رئيس الدولة يبحث مع رئيس وزراء كندا علاقات التعاون ويشهد توقيع اتفاقية تشجيع الاستثمارات بين البلدين
أطلق «عقيدة تسليحية» جديدة.. هيغسيث يشعل «ثورة» في البنتاغون
رأى خبراء أن وزير الحرب الأمريكي بيت هيغسيث أطلق “ثورة شاملة” في منظومة تصدير السلاح، تُمكّن، واشنطن من الهيمنة شبه الكاملة على سوق مبيعاته في العالم واستيعاب الطلبات المتزايدة على السّلاح الأمريكي من أوروبا وشرق آسيا على وجه الخصوص.
وتؤكد الأنباء الواردة من واشنطن أن هيغسيث سيعلن في القريب العاجل مجموعة قرارات تاريخية تهدف إلى نقل مسؤولية مبيعات الأسلحة من قسم السياسات إلى إدارة التعاقدات والتوريد؛ ما يسمح بربط خطوط الإنتاج المباشرة بطلبات الحلفاء وتسريع الموافقات.
وتشير مصادر أمريكية مطلعة على شؤون البنتاغون إلى أنّ الخطة الجديدة ستعزز ثنائية “الإنتاج والتصدير” وستنهي منظومة الموافقات الوسيطة والتي توصف بـ”المؤسسات البيروقراطية” التي تُضيع الكثير من “الوقت الإداري” وتُضيع على واشنطن الكثير من الصفقات التسليحية المستعجلة.
وتأتي هذه الخطة ضمن سياق “اقتصاد التعبئة العسكرية الدائمة” والذي فرضته الحرب الروسية الأوكرانية، وحروب إسرائيل في الشرق الأوسط، إذ سعت واشنطن إلى تلبية الطلبات العسكرية العاجلة لتوظيفها المباشر في جبهات القتال المشتعلة، إلا أنها لم تستطع استيعاب كل المتطلبات؛ ما دفع البعض إلى البحث عن مزويدين آخرين.
حوافز تعاقدية
وحسب خطة هيغسيث، ستقدم حوافز تعاقدية قائمة على الوقت، تُكافئ التّسليم المبكر للأسلحة، وتفرض عقوبات على التأخير، ومن المقرر أن يجري وكيلُ وزارة الحرب للاستحواذ والاستدامة مُراجعات شهرية قصد مراقبة تقدّم التنفيذ ومعالجة العقبات وضمان المنافسة داخل المنظومة الصناعية التسليحية.
وتُبنى هذه الخطة على تصور توافقي في “البنتاغون” يتمثل في أن عمليات الشراء البطيئة باتت غير مقبولة” بتاتاً، في زمن الرقمنة وفي عصر الطلبات المتزايدة والمنافسة الكبيرة مع المنظومات التسليحية المتطورة الأخرى.
وحسب الخطة العسكرية الجديدة، فإن طبقات الموافقة الوسيطة ستلغى تماماً من منظومة الاستحواذ (أي منظومة الطلب والشراء)، وستكون المنظومة برمتها ممثلة من 3 جهات فقط، وهي جهة المسؤولين التنفيذيين، وجهة المديرين المباشرين، وقادة الاستحواذ.
وتشمل الخطة إعادة هيكلة مكاتب المشتريات في الجيش وتحويلها إلى “مَحَافظ” يشرف عليها مديرون جدد يرتبطون مباشرة بالقيادة العليا، بما يختصر البيروقراطية ويزيد الشفافية.
ويمثل مجال السلاح في الولايات المتحدة الأمريكية نموذجاً فريداً على الدمج الموجود بين القطاع العام والخاص، حيث تستفيد الشركات الخاصة بشكل كبير من طلبات تصدير السلاح التي ترد بشكل رسمي إلى “البنتاغون».
وتمثل شركات “لوكهيد مارتن” و”إرتي إكس”، و”بالانتر” و”أورسا ماجور تكنولوجي” و”سارونيك” و”إيبيريس”، أهم الشركاء التقليديين مع البنتاغون، وتكاد تحتكر منظومة إنتاج وبيع السلاح وفق طلبات التسليح الواردة إلى وزارة الحرب الأمريكية.
مكانة ريادية
في غضون ذلك، تؤكد مصادر عسكرية أمريكية أن إدارة ترامب تريد تثبيت المكانة الأمريكية الريادية، كأول دولة مُصنعة ومنتجة وموردة للسلاح في العالم.
