ترامب يلوح بالتخلي عن الوساطة إذا لم يتحقق تقدم قريباً
هل يكون الأسبوعان المقبلان نقطة تحول في ملف أوكرانيا؟
لفت الأستاذ الفخري في كلية لندن الجامعية الدكتور مارك غاليوتي، إلى أن روسيا والولايات المتحدة، تعتقدان أن المفاوضات ربما تكون في طور الانغلاق. وليلة الجمعة، صرح الرئيس دونالد ترامب بأنه «سيتخلى» عن محاولة التوسط في السلام خلال أيام إذا لم يتحقق تقدم قريباً. وكتب غاليوتي في صحيفة «صنداي تايمز» أن ثمة إجماعاً على أن 30 أبريل -نيسان، نهاية الأيام المئة الأولى من ولاية ترامب، هو الموعد الذي ستغلق خلاله عملية السلام الحالية. في الواقع، يبدو هذا أشبه بلعبة دجاج رباعية الأطراف، حيث تشدد موسكو وكييف وواشنطن وبروكسل مواقفها بدل تقديم تنازلات حقيقية.
طموحات بوتين الأوسع
رغم الشعور بأنه لا يمكن إبقاء ترامب منتظراً إلى الأبد، فإن موسكو حتى الآن غير مستعدة لتقديم أي تنازلات. ويعود ذلك جزئياً إلى قناعة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الواضحة بأنه يكسب الحرب، لذلك فإن مجرد الحديث عن السلام يعد تنازلاً، ولكن أيضاً لأن الكرملين يحلم بصفقة أوسع بكثير من مجرد مسألة أوكرانيا. لمح مبعوث ترامب إلى روسيا ستيف ويتكوف إلى الأمر عندما أقر بأن محادثاته مع بوتين لم تشمل الأراضي الأوكرانية فحسب، بل شملت أيضاً حلف ناتو، والمادة الخامسة من ضماناته الأمنية المتبادلة. بالنسبة إلى الرئيس الروسي، تبدو هذه فرصة نادرة لإعادة تشكيل البنية الأمنية الأوروبية واستعادة روسيا صفتها قوة عظمى. قد يتبين فعلاً أن هذا وهم، لكنه قوي بما يكفي ليجعل بوتين يبدو مستعداً لاختبار الموعد النهائي الظاهر في 30 أبريل -نيسان على أمل تحقيقه.
تصدعات تظهر في الكرملين
لا يتفق الجميع في موسكو على هذا الرأي. ويرى كُثر أن بوتين يجازف بإهدار فرصة إنهاء الحرب بشروط مواتية قبل أن تصبح الظروف أكثر صعوبة في العام المقبل، مع نفاد مخزونات الدبابات القديمة من الحقبة السوفيتية القابلة للترميم، وبداية الاقتصاد بالانكماش.
ثمة الآن صراع في الكواليس، حيث يتنافس الصقور وصانعو السلام لمحاولة كسب ود بوتين. وانتقد وزير الخارجية سيرغي لافروف هؤلاء صراحة، واصفاً إياهم بـ «الطابور الخامس» الذين يتظاهرون «بالولاء لبوتين، ويوافقون على كل ما يقوله»، لكنهم في الواقع «يخربون بهدوء» كل ما حققه.
جهد أمريكي
ضخم ونتائج ضئيلة
ثمة انقسام مماثل في الإدارة الأمريكية. فبينما يصر ويتكوف بشدة على القول: «إننا قد نكون على وشك بلوغ أمر مهم جداً، جداً، للعالم أجمع»، قال وزير الخارجية ماركو روبيو يوم الجمعة: «إذا لم يكن ممكناً إنهاء الحرب في أوكرانيا، فعلينا المضي قدماً»، وأن هذا الأمر يجب أن يحسم «في غضون أيام». وفي وقت لاحق، صرح ترامب نفسه بأنه مستعد «لتجاهل» عملية السلام ما لم يتحقق اتفاق «قريباً جداً».
وأكثر من مجرد الصراع القائم بين الانعزاليين والتدخليين، ينم هذا عن شعور متزايد بأن «العائد على الاستثمار» المحتمل للعملية برمتها قد لا يستحق كل هذا الجهد. وكما لاحظ دبلوماسي بريطاني «أراد ترامب صفقة سريعة. قبل شهر، كان ويتكوف يقود العملية، لكنه لم يعد بتلك الهيمنة هذه الأيام»، مع ظهور مشككين مثل روبيو، وكيث كيلوغ، مبعوث ترامب إلى أوكرانيا، في الواجهة.
إبقاء ترامب مهتماً
قد تتمكن موسكو من إبقاء ترامب منخرطاً في وعود غامضة. دار بالفعل حديث عن استغلال مشترك لنفط وغاز القطب الشمالي، والمعادن الأرضية النادرة الروسية، وطلبات ضخمة لشراء طائرات مدنية من شركة بوينغ الأمريكية العملاقة التي تواجه مشاكل، وحتى السماح للشركات الأمريكية التي أُجبرت على الخروج من السوق الروسية بتعويض خسائرها. قد تكون الجوائز الحقيقية جيوسياسية، إذا كانت موسكو مستعدة للتخلي عن علاقاتها الوثيقة مع إيران أو كوريا الشمالية. وأقر مسؤول في الأمن القومي الأمريكي، بأنه «إذا كانت روسيا مستعدة للنأي بنفسها عن طهران، وخاصة إذا أطلعتنا سراً على ما تعرفه عن برنامجها النووي، فسيكون ذلك ضخماً. حتى أضخم من صفقة المعادن الأوكرانية» كما أضاف ساخراً.
