المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في أول قمة ثنائية منذ خروج بريطانيا من الاتحاد :

مُحركُها الأمن و الاقتصاد.. هل تنجح القمة في تجديد علاقة طُوِيت صفحتُها لكنها لم تَمُت ؟

مُحركُها الأمن و الاقتصاد.. هل تنجح القمة في تجديد علاقة طُوِيت صفحتُها لكنها لم تَمُت ؟

تم تأكيد الاتفاق بين لندن وبروكسل صباح  أمس الأول الاثنين 19 مايو، قبل بدء القمة الأولى بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي تعقد في لانكستر هاوس، على مرمى حجـــر من قصــر باكنغهام في لندن. 
كان من المقرر أن يستضيف رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، في اجتماع لوضع اللمسات الأخيرة على إعادة ضبط العلاقات بين بلاده والقارة، وهو ما وعد به زعيم حزب العمال البريطانيين عندما وصل إلى داونينج ستريت في يوليو 2024. 
وبعد سنوات من التوترات، تسعى حكومته إلى التقارب الاقتصادي للحد من الآثار السلبية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كما نجح كير ستارمر في تأمين توقيع اتفاقية للأمن والدفاع، مما يدل على التزام المملكة المتحدة، القوة النووية، بأمن القارة العجوز، في وقت أصبح فيه الدرع الواقي الأمريكي موضع تساؤل. 

لا شك أن العلاقات بين لندن وبروكسل وعواصم أوروبية أخرى تحسنت في الأشهر الأخيرة. حتى أن السيد ستارمر أخذ زمام المبادرة، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لتشكيل «تحالف الراغبين»، وهو نادٍ من البلدان المستعدة لزيادة مساعداتها العسكرية لأوكرانيا لضمان وقف إطلاق النار الافتراضي مع روسيا. 

لا تزال الخطوط 
الحمراء قائمة 
منذ فبراير-شباط، عقد رئيس الوزراء البريطاني اجتماعات عديدة في لندن، وبرلين، ووارسو، وباريس، وبروكسل، وحتى في كييف في 10 مايو-أيار ــ مع إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، والمستشار الألماني فريدريش ميرز. وقد قبل وزير خارجيته ديفيد لامي ووزيرة الخزانة راشيل ريفز الدعوات لزيارة بروكسل، وبالتالي استئناف الحوار مع نظرائهم الأوروبيين.
وكانت االنتيجة الرئيسية لقمة الاثنين هو توقيع اتفاقية للأمن والدفاع، وتنظيم الحوار بين لندن والمؤسسات الأوروبية لإجراء تدريبات عسكرية مشتركة والتعاون في مجال الأمن السيبراني. وفوق كل ذلك، يمهد الاتفاق الطريق أمام مشاركة بريطانية مستقبلية في صندوق SAFE الذي تبلغ قيمته 150 مليار يورو، والذي تعمل بروكسل حالياً على الانتهاء من إنشائه من أجل تمويل إعادة تسليح دول الاتحاد الأوروبي. ومن الجانب الأوروبي، تم التأكيد على أن توقيع هذا الاتفاق ضروري ولكن ليس كافيا لكي تستفيد لندن والشركات البريطانية من هذه الموارد الجديدة. وبعيدا عن الأجواء الودية يوم الاثنين، تظل الخطوط الحمراء للبريطانيين والأوروبيين قائمة، مما يحد من طموحات القمة. في الانتخابات العامة التي جرت في يوليو-تموز 2024، خاض كير ستارمر حملته الانتخابية على أساس الوعد بأنه لن يعمل على إعادة دمج المملكة المتحدة في الاتحاد الجمركي والسوق الداخلية الأوروبية. وتحد هذه القيود بشكل كبير من التقارب الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي. كما تفاوضت لندن وبروكسل على إلغاء الضوابط الصحية والنباتية (النباتات والحيوانات) على حدودهما، وذلك للحد من القيود الإدارية المفروضة على المصدرين في كل منهما. وربما يعني هذا محاذاة «ديناميكية» للمعايير البريطانية مع المعايير الأوروبية (سيتعين على لندن التكيف مع كل تغيير في المعايير)، وهو ما ترددت حكومة ستارمر حتى الآن في تأييده. من المحتمل أن يكون الفوز الساحق الذي حققته حركة الإصلاح في المملكة المتحدة في الانتخابات المحلية التي جرت في الأول من مايو/أيار قد أثر على مدى إعادة ضبط العلاقات مع بروكسل.
ويتقدم حزب اليمين المتطرف الآن على حزب العمال في استطلاعات الرأي، ويحلم زعيمه نايجل فاراج بصوت عالٍ بأن يصبح رئيسًا للوزراء. 
وقد اتهم الزعيم السابق لحزب الاستقلال البريطاني المتشكك في الاتحاد الأوروبي داونينج ستريت بالفعل بالرغبة في «خيانة» خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. 

