الحرب في أوكرانيا:
هل الصين مستعدة للعب دور الوسيط...؟
	 -- اختيار فلاديمير بوتين شن حرب ضد جاره الأوكراني، يشكل تهديدا عميقا للنظام الصيني
-- التدخل الروسي في أوكرانيا في طريقه إلى إنهاء التوازن العالمي الذي كان أرضًا خصبة للنجاح الاقتصادي الصيني
-- يعزز كل يوم حرب إضافي الوحدة الأوروبية ويقوي الناتو، وهما اتجاهان تعتبرهما بكين ضد مصالحها
-- لكي تحظى أي وساطة بفرصة النجاح، لا خيارأمام بكين سوى إجرائها بالاشتراك مع شريك غربي
-- إذا انهارت روسيا، اقتصاديًا ومؤسسيًا، فقد يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار آسيا الوسطى، وهو أمر خطير بالنسبة للصين
	
في 5 سبتمبر 1905، شكلت معاهدة بورتسموث، التي أنهت الحرب الروسية اليابانية، لحظة حاسمة في التاريخ الأمريكي. ومن خلال اتخاذ قرار لعب دور الوسيط، والتمكن من وضع حد للصراع بين الإمبراطورية الروسية وإمبراطورية اليابان،
أكد الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت بشكل قاطع مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى، هي التي لم تكن ترى نفسها، حتى تلك اللحظة، سوى قوة صاعدة.
ورغم أن الظروف مختلفة تمامًا اليوم، تظل الحقيقة أن الأمر متروك الآن للصين لتحديد ما إذا كانت مستعدة للعب دور حقيقي وبنّاء في الوساطة. بالتأكيد أن العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب وحلفاؤه على روسيا ستسرّع من تبعية موسكو لبكين، ومع ذلك، فإن اختيار الرئيس بوتين خوض حرب وحشية وغير معقولة، يشكل تهديدات عميقة للنظام الصيني.
	
أولها، أن العدوان الروسي في أوكرانيا في طريقه إلى إنهاء التوازن العالمي الذي كان، من خلال استقراره النسبي، أرضًا خصبة للنجاح الاقتصادي الصيني في العقود الأخيرة. ثانيًا، ليس من مصلحة شي جين بينغ رؤية النظام الدولي ينحدر إلى الفوضى مع اقتراب المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني في خريف عام 2022، والذي يهدف خلاله إلى تعزيز سلطته على المدى الطويل. ثالثًا، يعزز كل يوم حرب إضافي الوحدة الأوروبية ويقوي الناتو، وهما اتجاهان تعتبرهما بكين ضد مصالحها. أخيرًا، إذا انهارت روسيا، اقتصاديًا ومؤسسيًا، فقد يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار آسيا الوسطى، وهو أمر خطير بقدر صعوبة التنبؤ به بالنسبة للصين.
	
للصين كل المصلحة
في إنهاء الحرب
وبعيدًا عن الضرورة الإنسانية، هناك أسباب استراتيجية يجب أن تدفع النظام الصيني لبذل كل ما في وسعه، مع الحفاظ على شراكته الاستراتيجية مع جارته الروسية، لوضع حد للحرب في أسرع وقت ممكن في أوكرانيا. ومع ذلك، هناك فرق ملحوظ بين أمريكا ثيودور روزفلت والصين في عهد شي جين بينغ: لا يمكن للأخيرة أن تلعب دور الوسيط بمفردها.
إذا كان لبكين أدوات تأثير كبيرة على موسكو، فإن قوة العلاقات الصينية الروسية والموقف التصالحي فيما يتعلق بالكرملين الذي تم تبنيه منذ بداية الأزمة، يمنعان الصين من أن يُنظر إليها على أنها حكم محايد. ولكي تحظى أي وساطة بفرصة النجاح، ليس أمام بكين خيار سوى إجرائها بالاشتراك مع شريك غربي.
	
