هل سيُعزز الحوار الأمريكي الروسي «تطويق» الصين و تحويلها إلى مجرد متفرج

هل سيُعزز الحوار الأمريكي الروسي «تطويق» الصين و تحويلها إلى مجرد متفرج

كما هو الحال مع أوروبا، فإن الصين فوجئت بسبب تسارع دونالد ترامب في التعامل مع أوكرانيا. 
وتراقب ثاني أكبر قوة في العالم بمزيج من التوتر والانتباه التقارب المذهل الذي بدأه الرئيس الأميركي مع فلاديمير بوتن، «الصديق القديم» لشي جين بينج.  ولكن على النقيض من القارة العجوز، فإن النظام الشيوعي يرحب بهذا التحول الدبلوماسي الملائم للكرملين، وليس من دون أن يضمر دوافع خفية قلقة بشأن العواقب التي قد تترتب على تنافسه الطويل الأمد مع أميركا. لقد أعلن فو كونغ مندوب الصين لدى الأمم المتحدة أن الصين «ترحب» بـ»الاجتماع» الجديد بين واشنطن وموسكو، وتشجع «كل الجهود نحو السلام». وفي إطار التزامها بواجهة الحياد التي أظهرتها منذ بداية الحرب، تدعو بكين إلى إجراء مفاوضات «تشمل جميع الأطراف»، في حين تطالب بحل «الأسباب الجذرية» للصراع من خلال المفاوضات. 
إنها طريقة لإصلاح علاقاتها مع أوروبا وكييف من خلال تقديم، بالكاد، تفهما لمطالبهم بالجلوس على طاولة المفاوضات مع دعم أهداف الحرب لشريكها «اللامحدود» روسيا. 

