المملكة المتحدة بين نارين:

هكذا يهدد البريكسيت وكوفيد وحدة البلاد...!

هكذا يهدد البريكسيت وكوفيد وحدة البلاد...!

-- وباء كوفيد-19 سمح بالصعود الصاروخي للانفصاليين في ويلز
-- اسكتلندا هي أقرب جزء من المملكة المتحدة إلى الانفصال
-- الصعوبات الاقتصادية لويلز تشكل عقبة رئيسية أمام الاستقلال
-- لئن ظلت الانقسامات السياسية في اسكتلندا محدودة، فإن تلك الانقسامات تنمو مع إنجلترا
-- لا يمكن لإسكتلندا أن تعلن استقلالها وحدها، لكن القانون لا يمنع تنظيم استفتاء حول الموضوع
-- أثار البريكسيت مخاوف بشأن احترام الاتفاقيات التي أنهت أكثر من 30 عامًا من الصراع في جزيرة الزمرد


   في الوقت الذي تخوض فيه لندن وبروكسل مفاوضات اللحظات الأخيرة للتوصل إلى اتفاقية تجارية قبل نهاية الشهر، قد يكون للبريكسيت عواقب أخرى ما وراء المانش.
   يأمل القوميون أن يكون خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي نذيرا بمغادرتهم المملكة المتحدة -ويستندون في ذلك إلى سلسلة من استطلاعات الرأي المواتية، منها في الدول التي كانت حتى الآن مترددة في تبني النزعة الانفصالية.
 
وقالت الناشطة الانفصالية الويلزية سيون جوبينز لصحيفة ذا ناشيونال الإسكتلندية في نهاية نوفمبر: “في غضون ثماني سنوات، ستكون ويلز إما مستقلة أو مدمجة في إنجلترا».

اسكتلندا: البريكسيت،
حجة ثقيلة للانفصاليين
   لم يسبق ان حصل أنصار اسكتلندا المستقلة على مثل هذه الأرقام. في أوائل أكتوبر الماضي، منحهم استطلاع أجراه معهد إبسوس موري، الفوز في حالة إجراء استفتاء على الاستقلال، بنسبة تبلغ 58 بالمائة.
   وسبق أن نظمت اسكتلندا مثل هذا الاستفتاء عام 2014، وخسره القوميون، بنسبة 45 بالمائة فقط من الأصوات. لكن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، الذي بدأ سريانه منذ 31 يناير، غيّر المعطى.
   «لقد انقلب موقف الأشخاص الذين كانوا متشككين، وخاصة من الطبقات الثرية، الذين لم يصوتوا لصالح الاستقلال ولكنهم ضد البريكسيت”، تشرح ناتالي دوكلوس، المحاضرة والمتخصصة في اسكتلندا في جامعة تولوز-جان جوريس.

  في الاستفتاء على مغادرة الاتحاد الأوروبي عام 2016، اختارت اسكتلندا بأغلبية ساحقة البقاء في الاتحاد الأوروبي، بينما صوت البريطانيون على المغادرة. ودعت جميع الأحزاب السياسية الإسكتلندية إلى البقاء في الاتحاد الأوروبي، على عكس نظرائهم البريطانيين، المهدّدين من قبل اليمين المتطرف.
   ولئن ظلت الانقسامات السياسية في اسكتلندا محدودة، فإن تلك الانقسامات مع إنجلترا تنمو باطراد. في الثمانينات، عندما كان اليمين هو المهيمن على المستوى الوطني، “كان هناك تطابق بين الإسكتلنديين وقيم اليسار، تذكّر ناتالي دوكلوس، كوسيلة لمعارضة الحكومة في لندن”. وقدم الانتصار التشريعي للمحافظين العام الماضي حججًا جديدة للقوميين الأسكتلنديين، الذين يقودون السلطة التنفيذية المحلية منذ عام 2007.

   رسميّا، يعوّل الحزب القومي الإسكتلندي على فوز ساحق في الانتخابات المحلية في مايو المقبل لدعوة لندن، التي ترفض رفضا قاطعا القيام بذلك، لإجراء استفتاء ثان. وفي حال الخلاف، يرغب جزء من الانفصاليين في إحالة المعركة إلى المحكمة العليا البريطانية، تشرح ناتالي دوكلوس: “لا يمكن لإسكتلندا أن تعلن استقلالها وحدها، لكن النصوص لا تنص على ان إجراء استفتاء حول الموضوع ممنوع”. وفي المملكة المتحدة، مع بقاء السيادة للبرلمان وليست للشعب، سيكون هذا الاستفتاء استشاريًا فقط، ولكنه سيسلّط مزيدًا من الضغط على الحكومة البريطانية.

