تحليل: التحالفات التي ظلت طهران ترعاها لعقود قد تفككت

‏بعد «حماس» و «حزب الله» وسوريا... 2025 عام الحساب بين نتنياهو ‏وإيران

‏بعد «حماس» و «حزب الله» وسوريا... 2025 عام الحساب بين نتنياهو ‏وإيران


سيكون عام 2025 هو عام الحساب بين رئيس الوزراء الإسرائيلي ‏بنيامين نتنياهو وإيران العدو اللدود لبلاده.‏
إذ من المنتظر أن يعمل نتنياهو المخضرم على تعزيز أهدافه ‏الاستراتيجية وهي تشديد قبضته العسكرية على غزة، وإحباط الطموحات ‏النووية الإيرانية، والاستفادة من تفكيك حليفتي طهران حركة حماس وجماعة حزب الله اللبناني وكذلك من ‏الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.‏
ويمثل سقوط الأسد والقضاء على كبار قادة حماس وحزب الله وتدمير ‏البنية العسكرية للحركتين انتصارات كبيرة لنتنياهو.‏
فبدون سوريا تكون التحالفات التي ظلت طهران ترعاها لعقود قد تفككت. ‏ومع تراجع نفوذ إيران، تبرز إسرائيل باعتبارها القوة المهيمنة في ‏المنطقة.‏
ويتأهب نتنياهو لتوجيه كل الاهتمام لطموحات إيران النووية وبرنامجها ‏الصاروخي، والتركيز بلا كلل على تفكيك وتحييد هذه التهديدات ‏الاستراتيجية لإسرائيل.‏ ويقول مراقبون معنيون بالشرق الأوسط إن إيران أمام خيار صعب إما ‏أن تستمر في برنامجها لتخصيب اليورانيوم أو تقلص أنشطتها الذرية ‏وتوافق على المفاوضات.‏
وقال يوست آر. هيلترمان مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ‏مجموعة الأزمات الدولية «إيران معرضة بشدة لهجوم إسرائيلي، ‏وخاصة ضد برنامجها النووي... ولن أتفاجأ إذا فعلتها إسرائيل، لكن هذا ‏لا يعني التخلص من إيران».‏
وقال المحلل الفلسطيني غسان الخطيب إن إيران أمام خيارين إما المضي ‏في برنامجها النووي أو «أن تتجاوب مع المفاوضات باتجاه تراجع عن ‏برنامجها النووي، لأن إذا ما تراجعت عن برنامجها، (الرئيس الأميركي ‏المنتخب دونالد) ترامب ونتنياهو راح يضربوا بتقديري، لأن ما في شئ ‏يمنعهم».‏
ويرى الخطيب أن القيادة الإيرانية، التي أظهرت براغماتية في الماضي، ‏‏»ممكن يتجاوبوا مع المفاوضات ويتراجعوا بشكل متفاهم عليه عن ‏المشروع النووي لتجنب ضربة».‏
ومن المرجح أن يشدد ترامب، الذي انسحب من الاتفاق النووي الذي ‏أبرمته إيران وست قوى عالمية عام 2015 بهدف الحد من أهداف ‏طهران النووية، العقوبات على صناعة النفط الإيرانية، على الرغم من ‏الدعوات للعودة إلى المفاوضات من منتقدين يرون الدبلوماسية سياسة ‏أكثر فاعلية في الأجل البعيد.‏

