رئيس الدولة: الاستدامة ركيزة أساسية ضمن إستراتيجيات التنمية الوطنية للإمارات
الاستقطاب السياسي ليس على وشك الانحسار
والفائز الأكبر في الانتخابات الأمريكية هو ... انقسام الشعب
-- الهوية من عوامل الاستقطاب، وغالبًا ما يسير التطرف والاستقطاب جنبًا إلى جنب
-- تلعب الانتخابات الآن دورًا يخدم لعبة التطرف، وبدل جسر الانقسام السياسي، تعمل الحملات الانتخابية على تفاقمه
-- تعاني مجتمعات عديد البلدان من أمراض المناعة الذاتية
-- تؤكد الانتخابات الرئاسية الأمريكية أن الولايات المتحدة دولة ممزقة سياسياً
-- الاختلالات السياسية المزمنة وحالات الشلل التي قد تعاني منها الدول أمر شائع
الانقسامات السياسية العميقة تسمّم اليوم معظم الديمقراطيات. لقد أصبحت متطرفة إلى درجة أن العديد من المواطنين يحددون هويتهم السياسية على التعارض مع “الطرف الآخر”. ويوجد الآن تعصب تلقائي عميق، أصبح هو القاعدة، تجاه الأشخاص الذين يظهرون قناعات سياسية مغايرة. وغالبًا ما تبلغ الخصومات والعداوات درجة لا يُنظر فيها إلى الخصوم على أنهم فاعلون سياسيون شرعيون. وأيضًا، كلما زاد الاستقطاب في بلد ما، زادت صعوبة حكمه.
لقد تسنى في كثير من الأحيان تغذية الأمل في أن يؤدي الاقتراع إلى فوز حزب ما إلى تهدئة العواصف السياسية. لكن بشرط أن يمنحه الناخبون أغلبية كبيرة، مما يمنحه تفويضًا واضحًا للحكم. ولسوء الحظ، هذا الأمر يتقلص. وبدلاً من جسر الانقسام السياسي، تعمل الحملات الانتخابية على تفاقمه. وبدلاً من العمل على تخفيف التوترات وتوحيد البلاد، تلعب الانتخابات الآن دورًا يخدم لعبة التطرف.
من إسبانيا إلى نيجيريا
عبر إندونيسيا
تحدد الانتخابات أيضًا الشرخ السياسي الذي يقسم المجتمع، وتكشف عن العدد الدقيق للمواطنين الذين يدعمون أي جانب. وتواجه الديمقراطيات المستقطبة ثلاث مهمات من أصعب ما يكون: تشكيل الحكومات، والحفاظ على التحالفات التي اقامتها لممارسة الحكم، واتخاذ قرارات سياسية ضرورية بقدر ما هي مثيرة للجدل.
هذا الواقع السياسي أصبح معولما. وقد شهدنا مؤخرًا العواقب الوخيمة للاستقطاب في إسبانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة واليونان وبولندا والبرازيل وبيرو وتشيلي وإندونيسيا وماليزيا وجنوب إفريقيا وفي نيجيريا وتونس. وغيرها من الدول. وهناك عديد البلدان التي يبدو أن مجتمعاتها تعاني من أمراض المناعة الذاتية، لأنه داخل الجسم السياسي نفسه ، يخصص جزء موارد هائلة لمحاربة الآخر.
وهذا الاستقطاب ليس بظاهرة جديدة، فقد كان موجودًا دائمًا لأن صراع الأفكار جزء جوهري من الديمقراطية. وما تغيّر هو التعميم ودرجة التجذير وحدّة الظاهرة. إن الاختلالات السياسية المزمنة وحالات الشلل التي قد تعاني منها الدول، أمر شائع. والانتخابات الرئاسية التي أجريت للتو في الولايات المتحدة ليست سوى أحدث مثال -وربما الأكثر كشفًا -عن هذا المرض السياسي المعيق.
