مكاسب كييف تحققت على حساب كلفة عالية في القوة البشرية والمعدات
هل ينجح الهجوم الأوكراني المضاد في إخراج روسيا من الشمال الشرقي؟
أطلقت أوكرانيا هجوماً مضاداً في منطقة خيرسون، وحاولت وحداتها كسر الدفاعات الروسية الأولى على طول خط جبهة ميكولاييف-خيرسون، وهي نجحت في اختراق الدفاعات الروسية في مقاطعة أندرييفكا، مما مكنها من إقامة رأس جسر في منطقة سوخي ستافوك-كوسترومكا.
وأفاد المراقبون في الجيش الروسي أن القوات الأوكرانية تراجعت من كوسترومكا وسوخي ستافوك من جراء القصف المدفعي الروسي، وأضافوا أن القتال انتقل إلى بيلوغوركا المجاورة. وفي المقابل، وزعت القوات الأوكرانية تسجيلاً مصوراً في وقت سابق من الأسبوع من المفترض أن يكون من منطقة فيسكوبولي في منطقة كريفي ريه، بينما كانت القوات الروسية تقول إن القتال يدور إلى جنوب هذه المستوطنة. لذا يبقى من غير الواضح ما إذا كانت الهجمات الأوكرانية عبر خط ميكولاييف-خيرسون وفي منطقتي بوساد بوكروفسكي ونوفوهريهوريفكا، قد أدت إلى نتائج ملموسة من الجانب الأوكراني.
الوضع الميداني غامض
وعلق محرر شؤون الأمن القومي في مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية مارك أيسبوكوبوس بأن الوضع على الأرض يبقى غامضاً، ولكن ثمة دلائل أولية على أن القوات الروسية نجحت على الأقل في إضعاف التقدمات الأولى للقوات الأوكرانية في منطقة خيرسون.
ومن الصعب على أوكرانيا تحقيق مكاسب سريعة في الجنوب في منطقة شاسعة، لأن روسيا كانت تتوقع هجوماً معاكساً يجري الإعداد له منذ أشهر، مما جعلها تعزز مواقعها في خيرسون بدفع مزيد من القوات والعتاد إلى هذه المنطقة. وقال خبراء غربيون أنه بمجرد مرور منتصف أغسطس (آب)، فإن فرصة تحقيق إنجاز على صعيد الهجوم الأوكراني المضاد في الجنوب قد تبددت، نظراً إلى التعزيزات الروسية الهائلة.
ومع ذلك، فإن الهجوم المضاد-الذي يعتبر أجرأ محاولة من كييف حتى الآن لإمتلاك اليد العليا بعد سبعة أشهر من الغزو الروسي- يخدم عدداً من الأهداف العسكرية والسياسية التي حددتها أوكرانيا منذ وقت طويل.
وبينما يتركز الانتباه الروسي على الجنوب، شنت أوكرانيا هجوماً “مفاجئاً” في منطقة خاركيف بشمال شرق البلاد. وبدأت القوات الأوكرانية بالتقدم شرقاً، في إتجاه مدينتي إيزيوم وكوبيانسك، في محاولة واضحة لقطع خطوط الإمداد والتنقلات الروسية في المنطقة.
وكتب مدير روسيا في مركز الدراسات البحرية مايكل كوفمان، أن الهجوم الأوكراني قد يصل إلى إيزيوم، المدينة الرئيسية التي تسيطر عليها روسيا في منطقة خاركيف. ويبدو أن الهجوم الأوكراني في الشمال الشرقي قد وضع القوات الروسية في موقف تراجعي.
وبحسب ما صرح المسؤول المعين من روسيا في المنطقة فيتالي غانتشيف لـ”رويترز”، “يتم تأخير العدو قدر الإمكان، لكن مناطق عدة باتت تحت السيطرة الأوكرانية».
حرب استنزاف
وإذا تأكد التقدم الأوكراني في خاركيف من مصادر مستقلة، فإنه سيكون المعركة الرئيسية الأولى التي تهزم فيها أوكرانيا القوات الروسية منذ إنسحابها من منطقة كييف في مارس (آذار). وعلى رغم الإخفاقات الروسية الأولية في تحقيق نصر سريع في أوكرانيا، فإن الكرملين لا يزال يعتقد أنه سينتصر في نهاية المطاف لأن الوقت يلعب لمصلحته. وغير الجيش الروسي تكتيكاته من محاولة السيطرة على مدن كبرى، إلى حرب استنزاف.
وفي الوقت الذي ينهار الإقتصاد الأوكراني والقدرة القتالية البشرية تتعرض لخسائر كبيرة، فإن موسكو تعتقد أنه في شتاء 2022 وربيع 2023 وما بعدهما، لن تواجه مقاومة فعالة من الأوكرانيين. وبالمعيار ذاته، يساور المسؤولين في الكرملين الاعتقاد بأن الغرب ليست لديه الوسائل التقنية أو الإرادة السياسية لتعويم الجيش الأوكراني على المدى الطويل. ومن الممكن أن تكون الهجمات الأوكرانية المضادة ترمي إلى قلب الحسابات الروسية.
وإذا كانت أوكرانيا قادرة على شن هجمات برية من أجل استعادة الأراضي المحتلة، فإنها تجعل الوضع العسكري بالنسبة إلى روسيا غير مقبول، وتعزز فرصها في الحصول على المزيد من المساعدات الغربية.
هل تستطيع أوكرانيا الصمود؟
لكن يبقى هل تستطيع أوكرانيا الحفاظ على مكاسبها الأخيرة في الميدان، والتي تحققت على حساب كلفة عالية في القوة البشرية والمعدات؟. ومع ذلك لا يزال الخبراء يطرحون تساؤلات حول قدرة أوكرانيا على ترجمة نجاحاتها في انتزاع قرية من هنا وقرية من هناك، إلى عمليات برية شاملة تتمكن من طرد القوات الروسية من مواقعها المحصنة في المدن الكبرى بما فيها خيرسون وميلتوبول وبيرديانسك.
وحذر رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي الخميس، من أنه لا يزال من المبكر إعطاء تقويم للهجمات الأوكرانية المضادة في الجنوب والشمال الشرقي. وقال إن “روسيا بلد كبير. ولديهم طموحات جدية جداً بالنسبة إلى أوكرانيا».