محمد بن زايد وسام موستين يؤكدان أهمية استقرار المنطقة وحل النزاعات في العالم بالحوار
عودة الإنسان إلى القمر:
أرتميس رمز لمنافسة عالمية حامية الوطيس...!
- وجود موارد على القمر من شأنه أن يبرّر التأسيس الدائم للوجود البشري
- لا يعكس الطموح الفضائي الأمريكي الجديد قوة المنافسة الجيوستراتيجية، وإنما ظهور بُعد اقتصادي أكبر لغزو الفضاء
- يتطلب تحقيق البرنامج رسوخًا سياسيًا دائمًا، نجحت الصين في تأسيسه منذ عام 2003 من خلال برنامج استكشاف القمر
- لا تعتبر الولايات المتحدة الفضاء الخارجي «مشاعات عالمية»
- تتضمن العودة إلى القمر جهودًا كبيرة في الميزانية
في تمرين في التاريخ المغاير، يتخيل مسلسل “للبشرية جمعاء”، الذي أنتجته شركة أبل “2019”، عالماً كان فيه الاتحاد السوفياتي، خلال الحرب الباردة، القوة الأولى في العالم التي ترسل رجلاً إلى القمر. ويتبع ذلك قيام القوتين العظميين المتعارضتين بإقامة قاعدتين قمريتين في منافسة محتدمة. ويأتي هذا الإنتاج في وقت تشارك فيه العديد من القوى في سباق جديد لغزو القمر. عام 2019، أي بعد خمسين عامًا من مهمة أبولو 11 التي شهدت هبوط أول انسان على سطح القمر، تستعدّ الولايات المتحدة العودة إلى هناك عام 2024. وفي عصر الفضاء الجديد، لا يعكس هذا الطموح الفضائي المتجدد منافسة جيواستراتيجية أكثر قوة فحسب، تتميّز بشكل خاص بالصعود القوي للصين، وانما أيضًا ظهور بُعد اقتصادي أكبر لغزو الفضاء.
برنامج أرتميس بقيادة أمريكا
رمز هذا الإحياء، برنامج أرتميس هو كونسورتيوم دولي حول الولايات المتحدة. بالإضافة إلى الدول الـ 21 الموقعة حاليًا على اتفاقيات أرتميس، وقعت وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية اتفاقية تعاون حول أرتميس في يونيو 2022. ويساهم كل مشارك في هذه المهمة من خلال جلب عنصر إلى “البزل” الذي تطوره وكالة ناسا. تستفيد الولايات أيضًا من القطاع الخاص على نطاق واسع لتنفيذ مشاريعها. تضمنت الخطط الأولية لتطوير مركبة هبوط بشرية على سطح القمر، ثلاث شركات خاصة: بلو اوريجين، ودينيتيك، وسبيس اكس. ولكن بعد خفض الميزانية عام 2021، قررت ناسا منح عقد لشركة سبيس اكس فقط لتحويل مركبتها ستار شيب إلى مركبة هبوط، وتجري مناقشات جديدة بشأن الميزانية لاحتمال اختيار شركة خدمات ثانية. في اليابان، تعاونت مجموعة تويوتا مع الوكالة اليابانية لاستكشاف الفضاء لتقديم نموذج أولي لمركبة قمرية مأهولة ومضغوطة، من أجل المشاركة في المهام المستقبلية للبرنامج الدولي. يتم تنفيذ البرنامج على ثلاث مراحل. أولاً، إطلاق الرحلة غير المأهولة أرتميس I بعد ذلك، تفكر ناسا في رحلة مأهولة، أرتميس II، بهدف وضع المركبة الفضائية في مدار حول القمر عام 2024. أخيرًا، أرتميس III يسجل هبوط المركبة مع اثنين من رواد الفضاء على متنها عام 2025.
