مواجهة الوباء طبية واجتماعية وسياسية:

هل سينتصر فيروس كورونا على سطوة بوتين...؟

هل سينتصر فيروس كورونا على سطوة بوتين...؟

-- خيّرت الاستثمار في حضورها الدولي بدل حماية مواطنيها ودعمهم، قد تدفع روسيا فاتورة هذا الاختيار
-- ارتياب الروس، يهدد بتشجيع تداول الشائعات والتحايل على الإجراءات الصحية
-- ما وراء حالة النظام الصحي، سيلعب الوضع الاجتماعي أيضًا دورًا في مقاومة البلاد للوباء
-- عامل سياسي قد يفاقم الأوضاع: انعدام ثقة الروس في السلطات العمومية
-- باستثناء عدد قليل من مراكز التميز في أكبر المدن، فإن معظم المستشفيات الروسية متردية


هناك خبران يتداخلان في روســـيا في بدايـة أبريل 2020: الإصلاح الدســـتوري، حيث يــــرى العديد من المحللين انغلاقا جديدًا للنظــــام الســـياسي، ووبــاء كوفيــــد-19 الذي سيختبر مقاومة المجتمع الروسي، كمـــــا تفعل ذلك بلـــدان أخــــرى في العالم.
 ورغم أن السياسة الخارجية لموسكو والإدارة البوتينية السلطوية غالبًا ما تكون محور اهتمامنا، إلا أن الوضع الاجتماعي للبلاد والحياة اليومية لسكانها غير معروفين نسبيًا.
   فهل ان روسيا مستعدة طبيا واجتماعيا وسياسيا لمواجهة الوباء؟ وهل ستعزز الأزمة الصحية السلطة أم تضعفها؟

هشاشة النظام الطبي
    لســــوء الحظ، هنـــاك العديــد من العيوب في النظام الطبي الروسي في فجر الأزمة الصحية كوفيد-19.
 فقد ورثت روسيا من النظام السوفياتي العديد من بوابات الحصول على الرعاية الصحية، ونظاما استشفائيا، وشبكة متابعة طبية للسكان، ولكن أيضًا، تأخرًا كبيرًا في التقنيات الطبية.
ورغم أن الصحة العامة لم تكن الشغل الشاغل للنظام، إلا أن الحكومة الروسية نفذت إصلاحات قلّصت بشكل كبير من عدد الهياكل الطبية، التي انخفضت إلى النصف بين 2000 و2015، وكذلك عدد الأسرة.
   تم إعادة تركيز الرعاية الصحية على المستشفيات الكبيرة، ولكن دون تزويدها بالمعدات اللازمة، ودون منح أجور مقبولة للأطباء الذين يضطرون، في غالب الأحيان، إلى الجمع بين عدة وظائف لتغطية نفقاتهم. وقد تمت استقالات جماعية لفرق طبية تناولتها بكثافة وسائل الإعلام، وأصبحت بعض المناطق الروسية صحاري طبية، كما تبرز ذلك تقارير مستقلة حول الحصول على الرعاية الصحية في روسيا.
   وباستثناء عدد قليل من مراكز التميز، التي تنتصب في أكبر المدن، فإن معظم المستشفيات الروسية في حالة سيئة: 14 بالمئة من المباني للاستخدام الطبي في حالة سيئة، 30 فاصل 5 بالمئة تفتقر للمياه، 52 فاصل 1 بالمئة لا ماء ساخن بها، 41 فاصل 1 بالمئة بلا تدفئة مركزية، و35 بالمئة بدون صرف صحي.
   على الورق، يمكن ان تثير القدرات الطبية الروسية حسد الدول الأوروبية، مع عدد أسرة وأجهزة تنفس جيّد جدّا. ومع ذلك، قد يكون الواقع مختلفًا. وهكذا، عام 2018، سبق لهيئات المراقبة العامة ان نبّهت إلى نقص قدرات الاستشفاء والإنعاش، فالوسائل المتاحة كانت غير كافية للتعامل مع وباء الإنفلونزا الموسمية. وكانت ستون منطقة (من أصل أربعة وثمانين) تفتقر إلى أسرة العناية المركزة، ولم يكن لدى اثنتان وعشرون منطقة أجهزة الأكسجة الغشائية خارج الجسم، ولم يكن لدى عشر مناطق معدات مختبرية لتشخيص الإنفلونزا.
    واليوم، ينبه الأطباء بشدة إلى نقص معدات الحماية في وقت تقوم فيه روسيا بشحن معدات طبية إلى إيطاليا. ففي المستشفيات الكبيرة، يُطلب من الكادر الطبي خياطة أقنعتهم؛ وليس لدى فرق الإسعاف ملابس واقية؛ ومقياس الحرارة البسيط من المنتجات النادرة في الاقسام. والأطباء، الذين تعدّ كفاءتهم في الأمراض المعدية قوية بشكل عام، يواجهون خطر الإرهاق، حتى أكثر من أوروبا، بسبب نقص البنية التحتية.