وترى الصين العملاقة في المحادثات التي بدأها في الرياض الثلاثاء الماضي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي ماركو روبيو فرصة لإقامة «إطار أمني مستدام» جديد في أوروبا لضمان «استقرارها على المدى الطويل». وهي لغة لم ينكرها الكرملين، وتتضمن تلميحاً إلى التشكيك في دور حلف شمال الأطلسي في الجناح الشرقي لكتلة الديمقراطيات الغربية. وقال أحد علماء السياسة المقيمين في بكين والذي طلب عدم الكشف عن هويته قال : «إن الصين سوف تروج لنفسها علانية باعتبارها قوة مُسالمة، وتشجع المفاوضات الشاملة مع بقائها متوافقة بشكل أساسي مع الموقف الروسي». ويوفر الوضع الجديد فرصا للدبلوماسية الصينية لإعادة إطلاق نفوذها في أوروبا التي أصابتها الصدمة من أحادية بطل «أميركا أولا».  
وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي في مؤتمر ميونيخ للأمن في 14 فبراير-شباط: «يجب على أوروبا أن تلعب دورا هاما في عملية السلام» في أوكرانيا، وذلك في مداخلة له في المؤتمر، متجاوزا بذلك الثغرة الهائلة التي أحدثها الخطاب اللاذع الذي ألقاه نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس والذي أغضب مضيفيه إلى حد كبير. إنه هجومُ ساحرٍ جديد على بروكسل وعواصم الدول السبع والعشرين، يتظاهر بأنه بطل «التعددية» و»التجارة الحرة»، وحارس معبد منظمة التجارة العالمية. ولكن خلف الكواليس، تعمل عملية «إعادة ضبط» العلاقات الروسية الأميركية على تغذية قلق الاستراتيجيين الحُمر، الذين يخشون التقارب وراء ظهورهم بين الخصم القديم و»الشريك» الروسي الضروري لطموحات شي جين بينج العالمية. وتبدو الصين في حالة ترقب وتحاول الاحتفاظ بيدها على هذا الثنائي الناشئ، خوفاً من أن يفلت من بين أيديها، ولكنها تكافح من أجل إحداث أي فرق. لذا، قبل بضعة أسابيع عرضت استضافة أول قمة بين الرئيسين ترامب وبوتن على أراضيها، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال.  و هو عرض وساطة رفضته الإدارة الأميركية، التي اختارت المملكة العربية السعودية لعقد هذا الاجتماع المهم  الأول .
« إن الصين تشعر بالقلق إزاء التقارب بين ترامب وبوتين كما يقول جان بيار كابيستان، الباحث في مركز آسيا ومقره هونج كونج، «إنها تحاول التوسط، ولكن الأوان قد فات». ويبدو أن «مصنع العالم» يبرز كلاعب محتمل في إعادة إعمار أوكرانيا، حتى أن بعض المحللين الصينيين ذكروا إرسال قوة لحفظ السلام بموجب تفويض دولي، ولكن هذه البالونات الاختبارية تظل في نطاق التكهنات.
وتحاول بكين أن يكون لها رأي، ولكنها في الواقع تُحوَّل إلى مجرد متفرج، مثل أوروبا، من قِبَل الرجلين القويين. «إن ترامب ليس لديه أي رغبة في منح الصين دورا ذا مغزى في المفاوضات، ولا يرغب في تقاسم مجد أي نجاح محتمل. ويقول شي ين هونغ، الأستاذ في جامعة الشعب في بكين: «بوتين لن يفعل ذلك أيضًا، لأنه لا يريد أن يعطي الانطباع بأنه تابع لبكين». إن هذا الـ»باس دو دوكس» الناشئ يحيي مخاوف قديمة داخل الحزب، في ما يتصل بجار كان عدواً تاريخياً منذ زمن طويل. وستكون المحادثات الثنائية المغلقة بين البيت الأبيض والكرملين بمثابة اختبار للشراكة غير المحدودة التي تم الاتفاق عليها بين شي وبوتن في عام 2022 عشية غزو أوكرانيا. ومنذ ذلك الحين، أظهر الزعيمان الحنينان إلى الحقبة السوفييتية تواطؤاً وثيقاً، فعززا تعاونهما الشامل، الذي تميز بطفرة في التبادلات التجارية والتكنولوجية، وكرسا محور روسيا «الآسيوي». 
وقد أدى الصراع الأوكراني إلى تسريع اعتماد روسيا على «مصنع العالم»، مؤكداً هيمنة الصين في علاقة مليئة بالغموض بين عملاقي أوراسيا. ويثير إحياء الحوار الروسي الأميركي شبح تحالف معاكس من شأنه في نهاية المطاف أن يؤدي إلى تعزيز «تطويق» الصين. ويأتي ذلك في ظل مناخ ثنائي غير مؤكد  على خلفية حرب تجارية تحاول بكين تجنبها خوفا من أن تؤدي إلى تفاقم تباطؤ نموها. وأكد ترامب وشي استعدادهما للعمل معًا في مكالمة هاتفية عشية تنصيب الرئيس «ماجا»، الذي قال إنه يريد زيارة الصين خلال «أول 100 يوم» من توليه منصبه. ولكن منذ ذلك الحين، لم يصدر أي بيان رسمي بعد فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على المنتجات الصينية في أوائل فبراير-شباط، والذي أعقبه الرد الصيني على جبهة المعادن الحيوية. 
وأظهر بوتن وشي قربهما خلال مكالمة فيديو في 21 يناير. «تشعر الصين بالقلق بشأن الحديث بين أمريكا وروسيا. ويقول إيرل وانج، الباحث في معهد العلوم السياسية بباريس: «قد يؤثر هذا التقارب على الشراكة غير المحدودة مع موسكو». ولا ينسى العملاق الآسيوي أنه يمثل في نهاية المطاف الخصم الأول للإدارة الجديدة، ويخشى أن يحاول ترامب تحويل بوتن ضده ليفوز بمباراة القرن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. يقول القاضي جان بيير كابيستان، مستلهماً استراتيجية ريتشارد نيكسون في قلب الحرب الباردة: «يحلم ترامب بدق إسفين بين الصين وروسيا لإعادة الأخيرة إلى المعسكر الغربي». وفي أوائل سبعينيات القرن العشرين، نجح الرئيس الجمهوري في تدبير تغيير مذهل في التحالف من خلال الاتصال بجمهورية ماو الشعبية بهدف تطويق الاتحاد السوفييتي بشكل أفضل، وذلك بفضل الخدمات الطيبة التي قدمها هنري كيسنجر. . في ذلك الوقت، كانت الدولتان الشيوعيتان المتجاورتان على خلاف، وعلى شفا صراع نووي. واليوم يصطدم هذا الاحتمال الطموح بالغِراء الأيديولوجي الذي يوحد بين قوتين أوراسيتين تنظران إلى الديمقراطية الليبرالية باعتبارها تهديدا وجوديا لحكمهما الاستبدادي واللتين تراهنان على الاضطرابات السياسية الداخلية التي تقسم الغرب لعكس مسار التاريخ.