إرث نتنياهو
ستلعب محاكمة نتنياهو المستمرة منذ فترة بتهم فساد، والتي استؤنفت هذا ‏الشهر، دورا حاسما في تشكيل إرثه. وللمرة الأولى منذ اندلاع حرب ‏غزة في عام 2023، مثل نتنياهو أمام القضاء في المحاكمة التي أحدثت ‏انقساما شديدا بين الإسرائيليين.‏
ومع اقتراب عام 2024 من نهايته، من المرجح أن يوافق رئيس الوزراء ‏الإسرائيلي على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس لوقف حرب ‏غزة المستمرة منذ 14 شهرا وتحرير الرهائن الإسرائيليين المحتجزين ‏في القطاع، وذلك وفقا لمصادر قريبة من المفاوضات.‏
لكن غزة ستظل تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية في غياب خطة ‏أميركية لما بعد الحرب تتنازل إسرائيل بموجبها عن هذه السيطرة ‏للسلطة الفلسطينية، وهو ما يرفضه نتنياهو. ولا تميل الدول العربية ‏كثيرا للضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات أو دفع السلطة الفلسطينية إلى ‏إجراء إصلاحات في قيادتها.‏
وقال الخطيب لوكالة «رويترز»: «بالنسبة لغزة أنا اعتقد أن إسرائيل ‏ستظل في غزة من ناحية عسكرية لأن أي خروج لإسرائيل منها يحمل ‏بالنسبة لهم مخاطر إعادة التنظيم بالنسبة لحماس، ولذلك هم يعتقدون أن ‏الطريقة الوحيدة للمحافظة على المكتسبات العسكرية اللي حققوها والتي ‏دفعوا لها أثمانا، بسبب الخسائر الكبيرة التي تكبّدوها، هي البقاء في ‏غزة».‏
بالنسبة لنتنياهو، فإن هذه النتيجة ستمثل انتصارا استراتيجيا وترسخ ‏الوضع الراهن الذي يتماشى مع رؤيته وهي منع قيام الدولة الفلسطينية ‏مع ضمان السيطرة الإسرائيلية طويلة الأمد على غزة والضفة الغربية ‏والقدس الشرقية، وهي أراض معترف بها دوليا باعتبارها مكونات ‏أساسية للدولة الفلسطينية في المستقبل.‏
اندلعت حرب غزة عندما اقتحم مسلحو حماس إسرائيل في السابع من ‏تشرين الأول (أكتوبر) 2023، في هجوم أسفر وفقا للإحصاءات ‏الإسرائيلية عن مقتل 1200 شخص واحتجاز 250 رهينة. وردّت ‏إسرائيل بهجوم جوي وبري أسفر عن مقتل أكثر من 45 ألف فلسطيني، ‏وفقا للسلطات الصحية في غزة، ونزوح 1.2 مليون شخص وحول أجزاء ‏كبيرة من القطاع إلى أنقاض.‏
ويقول مسؤولون عرب وغربيون إن اتفاق وقف إطلاق النار سيضع حدا ‏للأعمال القتالية في غزة على الفور، لكنه ليس حلا للصراع الفلسطيني ‏الإسرائيلي المستمر منذ عقود.‏
وعلى أرض الواقع، أصبحت احتمالات إقامة دولة فلسطينية، وهو الخيار ‏الذي استبعدته حكومة نتنياهو مرارا، بعيدة المنال أكثر فأكثر، مع تفاؤل ‏زعماء المستوطنين الإسرائيليين بأن ترامب سوف يكون متفقا معهم في ‏الرأي تماما.‏
والارتفاع الحاد في عنف المستوطنين والثقة المتزايدة لدى حركتهم ‏يعكسان ضغطا متزايدا على الفلسطينيين. وهناك لوحات إعلانية على ‏الطرق السريعة في بعض مناطق الضفة الغربية مكتوب عليها باللغة ‏العربية «لا مستقبل بفلسطين».‏
وقال هيلترمان من مجموعة الأزمات الدولية، إنه حتى لو دفعت إدارة ‏ترامب نحو إنهاء الصراع فإن «أي حل سيكون بشروط إسرائيل».‏
وأضاف «قضي الأمر فيما يتعلق بدولة فلسطينية، لكن الفلسطينيين ما ‏زالوا موجودين».‏ وخلال ولاية ترامب السابقة، حقق نتنياهو عدة انتصارات دبلوماسية مثل ‏‏»صفقة القرن»، وهي خطة سلام مدعومة من الولايات المتحدة طرحها ‏ترامب في عام 2020 لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.‏
والخطة، إذا تم تنفيذها، ستمثل تحولا جذريا في السياسة الأميركية ‏والاتفاقيات الدولية من خلال الانحياز الصريح إلى إسرائيل والانحراف ‏الحاد عن إطار «الأرض مقابل السلام» الذي كان يوجه المفاوضات بشكل ‏تاريخي.‏
فهذه الخطة من شأنها أن تسمح لإسرائيل بضم مساحات شاسعة من ‏أراضي الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك المستوطنات الإسرائيلية ‏وغور الأردن. كما أن من شأنها أن تعترف بالقدس «عاصمة غير قابلة ‏للتقسيم لإسرائيل»، وهو ما يحرم الفلسطينيين فعليا من مطلبهم بأن تكون ‏القدس الشرقية عاصمة لهم، وهو طموح أساسي في أهداف إقامة دولتهم ‏ويتفق مع قرارات الأمم المتحدة.‏

سوريا عند مفترق طرق
على الجانب الآخر من الحدود مع إسرائيل، تقف سوريا عند منعطف ‏خطير بعدما أطاحت هيئة تحرير الشام التي يقودها أحمد الشرع، ‏المعروف باسم أبو محمد الجولاني، بنظام بشار الأسد.‏ ويواجه الشرع الآن مهمة ثقيلة هي تعزيز السيطرة على سوريا المنقسمة ‏حيث انهارت قوات الجيش والشرطة. ويتعين على هيئة تحرير الشام ‏إعادة بناء البلاد من الصفر، وتأمين الحدود والحفاظ على الاستقرار ‏الداخلي في مواجهة تهديدات من متشددين ومن فلول نظام الأسد وخصوم ‏آخرين.‏
ومبعث الخوف الأكبر بين السوريين والمراقبين على حد سواء هو ما إذا ‏كانت هيئة تحرير الشام ستعود إلى الأيديولوجية المتشددة، إذ ‏كانت تربطها صلات بتنظيم «القاعدة»، لكنها الآن تقدم نفسها على أنها ‏قوة سوريّة وطنية من أجل كسب الشرعية.‏
كما أن قدرة الهيئة على، أو فشلها في، التعامل مع هذا التوازن ستشكل ‏مستقبل سوريا التي تعيش فيها طوائف مختلفة من السنة والشيعة ‏والعلويين والأكراد والدروز والمسيحيين.‏
وقال هيلترمان «إذا نجحوا في ذلك (الوطنية السورية)، فسيكون هناك ‏أمل لسوريا، لكنهم إذا ما اختاروا الركون إلى الإسلام السياسي الذي ‏لوّثته الأيدولوجيات بشدة، فسيكون هذا مسببا للانقسام في سوريا».‏
وأضاف «قد نشهد فوضى وحالة ضعف في سوريا لفترة طويلة، تماما ‏مثلما شهدنا في ليبيا والعراق».‏