هكذا يستخدم أردوغان الدين لخدمة سياساته!

هكذا يستخدم أردوغان الدين لخدمة سياساته!


شرحت الصحافية الفرنسية آن-بينيديكت هوفنر كيف يستخدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العلمانية، عبر إخضاع الدين لخدمة سياساته، مُضيفة أن أردوغان “عُثماني أكثر منه إسلامياً” وما يهمه في الإسلام التركي هو البعد القومي. وكتب هوفنر، في مقال لصحيفة “لاكروا” الفرنسية، أنه عندما يتعلق الأمر بالرموز الدينية، يتمتّع أردوغان بتأثير كبير. في 26 أغسطس (آب) من كل عام، يحتفل الرئيس التركي بمعركة ملاذكرد، التي شهدت في عام 1071 هزيمة الجيش البيزنطي على يد السلطان السلجوقي ألب أرسلان. ويعرض الفيديو، الذي نُشر هذا العام على حساب أردوغان على تويتر للمناسبة، إعادة تصوير “خيالية” للمعارك، مع خلفية “الله أكبر” وغيرها من الشعارات المُحفّزة.
إيديولوجية
 «التفاحة الحمراء»
بدون خوف من المفارقات التاريخية، ينتهي الفيديو بمشهد الدخول إلى آيا صوفيا، التي حوّلها أردوغان إلى مسجد. وكأن العبرة من الفيديو لم تكن كافية، فإذا برجل أنقرة القوي يُحيي أيديولوجية “التفاحة الحمراء” (كيزيل ألما) التي كانت رائجة في الدولة العثمانية، والتي تقوم على ثلاثة أهداف: غزو القسطنطينية وفيينا وروما.

كل الوسائل مُفيدة
 للبقاء في السلطة
خلال الأشهر القليلة الماضية، وصلت حدة المُواجهة بين تركيا وأوروبا إلى ذروتها، وانخرط الرئيس التركي في ارتكاب كل التجاوزات ليُمثُل دور الرئيس المُدافع عن مصالح الشعب التركي والعالم الإسلامي. بالنسبة إليه، فإن كل الوسائل مُفيدة للبقاء في السلطة حتى الإحتفالات المئوية للجمهورية التركية في عام 2023، من الديبلوماسية والعمليات العسكرية الخارجية والدين. وكنتيجة لانتمائه إلى الإسلام السياسي، اتخذ أردوغان قراراً بإنشاء حزب “العدالة والتنمية”. في عام 2002، أعلن قبوله لقواعد الديموقراطية البرلمانية، والدولة العلمانية، ومُتابعة الجهود للانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي.
 وعندما فاز في الإنتخابات في العام التالي، انتقده البعض في العالم العربي لتخلّيه عن النموذج الإسلامي “لإرضاء الغرب” ، بينما اعتقد آخرون أن “نموذجاً” للديموقراطية سيظهر إلى العلن قريباً.

«تركيا الجديدة»
بعد عشرين عاماً، انتهى “النموذج”. بعد تعرّضه لأزمة سياسية منذ محاولة الإنقلاب في عام 2016، والخسارة التي مُني بها في الإنتخابات البلدية في عام 2019، والتحوّل التنازلي الذي شهده الإقتصاد المُزدهر، تخلّى أردوغان عن أفكاره الديموقراطية، واعتمد في مشروعه لـ “تركيا الجديدة”، على فكرة أن “الإسلاموية والقومية متلازمتان”، وفقاً للمُحلّل السياسي بيرم بالسي.

الإسلام التركي
كان الدين في السابق محصوراً في الفضاء الخاصّ، وهو الآن حاضر في الأماكن العامة، وخصوصاً خلال شهر رمضان. كما أصبحت مديرية الشؤون الدينية (ديانت)، وهي إدارة قوية مسؤولة عن دفع رواتب الأئمة والسيطرة على خطبهم، تحت سيطرة الرئيس مباشرة، وباتت تضمن نشر الإسلام التركي في جميع أنحاء العالم - وخاصّة في أوروبا.
يتذكّر جان ماركو، الأستاذ والباحث في Science-Po Grenoble ، أنه “في نهاية التسعينيات، اعتقدنا أنه إذا استولى الإسلاميون على السلطة في تركيا، فستختفي مديرية الشؤون الدينية. لكنها لم تختف، بل على العكس من ذلك، زادت نفوذاً وقوّة واتّخذت بعداً دينياً لم يكن موجوداً حتى ذلك الحين”. في يوليو (تموز) 2020، عندما قرّر مجلس الدولة التركي فتح آيا صوفيا لإقامة الصلوات، ألقى رئيس “ديانت” علي أرباش الخطبة الأولى هناك وهو يتقلّد سيفاً وظلّ مُمسكاً به طوال إلقائه للخطبة.

نبذ العلمنة
حرص أردوغان على عدم التشكيك في العلمانية “على الطراز التركي” لأنها تخدم مصالحه. ويشرح صميم أكغونول أن “العلمانية على الطراز التركي لا تعني أبداً فصل الدين عن الدولة، بل خضوع الأول للثاني”. فبالنسبة لهذا المؤرخ والعالم السياسي، المحاضر في جامعة ستراسبورغ ، إن الخطاب فقط هو الذي يتغيّر: “في الماضي، دفعت الدولة المجتمع إلى علمنة نفسه بطريقة سلطوية، وكذلك فعل الجهاز الديني. واليوم، تضغط الدولة من أجل نبذ العلمنة وكذلك يفعل الجهاز الديني. وقد يتغيّر ذلك غداً».
من ناحية أخرى، فإن القانون العلماني الغني بتجريم التجديف، وقبل كل شيء إساءة استخدامه في تطبيقه اليومي بوجه كل من تعتبره السلطات تهديداً، ظلّ ساري المفعول. فلا مكان لقانون الشريعة في تركيا، ولا حتى في قانون الأحوال الشخصية.

البعد القومي
بعيداً من نهاية العلمانية، فإن الوضع الحالي يُمثّل بالنسبة لجان ماركو “مرحلة جديدة في تطوّر العلاقات بين الدولة والدين في تركيا منذ الإمبراطورية العثمانية”. وقال ماركو: “في الواقع، أردوغان عثماني أكثر منه إسلامياً بمعنى أنه مُقرّب من جماعة الإخوان الإرهابية. ما يهمه في الإسلام التركي هو البعد القومي أكثر من البعد الديني، والأمر نفسه ينسحب على الأمة بشرط أن يقودها الأتراك!».
وختمت هوفنر قائلة إن “تاريخ الأردوغانية لم ينته بعد. يتساءل الجميع بالفعل كيف سيحتفل رجل أنقرة القوي بالذكرى المئوية للجمهورية وإرث سلفه الضخم».