الصين عملاق خارج السيطرة:

ها نحن مرة أخرى في قلب حرب باردة...!

ها نحن مرة أخرى في قلب حرب باردة...!

-- الصين إمبراطورية تثير القلق بشكل متزايد، وجميع مقومات الحرب الباردة موجودة
-- خلال 40 عامًا، تقدّم الجيش الصيني من المرتبة 20 عالميّا إلى المرتبة الثانية
-- لم تعد الصين تلعب الدور الذي كانت تأمله العديد من الدول الغربية
-- يمكن للولايات المتحدة أن تتطلع إلى فوائد هائلة من تحالف أقوى مع الهند
-- الحرب الباردة الجديدة ضد الصين مختلفة ومماثلة لتلك التي شنت ضد الاتحاد السوفياتي


   قبل بضعة أسابيع، في أنكوراج، ألاسكا، اتهم الدبلوماسيون الصينيون بشدة الولايات المتحدة بعرقلة التجارة مع الصين والحفاظ على عقلية الحرب الباردة. وفي إشارة إلى أن العلاقات بين الدولتين في غاية السوء، تم إلغاء العشاء الذي كان سيجمع الدبلوماسيين الصينيين والأمريكيين.    هل ندخل حربا باردة جديدة؟ في جميع الاحتمالات، نعم... لكن هناك اختلافات بين هذه الحرب الباردة الجديدة والحرب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.    الحرب الباردة، هي حرب بين قوتين عظميين تشنان معارك مسلحة من خلال حلفائهما دون مواجهة مباشرة. وإن الحرب الباردة معرضة دائمًا لخطر التحول إلى حرب ساخنة، أي مواجهة مباشرة بين القوتين العظميين.    غالبًا ما تنقسم الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي إلى فترتين. بدأت الأولى عام 1947، عندما أعلن ترومان عن تدابير لاحتواء التقدم السوفياتي وانتهت عام 1962، مع حل أزمة الصواريخ الكوبية. وبدأت الثانية عام 1979 بالغزو السوفياتي لأفغانستان لتنتهي عام 1989 بتفكيك جدار برلين.   يقال إن الحرب الباردة الجديدة ضد الصين مختلفة ومماثلة لتلك التي شنت ضد الاتحاد السوفياتي.

اختلافات
   عدة عناصر مختلفة: أولاً، لم تصبح الصين قوة عظمى بعد، في حين أن عظمة الولايات المتحدة تتراجع. ثانيًا، كان للاتحاد السوفياتي حلفاء عسكريون أكثر بكثير من الصين.    وكان الاتحاد السوفياتي ينشر في جميع أنحاء العالم أيديولوجية شيوعية اغرت العديد من المثقفين بين حلفاء الأمريكيين. في المقابل، فإن القوة الاقتصادية للصين أكبر بكثير من التي كان يمتلكها الاتحاد السوفياتي.

التشابه
   هناك الكثير من أوجه التشابه: تنخرط الصين والولايات المتحدة في صراع من أجل التأثير الأيديولوجي على نطاق عالمي. وتعرّف حكومة شي جين بينغ النموذج الصيني على انه نقيض النموذج الأمريكي. يعطي النموذج الصيني مكانة كبيرة للحقوق الجماعية، بينما النموذج الأمريكي فرديًا وعنصريًا ويقوم على التفاوت. في المقابل ترى الحكومة الأمريكية، ان النموذج الصيني “ديكتاتوري وسيصبح شموليًا».
   خلال الحرب الباردة الأولى، نشرت الولايات المتحدة خطة مارشال لمساعدة حلفائها، ولكن أيضًا لتوسيع تجارتها ونفوذها. ويمكن مقارنة طرق الحرير الجديدة بهذه الخطة، باستثناء أن الصين هي حجر الزاوية. ومن حيث تعادل القوة الشرائية، تعدّ الصين أكبر اقتصاد في العالم، وتتقدم بفارق كبير عن الولايات المتحدة.
   أخيرًا، كان لدى الولايات المتحدة أسلحة أكثر حداثة من أسلحة السوفيات. في حين ان التسلح الصيني قابل للمقارنة، إن لم يكن أكثر حداثة، من الأسلحة الأمريكية، غير ان للجيش الصيني عدد قليل من القواعد العسكرية حول العالم (باحتساب القواعد المتخفية كقواعد علمية) ولا يملك حتى الآن إمكانية القتال بعيدًا عن الحدود الصينية.
  لذلك فإن جميع مقومات الحرب الباردة موجودة.

