فرصة نادرة لبكين لتعزيز مكانتها ونفوذها الإقليمي والعالمي
هل تستغل بكين «حرب الرسوم الجمركية» لتحقيق مكاسب ضخمة؟
رأت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، أن الرسوم الجمركية الضخمة التي فرضها الرئيس دونالد ترامب، إلى جانب الدعم العسكري المتزايد الذي تقدمه بلاده لتايوان، تشكل فرصة نادرة للصين للاستغلال الموقف الأمريكي لتعزيز مكانتها ونفوذها الإقليمي والعالمي.
وأضافت «معاريف» أن رفع التعريفات الجمركية على معظم بلدان العالم، يهز نظام التجارة العالمي والاقتصاد والأسواق العالمية، فضلاً عن أنه يتسبب بتقويض الثقة لدى حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، وإلحاق الضرر بالعلاقات مع دول في مختلف أنحاء العالم، والتأثير بشكل كبير على اقتصادات الصين وآسيا وأوروبا، مشيرة إلى أن التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب، والتي تسعى إلى تعزيز الصناعة والاقتصاد الأمريكيين، لها آثار عميقة على النمو العالمي.
وبالإضافة إلى الخسائر الضخمة التي بلغت نحو 7 تريليون دولار في أسواق الأسهم العالمية، وتوقعات بشطب 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة ومنطقة اليورو، فإن تحركات ترامب قد تتسبب في تباطؤ الاقتصاد العالمي وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 0.5%.
ركود عالمي
وذكرت الصحيفة في التحليل الذي أعدته الدكتورة عنات هوشبيرغ ماروم، أنه من منظور جيوسياسي واسع النطاق، فإن الرسوم الجمركية التي تقدر قيمتها الإجمالية بأكثر من نصف تريليون دولار، والتي تهدف من وجهة نظر ترامب إلى خفض العجز في الميزانية مع بكين بشكل رئيسي، مع تغيير الميزان التجاري العالمي بشكل أساسي لصالح الولايات المتحدة، تؤدي إلى فرض رسوم جمركية مضادة وتفاقم الحرب التجارية، كما أنها تزيد من تكاليف الإنتاج والتصدير والخدمات اللوجستية، مما يتسبب في ارتفاع الأسعار، وتفاقم الضغوط التضخمية، وفرصة تصل إلى 50% للركود، حسب تقديرات كبار المسؤولين في صندوق النقد الدولي.
ومن المتوقع أيضاً أن يؤدي ارتفاع تكلفة السلع والمواد الخام إلى تقليص نطاق الاستثمارات، وتغيير الاتفاقيات الدولية، وإلى انخفاض بنحو 23% في نطاق التجارة العالمية، بالإضافة إلى الخسائر الضخمة في القيمة السوقية للشركات والمؤسسات العالمية، بما في ذلك أبل ونايكي، التي تعتمد على مصانع التصنيع في آسيا وسلاسل التوريد العالمية، فإن الخوف المتزايد من تضرر الصادرات، مع إغلاق المصانع وارتفاع معدلات البطالة، يزيد من حالة عدم اليقين وعدم الاستقرار الاقتصادي العالمي، وكل هذا من شأنه أن يسبب أضرارا غير مسبوقة للاقتصاد الأمريكي والعالمي، ويؤدي إلى واحدة من أكثر الأزمات المالية انتشاراً وخطورة في العقود الأخيرة، وهو ما من شأنه أن يخلف تداعيات على الفضاء الجيوسياسي والأمني الإقليمي والعالمي.
الرد الصيني
تقول الصحيفة، إنه ليس من قبيل الصدفة أن يأتي رد القيادة الصينية بحدة على التحركات «الصبيانية وغير المسؤولة» للرئيس الأمريكي، في حين دعت إلى «رفع الرسوم الجمركية على الفور وحل الخلافات من خلال محادثات تُجرى بطريقة متساوية ومحترمة وفعالة».
وأكدت وزارة المالية الصينية أيضا أن فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 34% على الصين، ما من شأنه أن يؤدي إلى رفع إجمالي الرسوم الجمركية إلى 54%، يتعارض مع قواعد التجارة الدولية»، مضيفة أن هذه التحركات «تضر بالمصالح الصينية وتعرض التنمية الاقتصادية العالمية واستقرار الإنتاج العالمي وسلاسل التوريد للخطر».
