ثلاثة خبراء يشرحون:

هكذا يمكن للعالم أن يتعافى، رغم الأزمات...!

هكذا يمكن للعالم أن يتعافى، رغم الأزمات...!

-- ما سيفعله جو بايدن وشي جين بينغ   سيكون حاسمًا لبقية العالم
-- أفريقيا اليوم ليست الصين أو أوروبا، لكنها تمتلك الناتج المحلي الإجمالي للهند وعدد سكانها
-- إذا لم نغيّر النموذج، فإن الأزمة القادمة ستكون كارثة كاملة
-- الوباء هو عودة المخاوف الكبيرة وعودة العقل والسياسة
-- يمكن لهذه الأزمة أن تخرج الأوروبيين من سذاجة مزدوجة
-- كشف الوباء المشاكل والتحديات التي أهملناها، وسيمنحنا الفرصة للتفكير في طريقة إصلاح العالم
-- من إيجابيات الوباء، أن الإنسانية دمجت فكرة المصير المشترك، رغم الانقسامات القومية أو الاجتماعية


ثلاثة خبراء جيوسياسيين يضعون الشروط على أمل أن يكون “عالم ما بعد” الذي قيد التشكّل مكانًا أفضل.
ما الذي يمكن أن تشترك فيه أفكار أمريكي من أصل هندي، ناشر الجغرافيا السياسية في أشهر القنوات الإخبارية العالمية، ومؤرخ فرنسي متخصص في صراعات القوة الاستراتيجية؟ وكيف يتفاعل معها ريمي ريو، هذا المسؤول الكبير الذي أصبح أحد كبار المصرفيين في التنمية المستدامة؟
المبــــــادرة تخاطــــر بمحاولـــــة فهـــــم العالــــم الـــــذي ســــــندخله بحلـــــول نهايـــــــة عــــــــام 2021.

بعيدًا عن الطبيعة المتفائلة أو الحذرة لهؤلاء الخبراء الثلاثـــــة من نفــس الجيـــــل، نفهم بالاستماع إليهــم أن الرهـــــان الأكبـر سيكون العلاقة الصينية الأمريكية. فما سيفعله جو بايدن وشي جين بينغ، سيكون حاسمًا لبقية العالم.
 لكن هــــذا لا يكفـي، لأن كــــل شـــيء ســــيتوقّف أيضـــًا على قدراتنـا البشـرية للتكيـــف والتشبث والمقاومة. في مواجهـــة أي نوع من الأعداء؟ أنفسنا.


فريد زكريا: «من الجيد لأوروبا أن تلعب دور الوسيط»
ولد في بومباي عام 1964 لأبوين مسلمين، وتلقى تعليمه في واحدة من أفضل المدارس الأنغليكانية في البلاد، قبل أن يتابع دراساته العليا في الجامعتين الأمريكيتين المرموقتين في ييل وهارفارد.
الصحافة والجغرافيا السياسية هما شغفه، وقد أجرى مقابلات مع جميع عظماء هذا العالم، منهم هنري كيسنجر، سيد السياسة الواقعية. قال لنا فريد زكريا، مقدم برنامج جي بي إس كل يوم أحد على شبكة سي ان ان، “أنا متفائل بطبعي... أولاً، لأنني مهاجر عليه أن يأمل الأفضل ولا يخشى الأسوأ».

في الوقت الذي تتجاوز فيه الولايات المتحدة عتبة 400 ألف حالة وفاة جراء كوفيد-19، وهو عدد أعلى من عدد القتلى الذي سجلته القوات الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية، فهل هذا زمن للتفاؤل؟ “أعتقد أن البشر يحتاجون إلى صدمات كبيرة لحمل أنفسهم على التغيير، وهذا الوباء يمثل صدمة كبيرة، إنه يكشف المشاكل والتحديات التي أهملناها، وسيمنحنا الفرصة للتفكير في طريقة إصلاح العالم.»