البرامج الصينية الروسية والهندية
لئن أثارت أرتميس ضجة داخل المجتمع الفضائي، فإن الصين تقترح أيضًا برنامجًا طموحًا للغاية. هبوط المركبة الصينية تشانج آه 4على الجانب المظلم او البعيد من القمر في يناير 2019، وهو الأول من نوعه في العالم، يُظهر التقدم المذهل الذي حققته جمهورية الصين الشعبية في هذا المجال. خلال صيف عام 2020، أشارت إدارة الفضاء الوطنية الصينية إلى نية الدولة إنشاء محطة علمية دولية على القمر اعتبارًا من عام 2036. وحتى قبل نشر هذه الأخيرة، تعتزم الصين القيام بمهام بشرية على القمر في بداية العقد المقبل. كما ترغب في جذب شركاء دوليين إلى هذه المحطة التي من المقرر تركيبها في القطب الجنوبي.
انضمت روسيا إلى هذا البرنامج عام 2021؛ واثناء خوضها الحرب في أوكرانيا، أصبحت العلاقات بين الوكالة الروسية روسكوسموس وناسا ووكالة الفضاء الأوروبية موضع تساؤل، لا سيما حول محطة الفضاء الدولية واستكشاف المريخ. ومع ذلك، لا يمكن القول إن العلاقات قد انقطعت بالكامل. أخيرًا، تبدو الهند كمرشح جاد آخر لإنجاز مهمة قمرية. إذا كان برنامج الفضاء الهندي لا يتصور حاليًا إنشاء قاعدة قمرية، فإنه يعد رواد فضائه للقيام بمهمة إلى القمر. ومع ذلك، فإن الإخفاقات الرئيسية، مثل مهمة شاندرايان -2 حيث دمّر المسبار عند هبوطه على القمر، أعاقت تطوره. وكامتداد لبرنامجها جاجانيان، تخطط مؤسسة أبحاث الفضاء الهندية الى تطوير صواريخ قوية بما يكفي للسماح برحلة إلى القمر. ومع ذلك، لن يحدث هذا قبل العقد المقبل.
الاستقرار على سطح القمر من أجل ماذا؟
ما هي العوامل التي تفسر هذا الحماس المتجدد لغزو القمر؟
في البداية، يظهر القمر كممر ضروري في أفق مهمة مأهولة مستقبلية للمريخ. بمعنى آخر، إنه يمثل منصة إطلاق تسمح باستهلاك وقود أقل من نقطة انطلاق على سطح القمر أو المدار. ومن ثم فإنه سيسهّل المهام المأهولة إلى نقاط أخرى في النظام الشمسي. من جهة اخرى، يعتقد البعض أن القمر يمكن أن يكون بمثابة ساحة تدريب لرواد الفضاء لتأسيس وجود بشري دائم على المدى الطويل، كما هو الحال في القارة القطبية الجنوبية مع فترات الشتاء طيلة تسعة أشهر. وبالمثل، ستؤدي المهمات القمرية إلى إجراء اختبارات للعديد من المعدات، مثل المركبات المأهولة أو تلك المرتبطة بقاعدة دائمة. ومع ذلك، فإن الاختلافات الموجودة بين البيئات الكوكبية تحد من صحة هذه الفرضية. فالمريخ، على عكس القمر، له غلاف جوي يغير شروط الوصول. وفي الوقت الحالي، تظل هذه المشاريع خيالًا علميًا. تم طرح حجة أخرى: وجود موارد على القمر من شأنها أن تبرر التأسيس الدائم للوجود البشري. وعلى الرغم من أنه لا أحد يعرف حقًا إمكانية وربحية أنشطة التعدين الافتراضية على التربة القمرية، إلا أن بعض مجموعات المصالح، مثل الجمعية الكوكبية، تقول بوجود موارد ضخمة تشجع مثل هذه المبادرة. والموارد المعنية هي بالأساس الماء والهيليوم 3.