ونشر “مركز تحليل تجارة الأسلحة الدولي” عن أكبر 20 دولة مصدرة للأسلحة في عام 2024، معتمداً في تصنيفه على العقود المحددة لتوريد الأسلحة والمعدات العسكرية من قبل الدول المصدرة.
وكشف المركز أن الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر على نحو 38% من صادرات السلاح في العالم. وتتقدم بصورة جِدّ كبيرة على ملاحقيها من الدول المصدرة للسلاح، وهي على التوالي روسيا التي تسيطر على 12.32%، وفرنسا بـ6.9%، وكوريا الجنوبية بـ 5.10% من جملة صادرات السلاح في العالم.
وازدهرت صادرات السلاح الأمريكي بشكل لافت خلال السنوات القليلة الماضية، وبلغت مستويات غير مسبوقة، حيث تجاوزت مبيعات الأسلحة الأمريكية 845 مليار دولار سنوياً، وهو رقم يناهز ميزانية وزارة الحرب نفسها.
ثغرات جلية
ورغم هذه الهيمنة الأمريكية الواضحة، سواء في مستوى النسب أو بالأرقام، فإن منافسين إقليميين ودوليين بدؤوا في استغلال ثغرات ما يسميه هيغسيت بالبيروقراطية الأمريكية.
وتؤكد المصادر أن إدارة ترامب دقت ناقوس الخطر الحقيقي مع توجه بولندا، وهي أكبر مُنفق دفاعي في حلف الأطلسي، إلى كوريا الجنوبية لشراء دبابات وطائرات قتالية، بعد أن تسببت الإجراءات الإدارية الأمريكية في تعطيل الصفقة المهمة والمربحة لشركات السلاح الأمريكي التي لم تُخف تبرمها من هذا التأخّر في إبرام الصفقات وإنهائها، خاصة أنّ شحنات السلاح كانت جاهزة ومنظومة التصنيع والإنتاج على أشدّها.
وتضيف أنّه مع تزايد الطلب من الدول الأوروبية التي تُزوِّد أوكرانيا بالسلاح الأمريكي، وازدياد الطلب من دول آسيا التي تعيش على وقع “سباق تسلح” قديم جديد، لم تستطع أمريكا تلبية كافة الطلبات المستعجلة، بسبب المنظومة الإدارية التي تقوم على عدّة وسائط إدارية رتيبة وكلاسيكية.
وتكشف أنّ بضع دول استطاعت أن تستغل هذه الثغرة خاصة كوريا الجنوبية، والتي تعرف حالياً طفرة تكنولوجية جِدّ متميزة في مجال السلاح، وإسرائيل أيضاً التي نجحت نسبياً في تسويق القبة الحديدية ومنظومة الطائرات الانقضاضية بعد أدائها اللافت في الحرب الأخيرة ضدّ لبنان وإيران.
وتوضح أنّ الاقتناع الراسخ في إدارة ترامب يتمثل في أنّ استقطاب الحلفاء الجدد وترسيخ الشركات مع الأصدقاء القدامى، يتطلبّ سرعة في الاستجابة للطلبات، وسرعة في الإنتاج، مع المحافظة على الجودة التسليحية ذاتها.
عاصفة إقالات
ويبدو أنّ الثورة التي يقودها “هيغسيث”، لن تقف عند منظومة تصدير السلاح، إذ عصفت أيضاً بـ قيادات عديدة من قادة الصفّ الأوّل في الجيش الأمريكي.
وتؤكد مصادر إعلامية أمريكية أنّ عاصفة إقالات وإبعاد وتجميد بحق 20 جنرالاً وأميرالاً اتخذها وزير الحرب هيغسيث خلال العام الجاري.
وأوردت صحيفة “نيويورك تايمز” أن الخطوة غير المسبوقة من قِبل هيغسيث أحدثت قلقاً واسعاً داخل الأوساط العسكرية الأمريكية ولا سيما أنها جاءت على نقيض نصائح القيادات العسكرية العليا التي خدمت مع هؤلاء الضباط في ساحات القتال في وقت سابق.
ونقلت عن مصادر عسكرية أمريكية مطلعة قولها إن الطابع غير المتوقع لقرارات هيغسيث خلق مناخاً من القلق وانعدام الثقة داخل القيادة العسكرية ودفع كبار الضباط إلى الاصطفاف على اتجاهات متعارضة، بل والمواجهة فيما بينهم.
