وزارة الثقافة والشباب تناقش تحديات رقمنة المحتوى العربي والنشر
ضمن فعاليات أسبوع اللغة العربية وبالتزامن مع إطلاق وزارة الثقافة والشباب تقرير حالة اللغة العربية، انعقدت فعالية الندوة الحوارية بعنوان “اللغة العربية: أين مكانها في عالم الرقمنة؟” بمشاركة كل من سعادة عبد الله ماجد آل علي، المدير التنفيذي لقطاع دار الكتب بدائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي، الدكتور خالد عبد الفتاح، مستشار الحلول المعرفية والرقمية بمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، بشار كيلاني، مدير منطقة الشرق الأوسط في IBM، الدكتور عبد السلام هيكل، المؤسس ورئيس مجلس إدارة هيكل للإعلام، والدكتور نزار حبش، أستاذ علوم الحاسب الآلي بجامعة نيويورك أبوظبي، وأدارتها الإعلامية صفية الشحي.
وقد تناولت الندوة مجموعة التحديات والمعوقات في مجالات رقمنة المحتوى العربي والنشر، وإلى جانبها الفرص وآفاق تطوير هذا القطاع الثقافي الإبداعي الهام، مكانة اللغة العربية في قطاع النشر، والرقابة كعملية تحقق من المعلومات والحقوق ضد القرصنة على المحتوى المنشور أو المتداول رقمياً بشكل خاص، والتعلم الآلي والمنظومات الخوارزمية العربية في إطار الاستخدامات الرقمية، وصولاً إلى الحلول والنظرة الاستشرافية لواقع رقمنة المحتوى العربي والحلول التي يمكن تقديمها كخطة طريق لصناعة النشر والترجمة.
واستهل سعادة عبد الله ماجد آل علي حديثه خلال الندوة، مشيداً بالجهد الدؤوب لوزارة الثقافة والشباب وقال: “تقرير حالة اللغة العربية ومستقبلها رسم خارطة طريق لهذه اللغة الغالية علينا والقريبة من وجداننا”، معتبراً أننا بحاجة إلى تحول رقمي ضخم وتكاتف كل الجهود العربية في القطاع الخاص والعام نحو تحول رقمي كبير ونوعي مقارنة مع ما يمثله اليوم من نسبة ضعيفة جدا تكاد لا تزيد على 1 في المائة، مع ملاحظته ازدياد الاهتمام بالمنصات التي تخدم اللغة العربية كأمازون وغيرها، الأمر الذي سيسهل مهام دور النشر المحلية الخاصة والحكومية نحو التحول الرقمي بشكل أسرع مما نراه الآن، مشيراً إلى اعتقاده أن النشر العربي جزء من المشكلة لجهة العاملين فيه والمحتوى المنشور ودور النشر وتقنياته وآليات الترويج له، وأنّ حركة الترجمة التي تعتبر جزءاً اساسياً من قطاع النشر، تحتاج إلى الترجمة العكسية من العربية إلى اللغات العالمية الحية، كما تحتاج إلى استبعاد المحتوى غير القانوني وقرصنة الحقوق في الفضاء الرقمي، والتقاطعات بين الصناعات المختلفة في سبيل تنمية المحتوى العربي ورقمنته.
وعن التحديات التي تواجه رقمنة المحتوى العربي وتطوير النشر، أشار آل علي إلى حاجتنا إلى تكاتف جهود كل مبدع وكل مؤسسة حكومية وخاصة لتحقيق هدف رفد الإنترنت بأكبر حجم ممكن من المحتوى العربي من نصوص وصور كي نصل إلى زيادة نسبة المحتوى العربي في المحتوى الرقمي على مستوى العالم لتصبح 5% على أقل تقدير، مع أهمية مواجهة القرصنة وسرقة حقوق النشر، والتطوير المهني عبر الشراكات لغرض تطوير البنية التحتية الرقمية عربياً، والعمل على إنشاء محتوى ضخم يعزز انتشار اللغة العربية وقوتها التأثيرية التي تحتل المرتبة 16 عالمياً، وذلك من خلال مبادرات مؤسسية لتفادي غياب التنسيق من خلال البيانات العلمية الموثوقة ودقة الأرقام عن حجم مبيعات الكتب العربية على سبيل المثال.
أما الدكتور عبد السلام هيكل، المؤسس ورئيس مجلس إدارة هيكل للإعلام فأشار إلى ضرورة دعم وتمكين اللغة العربية رقمياً على أنها أداة مهمة جدا، ووسيلة سامية عبر إيجاد فضاء خاص بها لغرض تنمية الصناعات المرتبطة باللغة لا باللغة نفسها، إضافة إلى تمكين آليات البحث في المحتوى العربي المتاح رقمياً، مع النهوض بطرائق تدريس اللغة وتطوير صناعة النشر وتمكينها بإدخال فكر الصناعة إلى النشر بجوانب تشريعية تنفيذية استثمارية ليصبح نموذجا تجاريا معززا لهذه الصناعة، مع مراعاة مسألة التسويق في العالم الرقمي للترويج للمحتوى المنشور على الإنترنت، مع قصور واضح للنشر الجامعي والترجمة وغيرها، قائلاً: “الإنترنت أصبحت جزءاً من حياتنا، وبالتالي توقعات الناس بتمكين أنفسهم من خلال إيجاد محتوى تنموي باتت من حاجاتهم الأساسية مثل حاجتهم إلى المحتوى العربي عبر شبكة الإنترنت والذي يمثل فجوة معرفية نحتاج سدها لمساعدة شعوبنا ومنطقتنا إلى التقدم”، معبراً عن اعتقاده أن اللغة العربية لا تعيش انفصالا بين ذاتها واللهجات المنبثقة منها، في مزيج بديع بين الفصيحة والعاميات واللغة البيضاء المفهومة من المحيط إلى الخليج.
