وول ستريت جورنال: بوتين غاضب لا مجنون

وول ستريت جورنال: بوتين غاضب لا مجنون


استهل مايكل أوهانلون من معهد بروكينغز مقاله في صحيفة “وول ستريت جورنال” بالتساؤل عما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد “فقد عقله” قبل أن ينفي ذلك بشكل شبه مؤكد. أوضح أوهانلون أن بوتين أخطأ بشدة على ما يبدو في حسابات اجتياحه لأوكرانيا. لكن التاريخ مليء بالمعتدين الذين ظنوا أن الحروب ستكون أسهل بكثير مما انتهت إليه. أدرك العالم سلفاً أن بوتين كان غاضباً ومتكبراً وأوتوقراطياً. وقد تعلم المراقبون أيضاً أنه أكثر تهوراً من تقديراتهم السابقة. لكن يمكن تفسير سلوكه ببساطة عبر توقع ارتكابه الأخطاء التي غالباً ما يرتكبها القادة إنها نزعة إنسانية طبيعية، خصوصاً لدى الديكتاتوريات أو المجالس العسكرية. وقدم أمثلة عدة عن هذه الإخفاقات كما حصل مع القيصر الألماني فيلهلم الثاني والحرب العالمية الأولى، ونظام هيديكي توجو الياباني والحرب العالمية الثانية وكيم إيل سونغ في كوريا الشمالية والسوفيات في أفغانستان وصدام حسين ضد إيران والكويت. وهذا ما قامت به الولايات المتحدة أيضاً.

أشار أوهانلون إلى أنه قبل اجتياح العراق في مارس -آذار 2003، توقع بعض المسؤولين الأمريكيين عودة ثلثي القوات الأمريكية إلى ديارها بحلول خريف تلك السنة وأن تكلف تلك الحرب الخزانة الأمريكية 100 مليار دولار كحد أقصى. انتهى الأمر بالولايات المتحدة أن نشرت بين 130 و170 ألف جندي أمريكي لسبعة أعوام إضافية. وكلفت الحرب في نهاية المطاف أكثر من تريليون دولار وحياة 4500 جندي أمريكي شجاع. يبدو أن بوتين نظر إلى الأرقام في أوكرانيا وشعر بالفوز السهل. توقع دخول البلاد من اتجاهات عدة وتنفيذ نوع من “الصدمة والرعب” ضد قيادتيها السياسية والعسكرية مؤسساً هيمنة ميدانية على عدو أضعف وأصغر مع إدخال تكنولوجيا جديدة للصراع بما يضيف أبعاداً غير متوقعة على خطته الهجومية. كان يجدر به أن يدرك الواقع بشكل أفضل. لطالما سخر من الولايات المتحدة بسبب مستنقعيها في العراق وأفغانستان. لقد اختبر بنفسه حربي الشيشان اللتين خاضتهما روسيا على أراضيها في التسعينات. لكن مجدداً، بعد فيتنام، وبطريقة من الطرق، كان على الولايات المتحدة أن تدرك الواقع بشكل أفضل.

قبل الاجتياح، بدا أن بوتين بالغ في الثقة بحكمه الخاص وبقواته المسلحة بعدما ضم القرم بنجاح سنة 2014 وساعد الرئيس السوري بشار الأسد على البقاء في الحكم منذ سنة 2015، كما فعلت الولايات المتحدة تقريباً بعد حرب الخليج في 1991، وجهودها في كوسوفو سنة 1999 وإطاحة طالبان في 2001. إذا تم دمج المبالغة بالثقة بالنفس مع الكبرياء المجروح بشأن مكانة روسيا في العالم وغضب بوتين من أعدائه، فسيحصل المرء على سايكولوجيا قادرة على ارتكاب خطأ كبير في الحسابات، من دون الحاجة إلى الجنون لتفسير سوء التقدير.

أشار أوهانلون إلى أنه ثمة سوابق بوضع بوتين قواته في حالة تأهب قصوى في وقت مبكر من الاجتياح. وقامت الولايات المتحدة بالمثل خلال حرب 1973 في الشرق الأوسط لتثبيط تدخل الاتحاد السوفياتي. تعهد الرئيس الروسي قبل الاجتياح بمواجهة أي مقاومة بـ”تداعيات لم تختبروها قط في تاريخكم”. كان ذلك على الأرجح محاولة للردع عبر التهديد. والآثار المترتبة على ذلك مزدوجة بحسب الكاتب.

أولاً، بدأ بوتين على الأرجح بإدراك أنه ارتكب خطأ. قد يبحث عن طريقة للتخفيف من حدته. ينبغي على الغرب أن يفكر في ما إذا كان هنالك من طريقة تضمن أمن أوكرانيا الطويل المدى من دون حصولها على عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو)، في مقابل انسحاب روسي والتزام بترتيب يمكن التحقق منه. ثانياً، إذا كان بوتين عقلانياً، فبإمكان الناتو ردعه عن شن هجمات على بولندا ودول البلطيق عبر نشر قوات هناك.
لقد أدرك العالم سلفاً أن بوتين كان غاضباً ومتكبراً وأوتوقراطياً. وقد تعلم المراقبون أيضاً أنه أكثر تهوراً من تقديراتهم السابقة. لكن يمكن تفسير سلوكه ببساطة عبر توقع ارتكابه الأخطاء التي غالباً ما يرتكبها القادة.