رئيس الدولة يؤكد دعم الإمارات لتسوية النزاعات والتحديات في العالم عبر الحوار والحلول الدبلوماسية
طريقتان متعارضتان جذريًا
هل حقًا خسرت روسيا الحرب الاتصالية ضد أوكرانيا...؟
-- التواصل الحيوي والحديث لزيلنسكي وفرقه، عرف نجاحًا لدى الرأي العام الغربي أكثر من الاتصال الروسي
-- الأوكرانيون يقنعون في الغرب والروس في كل الأماكن الأخرى؟
-- في بداية الصراع، لجأ الرئيسان الروسي والأوكراني إلى نوعين للاتصال على طرفي نقيض
-- السياق المضطرب اجتماعيًا أو اقتصاديًا يشكل أرضًا خصبة لعمليات التأثير الروسي
-- في الأشهر المقبلة، قد تكون إعادة توجيه عمليات التأثير نحو السكان الغربيين مفيدة لروسيا
في الأسابيع الأولى بعد إطلاق “العملية العسكرية الخاصة” الروسية ضد أوكرانيا، اكتشف الرأي العام حول العالم فولوديمير زيلينسكي. هذا الرئيس الشاب (44 عامًا)، من ذوي الخبرة في الأداء الإعلامي، يتواصل بشكل خاص من خلال مقاطع فيديو يتم التقاطها مباشرة في وضع السيلفي في قلب مدينة كييف، تحت القصف حينها.
التواصل الحيوي والحديث لزيلنسكي وفرقه، عرف نجاحًا لدى الرأي العام الغربي أكثر من الاتصال الروسي، الذي اعتبر ثقيلا ومضللًا إلى حد كبير، الى درجة أنه غالبًا ما يبدو أن كييف حسمت الموقف، وفازت بالحرب الإعلامية ضد موسكو. فهل هذا مؤكد فعلا؟
على طرفي نقيض
في بداية الصراع، لجأ الرئيسان الروسي والأوكراني إلى طريقتين للاتصال متعارضتين جذريًا.
كسر قواعد الرئاسة من خلال الظهور بقمصان كاكي، والسير في الشوارع، وتصوير نفسه، والتأكيد على قربه من السكان، والتدخل محاطاً بأعضاء حكومته في كثير من الأحيان وهم يرتدون ملابس عسكرية،
بل ومستخدما جملا صادمة ومكثفة على غرار تلك الشهيرة “لست بحاجة إلى سيارة أجرة، فأنا بحاجة إلى أسلحة”(ردًا على الاقتراح الأمريكي بإخلائه سريعًا من كييف)، اختار فولوديمير زيلينسكي الأسلوب المباشر والبساطة والصدق. طريقة اتصال مبتكرة مقارنة بتلك التي يستخدمها السياسيون عادة، خاصة في أزمنة الحرب، طريقة تسهّل تعبئة الراي العام الغربي لتقوية موقف الحكومات الداعمة لكييف.
على العكس من ذلك، تمسك فلاديمير بوتين، من جانبه، بالرموز المعتادة لخطته الاتصالية، بل وزاد بعده عن متلقي رسائله.
ويتضح ذلك من شكل الطاولة التي اختيرت بطول عدة أمتار لعقد لقائه مع إيمانويل ماكرون قبل بدء الغزو، ولاحقًا مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، طاولة طبعت العقول بإفراطها والبُعد الجسدي الذي تفرضه.
بعد ذلك، مع بدء الصراع، تم الحفاظ على الصورة الأولية للرئيس بوتين: هيراطيقية، جامدة خلف مكتب مؤطر بالأعلام، مرتديًا زيًا صارمًا، وهو يمثل رمزًا لسلطة مقننة بصرامة.