وفي الوقت الذي يتجاوز فيه الهوس المناهض للصين الانقسامات الحزبية في واشنطن، وتضاءلت القنوات الدبلوماسية الصينية الأمريكية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، يبدو من المستحيل أن تتمكن الولايات المتحدة من لعب هذا الدور.
وفي هذا السياق، تفتح فرصة كبيرة للأوروبيين. ولأنه كان قادرًا، رغم الانتقادات، على الحفاظ على قناة اتصال ثابتة مع الكرملين وإعادة الاتحاد الأوروبي إلى قلب اللعبة عندما بدا أنه مقرر أن يغادر، سيكون للرئيس ماكرون دور حاسم. الا ان زعامته لا يمكن أن تكون فعالة وتوازن ثقل بكين إلا إذا سار اليد في اليد مع المستشار شولتز. فمن خلال الخطاب التاريخي الذي ألقاه في البوندستاغ في 27 فبراير، وبسبب العلاقات التي تجمع برلين ببكين، رسّخ هذا الأخير نفسه كشخصية رئيسية في هذه الأزمة. وفي هذا الصدد، فإن الاجتماع الذي جمع قادة الصين وألمانيا وفرنسا في 8 مارس، يمكن أن يكون مقدمة للعديد من الاجتماعات المستقبلية بهذا الشكل.
	
إذا كانت هناك عقبات متعددة، ولكن أيضًا علامات استفهام مهمة -لا سيما فيما يتعلق بطبيعة العلاقة الشخصية التي تجمع شي ببوتين -والتي ستجعل أي وساطة صينية أوروبية صعبة للغاية، إلا أنه خيار دبلوماسي لا يمكن شطبه بجرة قلم.
وإذا تم تنفيذ هذه الوساطة، فلن تضع حداً للخلافات العميقة، وحتى لانعدام الثقة والتنافس الذي نشأ بين الغرب والصين، ولكنها، على المدى القصير، ستسمح لبكين بالظهور مجددا كجهة فاعلة مسؤولة بعد عدة سنوات حبست فيها القوة الصينية نفسها في موقف عدواني، بل ومهدد. بالنسبة للأوروبيين، ستكون هذه خطوة رئيسية جديدة بحيث يُنظر فيها إلى أوروبا، وتنظر لنفسها، أخيرا، على أنها قوة.
	
*العضو المنتدب لأوروبا في شركة الاستشارات الجيوسياسية ماكلارتي أسوشيتس. يقوم بتدريس القضايا الدولية في معهد العلوم السياسية بباريس وقد نشر للتو هنري كيسنجر. الأوروبي “غاليمار».
	 
                                   
														