من جهة، أشارت الاكتشافات في السنوات الأخيرة إلى وجود رواسب كبيرة من مياه الحالة الصلبة في الحفر الكبيرة الموجودة بشكل دائم في أقطاب القمر، في ظل الشمس. وهكذا، في عدد كبير من ميكروكراترس، سيكون 60 بالمائة من الرواسب في القطب الجنوبي كما كشفت الدراسات الحديثة. وعلى الرغم من عدم مغامرة أحد لإعطاء تقديرات دقيقة، فقد طرح البعض حجمًا من المياه يتراوح بين 100 مليون ومليار طن لكل من القطبين. على هذا النحو، فإن اختيار وكالة ناسا لتثبيت القاعدة القمرية المستقبلية في هذه المنطقة من القمر، يعتمد فرضية استخراج هذا المورد الأساسي للحفاظ على الوجود البشري. ومع ذلك، في الوقت الحالي، بعد تأكيد وجود الجليد المائي، يظل تحديد شكله وتركيزه وتوزيعه ووفرته أمرًا ضروريًا، لأن تكلفة الطاقة لاستخراجه تعتمد على طبيعته. وتحدد هذه البيانات تحقيق الوجود البشري المستدام وتنفيذ خطة استغلال الموارد.
من ناحية أخرى، ستحتوي تربة السيلين على احتياطيات كبيرة من الهيليوم 3، والتي سيمثل حجمها ما يقرب من 2.5 مليون طن وفقًا للباحثين الروس. ويمكن استخدام هذا النظير غير المشع، وهو نادر على الأرض، كوقود لمفاعلات الاندماج النووي. لكن مثل هذه المفاعلات غير موجودة بعد، وقليل من الناس يجرؤون على التكهن بوقت توفّرها. وافتراضيا، حتى الآن، سيتطلب استخدام الهليوم 3 على المدى الطويل جدًا تصميم طريقة فعالة من حيث التكلفة للاستخراج مع بنية تحتية مناسبة، وقدرة على النقل إلى الأرض. علاوة على ذلك، يثير التعدين قضايا قانونية رئيسية لأن الولايات المتحدة لم توقع، مثل الصين وروسيا، على معاهدة القمر “1979”. في 6 أبريل 2020، أصدر الرئيس دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا لا تعتبر فيه الولايات المتحدة الفضاء الخارجي “مشاعات عالمية”. وترغب الولايات المتحدة في استخدام الموارد الموجودة، بما في ذلك موارد القمر. أخيرًا، كشفت وكالة ناسا في برنامجها أرتميس عن هندسة لونا نت، والتي تهدف إلى تطوير شبكة نقل بيانات مماثلة لتلك الموجودة على الأرض. وسيسهّل هذا الجهاز نقل البيانات بين الأرض والقمر، مما يجعل من الممكن بشكل خاص تنبيه رواد الفضاء في الوقت الفعلي أثناء حدوث التوهجات الشمسية من خلال أدوات الطقس في الفضاء. مع استكمال خدمات تحديد المواقع والملاحة والمواعدة، ستؤمن هذه الهندسة المعمارية الأنشطة البشرية على القمر.
حدود المشروع الفرعوني
تتضمن العودة إلى القمر جهودًا كبيرة في الميزانية لأن عواقب جائحة كوفيد-19 يمكن أن تضعف اقتصادات العالم بشكل دائم. بالنسبة لقطاع الفضاء، لا تزال آثاره على المدى المتوسط غير متوقعة. ميزانية ناسا 2021-2025 لبرنامج أرتميس مضمونة حتى عام 2024، بمبلغ 28 مليار دولار، منها 16 مليار مخصصة حصريًا لوحدة الهبوط على سطح القمر. كل عام، سيتم التفاوض على الميزانية بين وكالة ناسا والحكومة الفيدرالية والكونغرس. والان، تمت الموافقة على ميزانية 2024 من قبل الكونجرس الأمريكي، وهي تؤكد دعم مشروع أرتميس.