الأصول المختلفة لهذا التشرذم
فإلامَ يعود تشظي المجتمعات هذا إلى مجموعات متباينة لا يسند كل منها الآخر؟ لا شك أن تنامي عدم الاستقرار الاقتصادي والشعور بالظلم المعمّم له علاقة بهذا الأمر. هناك أيضًا ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن أزمة الصحافة والإعلام التقليدي.
تويتر أو انستغرام، على سبيل المثال، أنظمة اتصال مصممة لنشر رسائل موجزة. ومع ذلك، فإن مثل هذا الإيجاز يشجع التطرف، لأنه كلما كانت الرسالة أقصر، يجب أن تكون أكثر راديكالية لتنتشر على نطاق واسع.
ولا تترك الشبكات الاجتماعية مجالا للفوارق. ولا تسمح وتيرتها المحمومة بالتناقض أو الدقة أو إمكانية إيجاد أرضية مشتركة لهؤلاء وأولئك الذين تتعارض آراءهم. كل شيء إما أسود أو أبيض. وهذا يعزز الميول الطائفية ويزيل أي توافق في الآراء. لكن الاستقطاب لا يأتي فقط من الاستياء من الصعوبات الاقتصادية أو العدوانية التي تثيرها وسائل التواصل الاجتماعي، فالحركة المناهضة للسياسة -التي ترفض السياسة التقليدية وقادتها بالكامل -عامل مهم. فلدى الأحزاب اليوم عدد كبير من المنافسين الجدد “حركات” و “موجات” و “فصائل” أخرى، فضلاً عن المنظمات غير الحكومية” التي تستند أجنداتها إلى رفض الماضي وعلى تكتيكات تشجع على التصلّب.
والمفارقة هي أنه للفوز بصندوق الاقتراع، يتعين على الأحزاب السياسية التقليدية اليوم اتخاذ المواقف التي يمليها المناهضون للسياسة.
إن دونالد ترامب مثال رمزي كما هو مفارق لهذه الظاهرة. ينتمي إلى أغنى نخبة على هذا الكوكب، وجمع ثروته من خلال التلاعب بالنظام، ونجح في أن يصبح زعيم “المهمشين والمقصيين” من هذا النظام نفسه .
الهوية قبل كل شيء
عامل آخر من عوامل الاستقطاب: الهوية. أصبح الشعور بالانتماء إلى مجموعة سياسية يتماهى أعضاؤها مع الأعضاء الآخرين أمرًا حاسمًا. وليس مهمّا ما إذا كانت هذه الهوية دينية أو عرقية أو إقليمية أو لغوية أو جنسية أو جيلية أو ريفية أو حضرية وما إلى ذلك. والمنطلق هو مبدا أن الهوية المشتركة لأعضاء المجموعة السياسية هي أصل اهتمامات وتفضيلات مماثلة.
إن طبيعة الهوية، التي هي أكثر ديمومة وأقل مرونة من طبيعة المواقف السياسية “العادية”، تجعل من الصعب على هذه الحركات السياسية تقديم تنازلات في القضايا التي تمس هوية أعضائها. وهذا يجعلها أكثر تشددًا، لأن التطرف والاستقطاب يسيران جنبًا إلى جنب. كما نعلم، هناك أيضًا جهات فاعلة أجنبية، غالبًا ما ترعاها الحكومات، والتي تتخصص في توظيف الشبكات الاجتماعية من أجل استغلال الانقسامات القائمة في بلد ما وتعميقها. وهم بذلك يخلقون انقسامات جديدة ويزرعون الفوضى. للأسف، لن ينحسر الاستقطاب السياسي في وقت قريب: العديد من أسبابه قوية، وشرسة. وبالتالي، فإن الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة هي أحدث مثال على إضعاف الديمقراطيات في العالم بسبب هذه الانقسامات الرهيبة.
رئيس تحرير سابق لمجلة فورين بوليسي طيلة 14 عامًا. وقبل وصول شافيز إلى السلطة، كان وزير التجارة والصناعة ومدير البنك المركزي الفنزويلي، والمدير التنفيذي للبنك الدولي. ألف عشرات الكتب منها الكتاب الأسود للاقتصاد العالمي: المهربون والمُتاجرون والمقلدون، ونهاية السلطة: من غرف الاجتماعات إلى ساحات المعارك ومن الكنائس إلى الدول.