للهند سبب وجيه للقلق
    تشعر الهند بقلق متزايد بشأن توسع الصين.
   وقد ارتكبت الحكومة الصينية خطأ مهاجمة حدود الهند عسكريا، الأمر الذي أثار ردود فعل قومية مفهومة بين الهنود، خاصة أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قد فاز عند انتخابه ببرنامج قومي للغاية.
  تثير الصين تثير قلق الهند لعدة أسباب:
  أولاً، إنها حليف قوي لباكستان، عدوة الهند. ثم، في بحر الصين، تنتهج سياسة توسعية تجعل الهند تخشى منافسة عسكرية محتملة في المحيط الهندي، ويتعارض نموذجها السلطوي مع النموذج الديمقراطي الهندي.
  أخيرًا، يقلق التنافس الاقتصادي الصيني الشركات الهندية التي، علاوة على ذلك، لا تتمنى شيئًا أفضل من ان تكون بديلا للشركات الصينية كمصدّر للدول الغربية.
   تعمّق التحالف بين الولايات المتحدة والهند منذ التسعينات.
   عام 2010، في عهد باراك أوباما، وقّع البلدان العديد من الاتفاقيات التجارية والعسكرية. والهند والولايات المتحدة جزء من تحالف رباعي، إلى جانب اليابان وأستراليا.
   وغالبًا ما يُنظر إلى هذا التحالف على أنه قاعدة مستقبلية لناتو آسيا.
   كما تعهدت الحكومة الأمريكية للهند بدعمها في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن. ورغم أنه من غير المرجح أن يتحقق هذا المقعد، إلا أن هذا الدعم مهم رمزياً للهند.
الافضلية للولايات المتحدة
   يمكن للولايات المتحدة أن تتطلع إلى فوائد هائلة من تحالف أقوى مع الهند. فمن خلالها، تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا عسكرية على حدود جنوب غرب الصين.
  ويمكن للولايات المتحدة ولصالحها، استبدال جزء من وارداتها الصينية بواردات هندية. أخيرًا، يساعد هذا التشديد الولايات المتحدة في محاربة روسيا.

قوة مسلحة للأسنان
   خلال 40 عامًا، تقدّم الجيش الصيني من المرتبة 20 في العالم إلى المرتبة الثانية، بعد الولايات المتحدة مباشرة. وعلى مدى عقود، تجاوز الإنفاق العسكري للصين معدل النمو في البلاد.
  الميزانية الرسمية للجيش الصيني 275 مليار دولار. ومع ذلك، في تناصف القوة الشرائية، تكون هذه الميزانية أعلى بكثير، خاصة أن رواتب العسكريين منخفضة جدًا.
   لطالما لعب الجيش الصيني دورًا مهمًا للغاية في الصين. فهو الذي حكم البلاد في السنوات التي أعقبت استيلاء الشيوعيين على السلطة عام 1949.
   وهو الذي أعاد تشكيل الحكومة في أواخر الستينات عندما تحولت الثورة الثقافية إلى حرب أهلية. فوحدات جيش النخبة، أنقذت النظام عام 1989 من ثورة شعبية.
  ولطالما تمت تعهّد صورة الجيش في الصين بعناية... جيش لا يدافع عن الوطن فقط، بل يخدم الشعب كلّما دعت الحاجة، من العمل في الحقول إلى الكوارث الطبيعية.
   وبفضل العدد الكبير من الأشخاص الذين يريدون أن يصبحوا عسكريين، يمكن للجيش الصيني اختيار مرشحين ممتازين. فعلى الورق، يعدّ الجيش الصيني واحدًا من أفضل الجيوش في العالم.

دور أكبر لمصنع الرجولة
    صورة الجيش إيجابية للغاية، الى درجة أن وزارة التعليم اقترحت في فبراير الماضي تقديم الجنود الصينيين كنموذج للشباب في البلاد. والهدف الرسمي لهذه الحملة، هو محاربة “تأنيث الرجال».
   إن الحملات الدعائية الكبرى للعصر الماوي كان لها أهداف رسمية وأخرى خفية. ولمّا كان شي جين بينغ يتبنى فكرا ماويّا للغاية، فمن المحتمل أن تخفي حملة محاربة تأنيث الرجال حملة تهدف إلى تقديم العسكريين كنموذج للمجتمع الصيني ككل، وبالتالي زيادة سلطتهم.
   لماذا يمنحون مزيدا من السلطات؟ ربما لأن شي جين بينغ يعتبرهم حلفاء لمساعدته في تمرير أجندته.
   بالإضافة إلى ذلك، تشير الانتهاكات المتكررة للفضاء التايواني من قبل السفن الحربية والطائرات العسكرية، والمزيد من التدريبات العسكرية التي تحاكي الهجمات ضد المصالح الأمريكية، إلى أن الجيش الصيني يلعب بالفعل دورًا أكبر من ذي قبل.

سمعة في سقوط حر
   لقد أظهرت دراسة حديثة أجراها مركز بيو للأبحاث، ان سمعة للصين ازدادت سوء أكثر من أي وقت مضى. ففي الولايات المتحدة نفسها، يعتبر 55 بالمائة من السكان الصين منافسًا، و34 بالمائة يعتبرونها دولة معادية، ويعتقد 9 بالمائة فقط، أن الصين شريكة للولايات المتحدة.
   سمعة الصين سيئة بنفس القدر في بقية العالم، باستثناء عدد قليل من البلدان مثل روسيا أو إيران. ومن بين 14 دولة غنية استطلعها مركز بيو، 71 بالمائة وأكثر من المشاركين لديهم رأي سلبي تجاه الصين.
   ان تدهور سمعة الصين تسارع في السنوات الأخيرة، وربما يمكن اعتبار تعامله مع جائحة كوفيد-19، وسحق الحركة الديمقراطية في هونغ كونغ، والإبادة الجماعية للأويغور، هي المسؤولة عن هذا السقوط.
لهجة متغطرسة
   النبرة المتغطرسة للدبلوماسيين الصينيين عامل غير مساعد. فالحزب الشيوعي الصيني، الذي لا يسمح باي نقد ضده داخل الصين، ربما قرر تبني نفس الموقف في الخارج.
   وهذا النزوع الى إسكات الانتقادات الموجهة إلى الصين خارج الأراضي الصينية، يأتي بنتائج عكسية، ويتم استقباله بشكل سيئ، بشكل خاص، في البلدان التي توجد فيها حرية التعبير.