من الناحية السياسية، يختلف هذا البرنامج عن برنامج أبولو. . في الستينيات، كانت الولايات المتحدة تسعى إلى تأكيد مكانتها كقوة عظمى، وحظي البرنامج، منذ بدايته، بدعم سياسي من الحزبين. ويعد البرنامج الحالي الذي بدأته وكالة ناسا باهظ التكلفة ويعتمد على دعم الكونجرس والتطورات طويلة المدى في السياسة الأمريكية. لذلك، يتطلب هذا البرنامج لتحقيقه رسوخًا سياسيًا دائمًا، نجحت الصين في اقامته منذ عام 2003 من خلال برنامج استكشاف القمر.
بالإضافة إلى عدم اليقين المالي، هناك عقبات فنية ولوجستية تعيق التنفيذ المحتمل للمشاريع المختلفة المتصورة، بدءً من تلك المتعلقة بالتعدين. فعلى الرغم من الطموحات العظيمة، فإن الافتقار حاليّا إلى بنية تحتية يجعل من الصعب تحديد خطط عمل ملموسة قابلة للتحقيق.
في مطلع عام 2010، تشكلت فقاعة مضاربة بشأن تعدين الكويكبات. وسمح ذلك، عام 2016، لشركة بلانيتاري ريسورس في لوكسمبورغ، بالحصول على وعد بقيمة 50 مليون دولار من مستثمري القطاع الخاص بعد مائدة مستديرة لهذا المشروع الطموح. ومع ذلك، فإن الأموال من حملة جمع التبرعات هذه لم تصل أبدًا، ولم يصمد نموذج العمل الخاص بهذه الشركة الناشئة. عام 2018، اشترت كانسن سيس، وهي شركة متخصصة في البلوكشين، تلك الشركة وخفضت تدريجيًا المشاريع المثيرة. وبالنسبة للقمر، يوجد متنفسا مماثلا الآن مع شركة مون اكسبرس الأمريكية التي جمعت 65.5 مليون دولار للقيام برحلات تجارية. وجمعت شركة إيسبيس اليابانية 122.2 مليون دولار لاستغلال الموارد هناك.
فهل هذه الاختراقات بين مستثمري القطاع الخاص تمثل فقاعة مضاربة أم أنها جزء من استراتيجية طويلة المدى حيث تصبح مساهماتهم ضرورية لوكالات الفضاء؟
------------------------------
*أستاذ مشارك، جامعة باريس سيتي
** أستاذ الفيزياء بجامعة باريس سيتي
- لا يعكس الطموح الفضائي الأمريكي الجديد قوة المنافسة الجيوستراتيجية، وإنما ظهور بُعد اقتصادي أكبر لغزو الفضاء
- يتطلب تحقيق البرنامج رسوخًا سياسيًا دائمًا، نجحت الصين في تأسيسه منذ عام 2003 من خلال برنامج استكشاف القمر
- لا تعتبر الولايات المتحدة الفضاء الخارجي «مشاعات عالمية»
- تتضمن العودة إلى القمر جهودًا كبيرة في الميزانية
في تمرين في التاريخ المغاير، يتخيل مسلسل “للبشرية جمعاء”، الذي أنتجته شركة أبل “2019”، عالماً كان فيه الاتحاد السوفياتي، خلال الحرب الباردة، القوة الأولى في العالم التي ترسل رجلاً إلى القمر. ويتبع ذلك قيام القوتين العظميين المتعارضتين بإقامة قاعدتين قمريتين في منافسة محتدمة. ويأتي هذا الإنتاج في وقت تشارك فيه العديد من القوى في سباق جديد لغزو القمر. عام 2019، أي بعد خمسين عامًا من مهمة أبولو 11 التي شهدت هبوط أول انسان على سطح القمر، تستعدّ الولايات المتحدة العودة إلى هناك عام 2024. وفي عصر الفضاء الجديد، لا يعكس هذا الطموح الفضائي المتجدد منافسة جيواستراتيجية أكثر قوة فحسب، تتميّز بشكل خاص بالصعود القوي للصين، وانما أيضًا ظهور بُعد اقتصادي أكبر لغزو الفضاء.