ويلز: كوفيد كمحفّز للاستقلال
   حتى الآن، ظل التأييد للاستقلال محصوراً في أقل من 10 بالمائة. الا ان استطلاعًا أجرته “يو غوف” في أكتوبر الماضي قدّر القبول بويلز مستقلة بنسبة 24 بالمائة، وتصل النسبة الى 33 بالمائة إذا كان بإمكان الأمة البقاء في الاتحاد الأوروبي. مفاجأة حقيقية في أول دولة ملحقة بإنجلترا منذ عام 1536: “عندما وافقت اسكتلندا على الانضمام إلى الاتحاد عام 1707، تمكنت من الحفاظ على نظامها الديني ونظامها التعليمي؛ وليس على أرض ويلز، التي تم ضمها وأصبحت منطقة في إنجلترا”، تقول ستيفاني بوري، الأستاذة المحاضرة في جامعة ليون، جان مولين، المتخصصة في ويلز.
   هناك، كوفيد-19 هو الذي سمح بالصعود الصاروخي للانفصاليين. ضربت الموجة الأولى من الوباء ويلز، “إحدى أفقر المناطق في أوروبا مع ارتفاع معدلات البطالة”، والتي هجرها الشباب بشدة.

هناك، كوفيد-19 هو الذي سمح بالصعود الصاروخي للانفصاليين. ولذلك، وافق السكان إلى حد كبير على القيود المفروضة على الحريات التي قررتها كارديف، وهي أكثر صرامة مما هي عليه في بقية المملكة: تم إصدار قرار الحجر الصحي الثاني هناك قبل أسبوعين من إنجلترا، وقد طالب رئيس الوزراء الويلزي لندن بأنه لم يعد مسموحا للإنجليز السفر إلى ويلز. و”شعر بعض سكان ويلز أن المجلس كان مفيدا، وأنهم كانوا قادرين على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم”، تضيف ستيفاني بوري. ومنذئذ، شهدت منظمة “نعم ويلز” المؤيدة للاستقلال نمو عدد منتسبيها من 2000 عضوا في بداية العام، إلى ما يقرب من 14 ألف عضو اليوم.
   ومع ذلك، فإن الصعوبات الاقتصادية للأمة تشكل عقبة رئيسية أمام الاستقلال. الا إذا رسمت اسكتلندا الطريق، تضيف ستيفاني بوري: “إذا غادرت اسكتلندا المملكة المتحدة، ستصبح ويلز كيانًا مهملاً: ثلاثة ملايين نسمة، إنها صغيرة جدًا مقارنة بوزن انجلترا.»

إيرلندا الشمالية:
الحدود تبلور النقاشات
   الديناميكية الانفصالية أقل وضوحًا في إيرلندا الشمالية، حيث تكون استطلاعات الرأي أكثر تذبذبا: كما كتب الموقع السياسي Slugger O’Toole، يبدو من السهل التعبير عن دعم توحيد إيرلندا في استطلاعات الرأي التي تجرى عبر الإنترنت، بخلاف تلك التي يتم إجراؤها شخصيًا. وهذا يفسر سبب تذبذب هذا الدعم بين 20 و45 بالمائة. ولكن حتى لو تم أخذ هذه الاستطلاعات بحذر، فإنها تظهر زيادة مطردة في التصويت المؤيد لإعادة التوحيد منذ عام 2016، والتصويت البريطاني لصالح البريكسيت، الذي رفضه الإيرلنديون الشماليون بنسبة 56 بالمائة.    علما أن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي، يثير مخاوف بشأن احترام اتفاقيات الجمعة العظيمة، التي أنهت عام 1998 أكثر من 30 عامًا من الصراع في جزيرة الزمرد.

  كانت مسألة الضوابط الجمركية، وعودة الحدود بين إيرلاندا الشمالية والجنوبية، محور عملية ليّ ذراع لا نهاية لها بين بروكسل ولندن، وأعلنت هذه الاخيرة الثلاثاء 8 ديسمبر أنها تخلت عن تعديل اتفاق الطلاق الموقع قبل عام. لذلك يجب أن تتم الفحوصات الجمركية بين إيرلندا الشمالية وبقية المملكة، وليس بين شمال وجنوب الجزيرة، الأمر الذي كان سيجعل منهما هدفا للقوميين.
   «الحدود المفتوحة هي السبب في الحفاظ على السلام على هشاشته، والمجموعات شبه العسكرية مستعدة للعمل مرة أخرى”، يؤكد تيبود هارويس. في أبريل 2019، قُتلت صحفية على يد الجيش الجمهوري الإيرلندي الجديد خلال ليلة من الاشتباكات، وقالت شرطة إيرلندا الشمالية إن عناصرها استُهدفوا ست مرات من قبل الجماعة الإرهابية في العام نفسه .

   كما حددت اتفاقيات الجمعة العظيمة شروط إجراء استفتاء حول إعادة التوحيد، شروط يصعب الايفاء بها. “يجب أن تصوت غالبية الشعب الأيرلندي لصالح تنظيم الاستفتاء، بموافقة لندن ودبلن، يعدد تيبود هاروا، ولست متأكدًا من أن جمهورية إيرلندا تؤيد لمّ الشمل “. إن دمج منطقة فقيرة مثل إيرلندا الشمالية قد يكلف جمهورية إيرلندا غالياً. لذلك، بالنسبة للباحث، فإن اسكتلندا هي “أقرب جزء من المملكة المتحدة إلى الاستقلال».