في حوزتنا مثالين من الأشهر الستة الماضية. “انظروا إلى أوروبا: في البداية سارت كل الأمور بشكل خاطئ في منطقة شنغن، حمّل كل طرف مسؤولية مصائبه لجاره. ثم تولى إيمانويل ماكرون وأنجيلا ميركل مسؤولياتهما من أجل تصحيح الوضع وفعل ما يلزم للنجاح من خلال مزيد من التعاون بين الدول الأعضاء. وقد أدى ذلك إلى ظهور خطة التحفيز هذه التي تعزز الاتحاد من خلال تبادل الديون. ولم يعتقد أحد في الوصول الى مثل هذه النتيجة».

ولنقارن مع التصميم الأمريكي. “في الولايات المتحدة، إذا تم تبني خطة التحفيز التي وضعها جو بايدن البالغة 1.9 تريليون دولار، فستنعش البنية التحتية والطاقة البديلة وبرامج التعليم والتكوين الوظيفي، أي العديد من الموضوعات التي أصيبت الطبقة السياسية حيالها بالشلل لفترة طويلة”. هل سينتهي بنا الحال دائما الى النهوض مجددا؟ “نعم، مع كل أزمة نسعى إلى توازن جديد... وليس بدون صعوبة».

بشرط ألا نخطئ في التشخيص: “تبدو أزمة الجائحة هذه بمثابة تكرار لما يمكن أن يحدث مع الأسوأ. لقد عشنا حتى الآن بشكل خطير للغاية من خلال حرق الكوكب، ومن خلال الإنتاج والاستهلاك كما لم يحدث منذ بداية البشرية، وبتدمير الموائل الطبيعية. وإذا لم نغيّر النموذج، فإن الأزمة القادمة ستكون كارثة شاملة وكاملة. «

ماذا لو انتهزنا الفرصة لتخفيف التوتر بين الكتل الكبرى للتوجّه نحو الأساسي؟ “تظل أوروبا نموذجًا معجزة بالنظر إلى الحروب التي عرفتها فرنسا وألمانيا، لكنها ليست لاعباً استراتيجياً بعد. نحن معجبون بها كما هي، ولكن ليس لما هي قادرة على القيام به كمنظمة. وكما ستحتفظ الولايات المتحدة بدورها القيادي في عالم يزداد اقترابا من الثنائية القطبية مع الصين، سيكون من الجيد لأوروبا أن تلعب دور طرف ثالث، وسيط، وربما وسيط من أجل تجنب الحرب الباردة بين هاتين القوتين.

يستخدم فريد زكريا مصطلح الحرب الباردة، لكنه يعلم جيدًا أن الأمر ليس بهذه البساطة. “خلال الحرب الباردة، بلغت التجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ملياري دولار في السنة. اليوم، مع الصين، تبلغ 2 مليار دولار في اليوم! وللحفاظ على هذا التوازن بين المنافسة والتعاون، نحتاج إلى أوروبا”. هنا ايضا، بشرط عدم “الوقوع في فخاخ وآلام القومية والحروب الباردة والشعبوية”. غير ممكن؟ “سيكون الأمر صعبًا. سنحتاج إلى الاستقرار السياسي، وخاصة المزيد من التعاون الدولي، يعترف فريد زكريا، ستكون السنوات العشر إلى الخمسة عشر التالية صعبة وغير مؤكدة”، لتحقيق الاستقرار على كوكب الأرض، مع مخاطر الفشل الحتمية والتعرج وخيبات الأمل. وكما يلخص في فصلين من فصول كتابه: “اربطوا أحزمتكم”، حتى لو “لا شيء مكتوب» ...
*آخر اعماله المنشورة: العودة إلى المستقبل -10 دروس للغد (منشورات سان سيمون، 2021)

توماس جومارت:
«واشنطن وبكين تريدان التحكم في الترموستات»
ركزت أطروحته على العلاقات الفرنسية السوفياتية في نهاية الخمسينات، لكن توماس جومارت، مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية هو بالتأكيد من أبناء ما بعد السوفياتية. ابن عسكري، كاثوليكي، متأثر بشدة بمراسلات تيلار دو شاردان في خنادق حرب 1914-1918، الرجل محلل للاتجاهات والمذاهب.
لقد سمع رئيس الدبلوماسية الفرنسية، جان إيف لودريان، يخشى أن “عالم ما بعد” يبدو مثل عالم ما قبل “ولكن بشكل أسوأ”. وماذا عن موقفه هو؟ ليس مطمئنًا تمامًا غير انه شديد اليقظة. من بين النقاط الإيجابية للوباء، يشير إلى أن “الإنسانية دمجت فكرة المصير المشترك، بغض النظر عن الانقسامات القومية أو الاجتماعية”، وأن “هذه الأزمة أظهرت قدرة السلطات السياسية على اتخاذ تدابير بحجم غير مسبوق».