تصعيد الحرب
وأشارت الصحيفة إلى أنه من منظور استراتيجي نظامي، فإن التأثيرات على اقتصاد الصين والتجارة الدولية هائلة، فلم تتعرض أكبر دولة مصدرة في العالم لأقسى ضربة حتى الآن فحسب، بل إن التنفيذ الفعلي لاستراتيجية التعريفات الجمركية، التي تمثل الإجراء العقابي الذي اتخذه ترامب ضدها، ينطوي على مخاطر عالية للغاية، وبعيداً عن حقيقة أن الرسوم الجمركية المتبادلة من المتوقع أن تؤثر على سلع بقيمة 582 مليار دولار، كما تظهر بيانات وزارة التجارة الأمريكية لعام 2024، فإن الوضع الاقتصادي العالمي أكثر هشاشة بكثير في عام 2025 مقارنة بالوضع خلال فترة ولايته السابقة في البيت الأبيض.
وعلاوة على ذلك، فإن الرسوم الجمركية المرتفعة المفروضة على الصين وكذلك الاتحاد الأوروبي (20%)، واليابان (24%)، وكوريا الجنوبية (25%)، لها تأثيرات غير مباشرة أكثر أهمية، وخاصة على هذه الخلفية، وتؤدي آثارها التراكمية إلى زيادة التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، وهو ما له تداعيات على المجال الدبلوماسي، وعلى الاتفاقيات، وعلى التعاون الدولي في مختلف المجالات، مثل الطاقة والتكنولوجيا والمناخ.
التغيرات في المشهد الاقتصادي
ومن منظور جيوسياسي واستراتيجي واسع النطاق، فإن الصدام بين أكبر اقتصادين في العالم، والذي يصل إلى ذروته على وجه التحديد في هذه الأوقات المتوترة (أزمة تايوان والحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط)، وفي وقت يتعثر فيه الاقتصاد الصيني، يحمل عواقب بعيدة المدى، بالإضافة إلى حقيقة أن تحركات ترامب من المتوقع أن تقلل بشكل كبير من حجم الواردات الأمريكية (التي وصلت إلى 3.2 تريليون دولار في عام 2024). ورأت الصحيفة، أن فرض الرسوم الجمركية، الذي يهدف إلى الحد من النشاط الاقتصادي العالمي لبكين وتقليص الفجوة في حجم التجارة بينهما بشكل كبير يمكن أن يؤدي إلى نتيجة عكسية.
تعزيز العلاقات الصينية
ومن المتوقع أن تعمل الصين، الشريك التجاري المهيمن للعديد من البلدان في آسيا وأوروبا الشرقية والشرق الأوسط وأوقيانيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، في إطار مشروع «الحزام والطريق»، على تعزيز علاقاتها التجارية مع الأسواق الناشئة ودول «الجنوب العالمي»، وكل هذا في حين تستغل الصين علاقاتها العديدة في مختلف المنظمات والمنتديات الدولية، بما فيها مجموعة البريكس، مع التركيز على استيراد الوقود والمعادن والسلع الزراعية وتصدير المنتجات، من خلال استخدام اليوان الصيني والعملات المحلية الأخرى، مما يعجل بتآكل الهيمنة الأمريكية والموقف المهيمن للدولار في العالم. وعلاوة على ذلك، وعلى خلفية التقديرات السلبية التي تشير إلى تباطؤ نمو الصين بنسبة 1% إلى 2.5% بعد انخفاض حاد بنسبة 80% في صادراتها إلى الولايات المتحدة، قد تعمل بكين أيضاً على توسيع تعاونها الاقتصادي مع حلفاء الولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا، وفي المقام الأول اليابان وكوريا الجنوبية.
فرصة صينية
وأضافت الصحيفة الإسرائيلية، أن الجمع بين السياسات التجارية الأمريكية «العدوانية»، التي تتمثل في فرض رسوم جمركية بنسبة 46% على فيتنام، التي بلغ فائضها التجاري مع الولايات المتحدة 123.5 مليار دولار في عام 2024، وخفض برامج المساعدات الخارجية والمبادرات الدولية، مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وإذاعة آسيا الحرة، من شأنه أن يضعف النفوذ الإقليمي للولايات المتحدة ويزيد من الضغوط والنزاعات الداخلية التي تواجهها اقتصادات المنطقة التي تعتمد عليها. ومن ناحية أخرى، فإن هذه التطورات تسمح للصين بإعادة تموضع كشريك بديل قوي ومستقر، فضلاً عن إقامة شراكات ثنائية ومتعددة الأطراف تساعد في كبح جهود واشنطن الرامية إلى إنشاء جبهة موحدة ضد طموحاتها الجيوسياسية في المنطقة.