كييف تصبح أكثر جدية
تزيد الحكومة الأوكرانية ثباتاً في التعامل مع البيت الأبيض الجديد. رفضت في البداية بشدة صفقة ترامب للاستغلال المشترك للموارد الطبيعية لأوكرانيا.و هذا الأسبوع، رضخت الحكومة للأمر الواقع ووقعت مذكرة تفاهم أولية. وسيزور دينيس شميهال، رئيس وزراء أوكرانيا، واشنطن الأسبوع المقبل للقاء سكوت بيسنت، وزير الخزانة الأمريكي، لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقية.
لا تشمل هذه الاتفاقية أياً من الضمانات الأمنية التي طلبها زيلينسكي. وزعم ترامب أنها غير ضرورية لأن بوتين لن يخاطر بالمزيد من الهجمات بمجرد أن تنشط الشركات الأمريكية على الأرض. لم يردع وجود الشركات الأمريكية بوتين في 2022. في عصر لا يمكن فيه الاعتماد على المساعدات الأمريكية، بل استئجارها فقط، تراهن كييف على أن نهجها الجديد واتفاقية المعادن سيكونان كافيين للحفاظ على دعم أمريكا.
بروكسل تصر على موقفها
أضاف الكاتب أن أحد الشكوك هو هل ستهدد الاتفاقية فرص أوكرانيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي ترى أنه يقدم ميزة اقتصادية، وثاني أفضل ضمانة أمنية. وتقول المذكرة إن الولايات المتحدة لن تعيق هذه العملية، ولكن لا يزال ممكناً أن تتسبب الشروط المحددة في مشاكل بعد إعطاء الشركات الأمريكية امتياز الوصول إلى الموارد والعقود.
إذا حدث ذلك، يرجح أن تتنازل بروكسل، فمنذ تولي ترامب منصبه، زاد موقفها وخطابها تشدداً. وقد أثارت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، دهشة الجميع يوم الأربعاء بتصريحها الجريء «الغرب كما عرفناه لم يعد موجوداً».
ورغم تردد العديد من الدول الأعضاء، تحافظ بروكسل على موقفها المتشدد في دعم أوكرانيا، وفي كثير من الأحيان في معارضة الموقف الأمريكي. وهذا ليس نابعاً عن قناعة فحسب، بل أيضاً من شعورها بأنها، في عصر حروب الرسوم الجمركية واحتمال انسحاب أمريكا من أوروبا، في حاجة إلى الدفاع عن مصالحها.
اتجاهات متعارضة
في البيت الأبيض
ماذا سيحدث إذا قررت واشنطن أن الوقت المناسب لإبرام اتفاق؟ هذا يعني ضمناً أن الولايات المتحدة ستنسحب ليس فقط من العملية، بل من الحرب بأكملها. وقال روبيو إنه إذا لم يكن اتفاق السلام «قابلاً للتنفيذ»، فـ «أعتقد أن الرئيس ربما وصل إلى مرحلة سيقول فيها، لقد انتهينا»، مضيفاً «إنها ليست حربنا».
حاول مسؤولون آخرون التقليل من أهمية هذا الأمر، قائلين إن لا تهديد بترك كييف في موقف صعب جداً. وهذا مؤشر آخر على غياب أي إجماع واضح داخل الإدارة. وأقر مسؤول في البيت الأبيض بوجود من يحاولون إقناع الرئيس بأنه سيبدو ضعيفاً إذا لم يحافظ على دعمه لكييف أو يزيده :ومن يعتقد منا أننا قمنا بدورنا، ويتطلع بصراحة إلى رؤية الأوروبيين وهم يلتزمون بكلماتهم الجريئة. هذه مشكلة أوروبية».
وصباح السبت، أشار وزير الدفاع البريطاني السابق بن والاس إلى أن ترامب «مستعد للانسحاب لأنه ليس بارعاً في عقد الصفقات»، لكنه وافق على أن أوروبا قادرة بالفعل على زيادة دعمها لأوكرانيا.
مرحلة مفصلية
يلخص الكاتب المواقف، فيشير إلى أن روسيا لا تتنازل لأنها تأمل فرض اتفاق أوسع. والولايات المتحدة لا تتنازل لأنها تفقد اهتمامها. في حين تشعر كييف بأنها لا تستطيع تقديم ما تطلبه موسكو، بينما تحاول بروكسل فرض نفسها لاعباً جيوسياسياً جاداً. وفي غياب أي طرف مستعد على ما يبدو للتنازل، قد يثبت الأسبوعان المقبلان أنهما نقطة تحول أخرى في الحرب.
مع ذلك، بعيداً عن المأزق الظاهر، ربما حدث تحول بالفعل. فرغم الحديث عن مقايضات كبرى و»سلام دائم»، فإن المقترحات لوقف إطلاق نار ولو مؤقت التي انبثقت عن محادثات باريس مع روبيو وويتكوف وقادة أوروبيين، تشبه تلك التي طرحت في 2022. وفي هذه الرواية، تبقى روسيا مسيطرة على الأراضي المحتلة، لكن دون أي سند قانوني. وتُستبعد أوكرانيا من حلف ناتو، لكنها تحتفظ بسيادتها. ويعرض على روسيا تخفيف بعض العقوبات، بينما تُمنح أوكرانيا إمكانية الحصول على 300 مليار دولار من الأصول السيادية الروسية المجمدة للمساعدة في إعادة الإعمار. باختصار، صفقة لا تترك أحداً سعيداً فعلاً. وحسب غاليوتي، غالباً ما يكون الانزعاج المتبادل ثمناً للسلام.