برنامج أرتميس بقيادة أمريكا
رمز هذا الإحياء، برنامج أرتميس هو كونسورتيوم دولي حول الولايات المتحدة. بالإضافة إلى الدول الـ 21 الموقعة حاليًا على اتفاقيات أرتميس، وقعت وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية اتفاقية تعاون حول أرتميس في يونيو 2022. ويساهم كل مشارك في هذه المهمة من خلال جلب عنصر إلى “البزل” الذي تطوره وكالة ناسا. تستفيد الولايات أيضًا من القطاع الخاص على نطاق واسع لتنفيذ مشاريعها. تضمنت الخطط الأولية لتطوير مركبة هبوط بشرية على سطح القمر، ثلاث شركات خاصة: بلو اوريجين، ودينيتيك، وسبيس اكس. ولكن بعد خفض الميزانية عام 2021، قررت ناسا منح عقد لشركة سبيس اكس فقط لتحويل مركبتها ستار شيب إلى مركبة هبوط، وتجري مناقشات جديدة بشأن الميزانية لاحتمال اختيار شركة خدمات ثانية. في اليابان، تعاونت مجموعة تويوتا مع الوكالة اليابانية لاستكشاف الفضاء لتقديم نموذج أولي لمركبة قمرية مأهولة ومضغوطة، من أجل المشاركة في المهام المستقبلية للبرنامج الدولي. يتم تنفيذ البرنامج على ثلاث مراحل. أولاً، إطلاق الرحلة غير المأهولة أرتميس I بعد ذلك، تفكر ناسا في رحلة مأهولة، أرتميس II، بهدف وضع المركبة الفضائية في مدار حول القمر عام 2024. أخيرًا، أرتميس III يسجل هبوط المركبة مع اثنين من رواد الفضاء على متنها عام 2025.
البرامج الصينية الروسية والهندية
لئن أثارت أرتميس ضجة داخل المجتمع الفضائي، فإن الصين تقترح أيضًا برنامجًا طموحًا للغاية. هبوط المركبة الصينية تشانج آه 4على الجانب المظلم او البعيد من القمر في يناير 2019، وهو الأول من نوعه في العالم، يُظهر التقدم المذهل الذي حققته جمهورية الصين الشعبية في هذا المجال. خلال صيف عام 2020، أشارت إدارة الفضاء الوطنية الصينية إلى نية الدولة إنشاء محطة علمية دولية على القمر اعتبارًا من عام 2036. وحتى قبل نشر هذه الأخيرة، تعتزم الصين القيام بمهام بشرية على القمر في بداية العقد المقبل. كما ترغب في جذب شركاء دوليين إلى هذه المحطة التي من المقرر تركيبها في القطب الجنوبي.
انضمت روسيا إلى هذا البرنامج عام 2021؛ واثناء خوضها الحرب في أوكرانيا، أصبحت العلاقات بين الوكالة الروسية روسكوسموس وناسا ووكالة الفضاء الأوروبية موضع تساؤل، لا سيما حول محطة الفضاء الدولية واستكشاف المريخ. ومع ذلك، لا يمكن القول إن العلاقات قد انقطعت بالكامل. أخيرًا، تبدو الهند كمرشح جاد آخر لإنجاز مهمة قمرية. إذا كان برنامج الفضاء الهندي لا يتصور حاليًا إنشاء قاعدة قمرية، فإنه يعد رواد فضائه للقيام بمهمة إلى القمر. ومع ذلك، فإن الإخفاقات الرئيسية، مثل مهمة شاندرايان -2 حيث دمّر المسبار عند هبوطه على القمر، أعاقت تطوره. وكامتداد لبرنامجها جاجانيان، تخطط مؤسسة أبحاث الفضاء الهندية الى تطوير صواريخ قوية بما يكفي للسماح برحلة إلى القمر. ومع ذلك، لن يحدث هذا قبل العقد المقبل.