الاساسي بالنسبة له، “الاستعداد للأزمات الأخرى التي من المؤكد أن تنشأ سواء كانت صحية أو بيئية أو رقمية”. موضوع آخر للرضا، هزيمة الديماغوجيين. “النتائج التي حصل عليها الزعماء الشعبويون في الولايات المتحدة والبرازيل، وحتى في المملكة المتحدة، الذين قللوا من المخاطر في بداية الأزمة، نتائج كارثية. فالشعبويون خطباء وليسوا معالجين. ومن المفارقات، ان عودة المخاوف الكبرى، التي يبدو أنها تطفو على السطح من العصور السحيقة، تتوافق في نفس الوقت وعودة الحكمة والسياسة «.

ولكن عندما يلقي نظرة فاحصة على كيفية استعداد الأوروبيين والأمريكيين والصينيين لعالم الغد، فإنه يشعر بالقلق. يخبرنا أن هذه الأزمة يمكن أن تخرج الأوروبيين من سذاجة مزدوجة. فالنخب الأوروبية في حالة يقظة جيوسياسية كاملة، يقظة مؤلمة بقدر ما يفهمون أن الصين بصدد انتزاع المرتبة الثانية من الاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية في أقل من جيل”.  هل يجب أن نكون سعداء بعد ذلك لأن جو بايدن يقوم بالعمل نيابة عن الغربيين؟ “دعونا لا ننسى أن التحدي الذي يواجه بايدن هو أولاً وقبل كل شيء داخلي، مع وضع صحي كارثي ومجتمع متعدد الشروخ الى درجة أن هامشه الدولي للمناورة ليس واسعا جدًا من اللحظة التي اعتبر فيها الأمريكيون انهم لم يعودوا يستفيدون من العولمة».

وحتى لو كانت تلك هي الحال، فهل ان أمريكا مليئة بالنوايا الحسنة لإصلاح العالم؟ “يعتقد الأوروبيون أن التسيير المتعدد الأطراف هو الحل الوحيد الممكن لمواجهة التحديات المناخية والرقمية، يجيب توماس جومارت، ولكن ليس هذا هو الحال في واشنطن وبكين، حيث السؤال هو من سيتولى التحكم في منظّم الحرارة العالمي. وفي هذا الصدد، ينبغي على الأوروبيين إيلاء أقصى قدر من الاهتمام لمختلف برامج الهندسة الجيولوجية التي تهدف إلى تعديل المناخ على نطاق واسع «.

خاصة أن الثقافة الأمريكية لا تعرف كلمة رصانة. “عام 1992، أعلن جورج بوش ‘أن أسلوب الحياة الأمريكي غير قابل للتفاوض’. ولا يزال الامر كذلك بالنسبة لغالبية الأمريكيين، كما يقول توماس جومارت. وأضيف أن الجيوش الأمريكية ربما تكون أفضل استعدادًا لعواقب التغيّر المناخي. وحقيقة أن جون كيري عضو في مجلس الأمن القومي يوضح الروابط الوثيقة بين القضايا البيئية والعسكرية».
في هذه المرحلة من المناقشة، لم يعد واضحًا ما إذا مازال لكلمتي “تشاؤم” و”تفاؤل” معنى كبيرا، وإذا لم يكن من الضروري، كما يوصي توماس جومارت، “إعادة التسلح فكريًا وليس عسكريًا فقط».
آخر كتاب نشره: الحروب الخفية -تحدياتنا الجيوسياسية القادمة (منشورات تالاندييه، 2021).

