نتيجة انتخابات سبتمبر ليست محسومة

هل حقًا تعاني السياسة الإيطالية من عدم استقرار مزمن...؟

هل حقًا تعاني السياسة الإيطالية من عدم استقرار مزمن...؟

- سبب نهاية التجربة الحكومية، التي استمرت عامًا ونصف العام، هو الاضطرابات الداخلية لحركة 5 نجوم
- على الرغم من تقدم التحالف اليميني حاليًا في استطلاعات الرأي، إلا أن نتيجة الانتخابات تظل مفتوحة
- وراء الوحدة الظاهرية لليمين، يتخفى صراع ضروس على الزعامة
- لن يكون النجاح الانتخابي المحتمل ليمين الوسط ضمانًا لاستقرار الحكومة على المدى الطويل
- سيكون اختيار موضوعات الحملة الانتخابية للحزب الديمقراطي أمرًا حاسمًا


   هل يشير سقوط الحكومة بقيادة ماريو دراجي إلى بداية فترة جديدة من عدم الاستقرار السياسي في إيطاليا؟
   سبب نهاية هذه التجربة الحكومية، التي استمرت عامًا ونصف العام، هو الاضطرابات الداخلية لحركة 5 نجوم، وهي عضو رئيسي في التحالف المنتهية ولايته.
   في الأسابيع الأخيرة، لم تتردد حركة 5 نجوم، في خضم أزمة هوية وهبوط في استطلاعات الرأي، في استغلال موضوعات السياسة الخارجية أو السياسة الاقتصادية أو حتى السياسة المحلية في محاولة لكسب الظهور من خلال التهديد بعدم التصويت مطلقا على الثقة في الحكومة.
   في 20 يوليو، بعد فترة مشوشة -14 يوليو، قدم دراجي استقالته إلى الرئيس ماتاريلا، الذي رفضها -الأحزاب اليمينية التابعة للتحالف “الرابطة، بقيادة ماتيو سالفيني، وفورزا إيطاليا، سيلفيو برلسكوني” ولأسباب سياسية أيضًا، قررت سحب دعمها للحكومة. في 20 يوليو، امتنعت الرابطة وفورزا إيطاليا وحركة 5 نجوم عن التصويت في البرلمان على اقتراح الثقة في الحكومة.
  في اليوم التالي، سلم رئيس الوزراء استقالته مجددا إلى الرئيس، الذي قبلها هذه المرة وكلفه بتصريف الاعمال حتى الانتخابات القادمة.