-- تلعب الانتخابات الآن دورًا يخدم لعبة التطرف، وبدل جسر الانقسام السياسي، تعمل الحملات الانتخابية على تفاقمه
-- تعاني مجتمعات عديد البلدان من أمراض المناعة الذاتية
-- تؤكد الانتخابات الرئاسية الأمريكية أن الولايات المتحدة دولة ممزقة سياسياً
-- الاختلالات السياسية المزمنة وحالات الشلل التي قد تعاني منها الدول أمر شائع
الانقسامات السياسية العميقة تسمّم اليوم معظم الديمقراطيات. لقد أصبحت متطرفة إلى درجة أن العديد من المواطنين يحددون هويتهم السياسية على التعارض مع “الطرف الآخر”. ويوجد الآن تعصب تلقائي عميق، أصبح هو القاعدة، تجاه الأشخاص الذين يظهرون قناعات سياسية مغايرة. وغالبًا ما تبلغ الخصومات والعداوات درجة لا يُنظر فيها إلى الخصوم على أنهم فاعلون سياسيون شرعيون. وأيضًا، كلما زاد الاستقطاب في بلد ما، زادت صعوبة حكمه.
لقد تسنى في كثير من الأحيان تغذية الأمل في أن يؤدي الاقتراع إلى فوز حزب ما إلى تهدئة العواصف السياسية. لكن بشرط أن يمنحه الناخبون أغلبية كبيرة، مما يمنحه تفويضًا واضحًا للحكم. ولسوء الحظ، هذا الأمر يتقلص. وبدلاً من جسر الانقسام السياسي، تعمل الحملات الانتخابية على تفاقمه. وبدلاً من العمل على تخفيف التوترات وتوحيد البلاد، تلعب الانتخابات الآن دورًا يخدم لعبة التطرف.
من إسبانيا إلى نيجيريا
عبر إندونيسيا
تحدد الانتخابات أيضًا الشرخ السياسي الذي يقسم المجتمع، وتكشف عن العدد الدقيق للمواطنين الذين يدعمون أي جانب. وتواجه الديمقراطيات المستقطبة ثلاث مهمات من أصعب ما يكون: تشكيل الحكومات، والحفاظ على التحالفات التي اقامتها لممارسة الحكم، واتخاذ قرارات سياسية ضرورية بقدر ما هي مثيرة للجدل.
هذا الواقع السياسي أصبح معولما. وقد شهدنا مؤخرًا العواقب الوخيمة للاستقطاب في إسبانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة واليونان وبولندا والبرازيل وبيرو وتشيلي وإندونيسيا وماليزيا وجنوب إفريقيا وفي نيجيريا وتونس. وغيرها من الدول. وهناك عديد البلدان التي يبدو أن مجتمعاتها تعاني من أمراض المناعة الذاتية، لأنه داخل الجسم السياسي نفسه ، يخصص جزء موارد هائلة لمحاربة الآخر.
وهذا الاستقطاب ليس بظاهرة جديدة، فقد كان موجودًا دائمًا لأن صراع الأفكار جزء جوهري من الديمقراطية. وما تغيّر هو التعميم ودرجة التجذير وحدّة الظاهرة. إن الاختلالات السياسية المزمنة وحالات الشلل التي قد تعاني منها الدول، أمر شائع. والانتخابات الرئاسية التي أجريت للتو في الولايات المتحدة ليست سوى أحدث مثال -وربما الأكثر كشفًا -عن هذا المرض السياسي المعيق.
الأصول المختلفة لهذا التشرذم
فإلامَ يعود تشظي المجتمعات هذا إلى مجموعات متباينة لا يسند كل منها الآخر؟ لا شك أن تنامي عدم الاستقرار الاقتصادي والشعور بالظلم المعمّم له علاقة بهذا الأمر. هناك أيضًا ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن أزمة الصحافة والإعلام التقليدي.
