إيصالها بهجومه غير المسبوق على المؤسسات القضائية الأمريكية. وتقول «المحاكم والقضاة والأحكام والمكاتب القانونية وأي كيان يجرؤ على تحدي سياسات الإدارة، مُستهدف». كما تنوه الصحيفة بـ»الإشارات القاتمة» المتعلقة بتصدير ترامب تلك الأجندة إلى خارج حدود الولايات المتحدة، و»هي حقيقة يؤكدها دعم ترامب العلني لليمين المتطرف الفرنسي». كما يسلك الرئيس الأمريكي الآن مساره المفضل، بحسب «بوليتيكو»، وهو «البحث عن حلفاء من اليمين المتطرف الحريصين على دعم حملته الاستبدادية»، مشيرة كذلك إلى ملياردير التكنولوجيا إيلون ماسك، الذي أصبح أسلوبه الخاص في حرية التعبير لا غنى عنه لهذه القضية.
ووصف ماسك مشاكل لوبان القانونية بأنها ذات دوافع سياسية، كما هاجم وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية لمراقبتها حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف. ولم يكتفِ ماسك بذلك، بل شجع اليمين المتطرف في رومانيا وسط «مهازل» قانونية مماثلة بشأن مزاعم التدخل الأجنبي. وبذلك، تعتقد «بوليتيكو» أن «مسرحيات ترامب القانونية»، أرست إلى جانب استعراض ماسك لحرية التعبير «مخططاَ سخيفا للهيمنة السياسية». وتضيف «إنه مزيج يُشكّل صرخة استنفار لكل انتهازي أوروبي يسعى جاهدا لاستغلال النفوذ الأمريكي لمصلحته الخاصة، بينما تُركت الديمقراطية لتلملم شتات مسرحيتها». كما تعكس هذه التطورات مفهوم الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي عن «الهيمنة الثقافية»، حيث لا تُفرض الأيديولوجية السائدة بالقوة، بل تُنسج في نسيج المجتمع من خلال مؤسسات مؤثرة مثل الإعلام والتعليم، وفق الصحيفة التي ترى أن أفعال ترامب تجسّد هذه النظرية.
وتقول «منذ توليه منصبه، استهدف وسائل الإعلام، وفكّك وزارة التعليم، وانتحل سلطة ذاتية داخل الدوائر الثقافية النخبوية، وألغى برامج التنوع والمساواة والشمول، وقيّض حقوق الإجهاض بلا رحمة، وفرض قيودا صارمة على أهلية التجنيد».
وتضيف « ليس هذا سوى جزء صغير من الخطة الأساسية، التي تسير على قدم وساق الآن، والتي تُجسّدها عاصفة التعريفات الجمركية في يوم التحرير، لإخضاع الدول الأخرى».
ومع ذلك، ليس كل شيء قاتما، بحسب «بوليتيكو»، ففي الوضع الراهن، ثمة تطوران ناشئان يُشيران إلى بعض المقاومة: الأول هو تنامي الشكوك بين الدول الأوروبية؛ مما يُشير إلى أن تصرفات ترامب المُبالغ فيها تفقد جاذبيتها تدريجيا، أما السبب الثاني فهو نتيجة انتخابات المحكمة العليا في ولاية ويسكونسن الأمريكية.
وتعلق الصحيفة «رغم إنفاق ماسك الملايين على السباق الانتخابي، وإطلاقه حملات تضليل إعلامي، وادعائه المستمر بتزوير الانتخابات، متجاوزا بذلك قوانين الولاية، إلا أنه ومرشحه قُوبل بالرفض. حتى الجمهوريون يكرهونه».
وتخلص «بوليتيكو»، إلى أن الدول الأوروبية تقف عند نقطة تحول، حيث يمكنها أن تختار إعادة تأكيد المُثُل السامية التي تعهد بها الاتحاد الأوروبي سابقا، من الالتزام بالانفتاح الثقافي، وتبني الهجرة، إلى توفير ملاذ آمن لحقوق الإنسان، معتبرة أن هذا هو الترياق الحقيقي الوحيد للسلطويات التي ستنتشر في أمريكا عام 2025.