نحو إعادة تشكيل المشهد السياسي
   هكذا انتهت حكومة دراجي والهدنة الظاهرية بين القوى السياسية التي سمحت باستقرار نسبي طيلة عام ونصف.
   هذا الاستقرار، وبكل معنى الكلمة، كان هشّا، لأنه قائم على اتفاق بين العديد من الفاعلين السياسيين المختلفين والمتعارضين بشكل أساسي، ولأنه لم يكن سوى فصل ثالث من فترة تشريعية شهدت مرور ثلاث حكومات مدعومة بثلاث أغلبيات مختلفة: حكومة كونتي الأولى “يونيو 2018 - أغسطس 2019” ، بدعم من حركة 5 نجوم والرابطة ، والتي تميزت بضغوط شعبوية ومناهضة أوروبا ؛ حكومة كونتي الثانية (سبتمبر 2019 - فبراير 2021) ، بدعم من حركة 5 نجوم ويسار الوسط (الحزب الديمقراطي وتحالف “احرار ومتساوون”) ، والتي تعاملت بشكل أساسي مع الوباء وتفاوضت على الخطة  الأوروبية الجيل القادم لأوروبا ؛ وأخيرًا ، الحكومة الائتلافية الثالثة برئاسة ماريو دراجي وبدعم من جميع الأحزاب باستثناء فراتلي ديتاليا (اليمين المتطرف) ، والتي ضمنت استقرار البلاد في السياق الأوروبي والدولي، وأشرفت على الخروج من الوباء، وتنفيذ المراحل الأولى من خطة الجيل القادم لأوروبا.   والآن تتجه البلاد إلى انتخابات جديدة، من المقرر إجراؤها في نهاية سبتمبر. تدور المنافسة حول ثلاثة أقطاب: أولاً ، تحالف يقدم نفسه على أنه “يمين الوسط” - في الواقع غير متوازن للغاية تجاه اليمين المتطرف بزعامة ماتيو سالفيني (رابطة الشمال) وخاصة جيورجيا ميلوني (فراتلي ديتاليا) ، المشارك الثالث فورزا إيطاليا بقيادة سيلفيو برلسكوني، فقد جاذبيته لدى الناخبين الوسطيين، وبات في دور “الشريك الأصغر” ؛ ثم ، قطب يسار الوسط قيد الإنشاء حاليًا ، يشكله الحزب الديمقراطي، والعديد من الأحزاب اليسارية ، ومجموعة من الأحزاب الوسطية والليبرالية التي ترغب في وراثة الأجندة السياسية لماريو دراجي ؛ وأخيرًا ، حركة 5 نجوم، التي تم استبعادها من تحالفات الحزب الديمقراطي لأنها كانت وراء سقوط حكومة دراجي ، ويبدو أنها تتجه نحو عدم الأهمية السياسية ، بعد أن استنفدت وظيفتها على الأرجح في السياسة الإيطالية.
   يبدو أن استطلاعات الرأي تعلن فوز تحالف يمين الوسط، خاصة أن النظام الانتخابي الإيطالي “نظام مختلط نسبي - أغلبي” يميل إلى مكافأة التحالفات الكبيرة قبل الانتخابات، ولأن غياب اتفاق الحزب الديمقراطي-حركة 5 نجوم يضعف بلا شك الجبهة المقابلة.
   ومع ذلك، على الرغم من التقدم في استطلاعات الرأي التي يتمتع بها التحالف اليميني حاليًا، إلا أن نتيجة الانتخابات، وخاصة مفاوضات ما بعد الانتخابات لتشكيل حكومة جديدة، ستظل مفتوحة. من الواضح أن الكثير سيتوقف على الحملة وقدرة الأحزاب على تعبئة ناخبيها (في سياق التراجع المستمر في نسبة المشاركة) وفرض موضوعاتهم المفضلة بشكل فعال في النقاش. بالإضافة إلى ذلك، يجب مراعاة أربعة عوامل بعناية فائقة.

الصراع الكامن داخل تحالف “يمين الوسط»
   منذ أكثر من ثلاثين عامًا، كانت التحالفات الانتخابية المختلفة ليمين الوسط تحت الهيمنة دائمًا، بمعنى، قام ببنائها سيلفيو برلسكوني، من خلال الدور الغالب لحزبه الشخصي، فورزا إيطاليا.
   والآن، أصبح دور برلسكوني، 85 عامًا، هامشيا، واجبر حزبه فورزا إيطاليا على ان يكون الشريك الأصغر للائتلاف، حيث منحته الاستطلاعات الأخيرة نتيجة متواضعة.  إن “المحرك” السياسي للتحالف هي جيورجيا ميلوني، زعيمة حزب “فراتلي ديتاليا” اليميني المتطرف، التي أعلنت عن طموحاتها في أن تصبح رئيسة للوزراء. من جانبه، شهد ماتيو سالفيني تقلصًا حادًا لرابطته في السنوات الأخيرة، بسبب قيادته المرتبكة في كثير من الأحيان، ومنافسة ميلوني.   باختصار، وراء الوحدة الظاهرية، يتخفى صراع ضروس على الزعامة، الأمر الذي قد يشكل خطرا على المدى الطويل لأي حكومة من يمين الوسط في المستقبل.

عدم تجانس برامج تحالف يمين الوسط
   للتذكير، أن الأحزاب الثلاثة التي يتألف منها الائتلاف تنتمي إلى ثلاثة أحزاب مختلفة في البرلمان الأوروبي: حزب الشعب الأوروبي بالنسبة لفورزا إيطاليا؛ كتلة الهوية والديمقراطية لرابطة الشمال. وحزب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين لفراتلي ديتاليا.  في الواقع، غالبًا ما يكون لهذه التشكيلات الثلاثة مواقف متباعدة حول مجموعة متنوعة من القضايا.  على سبيل المثال، تتبنى الرابطة وفراتلي ديتاليا التشكيك في أوروبا لحلفائهما في التجمع الوطني في فرنسا وفيدس بقيادة فيكتور أوربان في المجر، على عكس فورزا إيطاليا التي المؤيدة بشدة لأوروبا. وفيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، يتبنى حزب فراتلي ديتاليا الموقف المعادي لروسيا والمؤيد بشدة لأوكرانيا انسجاما مع حلفائه البولنديين في حزب القانون والعدالة، بينما تدافع الرابطة عن رؤية موالية لروسيا مماثلة لتلك الخاصة بالتجمع الوطني في فرنسا أو حزب الحرية في النمسا.
  وبالتالي، لن يكون النجاح الانتخابي المحتمل لهذا التحالف ضمانًا لاستقرار الحكومة على المدى الطويل.