ومع تقدم الحرب، استمر خطابه في التشدد. وهكذا أثار خطاب 18 مارس قلق الغربيين بشكل خاص، سواء من خلال سردية التأريخ المعروضة أو عنف العبارات. وعلى الرغم من أن هذا التدخل تم تنظيمه في ملعب وليس في مكتب في الكرملين، إلا أن رئيس الدولة ظهر على خشبة المسرح بمفرده، مطلا على الحشد لتجميع الهتافات الشعبية، وليظهر على أنه تجسيد لسلطة قوية.
تعارض الخطاب
فيما يتعلق بالخطاب، يمكننا أن نلاحظ عكسًا من قبل كييف للتأريخ الذي تقدمه موسكو لتبرير “عملية عسكرية” من المفترض أن “تنزع السلاح والنازية من أوكرانيا”. فمن أجل جعل الغزو مقبولاً، دعا الكرملين إلى “الحرب الوطنية العظمى”، أي الحرب العالمية الثانية، ولوح برؤية للتاريخ ندد بها المختصون.
قلب الأوكرانيون الإشارات التاريخية المزيفة من قبل روسيا، مسلطين الضوء على الماضي الذي اعترف به المؤرخون، وتسليط الضوء على اللحظات البارزة لمحاوريهم قصد تعبئتهم بشكل أفضل.
وهكذا، عندما دُعي زيلينسكي للتحدث أمام الكونجرس الأمريكي عبر الفيديو، اشار إلى بيرل هاربور، وأمام البوندستاغ كان جدار برلين؛ ومخاطبا فرنسا، استحضر أورادور سور غلان.
وبخصوص فحوى خطاباته، يشير إلى التشوهات التاريخية لموسكو، ويذكّر الغربيين بماضيهم لتعبئتهم بشكل أفضل، وبقوة عباراته، يسعى إلى جعل مستمعيه يفهمون أنه لئن استخدمت روسيا خطاب الحرب الوطنية العظيمة لتبرير غزو لا أساس له، فان الأوكرانيين يعيشون حياتهم.
بالتوازي، بينما يضاعف زيلينسكي الخطب، تظل كلمة بوتين نادرة نسبيًا، وتفضل موسكو ان يتصدّر المشهد أو يتحدث أعضاء الحكومة. وتسمح هذه المقاربة للرئيس الروسي على وجه الخصوص بالإبقاء على هامش التعديل: وهكذا، على سبيل المثال، تم تعديل الأهداف الأولية لـ “العملية العسكرية الخاصة” نزولاً.
ويسمح أسلوب الاتصال هذا أيضًا بالحفاظ على شكل من الغموض الذي يمكّن، إذا اقتضى الأمر، الكرملين من الاختباء خلف شكل من “الإنكار المعقول”: التصريحات الأكثر تطرفًا تصدر عن جهاز دعاية النظام أو أعضاء الحكومة أو الوزراء، بينما، ومن المفارقات، ستعتبر تصريحات بوتين، بهذا المقياس، كما لو أنها تتغذى من اعتدال ما، أو في كل الاحوال أقل تطرفًا، مما يظهره على أنه المحاور الوحيد الممكن.
جغرافية الاقناع؟
لئن اكتشف الغربيون الصراع من منظور عالم الإعلام ومن خلال شبكات اجتماعية مؤيدة بشكل أساسي للمقاومة الأوكرانية، فمن المحتمل أن الشعوب الأفريقية أو الشرق أوسطية أو حتى الأمريكية الجنوبية، لم تسبح في بيئة مماثلة.
في الواقع، في هذه البلدان البعيدة جغرافيًا عن منطقة الصراع، فإن الخطاب الروسي والموالي لروسيا والرسائل المؤيدة لعمل الكرملين في أوكرانيا حاضرة أكثر بكثير مما عليه الحال في المنطقة الغربية.
وهكذا، تم بث موجة من المحتوى منذ الأيام الأولى من شهر مارس. وكما يوضح الباحث كارل ميللر، على وجه الخصوص، فإن هذه الرسائل أشادت على التوالي بمصداقية الحليف الروسي (مقارنة بعدم كثافة الدعم الغربي)، وازدواجية موقف الأوروبيين تجاه اللاجئين الأوكرانيين من ناحية، والأفغان أو السوريين من ناحية أخرى؛ وتضامن مجموعة البريكس، ومناهضة العولمة، أو مناهضة أمريكا.