علاقة خاصة
 وهذا هو السبب في أن حكومة ستارمر مترددة للغاية في قبول اتفاقية تنقل الشباب التي تطالب بها بروكسل مقابل اتفاقية الأمن والدفاع. وتمديد وصول الصيادين الفرنسيين أو البلجيكيين أو الهولنديين إلى المياه البريطانية إلى أجل غير مسمى ــ ومن المقرر أن تنتهي الاتفاقيات الحالية في عام 2026 ــ طرح نفس المشكلة السياسية لزعيم حزب العمال، حيث يشكل صيد الأسماك أهمية هامشية في الاقتصاد البريطاني كما هو الحال في اقتصادات البلدان الأخرى.   وقال دبلوماسي أوروبي في بروكسل عشية نهاية الأسبوع: «في المفاوضات التي من المتوقع أن تستمر حتى الأحد، فإن الفكرة هي ربط قضية الصيد بقضية الضوابط الصحية».و قد وافق البريطانيون في النهاية على الحفاظ على إمكانية الوصول إلى مياههم حتى 30 يونيو-حزيران 2038. وفي المقابل، وافق الأوروبيون، الذين أرادوا الوصول الدائم وهددوا بتحديد الإطار الزمني لإزالة الضوابط الصحية والنباتية، في النهاية على تعليق غير محدد المدة. وأضاف الدبلوماسي: «فيما يتعلق بقضايا أخرى، مثل الطاقة حيث تناقش لندن وبروكسل ربط الشبكات، لدينا شعور بأن الاتحاد الأوروبي يقدم مقترحات، لكن لندن لا تستسلم، وخاصة فيما يتعلق بتنقل الشباب بتأشيرات ومسألة العودة إلى برنامج إيراسموس «برنامج تبادل الطلاب، الذي استبعدته المملكة المتحدة من خلال خروجها من الاتحاد الأوروبي» أو رسوم التسجيل في الجامعات البريطانية «حتى لا يدفع الأوروبيون أكثر من البريطانيين». 
ولولا إحراز تقدم في مجال صيد الأسماك أو تنقل الشباب، لكانت القمة قد اعتبرت مخيبة للآمال. «على الرغم من أن المملكة المتحدة لم تعد جزءًا من الاتحاد الأوروبي، فإننا سنحتفظ بعلاقة خاصة معها. (...) ولكن حان الوقت لوضع كلمات ملموسة على لحن إعادة الضبط، وهو ما يسعدنا سماعه منذ تولي الحكومة البريطانية الجديدة السلطة»، هذا ما قاله بيرند لانغ، الديمقراطي الاجتماعي الألماني، الرئيس المشارك لمجموعة التعاون مع المملكة المتحدة في البرلمان الأوروبي، قبيل القمة.  وحذر إيان بوند وتشارلز جرانت من مركز الإصلاح الأوروبي من أن «جهود الاتحاد الأوروبي لزيادة قدراته الدفاعية وإعادة بناء صناعته الدفاعية سوف يعوقها استبعاد المملكة المتحدة «من اتفاقية SAFE»، في حين تخاطر المملكة المتحدة بنمو اقتصادي بطيء بشكل مؤلم خلال حرب تجارية إذا فشلت في خفض الحواجز التجارية مع الاتحاد الأوروبي». ومن المتوقع أن تستمر المفاوضات في الأشهر المقبلة، حيث يأمل الأوروبيون في تأمين اتفاق مفيد بشأن تنقل الشباب الأوروبيين، ويدعو البريطانيون إلى تقليص ضوابط الحدود حتى لا يضطر مواطنوهم إلى الانتظار في طوابير طويلة في المطارات في جميع أنحاء القارة.