حالات خاصة
   تتمتع الحكومة الصينية أيضًا بسمعة سيئة في بعض البلدان بسبب حالات خاصة:
   رهينتان من كندا، الهجمات العسكرية على الحدود مع الهند، اقتحام المياه الإقليمية للفلبين، محاولات التلاعب الحكومي والتجسس في أستراليا، والشراء القسري لميناء في المياه العميقة في سريلانكا، والوظائف المحجوزة في الغالب للعمال الصينيين في الشركات الصينية المنشأة في عدة دول أفريقية، إلخ
   ويمكن للحكومة الصينية أن تشعر بالراحة وهي تلاحظ أن سمعة أمريكا دونالد ترامب لم تكن أفضل بكثير منها، ومع ذلك، فإن جديّة إدارة جو بايدن الجديدة ستعزز تصنيف الرضا عن الولايات المتحدة.
    لم تعد الصين تلعب الدور الذي كانت تأمله العديد من الدول الغربية.
بحلول عام 1997، أخرجت آسيا من الأزمة، وكانت عام 2008 بمثابــــة المحـــرك للانتعاش العالمي.
   ومرة أخرى كانت الصين هي التي تحالفت مع الأمريكيين ضد طالبان، وانتهى بها الأمر إلى الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية واتفاقيات المناخ.
    لكن في غضون سنوات قليلة، أصبحت الصين عاملاً من عوامل عدم الاستقرار العالمي.
  فهي التي أشعلت أزمة جائحة كوفيد-19 بإخفاء خطورة انتقال الفيروس عن العالم، رغم انها عانت من تجربة السارس المؤلمة عام 2003، وأقسم قادتها على ألا تحدث مثل هذه الفوضى مرة أخرى.
    لقد استفادت الصين من امتيازات متعددة لأنها كانت اقتصادا ناميا، ولكن مع أنها أصبحت أكبر اقتصاد في العالم، فإنها تواصل المطالبة بنفس الامتيازات المخصصة للبلدان الفقيرة.
  وقّع القادة الصينيون اتفاقا يقضي بعدم تدخل بكين في شؤون هونغ كونغ حتى عام 2047، الا ان حكام الصين تدخلوا في الشؤون الداخلية لهونغ كونغ وزعزعوا استقرار المدينة، والأسوأ من ذلك أنهم سحقوا الحركة الديمقراطية هناك.
   الآن تتجه الحكومة الصينية إلى تايوان، رغم ان الجزيرة اقتربت من الصين القارية، وتمت تسوية مؤقتة بين تايبيه وبكين. وكان من الممكن حل النزاع سلميا، بترك الزمن يفعل فعله... الا ان الصين القارية أصبحت شمولية الآن، أكثر من أي وقت مضى، وتخيف التايوانيين.

دور سلبي
    وراء هذا التطور السلبي في الصين رجل: شي جين بينغ. اختار ماو تسي تونغ كمثال. وكأن ماو قد عاد إلى السلطة، ولكن هذه المرة على رأس صين في طريقها إلى أن تصبح قوة عظمى، انه يهز النظام العالمي الذي أوجدته أجيال من قبله.
   تعد الصين من أعظم القوى العلمية في العالم، لكنها لم تعد تتقاسم نتائج اكتشافاتها بحجة الأمن القومي. وتمتلك الصين أحد أقوى الجيوش في العالم، لكنها تدعم الدول المهمشة من قبل المجتمع الدولي: فنزويلا، وإيران، وبورما، وكوريا الشمالية، إلخ.
   وتترأس الصين أحد أقوى الأجهزة الدبلوماسية على هذا الكوكب، لكن ممثليها ينخرطون في خطاب مشاكس. وتدعو إلى الحد من غازات الاحتباس الحراري، لكنها تزرع مشاريع محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في البلدان النامية. وتحاول إقناع العالم بأن الحقوق الجماعية محترمة على أراضيها، لكنها تضطهد، أكثر من أي وقت مضى، العديد من أقلياتها، منهم الأويغور.
  كان من الممكن أن يكون الأمر خلاف ذلك، وكان بإمكان الصين تعزيز دورها كعامل استقرار عالمي، وكان من الممكن أن تصبح مثالاً للحرية والحداثة.

* أستاذ العلوم السياسية متخصص في الصين وآسيا -جامعة مونريال كندا