تويتر أو انستغرام، على سبيل المثال، أنظمة اتصال مصممة لنشر رسائل موجزة. ومع ذلك، فإن مثل هذا الإيجاز يشجع التطرف، لأنه كلما كانت الرسالة أقصر، يجب أن تكون أكثر راديكالية لتنتشر على نطاق واسع.
ولا تترك الشبكات الاجتماعية مجالا للفوارق. ولا تسمح وتيرتها المحمومة بالتناقض أو الدقة أو إمكانية إيجاد أرضية مشتركة لهؤلاء وأولئك الذين تتعارض آراءهم. كل شيء إما أسود أو أبيض. وهذا يعزز الميول الطائفية ويزيل أي توافق في الآراء. لكن الاستقطاب لا يأتي فقط من الاستياء من الصعوبات الاقتصادية أو العدوانية التي تثيرها وسائل التواصل الاجتماعي، فالحركة المناهضة للسياسة -التي ترفض السياسة التقليدية وقادتها بالكامل -عامل مهم. فلدى الأحزاب اليوم عدد كبير من المنافسين الجدد “حركات” و “موجات” و “فصائل” أخرى، فضلاً عن المنظمات غير الحكومية” التي تستند أجنداتها إلى رفض الماضي وعلى تكتيكات تشجع على التصلّب.
والمفارقة هي أنه للفوز بصندوق الاقتراع، يتعين على الأحزاب السياسية التقليدية اليوم اتخاذ المواقف التي يمليها المناهضون للسياسة.
إن دونالد ترامب مثال رمزي كما هو مفارق لهذه الظاهرة. ينتمي إلى أغنى نخبة على هذا الكوكب، وجمع ثروته من خلال التلاعب بالنظام، ونجح في أن يصبح زعيم “المهمشين والمقصيين” من هذا النظام نفسه .
الهوية قبل كل شيء
عامل آخر من عوامل الاستقطاب: الهوية. أصبح الشعور بالانتماء إلى مجموعة سياسية يتماهى أعضاؤها مع الأعضاء الآخرين أمرًا حاسمًا. وليس مهمّا ما إذا كانت هذه الهوية دينية أو عرقية أو إقليمية أو لغوية أو جنسية أو جيلية أو ريفية أو حضرية وما إلى ذلك. والمنطلق هو مبدا أن الهوية المشتركة لأعضاء المجموعة السياسية هي أصل اهتمامات وتفضيلات مماثلة.
إن طبيعة الهوية، التي هي أكثر ديمومة وأقل مرونة من طبيعة المواقف السياسية “العادية”، تجعل من الصعب على هذه الحركات السياسية تقديم تنازلات في القضايا التي تمس هوية أعضائها. وهذا يجعلها أكثر تشددًا، لأن التطرف والاستقطاب يسيران جنبًا إلى جنب. كما نعلم، هناك أيضًا جهات فاعلة أجنبية، غالبًا ما ترعاها الحكومات، والتي تتخصص في توظيف الشبكات الاجتماعية من أجل استغلال الانقسامات القائمة في بلد ما وتعميقها. وهم بذلك يخلقون انقسامات جديدة ويزرعون الفوضى. للأسف، لن ينحسر الاستقطاب السياسي في وقت قريب: العديد من أسبابه قوية، وشرسة. وبالتالي، فإن الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة هي أحدث مثال على إضعاف الديمقراطيات في العالم بسبب هذه الانقسامات الرهيبة.
رئيس تحرير سابق لمجلة فورين بوليسي طيلة 14 عامًا. وقبل وصول شافيز إلى السلطة، كان وزير التجارة والصناعة ومدير البنك المركزي الفنزويلي، والمدير التنفيذي للبنك الدولي. ألف عشرات الكتب منها الكتاب الأسود للاقتصاد العالمي: المهربون والمُتاجرون والمقلدون، ونهاية السلطة: من غرف الاجتماعات إلى ساحات المعارك ومن الكنائس إلى الدول.