كما دعا الدكتور هيكل إلى قيام كيانات اقتصادية وتحالفات صناعية كبرى في قطاع المحتوى العربي والرقمنة والنشر، تخلق اقتصادا هائلاً برؤية واضحة وموارد كبيرة وإصرار على النجاح في هذا السوق ومساحة للعمل، طارحاً سؤال حول إمكانية الانتقال بالقطاع إلى حالة الصناعة والعمل الاقتصادي المجدي، وأهمية دور المشرّع في المجال محفزاً وبانياً لبيئة صحية تسهم في خلق الفرص المستقبلية المتوفرة في مجال النشر.
أما الدكتور نزار حبش، فأشار إلى أن استخدام التقنيات الرقمية يمر عبر فهم احتياجات المستخدم وخاصة في مجالات المحتوى اللغوي ودلالاته المعرفية، كما يمر عبر طرائق التعليم بين الإعراب والإرعاب، ومجانبة الحديث بالفصحى والخوف من تسييس استخدامها على حساب العامية أو العكس، معتبراً أن التقنيات الرقمية تحتاج تقعيد تعليم اللغة نحوا وصرفا وخاصة في التعامل الرقمي مع اللغات السامية بشكل عام، والخوارزميات التي تتحكم بعمل الحاسوب في تعامله مع صيغ الكلام ومخرجاته، مؤكدا على فشل واضح في علاقة العوالم الأخرى بلغتنا العربية، وقصور في تعليم الأجانب الفصحى إلى جانب اللهجات المتداولة في الدول.
وتحدث الدكتور حبش عن تجربته وتجربة جامعة نيويورك أبوظبي في بناء أنظمة التحليل الآلي للغة العربية، متضمناً صيغ الكلام وتقطيعه ومعانيه واستخداماته لغةً ومصطلحاً، وإنجاز المعجم العربي المتدرج قرائياً بخاصيات تحديد الدرجات القرائية للنصوص والمفردات عبر استخدام الذكاء الصناعي، ومكنز قُمر للمفردات التراثية العربية باللهجات المستخدمة في منطقة الخليج العربي.
واستعرض بشار كيلاني التاريخ العريق لدخول الحوسبة في العالم العربي منذ القرن الماضي، الأمر الذي خلق بيانات ضخمة بالمحتوى العربي تتوفر لدينا اليوم، قائلاً: “إن البيانات سواء كانت حكومية أو مصرفية أو خاصة هي بيانات كبيرة جدا، مضافاً إليها براءات الاختراع والتقنيات التي ابتكرها مبدعون عرب ولا تزال مستخدمة اليوم في الذكاء الصناعي والحوسبة”، كما أشار إلى أن المحتوى الرقمي العربي منتشر وبشكل إيجابي واضح في صناعات التطبيقات الذكية والاستخدامات الحاسوبية ومنصات الذكاء الاصطناعي، وصولاً إلى التعامل الأعمق مع اللهجات ضمن مراكز الاتصالات،
وكذلك في مجال الترجمة المتبادلة بين العربية واللغات الأخرى الحية، لجهة غنى اللغة العربية وعمقها ومرادفاتها التي يحمل كلٌّ منها أكثر من معنى، موصيا بأهمية تحفيز المحتوى والاستخدام الأمثل للغة غنية وعميقة مثل اللغة العربية. وعبّر الأستاذ كيلاني عن يقينه بأن المستقبل سيكون هجيناً من خلال المفردات الدخيلة التي سيتم تعريبها والكلام الذي سيتم استخدامه والتطبيقات التي سيكون لها الدور الأكبر في تسهيل التواصل الإنساني ورقمنة المحتوى، مستنداً إلى حقيقة غنى اللغة العربية وقدرتها على تطوير نفسها ومجاراة العولمة والتقنيات الحديثة.
وأشاد الدكتور خالد عبد الفتاح بإطلاق وزارة الثقافة والشباب تقرير حالة اللغة العربية ومستقبلها، معتبراً أن التحديات التي تواجهها رقمنة اللغة العربية تتمثل في بنية اللغة نفسها وخصوصيتها في شكل الاشتقاق والتقنيات والتكنولوجيات التي تستخدمها عبر آليات الذكاء الصناعي، إضافة إلى تحديات وجود منصات وبوابات للمحتوى الرقمي، مشيراً إلى أهمية المبادرات التي تطلقها الإمارات مثل مبادرة تحدي الأمية في الدول العربية ومبادرة “بالعربي” التي تشجع على استخدام اللغة العربية وتمكين المحتوى العربي الرقمي، ومبادرة مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة لسد الفجوة بين التشريع والواقع ببناء منصة رقمية تنسق هذه الجهود لمواجهة التحديات على مستويات البيانات وضعف حجمها ودقتها، والحاجة إلى المعاجم والمعلومات وتشتت المحتوى، والتحديات الاقتصادية التي يواجهها الناشرون، وكيفية تشجيع الناشر على دعم المحتوى العربي وتبنيه، إضافةً إلى حضور اللغة العربية في التعليم الحكومي والخاص، والحاجة إلى قياسات دقيقة لمعدلات النشر للكتب واستخدامها والاستفادة منها. كما ختم الدكتور عبد الفتاح بأهمية التفكير في تغيير المستقبل بدلاً من انتظار استمرار تراجع المحتوى العربي الرقمي وضعفه عالمياً، مع تطور الفجوة بين الحاجة والتوقع، عبر استخدام آليات مسرّعات المستقبل التي تتوفر لدى دبي خبرات عالية فيها، مشددا على أهمية تكاتف الجهود وتنسيقها في سبيل بناء منصة عربية واحدة للمحتوى الرقمي.