ريمي ريو:
«دبلوماسية الأحياء
 بدلاً  من ألعاب القوة»
ماذا عن نصف الكرة الجنوبي؟ هل نسينا أن هذا الوباء عالمي؟ إذا كان هناك لاعب عالمي في فرنسا يتوقع على مدى الثلاثين القادمة، فهو وكالة التنمية الفرنسية، وزارة التعاون السابقة، في منتصف الطريق بين بيرسي والشؤون الخارجية، تراقب الدول الفقيرة والصاعدة كشركاء في كل تقدم. “يذكرنا هذا الوباء بأنه يجب علينا التمييز بين ‘العالم الذي نعيش فيه’ و’العالم الذي نعيش منه’، هكذا يلخص ريمي ريو، مدير وكالة التنمية الفرنسية، مستعيرا تعبير الفيلسوف برونو لاتور، الذي أغلق للتو آخر كتاب له.

وكأن البقاء والاستهلاك ينتميان إلى سيادتين مختلفتين حسب جغرافيتها واقتصادها. “لقد صُدمت عندما لاحظت، باستضافة قمة التمويل المشترك في منتصف نوفمبر، والتي جمعت لأول مرة في باريس 450 بنكًا للتنمية العمومية في العالم، أن توافقًا قويًا للغاية كان ممكنًا في هذا المرفق –رغم اتساع مساحته -حول أهداف التنمية المستدامة، سواء تعلق الامر بالمناخ أو التنوع البيولوجي أو النماذج الاقتصادية الجديدة، كما يقول، هذا الإجماع الجديد هو سبب حقيقي للأمل «. يرفض ريمي ريو اختزال التنافس الصيني الأمريكي في رهانات القوة والسلطة. يريد أن يرى فيه القدرة على العمل من أجل الصالح العام.

“عام 2015، مع أهداف التنمية المستدامة التي تم تبنيها في الأمم المتحدة واتفاقية باريس للمناخ، شاركت في هذه الخطوات الأساسية نحو دبلوماسية جديدة للتعايش، والتي يمكن تسريع ظهورها الآن بعد أن تم رفع حاجز دونالد ترامب”. بالنسبة له، فإن الهدف الذي حدده جو بايدن وشي جين بينغ، بتحقيق الحياد الكربوني بين 2050 و2060 يمثل “تقدما”، وهو إشارة إلى “تجدد التعاون المتعدد الأطراف” الذي سيسود في النهاية على “ألعاب القوة الكارثية».

إن أفق 2050 هذا، بالنسبة لمصرفي التنمية المستدامة، ليس بعد غد بل غدًا. “اليوم، أفريقيا ليست الصين أو أوروبا بعد، لكنها تمتلك حاليا الناتج المحلي الإجمالي وعدد سكان الهند. يا له من تقدم تم إحرازه خلال ثلاثين عامًا فقط! يقول ريمي ريو مبتهجا. قد يبدو عالم ما بعد الوباء مخيفًا، ولكن للتغلب على الخوف، من الضروري التفكير في ‘عالم ما بعد عالم ما بعد’ اي في افق عام 2050 «.

بالنسبة له، ستتعافى إفريقيا بسرعة من وبائها. “لقد نسينا أن إفريقيا مرنة وشابة، وقد طورت سوقها الداخلية ومصادر نموها الداخلي، وأن قادتها استجابوا جيدًا للأزمة. تذكرنا إفريقيا وتعلمنا أنه يمكنك العيش مع الطبيعة والفيروسات طالما أنك تتكيف وتكون يقظًا”. بما يكفي للاستثمار في المستقبل، “عندما تقرض وكالة التنمية الفرنسية المال على عشرين أو ثلاثين عاما، تطلب من عملائها إخبارها كيف سيكون شكل بلدهم عام 2050، انها تستثمر في عالم 050 “... المعنى الضمني: إذا لم نصدق ذلك، سنصرف النظر.
أحدث أعماله المنشورة: المصالحة (منشورات المناقشات العامة، 2019) والاقتصاد الأفريقي 2021 (منشورات لاديكوفارت، 2021)