خلط بين شعارات الحراك ملازم للشبكات

من يشارك في المظاهرات ضدّ اللقاح والشهادة الصحية...؟

من يشارك في المظاهرات ضدّ اللقاح والشهادة الصحية...؟

- ساهم حضور الأطباء على شاشات التلفزيون طيلة ثمانية عشر شهرًا، والخلافات والتنبؤات، في إثارة الشك
- كثيرون هم الفرنسيون الذين يسيرون ضد الزامية اللقاح أو الشهادة الصحية أو اللقاح
- تستخدم النجمة الصفراء لإدانة السياسة الصحية التي يجب أن تكون مقبولة بشكل عام من قبل الأمة بأكملها
- المظاهرات الأخيرة تجمع بين جوانب مختلفة، وتؤكد التحليل الذي يقول بتدهور النقاش العام
- يوجد الآن بين فرنسا المتمردة والمناهضين للقاحات تواطؤ معلن ودون عقد أكثر منه تحالفا موضوعيا


كثيرون هم الفرنسيون الذين يسيرون ضد الزامية اللقاح أو الشهادة الصحية أو اللقاح. إن الخلط بين شعارات الحراك ملازم للشبكات، الرقمية بالأساس، التي تدعو الناس للنزول إلى الشوارع. كل منها يأتي بحقيقته، ودوافعه، السياسية إلى حد ما، والمتفاوتة الجدية. لنذكر ببديهية: من الممكن أن تكون ضد التصريح الصحي، ولكن مع التطعيم -وحتى التطعيم الإجباري. من ناحية أخرى، من المستحيل التظاهر يوم السبت دون التظاهر مع المناهضين للتطعيم، واتباع نظريات المؤامرة، ومجموعة من الحركات والمجموعات الصغيرة ذات الأفكار الغريبة، أو حتى أكثر من ذلك.
إن مسألة الحريات العامة لا تطرح بنفس الطريقة إذا أخذناها من منظور طرق ضبط الشهادة الصحية أو مبدأ التطعيم الإجباري. ومع ذلك، فإن الارتباك والتناقضات وتعايش جميع أنواع المطالب تجعل الناس يدركون أنه في نهاية المطاف عندما نتظاهر ضد الشهادة الصحية، فإننا نجعل أنفسنا رفيق درب لكنائس أيديولوجية أخرى …

حذار من الخلط
في الحراك، نجد على رأس الموكب جاكلين مورولت وفرانسيس لالان، وكلاهما من “السترات الصفراء” السابقة. ونلتقي أيضًا برجال ونساء يرتدون سترات صفراء، وسبق ان كانوا كذلك عند الأعمال الاحتجاجية الأولى.
كانت “السترات الصفراء” حركة أصيلة، مهمة في تاريخنا السياسي في العقود الأخيرة. استنادا إلى رفض التفاوت الضريبي، ولاعتبارات اجتماعية واقتصادية، أدى ذلك إلى تعبئة مئات الآلاف من الفرنسيين، وتعاطف ملايين آخرين.
لقد كانت حركة اقتصادية -مؤسسية حقيقية بالمعنى الغرامشي، لم تلتقي معها أية حركة سياسية، لا من اليمين الراديكالي ولا اليسار الراديكالي، رغم ترحال كلا الجانبين. ولم يتمكن أحد من إعطاء رد سياسي وتوجيه لهذه الاحتجاجات الحاشدة. وأدى التعفن اللاحق للمجموعات الصغيرة من “السترات الصفراء”، إلى عودة ظهور هذا الرمز النسيجي، ولكن خارج السياق، مغذيا خلطا يؤذي التحليل البارد لهذه الحركة.

السبب التصحّر الطبي والطب البديل؟
تتغذى الحركة المضادة للتلقيح من الفراغ الذي أحدثه التصحّر الطبي. لم يكن حكيم الطب العام في الماضي يدخر جهده ووقته، وينقع تعاطفه من قربه. ومن خلال شخصيته، كان انثقاف العلوم والعقل والمعرفة يفعل فعله. طب عام، بالمعنى الكامل للمصطلح، يتنقل هذا المحترف عبر المدن والارياف، يعالج ويوجّه، ويتعايش مع المعتقدات الشعبية الأكثر رسوخًا، لكنه يظل مرجعًا. ومن اللافت للنظر أنه مع تقدم التصحّر الطبي، تكثر لوحات ممارسي الطب البديل (غالبًا من قبل مشعوذين). وتجدر الإشارة إلى أن غياب شبكة حقيقية من الممارسين للطب العام تربطهم ثقة بمرضاهم، على مدى سنوات عديدة، هو النظير الصحي لضعف شخصيات مثل رئيس البلدية أو المعلم أو ممثل النقابة.
ومع ذلك، كما هو الحال دائمًا، لا توجد حداثة جذرية في علم اجتماع التعبئة... هناك سوابق وثوابت في بعض الأحيان. ان الحركة المناهضة للتلقيح قديمة، وتستمد مصادرها من شخصية أنطوان بيشامب (1816-1908)، الذي امتد عمله إلى أعمال جول تيسو (1870-1950)، الذي كان أول مؤسس لرابطة مكافحة اللقاحات، وهي أكثر من أساس علماني لمعتقدات الأقلية، ولكنها راسخة ومعادية بشكل خاص لأعمال باستور. تلك الأعمال التي نزّلها المجتمع العلمي إلى النسيان، وانتشرت بشكل شائع في عالم الطب البديل، حتى اليوم.
ساهم الوجود الكلي للأطباء على شاشات التلفزيون طيلة ثمانية عشر شهرًا، والخلافات والتنبؤات من جميع الأنواع، في إثارة الشك، وإثارة شكل من أشكال التشويه في عقول معينة، مع العواقب التي نلاحظها اليوم.

