واشنطن بوست: ظريف يقامر بلعبة خطرة
لا يزال يتفاعل التسجيل الصوتي لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي ينتقد فيه منافسيه المحليين الذين اتهمهم بالتآمر لتقويض جهوده الديبلوماسية.
ورأى البعض في التسريب الصوتي، محاولة للنيل من ظريف وإضعاف مفاوضيه في جهودهم لإحياء الاتفاق النووي.
أما المراسل السابق لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في طهران جيسون رضائيان الذي تعرض للسجن 544 يوماً في إيران، فيبدو الأمر كأنه يهدف إلى تعزيز صورة ظريف المتردية من خلال إبعاد نفسه عن النظام، كمقدمة لترشح محتمل للإنتخابات الرئاسية، أو على الأقل، النأي بنفسه عن المحاسبة في الداخل والخارج.
انتخابات رئاسية
وفيما الإنتخابات الرئاسية على مسافة أقل من شهرين، وفي ظل قلق النظام الإيراني من أنها ستشهد نسبة إقبال ضعيفة غير مسبوقة- فإن نتائج ولاية ظريف كوزير للخارجية ستكون في المشهد الأمامي، سواء أكان ظريف مرشحاً أم لا. وبات ظريف، أكثر من أي سياسي إيراني آخر، رمزاً للإنخراط مع بقية العالم، فيما التسجيلات المسربة توحي بأن جهوده تواجه عقبات علنية وخلف الكواليس.
وليست الإنقسامات داخل النظام الحاكم في إيران جديدة، لكن هذا التطور، لفت الإنتباه إلى الطريقة التي ينتقد فيها ظريف قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، الذي قتل في ضربة نفذتها طائرة مسيرة أمريكية في يناير (كانون الثاني) 2020. ويزعم ظريف، من بين أمور كثيرة، أن سليماني سافر إلى روسيا عام 2015 في محاولة لإقناع موسكو بعدم الإنضمام إلى الإتفاق النووي. كما أنه قال إن القائد العسكري كان يفرض عليه دائماً مطالب قبل أي محادثات دولية.
أجندة الحرس الثوري
وحتى الآن، كان ظريف يزعم أنه كانت تربطه علاقة عمل وثيقة بسليماني. أما في التسريب، فإن ظريف يوحي وكأن سليماني سعى مراراً إلى تغليب أجندة الحرس الثوري على الميدان السياسي. وهو يكرر ما سبق أن قيل سابقاً من أن الحرس الثوري هو السلطة الحقيقية في إيران، وأن ظريف وبقية الحكومة المدنية عاجزون. ومع ذلك، فإنه يقول هذا بطريقة القصد منها إعادة تفعيل الدعم لمعسكره.
وينظر الكثير من المعارضين الإيرانيين في الخارج إلى ظريف على أنه ليس أكثر من دمية ساحرة تنفذ إرادة الزعيم الإيراني علي خامنئي والحرس الثوري في الخارج. وتفضل الولايات المتحدة والديبلوماسيون الأوروبيون الذين تفاوضوا مع ظريف أن يروا فيه شخصية براغماتية يداها مغلولتان في نهاية المطاف بالعقيدة المتشددة للنظام الذي يمثله. وفي الوقت نفسه، فإن المعارضين داخل النظام الذين يرفضون الإنخراط مع العالم الخارجي، يشتبهون في ظريف الذي تلقى تعليماً في الولايات المتحدة وعاش عقوداً في حضن "الشيطان الأكبر".
وكأي سياسي، أتقن ظريف فن النجاة من الألاعيب الغادرة من خلال تكريس ميزة خاصة لنفسه. هو وفريقه لديهما نوافذ أحادية الاتجاه إلى تفكير كلٍ من الحرس الثوري والأوروبيين. وهاتان القوتان اللتان نادراً ما تتحدثان إلى بعضهما بصورة مباشرة، تتيحان لظريف إستغلال الفرص.
ويرى رضائيان: "إنها رقصة محفوفة بالمخاطر، لكنها نجحت مع ظريف طوال حياته المهنية، التي أراقبها عن كثب منذ أعوام".
وبينما كان يقبع في أكثر الزنازين وحشة بسجن إيفين في طهران عام 2015، كان يتابع عبر تلفزيون صغير كل القنوات الإيرانية. والحدث الكبير عامذاك كان المحادثات النووية بين إيران والقوى العالمية، وبينها الولايات المتحدة.
تارة أوغاد تارة أبطال
وكان يتم تصوير أعضاء فريق التفاوض الإيراني، الذي يقوده ظريف، في الأخبار، أحياناً على أنهم أوغاد وأحياناً أخرى على أنهم أبطال، وذلك وفق التنازلات التي كان يحصل عليها هذا الفريق من القوى العالمية. وبات ظريف محور التركيز في التقارير الإخبارية، في الأسابيع التي قادت إلى الإتفاق. وفي كل مرة كان يظهر على الشاشة كان رضائيان يمازح زميله في الزنزانة، بأن السرير الثالث في غرفتهما محجوز له.
كان واضحاً أن ضباط الحرس الثوري، ومن هم أعلى منه رتبة، عملوا كل شيء من أجل عرقلة الإتفاق النووي. ولكن حقيقة التوقيع على الإتفاق وتنفيذه وبقائه على قيد الحياة، هي دليل على أن الروايات الصادرة عن أوساط متنافسة- بما في ذلك ظريف نفسه، يجب ألا تؤخذ على محمل الجد.