وأشارت إلى أن إجراءات هيغسيث شملت أسماء كبيرة على غرار الجنرال جيمس باتريك وورد، الذي لعب دوراً كبيراً في قيادة القوات الأمريكية والعراقية لاستعادة الموصل من تنظيم “داعش”، خلال العهدة الأولى لإدارة ترامب، والأدميرال ميلتون ساندرز قائد قوات البحرية الخاصة والذي دعّم دمج المدربات النساء في برامج تدريب القوات الخاصة، إضافة إلى الأدميرال ألفن هولسي قائد القيادة الجنوبية الأمريكية الذي فقد منصبه بسبب تساؤلات عميقة وجهها حول نجاعة الضربات العسكرية التي وجهتها القوات الأمريكية لقارب في بحر الكاريبي.
وتؤكد “نيويورك تايمز” أن الفريق جيفري كروز، الذي ترأس وكالة الاستخبارات الدفاعية لمدة 35 سنة كاملة، أقيل بعدما شككت وكالته في صحة إعلان الرئيس ترامب بأنّ الضربات العسكرية قد دمرت تماماً البرنامج النووي الإيراني.
وأثارت هذه الخطوات مخاوف الكثير من الخبراء الامنيين والعسكريين والمسؤولين في الكونغرس الأمريكي الذين وصفوا ما يجري بأنه “حملة تطهير” حيث اعتبرت السيناتور الديمقراطية إليسا سلوتكين أنّ ما يحصل يشبه الممارسات القائمة في الصين والعراق ولكن من غير المقبول أن تحصل في الديمقراطيات المستقرة.
الاقتصاد العسكري
في المقابل، يؤكد مراقبون وخبراء عسكريون أن إجراءات هيغسيث، سواء توريد الأسلحة أو “حملة التطهير”، تندرج في صلب المقاربة العسكرية الأشمل للرئيس ترامب، وهي مقاربة تقوم على ثنائية “الاصطفاف الداخلي”، و”السيطرة على منظومة سلسلة تصدير السلاح في العالم».
ويرى المراقبون، أن ترامب يوظف كافة الصراعات القائمة والممكنة للترويج للصناعة التسليحية الأمريكية أولاً، وضمان التفوق العسكري الأمريكي إنتاجاً وتصديراً ثانياً، وهو ما يفسر سلوكه في الحرب الأوكرانية حيث أغرق الساحة الأوكرانية بالسلاح الأمريكي من خزائن بروكسل التي اضطرت لدفع أموال طائلة لواشنطن لضمان الإمدادات العسكرية لكييف.
وهو أيضاً ما يفعله مع تايوان، ومع اليابان ومع كوريا الجنوبية، حيث تستثمر إدارة ترامب جيّداً في جغرافيات النزاعات القائمة والصراعات شبه الخامدة، لإغراق حلفائها بالسلاح، بدعوى الجاهزية لأيّ مستجد عسكري ممكن.
في المقابل، يرى خبراء الإستراتيجيات العسكرية أن واشنطن تسير في المسار ذاته الذي أدى إلى سقوط الاتّحاد السّوفيتي، حيث اتسمت العقود الأخيرة السابقة لتاريخ سقوطه بأربع علامات كبرى، وهي: التّسلح الرهيب وإنفاق غالبية الميزانية على سباق التسلح، والانخراط في “الرعب النووي”، والقضاء على الأصوات المنتقدة والمعارضة لبعض السياسات من داخل منظومة الحُكم، والأزمات الاجتماعية المتتالية بفعل التفاوت الاقتصادي الكبير.
ويستدرك المراقبون بقولهم إن هذه المنظومة في حال استمرارها لا تعني بالضرورة ان تكون نهاية واشنطن على غرار نهاية الاتحاد السوفيتي، بل قد تعني ولادة ظواهر سياسية مقاومة وتزايد غضب شعبي قد يعبر عن نفسه في الانتخابات القادمة.
ويدعون في هذا السياق، إلى النظر عميقاً إلى صعود ظواهر سياسية من خارج صندوق الحزب الديمقراطي أصلاً، في انتخابات حُكام ورؤساء بلديات الولايات الأخيرة، وهي ظاهرة قد تزداد تكرساً في الانتخابات النصفية القادمة في الكونغرس، وقد تلقي بظلالها أيضاً على الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبالتالي على الحُكم التاريخي والنهائي على حقبة الرئيس دونالد ترامب.