وحدات التشنج إصدار 2021
لكل حقبة جنونها... إن الذي يظهر أمام أعيننا، بعد شهور من الحجر والتوتر، يكشف عن انزعاج مجتمع الذي، من خلال تشنجات، سيدين السلطة لأفعالها، أو تقاعسها، أو ببساطة لان شعورا بالضيق منتشرا شجعه على اتخاذ وجهة نظر معاكسة بشكل منهجي للخطاب الذي يُنظر إليه في لحظة معينة على أنه مهيمن. يوجد فعلا في الحركة المضادة للتطعيم الحالية، عودة غير واعية للحركة المتشنجة، لتلك الغرابة في الأزمنة الماضية، والتي عادت للظهور فجأة في وضح النهار.
في القرن الثامن عشر، الذي تميّز بتحوّل العالم، من خلال عدم ملاءمة الهياكل القديمة، تظهر النسخة المتشنجة من الينسينية كأحد مظاهر عالم يحتضر. كل شخص يعارض النظام القائم يطلق على نفسه ينسيني، دون بالضرورة إعطاء بعد فكري لهذا الانتماء... وكل فرد في قطيعة مع النظام القائم، يمكن أن يصبح متشنجًا عندما لا يتم تقديم بديل له. لقد ادانتهم الكنيسة الكاثوليكية، والملوك، وألقت بهم في حفرة فكرية لا قاع لها، الجمهورية الفتية، ومات هؤلاء “المتصوفة” دون أن تموت أرواحهم.
كل حقبة من التغيير والتحول ستجد متشنّجيها. في حقبتنا، نجدهم في شوارع مدننا، مما ينسّب التاريخ بما يمكن تعريفه بالفطرة السليمة. وشوارع فرنسا يحتلها جزئيًا متشنجو نسخة 2021.

معاداة السامية ضمنية أكثر منها معلنة
كان أتباع بيير أندريه تاغييف، يريدون منا أن نعتقد في معاداة للسامية ينتجها الآن حصريًا اليساريون الإسلاميون، والضواحي، وبالتالي من قبل المسلمين أو العرب. وتستحق هذه الفرضية أن تستكمل على الأقل بعد حركة شهر يوليو الماضي، فالتعبئة الحالية تكشف عن الإمكانات المعادية للسامية للمجتمع الفرنسي بأسره.
جاءت الفضيحة من مقارنة متكررة بارتداء النجمة الصفراء أثناء الاحتلال في سياق الزامية التطعيم الناجمة عن الشهادة الصحية. تستخدم النجمة الصفراء الآن لإدانة السياسة الصحية التي يجب أن تكون مقبولة بشكل عام من قبل الأمة بأكملها. ولكن لماذا؟ ماديًا، لأنه لا يوجد فريق لتأمين أي مظاهرة تقريبًا في فرنسا، مما يطلق العنان للارتباك وأي شيء، ولكن ليس هذا فقط ... لقد رد الكثيرون على هذه المقارنة من خلال إدانتها، ولكن دون رسم مسار يؤدي إلى حقيقة هذا الحمل المخزي من قبل مناهضي التلقيح، لرمز أدى إلى مقتل عشرات الآلاف من اليهود في فرنسا.
ويغذي ارتباك بعض العائلات السياسية بشكل غير مباشر من خلال تنسيبها حقيقة رغبة لا تُكبح معادية للسامية، والتي تغذي بدورها الحراك الحالي في الشارع. قبل ثمانية عشر شهرًا، عانت السيدة بوزين والسيد سالومون من هذا الاعتداء المعادي للسامية، وشاهدا أنه يتم التشهير بهما لما هما عليه، أكثر لما فعلاه أو لم يفعلاه... ولم تنته القصة عند هذا الحد.
عندما ننظر عن كثب إلى الأشياء والخطاب الذي يتعرضان له ضمنيا، تختلط اعتبارات تجعل من السياسة الصحية الحالية المعادل لسياسات فيشي المعادية للسامية، ولكن أيضًا، بشكل متكرر وبشكل عرضي، الى تنسيب المحرقة كشرّ مطلق في التاريخ. في النهاية، تنتهي المحادثات دائمًا على هذا النحو: المختبرات أو أولئك الذين يحملون براءات الاختراع هم… يهود! وهنا يتم إحياء العداء للسامية الفطري الذي يتطلب فقط ظروفًا جيدة للظهور من جديد، ولتأكيد ذاته والازدهار.
فهل من قبيل الصدفة أن نائبا منتخبًا سابقًا عن الدائرة السابعة في ليون، مرّ بالقرب من مسيرة مناهضة للتطعيم، تتمّ تحيّته بالكوينيل، علامة الانضمام لمشجعي ديودوني؟ لماذا نرى صورًا تحوّل بوابة أوشفيتز مكتوب تحتها: “الشهادة الصحية تجعلك حراً؟”، لماذا تعلن الاحتجاجات عن “إبادة جماعية” مرتبطة باللقاح؟

