هل تقترب أمريكا من لحظة بريسترويكا؟

هل تقترب أمريكا من لحظة بريسترويكا؟

لم تكن مقولة ميخائيل غورباتشيف، آخر الزعماء السوفيت: “أيها الرفاق، علينا جميعاً أن نتغير” إلا إرهاصاً لإعادة الهيكلة “بريسترويكا” المصطلح الذي أشار لجهود غورباتشوف لإصلاح النظام السياسي والاقتصادي المتردي في الاتحاد السوفييتي.
 
ووصف غورباتشوف المبادرة لاحقاً في الأمم المتحدة بمحاولة من الاتحاد السوفييتي “لإعادة هيكلة نفسه وفقاً للمهام الجديدة والتغيرات الجذرية في المجتمع”. ورغم تفاؤل الرجل، فشلت بريسترويكا، فالنظام لم يكن قادراً على النجاح في تفعيل هذا التغيير الكبير دون أن يسقط.
وتعلم غورباتشوف أن هناك فارقاً كبيراً بين الحاجة للتغيير وبين تفعليه بنجاح. فهل تشق إدارة بايدن طريقها لتعلم نفس الدرس المؤلم؟ يتساءل كارلوس روا، المحرر التنفيذي لناشيونال إنتريست على موقع المجلة الأمريكية.
 
عكس خطاب جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي عن “تجديد القيادة الاقتصادية الأمريكية” رفضاً لسياسات السوق الحر القوية، التي تُطبق منذ أربعين عاماً، معترضاً على فكرة أن الأسواق تستطيع دائماً تخصيص رأس المال بفعالية وبأنسب الطرق اجتماعياً.  ورأى أيضاً أن فرضية “تحرير التجارة ستساعد أمريكا على تصدير السلع، لا الوظائف والقدرات” لم يكن سوى وعد، نكثه.
واعترف الرجل بخطأ تفضيل القطاع المالي على “الاقتصاد الحقيقي” الذي يشمل السلع المادية، قائلاً: “قدرتنا التصنيعية، التي تعد ضرورية لاستمرارية أي دولة في التجديد، تلقت صفعة موجعة».
 
وتطرق سوليفان لأزمة المناخ والتفاوت الاقتصادي، باعتبار الأخير من تداعيات الفكر الاقتصادي البائد. وغيّرت المسألتان البيئة الاقتصادية وصارتا تتطلبان اتباع منهج اقتصادي جديد.
ويرى سوليفان أن أجندة بايدن تتمحور حول القدرة على البناء، والإنتاج، والتجديد. وتتمثل أولى الخطوات لتنفيذها في الاستثمار في الداخل باستراتيجية تصنيع أمريكية حديثة.
 
لا يعد اعتراف سوليفان بمشكلة سوى الخطوة الأولى في التعاطي معها، إذ تواجه إدارة بايدن ثلاثة معوقات أساسية ستُحبط، جهودها الإصلاحية.
أولاً، المصطلح الشائع لهذه السياسية الاقتصادية، وهو “إجماع واشنطن الجديد” الذي يعد إشارة صريحة للإجماع القديم الموجه نحو السوق الحر، ما يُنبئ بالفشل في التخلي عن الفكر السائد.
 
ثانياً، لا يعلن الخطاب بصدق عما تعتزم إدارة بايدن،  وصانعو السياسات الأمريكيون بشكل عام، عمله تجاه العلاقات مع الصين، وأكد سوليفان أن الولايات المتحدة “تتنافس مع الصين في عدة مجالات، لكنها لا تسعى لصراع ولا لمواجهة».
 
ليس هذا إلا نحاساً يطن أو صنجاً يرن، على حد وصف الكاتب، فمنذ تولي إدارة بايدن مهامها، فرضت رقابة متشددة على صادرات شبه المولدات، ووضعت وزارة التجارة العديد من الشركات الصينية على القائمة السوداء، وحثت الدول الأوروبية على “إبطاء معدل التجديد في الصين».
 
ثالثاً، وهو الأهم، لا يوضح خطاب سوليفان متى يتحقق التغيير المنشود في ظل الظروف السياسية والموقف الاجتماعي الاقتصادي الذي تمر به البلاد.
وهنا يستحضر الكاتب تعليق الكاتب السويدي مالكوم كييون “تتمثل أخطر حقبة يمر بها أي نظام سياسي في تجاهله أزمة استمرت لسنوات وعقود، ثم ارتكانه إلى جدار يصعب تحريكه، محاولاً تطبيق إصلاحات واسعة النطاق».
فعلى سبيل المثال، هل تقبل البنوك الأمريكية التي تعتبر واضعة لمنظومة الائتمان وأهم اللاعبين الاقتصاديين، فكرة انتهاء السنوات الثلاثين المجيدة من النمو الاقتصادي؟ يتساءل الكاتب.
 
وأضاف “هل سيرحب الرأسماليون وشركات الملكية الخاصة، والمستثمرون، الذين أصبحوا أثرياء في البيئة المناصرة للمضاربات في العقود القليلة الماضية، بعالم محدود الخيارات، توجه فيه الأموال نحو مشاريع طويلة الأمد، وقليلة العائد، ومحملة بالمخاطر مثل المصانع، ومعامل التكرير وما شابه؟»
وتابع “ ماذا عن القطاع الحربي؟ هل سينفتح كبار المتعهدين الذين أثروا بفضل الفكر المالي الحالي، رغم فشلهم في رفع الإنتاجية، على هذه التغييرات المزعجة؟ هل سيقبل الجيش الأمريكي الحجج التي توجب تقليص ميزانيته لتمكين البحرية؟»
 
وزاد “ماذا عن المنظمات غير الهادفة للربح وقطاع الإعلام الذي نما بفضل فائض رأس المال وبيئة الفائدة المنخفضة، إذ مول أصحاب المليارات هذه وتلك بأموالهم الطائلة؟».
يقول الكاتب: “انتهى عصر الفائدة المنخفضة، وحقبة تفضيل القطاع الخاص، يجب تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، ما يجعل الأموال المخصصة لتمويل تلك المؤسسات تنقشع!»
ولهذه الأسباب، يرى الكاتب، أنه قد يتعذر تطبيق الاستراتيجية التصنيع الأمريكية. وقد تصبح غير مُجدية. ومن ثم، على صناع السياسات والخبراء التعاطي مع هذا الواقع والسيطرة على تداعياته قبل أن تندلع ثورة في البلاد.