وول ستريت جورنال: هكذا قضى أوباما على منع الانتشار النووي
كتب والتر راسل ميد في صحيفة “وول ستريت جورنال” أن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون خصصت الكثير من طاقتها الديبلوماسية لإقناع أوكرانيا، إلى جانب كازاخستان وبيلاروسيا، بإعادة الأسلحة النووية التي تركها الاتحاد السوفيتي بعد تفككه إلى موسكو.
وقال كلينتون في حديث إلى وكالة آرتيه الآيرلندية إن الأوكرانيين قاوموا الضغط الأمريكي للتخلي عن الأسلحة النووية “لأنهم ظنوا أنها الشيء الوحيد الذي حماهم من روسيا توسعية”. لكن الأمريكيين، كما قالت ذات مرة وزيرة خارجيتهم السابقة مادلين أولبرايت، “يقفون شامخين. نحن نرى أبعد من البلدان الأخرى (عند النظر إلى) المستقبل».
هذا هو شعوره اليوم
بالتالي، دفعت إدارة كلينتون برسالة أخرى إلى الأوكرانيين: إن النظام الدولي المبني على القواعد سيحمي مستقبل أوكرانيا بطريقة أفضل من شيء عفا عنه الزمن كالأسلحة النووية. وأضاف كلينتون في حديثه إلى آرتيه أنه يشعر “بالفظاعة حيال ذلك” مشيراً إلى أن على الأمريكيين أن يساعدوا أوكرانيا في أزمة تسببت بها إلى حد كبير ثقتها بكلمة الأمريكيين.
لفت ميد إلى أن الواقع الفعلي كان معقداً. فقد سيطرت روسيا على الأسلحة النووية المتروكة في أوكرانيا. لقد كانت تلك الأسلحة أقرب إلى بؤر استيطانية للقوة الروسية على التراب الأوكراني من كونها تحوطاً أوكرانياً ضد المغامراتية الروسية. مع ذلك، وكإدراك متأخر، يبدو أن الوثوق بكلمة رئيس أمريكي وبقواعد النظام الدولي عوضاً عن الردع النووي كان خطأ تاريخياً. أتت تأملات كلينتون في وقت تضعف الحواجز أمام الانتشار النووي بشكل سريع حول العالم.
تتخلى روسيا والصين عن كل ادعاء بمعارضة ترسانة كوريا الشمالية. في كوريا الجنوبية، تظهر استطلاعات الرأي أن نسبة 70 في المئة من السكان تعتقد أن الوقت قد حان للسير على خطى الشمال. في الشرق الأوسط، أدى تقدم إيران الحثيث نحو أسلحة نووية إلى إطلاق سلسلة من الانتشار الإقليمي التي لطالما سادت الخشية منها. تتخذ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الخطوات الأولى نحو امتلاك القدرة على تخصيب اليورانيوم. ومن غير المرجح أن تتخلف تركيا كثيراً عن اللحاق بالركب بما أن الأسلحة النووية أصبحت جزءاً طبيعياً من ترسانة القوى المتوسطة. إن القوميين في دول مثل البرازيل والأرجنتين سيرغبون بالانضمام إلى النادي النووي المتوسع.
أضاف ميد أن مواجهة الانتشار النووي كانت محور السياسة الخارجية الأمريكية منذ سقوط أول قنبلتين على اليابان سنة 1945. الديبلوماسية الأمريكية حاولت وفشلت في إيقاف البرامج النووية للاتحاد السوفياتي وبريطانيا وفرنسا والصين وإسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية. دخلت معاهدة الحد من الانتشار حيز التنفيذ سنة 1970 وتم تمديدها بشكل دائم بعد أربعة أشهر من التوقيع على مذكرة بودابست.
في تلك المذكرة، وافقت روسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة على عدم تهديد أو مهاجمة أوكرانيا وبيلاروسيا وكازاخستان كما على التشاور من أجل مساعدتها إذا تعرضت للهجوم. وانضمت تلك الجمهوريات السوفياتية الثلاث إلى المعاهدة كدول غير نووية. تمت الإشادة بمعاهدة الحد من الانتشار كحجر زاوية للنظام الدولي المبني على القواعد. أمل داعموها أن يكون الحد من الانتشار مجرد بداية قبل أن تحذو القوى النووية حذو أوكرانيا وتتخلى عن ترساناتها النووية في خدمة السلام العالمي.
رأى ميد أن التاريخ سيذكر باراك أوباما على أنه الرئيس الذي فشل الحد من الانتشار بشكل نهائي تحت ناظريه. رده المتردد على غزو روسيا لأوكرانيا سنة 2014 لم يمثل فقط نهاية لعطلة ما بعد الحرب الباردة من التاريخ؛ لقد جسد أيضاً موت الحلم بأن قادة العالم الديموقراطي امتلكوا القوة والرؤية للحفاظ على مبادئ النظام الدولي المبني على القواعد في مواجهة خصم غاشم. لقد علّم العالم أيضاً أن الأسلحة النووية هي دفاع أفضل من التعهدات الأمريكية. اقترن ذلك مع فشل التصدي لتقدم البرنامج النووي لكوريا الشمالية ومع بنود الغروب في الاتفاق مع إيران حيث أصبح الهدف تأخير لا منع تقدم طهران النووي. لقد أوضحت ديبلوماسية عهد أوباما أنه لم يكن لواشنطن أي خطة لوقف انتشار الأسلحة النووية بالرغم من الخطابات الرنانة التي ادعت عكس ذلك. أضاف ميد أنه لطالما كان الحد من الانتشار أقرب إلى حلم منه إلى برنامج عملي. جعل التقدم التكنولوجي تطوير الأسلحة النووية أسهل وأرخص كما أن للأعضاء الطامحين في النادي النووي المزيد من المصادر للتكنولوجيا والخبرة التي يحتاجون إليها. لقد أبطأت المعاهدة الانتشار لكنها لم تستطع وقفه. لقد كانت أفضل من لا شيء، لكن “علينا الآن تعلم العيش في عالم ما بعد الحد من الانتشار” حسب الكاتب. لقد كان خطأ أوباما الحقيقي إسناد سياسته الخارجية إلى النظام الدولي المبني على القواعد علماً أن الرئيس الأسبق افتقر للمهارة والإرادة من أجل الدفاع عنه. لم يكن قادراً على تأسيس العالم الذي أراده أو إعداد البلاد للحياة بعد موت الحلم.
في مذكرة بودابست، قدم كلينتون التزاماً أخلاقياً إلى أوكرانيا رفض أوباما احترامه. تتضمن النتائج تسارعاً في اضمحلال نظام الحد من الانتشار وحرباً خبيثة وتحالفاً هو الأوثق بين الصين وروسيا منذ عهد ستالين وتراجعاً عالمياً في قيمة كلمة أمريكا. وختم ميد: “علينا أن نأمل أن الرئيس بايدن ومستشاريه يفكرون ملياً بالطريقة التي يتمنون أن يتذكرهم” العالم من خلالها.