الحزب الاشتراكي مثل بطة مقطوعة الرأس
في هذا السياق، سقطت المجموعة البرلمانية الاشتراكية في مجلس الشيوخ قسراً في فخ المبالغة في المزايدات واللامعقولية. ويبدو أن الجميع يلفّون حول الموضوع: الزامية اللقاح، بالنسبة لـ كوفيد، وما تبقى... يهتز من قبل تيار رأي أقلّي ولكنه نشط. إن التقدم برفض الشهادة الصحية قبل تقديم التطعيم الالزامي -كما تفعل المجموعة التي يرأسها الوزير السابق باتريك كانر -هو إضعاف لعرضه، الذي لا شك في صدقه، ولكنه سيئ التفكير، ومنفّذ بشكل أسوأ.
لقد ظل الحزب الاشتراكي صامتًا طيلة ستة أشهر بشأن الزامية اللقاح، هو الذي طالب بصوت عالٍ، عام 2020، بحجر صحي أكثر صرامة. إن الاستراتيجية غير المدروسة هي أمّ حدوث انتكاسات سياسية أكبر، وقد حرم الحزب الاشتراكي نفسه من إعطاء اتجاه سياسي واضح لليسار منذ بداية الأزمة فيما يتعلق بالحريات العامة، والزامية اللقاح، وسلطة العلم.

ميلينشون وفيليبو في نفس القارب
ورغم كل شيء، هناك وقائع: فرنسا المتمردة، تتبنى التظاهر مع الجماهير والجماعات المذكورة أعلاه. ويرى جان لوك ميلينشون، في هذه المظاهرات “مسيرات استثنائية” ... “تنطلق من السمة المنطقية لثورات المواطن”. ويوجد الآن بين فرنسا المتمردة والمناهضين للقاحات، مثل الآخرين، تواطؤ معلن ودون عقد، أكثر منه تحالف موضوعي.      ويجب أن يقال إن الركائز التقليدية لليسار التاريخي في البلاد قد انهارت، والارتباك على قدم وساق.
برلماني أوروبي سابق، تتمثل وظيفته الأساسية في أن يكون مفتشا عاما للإدارة، حسم فلوريان فيليبو، مثل نيكولا دوبون-آيجنان (نائب عن إيسون ومرشح سابق للانتخابات الرئاسية) حسم اختياره. إنهما يعزفان على طبول صغيرة لعدم قدرتهما على أن يكونا من جنرالات حركة الغضب العفوية والانفجارية، كما سيفعلان غدًا مع حركات أخرى من نفس النوع، ومصيرهما مرتبط الآن بالجماعات الهامشية التي تندفع بشكل أعمى نحو هاوية العقل والسياسة، معركتهما المعلنة منذ سنوات. ان جميع الخيمات الأكثر هامشية تلتصق بهذا الحراك، يكفي ان تحصل على عائدات منه، ليس في الاصوات (وهو أمر مشكوك فيه) ولكن في حصة من السوق الإعلامية.
الخلاصة، دخلت الانتهازية باحتفالية متكئة على ذراع الجنون، ويمشي السيد دوبون-آيجنان، يدعمه فرانسيس لالان متكئًا على ذراع الغباء، والسيد فيليبو يدعمه السيد بيغارد... لكل حقبة تشنجاتها.

عضو مرصد الراديكاليات السياسية في مؤسسة جان جوريس، باحث في العلوم السياسية، متخصص في اليمين والأبعاد الثقافية للسياسة، ومؤلف العديد من البحوث منها “الى اللقاء غرامشي” (منشورات سارف 2015).