المجهول، نتيجة الأحزاب الليبرالية الوسطية
   الصعوبة الرئيسية للمجرة الليبرالية والوسطية “أزيون” لكارلو كاليندا، و”فيفا إيطاليا” لرئيس الوزراء السابق ماتيو رينزي، و”معا من اجل المستقبل” بقيادة وزير الخارجية الحالي والزعيم السابق لـ حركة 5 نجوم لويجي دي مايو” تعود حاليا الى غياب زعامة واضحة، والتوترات الشخصية بين قادة الأحزاب التي تتكون منها.    تستفيد هذه الحركة من قربها الأيديولوجي من حكومة دراجي، حيث لا يزال رئيس الوزراء السابق يحظى باحترام العديد من مواطنيه، كما تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة.
   وإذا تمكنت هذه الأحزاب من التغلب على الخلافات الفردية، فيمكنها أن تأمل في الحصول على نتائج جيدة في الانتخابات المقبلة. وإذا فشل يمين الوسط، فيمكنها المساهمة في تشكيل ائتلاف حكومي بديل وربما إعادة تكنوقراط إلى قصر شيغي، مقر الحكومة.

أي موقف للحزب الديمقراطي؟
   سيكون اختيار موضوعات الحملة الانتخابية للحزب الديمقراطي أمرًا حاسمًا. إذا اكتفى الحزب بالإلحاح على الخطر السيادي أو حتى الفاشي الذي قد يمثله ظهور اليمين، فستكون الطريق مفتوحة لخصومه لفرض موضوعاتهم الخاصة على انتباه الرأي العام ووسائل الإعلام: مكافحة الهجرة، زيادة الأمن، ضرائب أقل ...   وعلى العكس من ذلك، إذا تمكن الحزب الديمقراطي من تطوير ونشر رسالة فعالة ذات محتوى ثريّ حول القضايا الأساسية مثل التوظيف والبيئة، فستكون المنافسة مفتوحة، مع استيلاء اليسار على المساحة الانتخابية التي تشغلها حتى الآن حركة 5 نجوم التي ينتظر أن تنهار في انتخابات سبتمبر.   أما بالنسبة لـ “احرار ومتساوون”، فسيكون هذا الحزب متحالفًا مع الحزب الديمقراطي ويمكن حتى، على المدى الطويل، الاندماج رسميًا فيه.

أي حكومة وإلى متى؟
   الخلاصة، ان انتخابات سبتمبر أبعد ما تكون عن نتيجة محسومة. لكن حذار من الأوهام. كان استقرار حكومة دراجي، الذي تم احترامها خاصة خارج إيطاليا، هشّا في الواقع، بسبب الهشاشة الهيكلية للسياسة الإيطالية: أحزاب ضعيفة، وتحالفات غير مستقرة، ونظام مؤسسي صلب بني بهدف تشكيل حكومات ضعيفة، ونظام انتخابي غير فعال لا ينتج تمثيلية ولا استقرار حكومي.
هناك العديد من الجوانب التي من غير المرجح أن تتغير في المستقبل القريب، مما يجعل الائتلافات الحكومية المقبلة غير مستقرة تمامًا مثل التحالف الذي سقط في الآونة الاخيرة.
   في نفس الوقت، فإن عدم الاستقرار الإيطالي المزمن هذا مقيد بعوامل هيكلية أخرى “تموضع أوروبي وأطلسي، وقيود الميزانية، والحاجة إلى تنفيذ الجيل القادم لأوروبا”، مما يقلل من هامش المناورة لأي حكومة، كما سبق ان رأينا في الماضي مع النهاية المبكرة لتجربة 2018-2019 الشعبوية، الرابطة-حركة 5 نجوم. ان نتيجة صناديق الاقتراع غير مؤكدة، وحياة الحكومة التي ستخرج منها أيضًا ...
--------------------------------
*باحث مؤهل في صندوق البحث العلمي. أستاذ العلوم السياسية بجامعة بروكسل الحرة