وفي ضوء جهود الدعاية الروسية التي تستهدف المناطق غير الغربية، يجوز التساؤل عما إذا لم يكن الانتصار الأوكراني في المجال الاعلامي في الغرب يُعزى جزئيًا إلى سحب روسيا لاستثمارها جزئيًا في هذا المجال، والتي لأغراض استراتيجية، فضلت تركيز جهودها على مناطق أخرى.
في الواقع، منذ الأيام الأولى للصراع، كان رد فعل الغرب قويًا للغاية، وربما كان رد فعل الغرب أسرع بكثير وأكثر قوة مما توقعته روسيا.
ومع ذلك، كان هذا الدعم لأوكرانيا متوقعًا. وفي ظل هذه الظروف، ألم يكن من الأفضل تركيز الجهود على مناطق من العالم من المحتمل أن تقدم دعمًا أقل لأوكرانيا، والتي يمكن أن يكون فيها الرأي العام أكثر تقبلاً للحجج التي تنقلها حملة اعلامية ينظمها الكرملين؟
تم تأكيد أهمية هذا السؤال من خلال تحليل تصويت 2 مارس 2022 في الأمم المتحدة: تمت دعوتهم للتصويت عن القرار الذي يطالب روسيا بوضع حد فوري لهجومها على أوكرانيا، امتنع عشرات الدول من الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا عن التصويت.
إحياء الحملة الإعلامية الروسية الموجهة للغرب؟
إذا، بدلاً من استهداف الدول الغربية، والتي قد تبدو أهدافًا يصعب الوصول إليها، يبدو أن روسيا قد اختارت تركيز حملتها الإعلامية على المناطق التي على الأرجح أكثر استعدادا لقبول وجهة نظرها، فهل يمكن أن نستنتج أن موسكو تخلت عن استهداف أوروبا، والولايات المتحدة وكندا؟ لا شيء مؤكد.
يُظهر تحليل العمليات الإعلامية والاخبارية الأخيرة التي قام بها الروس في العالم، سواء في الولايات المتحدة أو في جمهورية إفريقيا الوسطى أو في مالي، أن السياق المضطرب اجتماعيًا أو اقتصاديًا يشكل أرضًا خصبة لعمليات النفوذ والتأثير.
وللحرب في أوكرانيا عواقب وخيمة على التضخم وسياسات الطاقــــة وتكاليف المعيشة وقضايا الأغذية الزراعية، وكلها لها تأثير اقتصادي واجتماعي مؤلم بشكل خاص على الشعوب.
وإذا تمكنت أوكرانيا، حتى الآن، من محاولة شن هجمات مضادة على الساحة العسكرية، فإنها تظل معتمدة كليًا على الدعم الغربي الهائل من حيث توريد الأسلحة و - أو المساعدة الاقتصادية. أيضًا، في هذه المرحلة من الصراع، وفي الأشهر المقبلة، قد تكون إعادة توجيه عمليات التأثير نحو السكان الغربيين مفيدة لروسيا. فمن المرجح أن يكون بدء العام الجديد صعبًا للغاية بالنسبة للأوروبيين الذين سيعانون من تراكم آثار التضخم والمشاكل الاقتصادية والبيئية، دون نسيان آثار الأزمة الغذائية المحتملة.
وهذا السياق المضطرب، يمكن أن يفضي بشكل خاص إلى نشر حملات إعلامية روسية تهدف إلى تقسيم السكان الأوروبيين، وبالتالي إضعاف قدرة الحكومات الغربية على مواصلة دعمها للقضية الأوكرانية على المدى المتوسط والطويل.
في النهاية، لئن يبدو الصراع الحركي بعيدًا عن نهايته، فلا شك أن الحرب الاعلامية ليست أقل من ذلك.