ضعف الثقة بالدولة
   ما وراء حالة النظام الصحي، سيلعب الوضع الاجتماعي أيضًا دورًا في مقاومة البلاد للوباء. فالحماية الاجتماعية التي تقدمها الدولة الروسية لمواطنيها قاصرة وهشة منذ عقود. وفي مواجهة البطالة أو الإعاقة أو المرض الخطير أو المزمن، يعرف أفراد الشعب الروسي أنه لا يمكنهم الاعتماد إلا على أنفسهم وأحبّائهم. لا يتمتع العمال الروس، وخاصة في القطاع الخاص، بحماية تذكر من صاحب العمل الذي يستطيع فرض ظروف عمل خطيرة عليهم. وسيضطر الكثيرون العودة إلى العمل، لعدم قدرتهم المخاطرة بفقدان وظائفهم أو جزء من جراياتهم، في سياق تنخفض فيه المداخيل الحقيقية للروس منذ عدة سنوات متتالية.
   وتحت ضغط ارباب العمل، استمر 25 بالمائة من الروس في العمل خلال أسبوع العزل الإلزامي الذي فرضته الدولة. ويرجّح أن يكون الامتثال لتدابير الحجر الصحي المستقبلية جزئيًا للغاية، بسبب الحاجة إلى العمل وانعدام الثقة -له ما يبرره بالتأكيد -في شبكات الحماية الاجتماعية. فحتى وان تم إدخال تدابير رقابة صارمة، لا شك في أن الممارسات الموازية والفاسدة، وهي ضخمة جدًا في روسيا، ستسمح للكثيرين بالهروب من القواعد الصحية.
   العامل الثالث، وهو سياسي أكثر، قد يزيد في مفاقمة الاوضاع: انعدام الثقة في السلطات العمومية. فعلى عكس ما تشيعه بعض الشخصيات المؤيدة لفلاديمير بوتين، يشكك الروس في قادتهم. في سبتمبر الماضي، لم يثق حوالي 40 بالمئة من الروس برئيسهم، وأكثر من 60 بالمئة لم يثقوا بالسلطات الإقليمية أو المحلية. وكانت معدلات عدم الثقة حوالي 70 بالمئة تجاه الحكومة والبرلمان، وأكثر من 60 بالمئة تجاه الشرطة.
   اعتاد الروس، منذ كارثة تشيرنوبيل النووية، على أكاذيب السلطات العامة بشأن الكوارث الصحية، ولا يثق الروس في أغلبهم في المعلومات الرسمية المقدمة إليهم بشأن فيروس كورونا. وتجعلهم شفافية السلطات الروسية على حقّ في هذه النقطة. على سبيل المثال، تم إخفاء فيروس نقص المناعة البشرية، وهو مشكلة وبائية رئيسية في روسيا، منذ عقود، وأدرك العديد من الروس حجم المشكلة مؤخرًا بفضل مدون شاب حطّم المحظور. إن عدم ثقة الروس في سلطاتهم السياسية، يهدد بتشجيع تداول الشائعات، والتحايل على الإجراءات الصحية.

شرعية السلطة على المحك
   ما تأثير الأزمة الصحية على السلطة السياسية الروسية؟ يهدد الوضع الوبائي بتعزيز ديناميكية الانغلاق التي تمرّ بها روسيا منذ عدة سنوات. ويمكن أن تكون ذريعة لتصلب السلطة، وتشديد المنطق السلطوي الذي تبرره حالة الأزمة. إن الاحتجاجات النادرة ضد التغيير الدستوري قد يكنسها الوباء.
   وستكون الأزمة بمثابة اختبار للسلطات المحلية. في دولة روسية اتحادية على الورق، وضعت موسكو في السنوات الأخيرة سياسيين موالين، وأحيانًا يفتقرون لروابط وقاعدة محلية، على رأس الحكومات الإقليمية. وتختلف قدرتهم على فرض التدابير الصحية، واكتساب ثقة المواطنين، وقمع منطق الفساد، من منطقة إلى أخرى.
   ومع ذلك، إذا تصاعدت الأزمة الصحية، وكشفت فشل الدولة الراعية الروسية، فإن تأثيرها يهدد بزعزعة استقرار السلطة بشكل عام. وهذه الأخيرة، التي اعتمدت منذ عدة سنوات على خطاب القوة والعظمة، تواجه خطر إظهار ضعف شديد في نظامها الاجتماعي، في أزمة تجعل كل مواطن روسي هشّا في ادقّ تفاصيله الحميمية.
  بعد أن استثمرت في قوتها الدولية وحماية مصالحها خارج حدودها، بدلاً من حماية ودعم مواطنيها، تخاطر روسيا بدفع ثمن باهظ لهذا الاختيار.
أستاذة وباحثة في العلوم السياسية، متخصصة في مجتمعات ما بعد الاتحاد السوفياتي، في جامعة باريس نانتير -جامعة باريس لوميير

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot
https://ejournal.unperba.ac.id/pages/uploads/sv388/ https://ejournal.unperba.ac.id/pages/uploads/ladangtoto/ https://poltekkespangkalpinang.ac.id/public/assets/scatter-hitam/ https://poltekkespangkalpinang.ac.id/public/assets/blog/sv388/ https://poltekkespangkalpinang.ac.id/public/uploads/depo-5k/ https://smpn9prob.sch.id/content/luckybet89/