							-- التدخل الروسي في أوكرانيا في طريقه إلى إنهاء التوازن العالمي الذي كان أرضًا خصبة للنجاح الاقتصادي الصيني
-- يعزز كل يوم حرب إضافي الوحدة الأوروبية ويقوي الناتو، وهما اتجاهان تعتبرهما بكين ضد مصالحها
-- لكي تحظى أي وساطة بفرصة النجاح، لا خيارأمام بكين سوى إجرائها بالاشتراك مع شريك غربي
-- إذا انهارت روسيا، اقتصاديًا ومؤسسيًا، فقد يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار آسيا الوسطى، وهو أمر خطير بالنسبة للصين
في 5 سبتمبر 1905، شكلت معاهدة بورتسموث، التي أنهت الحرب الروسية اليابانية، لحظة حاسمة في التاريخ الأمريكي. ومن خلال اتخاذ قرار لعب دور الوسيط، والتمكن من وضع حد للصراع بين الإمبراطورية الروسية وإمبراطورية اليابان،
أكد الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت بشكل قاطع مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى، هي التي لم تكن ترى نفسها، حتى تلك اللحظة، سوى قوة صاعدة.
ورغم أن الظروف مختلفة تمامًا اليوم، تظل الحقيقة أن الأمر متروك الآن للصين لتحديد ما إذا كانت مستعدة للعب دور حقيقي وبنّاء في الوساطة. بالتأكيد أن العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب وحلفاؤه على روسيا ستسرّع من تبعية موسكو لبكين، ومع ذلك، فإن اختيار الرئيس بوتين خوض حرب وحشية وغير معقولة، يشكل تهديدات عميقة للنظام الصيني.
أولها، أن العدوان الروسي في أوكرانيا في طريقه إلى إنهاء التوازن العالمي الذي كان، من خلال استقراره النسبي، أرضًا خصبة للنجاح الاقتصادي الصيني في العقود الأخيرة. ثانيًا، ليس من مصلحة شي جين بينغ رؤية النظام الدولي ينحدر إلى الفوضى مع اقتراب المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني في خريف عام 2022، والذي يهدف خلاله إلى تعزيز سلطته على المدى الطويل. ثالثًا، يعزز كل يوم حرب إضافي الوحدة الأوروبية ويقوي الناتو، وهما اتجاهان تعتبرهما بكين ضد مصالحها. أخيرًا، إذا انهارت روسيا، اقتصاديًا ومؤسسيًا، فقد يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار آسيا الوسطى، وهو أمر خطير بقدر صعوبة التنبؤ به بالنسبة للصين.
للصين كل المصلحة
في إنهاء الحرب
وبعيدًا عن الضرورة الإنسانية، هناك أسباب استراتيجية يجب أن تدفع النظام الصيني لبذل كل ما في وسعه، مع الحفاظ على شراكته الاستراتيجية مع جارته الروسية، لوضع حد للحرب في أسرع وقت ممكن في أوكرانيا. ومع ذلك، هناك فرق ملحوظ بين أمريكا ثيودور روزفلت والصين في عهد شي جين بينغ: لا يمكن للأخيرة أن تلعب دور الوسيط بمفردها.
إذا كان لبكين أدوات تأثير كبيرة على موسكو، فإن قوة العلاقات الصينية الروسية والموقف التصالحي فيما يتعلق بالكرملين الذي تم تبنيه منذ بداية الأزمة، يمنعان الصين من أن يُنظر إليها على أنها حكم محايد. ولكي تحظى أي وساطة بفرصة النجاح، ليس أمام بكين خيار سوى إجرائها بالاشتراك مع شريك غربي.
وفي الوقت الذي يتجاوز فيه الهوس المناهض للصين الانقسامات الحزبية في واشنطن، وتضاءلت القنوات الدبلوماسية الصينية الأمريكية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، يبدو من المستحيل أن تتمكن الولايات المتحدة من لعب هذا الدور.
وفي هذا السياق، تفتح فرصة كبيرة للأوروبيين. ولأنه كان قادرًا، رغم الانتقادات، على الحفاظ على قناة اتصال ثابتة مع الكرملين وإعادة الاتحاد الأوروبي إلى قلب اللعبة عندما بدا أنه مقرر أن يغادر، سيكون للرئيس ماكرون دور حاسم. الا ان زعامته لا يمكن أن تكون فعالة وتوازن ثقل بكين إلا إذا سار اليد في اليد مع المستشار شولتز. فمن خلال الخطاب التاريخي الذي ألقاه في البوندستاغ في 27 فبراير، وبسبب العلاقات التي تجمع برلين ببكين، رسّخ هذا الأخير نفسه كشخصية رئيسية في هذه الأزمة. وفي هذا الصدد، فإن الاجتماع الذي جمع قادة الصين وألمانيا وفرنسا في 8 مارس، يمكن أن يكون مقدمة للعديد من الاجتماعات المستقبلية بهذا الشكل.
إذا كانت هناك عقبات متعددة، ولكن أيضًا علامات استفهام مهمة -لا سيما فيما يتعلق بطبيعة العلاقة الشخصية التي تجمع شي ببوتين -والتي ستجعل أي وساطة صينية أوروبية صعبة للغاية، إلا أنه خيار دبلوماسي لا يمكن شطبه بجرة قلم.
وإذا تم تنفيذ هذه الوساطة، فلن تضع حداً للخلافات العميقة، وحتى لانعدام الثقة والتنافس الذي نشأ بين الغرب والصين، ولكنها، على المدى القصير، ستسمح لبكين بالظهور مجددا كجهة فاعلة مسؤولة بعد عدة سنوات حبست فيها القوة الصينية نفسها في موقف عدواني، بل ومهدد. بالنسبة للأوروبيين، ستكون هذه خطوة رئيسية جديدة بحيث يُنظر فيها إلى أوروبا، وتنظر لنفسها، أخيرا، على أنها قوة.
*العضو المنتدب لأوروبا في شركة الاستشارات الجيوسياسية ماكلارتي أسوشيتس. يقوم بتدريس القضايا الدولية في معهد العلوم السياسية بباريس وقد نشر للتو هنري كيسنجر. الأوروبي “غاليمار».
 
							 
							 
							 
								 
                                
                                       
                                
                                       
                                
                                       
                                
                                       
					 
                                                                       
                                                                       
                                                                       
                                                                       
					