*محللة جيوسياسية، عضو مشارك في مختبر أبحاث معهد إدارة المؤسسات بباريس -معهد السوربون للأعمال جامعة باريس 1 بانثيون سوربون، كرسي “المعايير والمخاطر».
-- الأوكرانيون يقنعون في الغرب والروس في كل الأماكن الأخرى؟
-- في بداية الصراع، لجأ الرئيسان الروسي والأوكراني إلى نوعين للاتصال على طرفي نقيض
-- السياق المضطرب اجتماعيًا أو اقتصاديًا يشكل أرضًا خصبة لعمليات التأثير الروسي
-- في الأشهر المقبلة، قد تكون إعادة توجيه عمليات التأثير نحو السكان الغربيين مفيدة لروسيا
في الأسابيع الأولى بعد إطلاق “العملية العسكرية الخاصة” الروسية ضد أوكرانيا، اكتشف الرأي العام حول العالم فولوديمير زيلينسكي. هذا الرئيس الشاب (44 عامًا)، من ذوي الخبرة في الأداء الإعلامي، يتواصل بشكل خاص من خلال مقاطع فيديو يتم التقاطها مباشرة في وضع السيلفي في قلب مدينة كييف، تحت القصف حينها.
التواصل الحيوي والحديث لزيلنسكي وفرقه، عرف نجاحًا لدى الرأي العام الغربي أكثر من الاتصال الروسي، الذي اعتبر ثقيلا ومضللًا إلى حد كبير، الى درجة أنه غالبًا ما يبدو أن كييف حسمت الموقف، وفازت بالحرب الإعلامية ضد موسكو. فهل هذا مؤكد فعلا؟
على طرفي نقيض
في بداية الصراع، لجأ الرئيسان الروسي والأوكراني إلى طريقتين للاتصال متعارضتين جذريًا.
كسر قواعد الرئاسة من خلال الظهور بقمصان كاكي، والسير في الشوارع، وتصوير نفسه، والتأكيد على قربه من السكان، والتدخل محاطاً بأعضاء حكومته في كثير من الأحيان وهم يرتدون ملابس عسكرية،
بل ومستخدما جملا صادمة ومكثفة على غرار تلك الشهيرة “لست بحاجة إلى سيارة أجرة، فأنا بحاجة إلى أسلحة”(ردًا على الاقتراح الأمريكي بإخلائه سريعًا من كييف)، اختار فولوديمير زيلينسكي الأسلوب المباشر والبساطة والصدق. طريقة اتصال مبتكرة مقارنة بتلك التي يستخدمها السياسيون عادة، خاصة في أزمنة الحرب، طريقة تسهّل تعبئة الراي العام الغربي لتقوية موقف الحكومات الداعمة لكييف.
على العكس من ذلك، تمسك فلاديمير بوتين، من جانبه، بالرموز المعتادة لخطته الاتصالية، بل وزاد بعده عن متلقي رسائله.
ويتضح ذلك من شكل الطاولة التي اختيرت بطول عدة أمتار لعقد لقائه مع إيمانويل ماكرون قبل بدء الغزو، ولاحقًا مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، طاولة طبعت العقول بإفراطها والبُعد الجسدي الذي تفرضه.
بعد ذلك، مع بدء الصراع، تم الحفاظ على الصورة الأولية للرئيس بوتين: هيراطيقية، جامدة خلف مكتب مؤطر بالأعلام، مرتديًا زيًا صارمًا، وهو يمثل رمزًا لسلطة مقننة بصرامة.
ومع تقدم الحرب، استمر خطابه في التشدد. وهكذا أثار خطاب 18 مارس قلق الغربيين بشكل خاص، سواء من خلال سردية التأريخ المعروضة أو عنف العبارات. وعلى الرغم من أن هذا التدخل تم تنظيمه في ملعب وليس في مكتب في الكرملين، إلا أن رئيس الدولة ظهر على خشبة المسرح بمفرده، مطلا على الحشد لتجميع الهتافات الشعبية، وليظهر على أنه تجسيد لسلطة قوية.