الاستقرار على سطح القمر من أجل ماذا؟
ما هي العوامل التي تفسر هذا الحماس المتجدد لغزو القمر؟
في البداية، يظهر القمر كممر ضروري في أفق مهمة مأهولة مستقبلية للمريخ. بمعنى آخر، إنه يمثل منصة إطلاق تسمح باستهلاك وقود أقل من نقطة انطلاق على سطح القمر أو المدار. ومن ثم فإنه سيسهّل المهام المأهولة إلى نقاط أخرى في النظام الشمسي. من جهة اخرى، يعتقد البعض أن القمر يمكن أن يكون بمثابة ساحة تدريب لرواد الفضاء لتأسيس وجود بشري دائم على المدى الطويل، كما هو الحال في القارة القطبية الجنوبية مع فترات الشتاء طيلة تسعة أشهر. وبالمثل، ستؤدي المهمات القمرية إلى إجراء اختبارات للعديد من المعدات، مثل المركبات المأهولة أو تلك المرتبطة بقاعدة دائمة. ومع ذلك، فإن الاختلافات الموجودة بين البيئات الكوكبية تحد من صحة هذه الفرضية. فالمريخ، على عكس القمر، له غلاف جوي يغير شروط الوصول. وفي الوقت الحالي، تظل هذه المشاريع خيالًا علميًا. تم طرح حجة أخرى: وجود موارد على القمر من شأنها أن تبرر التأسيس الدائم للوجود البشري. وعلى الرغم من أنه لا أحد يعرف حقًا إمكانية وربحية أنشطة التعدين الافتراضية على التربة القمرية، إلا أن بعض مجموعات المصالح، مثل الجمعية الكوكبية، تقول بوجود موارد ضخمة تشجع مثل هذه المبادرة. والموارد المعنية هي بالأساس الماء والهيليوم 3.
من جهة، أشارت الاكتشافات في السنوات الأخيرة إلى وجود رواسب كبيرة من مياه الحالة الصلبة في الحفر الكبيرة الموجودة بشكل دائم في أقطاب القمر، في ظل الشمس. وهكذا، في عدد كبير من ميكروكراترس، سيكون 60 بالمائة من الرواسب في القطب الجنوبي كما كشفت الدراسات الحديثة. وعلى الرغم من عدم مغامرة أحد لإعطاء تقديرات دقيقة، فقد طرح البعض حجمًا من المياه يتراوح بين 100 مليون ومليار طن لكل من القطبين. على هذا النحو، فإن اختيار وكالة ناسا لتثبيت القاعدة القمرية المستقبلية في هذه المنطقة من القمر، يعتمد فرضية استخراج هذا المورد الأساسي للحفاظ على الوجود البشري. ومع ذلك، في الوقت الحالي، بعد تأكيد وجود الجليد المائي، يظل تحديد شكله وتركيزه وتوزيعه ووفرته أمرًا ضروريًا، لأن تكلفة الطاقة لاستخراجه تعتمد على طبيعته. وتحدد هذه البيانات تحقيق الوجود البشري المستدام وتنفيذ خطة استغلال الموارد.
من ناحية أخرى، ستحتوي تربة السيلين على احتياطيات كبيرة من الهيليوم 3، والتي سيمثل حجمها ما يقرب من 2.5 مليون طن وفقًا للباحثين الروس. ويمكن استخدام هذا النظير غير المشع، وهو نادر على الأرض، كوقود لمفاعلات الاندماج النووي. لكن مثل هذه المفاعلات غير موجودة بعد، وقليل من الناس يجرؤون على التكهن بوقت توفّرها. وافتراضيا، حتى الآن، سيتطلب استخدام الهليوم 3 على المدى الطويل جدًا تصميم طريقة فعالة من حيث التكلفة للاستخراج مع بنية تحتية مناسبة، وقدرة على النقل إلى الأرض. علاوة على ذلك، يثير التعدين قضايا قانونية رئيسية لأن الولايات المتحدة لم توقع، مثل الصين وروسيا، على معاهدة القمر “1979”. في 6 أبريل 2020، أصدر الرئيس دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا لا تعتبر فيه الولايات المتحدة الفضاء الخارجي “مشاعات عالمية”. وترغب الولايات المتحدة في استخدام الموارد الموجودة، بما في ذلك موارد القمر. أخيرًا، كشفت وكالة ناسا في برنامجها أرتميس عن هندسة لونا نت، والتي تهدف إلى تطوير شبكة نقل بيانات مماثلة لتلك الموجودة على الأرض. وسيسهّل هذا الجهاز نقل البيانات بين الأرض والقمر، مما يجعل من الممكن بشكل خاص تنبيه رواد الفضاء في الوقت الفعلي أثناء حدوث التوهجات الشمسية من خلال أدوات الطقس في الفضاء. مع استكمال خدمات تحديد المواقع والملاحة والمواعدة، ستؤمن هذه الهندسة المعمارية الأنشطة البشرية على القمر.