تعارض الخطاب
فيما يتعلق بالخطاب، يمكننا أن نلاحظ عكسًا من قبل كييف للتأريخ الذي تقدمه موسكو لتبرير “عملية عسكرية” من المفترض أن “تنزع السلاح والنازية من أوكرانيا”. فمن أجل جعل الغزو مقبولاً، دعا الكرملين إلى “الحرب الوطنية العظمى”، أي الحرب العالمية الثانية، ولوح برؤية للتاريخ ندد بها المختصون.
قلب الأوكرانيون الإشارات التاريخية المزيفة من قبل روسيا، مسلطين الضوء على الماضي الذي اعترف به المؤرخون، وتسليط الضوء على اللحظات البارزة لمحاوريهم قصد تعبئتهم بشكل أفضل.
وهكذا، عندما دُعي زيلينسكي للتحدث أمام الكونجرس الأمريكي عبر الفيديو، اشار إلى بيرل هاربور، وأمام البوندستاغ كان جدار برلين؛ ومخاطبا فرنسا، استحضر أورادور سور غلان.
وبخصوص فحوى خطاباته، يشير إلى التشوهات التاريخية لموسكو، ويذكّر الغربيين بماضيهم لتعبئتهم بشكل أفضل، وبقوة عباراته، يسعى إلى جعل مستمعيه يفهمون أنه لئن استخدمت روسيا خطاب الحرب الوطنية العظيمة لتبرير غزو لا أساس له، فان الأوكرانيين يعيشون حياتهم.
بالتوازي، بينما يضاعف زيلينسكي الخطب، تظل كلمة بوتين نادرة نسبيًا، وتفضل موسكو ان يتصدّر المشهد أو يتحدث أعضاء الحكومة. وتسمح هذه المقاربة للرئيس الروسي على وجه الخصوص بالإبقاء على هامش التعديل: وهكذا، على سبيل المثال، تم تعديل الأهداف الأولية لـ “العملية العسكرية الخاصة” نزولاً.
ويسمح أسلوب الاتصال هذا أيضًا بالحفاظ على شكل من الغموض الذي يمكّن، إذا اقتضى الأمر، الكرملين من الاختباء خلف شكل من “الإنكار المعقول”: التصريحات الأكثر تطرفًا تصدر عن جهاز دعاية النظام أو أعضاء الحكومة أو الوزراء، بينما، ومن المفارقات، ستعتبر تصريحات بوتين، بهذا المقياس، كما لو أنها تتغذى من اعتدال ما، أو في كل الاحوال أقل تطرفًا، مما يظهره على أنه المحاور الوحيد الممكن.
جغرافية الاقناع؟
لئن اكتشف الغربيون الصراع من منظور عالم الإعلام ومن خلال شبكات اجتماعية مؤيدة بشكل أساسي للمقاومة الأوكرانية، فمن المحتمل أن الشعوب الأفريقية أو الشرق أوسطية أو حتى الأمريكية الجنوبية، لم تسبح في بيئة مماثلة.
في الواقع، في هذه البلدان البعيدة جغرافيًا عن منطقة الصراع، فإن الخطاب الروسي والموالي لروسيا والرسائل المؤيدة لعمل الكرملين في أوكرانيا حاضرة أكثر بكثير مما عليه الحال في المنطقة الغربية.
وهكذا، تم بث موجة من المحتوى منذ الأيام الأولى من شهر مارس. وكما يوضح الباحث كارل ميللر، على وجه الخصوص، فإن هذه الرسائل أشادت على التوالي بمصداقية الحليف الروسي (مقارنة بعدم كثافة الدعم الغربي)، وازدواجية موقف الأوروبيين تجاه اللاجئين الأوكرانيين من ناحية، والأفغان أو السوريين من ناحية أخرى؛ وتضامن مجموعة البريكس، ومناهضة العولمة، أو مناهضة أمريكا.
وفي ضوء جهود الدعاية الروسية التي تستهدف المناطق غير الغربية، يجوز التساؤل عما إذا لم يكن الانتصار الأوكراني في المجال الاعلامي في الغرب يُعزى جزئيًا إلى سحب روسيا لاستثمارها جزئيًا في هذا المجال، والتي لأغراض استراتيجية، فضلت تركيز جهودها على مناطق أخرى.
في الواقع، منذ الأيام الأولى للصراع، كان رد فعل الغرب قويًا للغاية، وربما كان رد فعل الغرب أسرع بكثير وأكثر قوة مما توقعته روسيا.
ومع ذلك، كان هذا الدعم لأوكرانيا متوقعًا. وفي ظل هذه الظروف، ألم يكن من الأفضل تركيز الجهود على مناطق من العالم من المحتمل أن تقدم دعمًا أقل لأوكرانيا، والتي يمكن أن يكون فيها الرأي العام أكثر تقبلاً للحجج التي تنقلها حملة اعلامية ينظمها الكرملين؟
تم تأكيد أهمية هذا السؤال من خلال تحليل تصويت 2 مارس 2022 في الأمم المتحدة: تمت دعوتهم للتصويت عن القرار الذي يطالب روسيا بوضع حد فوري لهجومها على أوكرانيا، امتنع عشرات الدول من الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا عن التصويت.
إحياء الحملة الإعلامية الروسية الموجهة للغرب؟
إذا، بدلاً من استهداف الدول الغربية، والتي قد تبدو أهدافًا يصعب الوصول إليها، يبدو أن روسيا قد اختارت تركيز حملتها الإعلامية على المناطق التي على الأرجح أكثر استعدادا لقبول وجهة نظرها، فهل يمكن أن نستنتج أن موسكو تخلت عن استهداف أوروبا، والولايات المتحدة وكندا؟ لا شيء مؤكد.
يُظهر تحليل العمليات الإعلامية والاخبارية الأخيرة التي قام بها الروس في العالم، سواء في الولايات المتحدة أو في جمهورية إفريقيا الوسطى أو في مالي، أن السياق المضطرب اجتماعيًا أو اقتصاديًا يشكل أرضًا خصبة لعمليات النفوذ والتأثير.
وللحرب في أوكرانيا عواقب وخيمة على التضخم وسياسات الطاقــــة وتكاليف المعيشة وقضايا الأغذية الزراعية، وكلها لها تأثير اقتصادي واجتماعي مؤلم بشكل خاص على الشعوب.
وإذا تمكنت أوكرانيا، حتى الآن، من محاولة شن هجمات مضادة على الساحة العسكرية، فإنها تظل معتمدة كليًا على الدعم الغربي الهائل من حيث توريد الأسلحة و - أو المساعدة الاقتصادية. أيضًا، في هذه المرحلة من الصراع، وفي الأشهر المقبلة، قد تكون إعادة توجيه عمليات التأثير نحو السكان الغربيين مفيدة لروسيا. فمن المرجح أن يكون بدء العام الجديد صعبًا للغاية بالنسبة للأوروبيين الذين سيعانون من تراكم آثار التضخم والمشاكل الاقتصادية والبيئية، دون نسيان آثار الأزمة الغذائية المحتملة.
وهذا السياق المضطرب، يمكن أن يفضي بشكل خاص إلى نشر حملات إعلامية روسية تهدف إلى تقسيم السكان الأوروبيين، وبالتالي إضعاف قدرة الحكومات الغربية على مواصلة دعمها للقضية الأوكرانية على المدى المتوسط والطويل.
في النهاية، لئن يبدو الصراع الحركي بعيدًا عن نهايته، فلا شك أن الحرب الاعلامية ليست أقل من ذلك.
*محللة جيوسياسية، عضو مشارك في مختبر أبحاث معهد إدارة المؤسسات بباريس -معهد السوربون للأعمال جامعة باريس 1 بانثيون سوربون، كرسي “المعايير والمخاطر».