حدود المشروع الفرعوني
تتضمن العودة إلى القمر جهودًا كبيرة في الميزانية لأن عواقب جائحة كوفيد-19 يمكن أن تضعف اقتصادات العالم بشكل دائم. بالنسبة لقطاع الفضاء، لا تزال آثاره على المدى المتوسط غير متوقعة. ميزانية ناسا 2021-2025 لبرنامج أرتميس مضمونة حتى عام 2024، بمبلغ 28 مليار دولار، منها 16 مليار مخصصة حصريًا لوحدة الهبوط على سطح القمر. كل عام، سيتم التفاوض على الميزانية بين وكالة ناسا والحكومة الفيدرالية والكونغرس. والان، تمت الموافقة على ميزانية 2024 من قبل الكونجرس الأمريكي، وهي تؤكد دعم مشروع أرتميس.
من الناحية السياسية، يختلف هذا البرنامج عن برنامج أبولو. . في الستينيات، كانت الولايات المتحدة تسعى إلى تأكيد مكانتها كقوة عظمى، وحظي البرنامج، منذ بدايته، بدعم سياسي من الحزبين. ويعد البرنامج الحالي الذي بدأته وكالة ناسا باهظ التكلفة ويعتمد على دعم الكونجرس والتطورات طويلة المدى في السياسة الأمريكية. لذلك، يتطلب هذا البرنامج لتحقيقه رسوخًا سياسيًا دائمًا، نجحت الصين في اقامته منذ عام 2003 من خلال برنامج استكشاف القمر.
بالإضافة إلى عدم اليقين المالي، هناك عقبات فنية ولوجستية تعيق التنفيذ المحتمل للمشاريع المختلفة المتصورة، بدءً من تلك المتعلقة بالتعدين. فعلى الرغم من الطموحات العظيمة، فإن الافتقار حاليّا إلى بنية تحتية يجعل من الصعب تحديد خطط عمل ملموسة قابلة للتحقيق.
في مطلع عام 2010، تشكلت فقاعة مضاربة بشأن تعدين الكويكبات. وسمح ذلك، عام 2016، لشركة بلانيتاري ريسورس في لوكسمبورغ، بالحصول على وعد بقيمة 50 مليون دولار من مستثمري القطاع الخاص بعد مائدة مستديرة لهذا المشروع الطموح. ومع ذلك، فإن الأموال من حملة جمع التبرعات هذه لم تصل أبدًا، ولم يصمد نموذج العمل الخاص بهذه الشركة الناشئة. عام 2018، اشترت كانسن سيس، وهي شركة متخصصة في البلوكشين، تلك الشركة وخفضت تدريجيًا المشاريع المثيرة. وبالنسبة للقمر، يوجد متنفسا مماثلا الآن مع شركة مون اكسبرس الأمريكية التي جمعت 65.5 مليون دولار للقيام برحلات تجارية. وجمعت شركة إيسبيس اليابانية 122.2 مليون دولار لاستغلال الموارد هناك.
فهل هذه الاختراقات بين مستثمري القطاع الخاص تمثل فقاعة مضاربة أم أنها جزء من استراتيجية طويلة المدى حيث تصبح مساهماتهم ضرورية لوكالات الفضاء؟
------------------------------
*أستاذ مشارك، جامعة باريس سيتي
** أستاذ الفيزياء بجامعة باريس سيتي