أقسى شتاء في أوكرانيا..هل يضغط الغرب على موسكو قبل فوات الأوان؟

أقسى شتاء في أوكرانيا..هل يضغط الغرب على موسكو قبل فوات الأوان؟


قال الباحث البريطاني جاك ووتلنغ، في مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، إن أوكرانيا تستعد لأقسى فصول الحرب منذ بدايتها، في ظل تراجع الدعم الأمريكي، وتصاعد الهجمات الروسية في دونباس، وعجز أوروبا عن فرض ضغوط اقتصادية كافية على موسكو.
وأكد الكاتب أن شتاء 2025–2026 سيكون حاسماً في تحديد مصير الحرب، وأن أوروبا إذا لم تتحرك بفعالية الآن، فستواجه انهياراً تدريجياً في الجبهة الأوكرانية. وأضاف جاك ووتلنغ ، زميل الأبحاث الأول في معهد الخدمات الملكي المتحدة، في لندن، والمتخصص في شؤون الحروب البرية والاستراتيجيات العسكرية، إن روسيا كانت تخطط للاستيلاء على مدينة بوكروفسك الاستراتيجية في إقليم دونيتسك بحلول نوفمبر -تشرين الثاني 2024، غير أن القوات الأوكرانية، رغم ضعفها العددي، نجحت في تأخير ذلك عاماً كاملاً. 
وأضاف الكاتب أن المعارك الحالية أودت بحياة أكثر من 20 ألف جندي روسي شهرياً، لكن موسكو باتت الآن على وشك السيطرة على أنقاض المدينة، باستخدام مكثف للطائرات دون طيار، والقنابل الانزلاقية لاستهداف المدنيين في مدن مثل كراماتورسك، وخيرسون. وتابع الكاتب، أن سقوط دونباس سيقود حتماً إلى استهداف مدينة خاركيف، ثاني أكبر مدن أوكرانيا، مؤكداً أن روسيا تسعى لتحويل المدن إلى مناطق مفرغة من السكان عبر القصف المنهجي، والبنى التحتية المدمرة.

إرهاق الحرب واستغلال الوقت
وأشار ووتلنغ إلى أن الأشهر التسعة الماضية كشفت تناقضاً خطيراً، فبينما ينشغل المجتمع الدولي بالحديث عن مفاوضات وقف إطلاق النار، كانت روسيا تصعّد هجماتها. وأضاف الكاتب أن الكرملين يستخدم المفاوضات غطاءً لتغيير الوقائع الميدانية، ولإرهاق أوكرانيا نفسياً واقتصادياً. وأوضح الكاتب أن فشل الغرب في الضغط الحقيقي على روسيا أعطى الرئيس فلاديمير بوتين ترف الوقت، مشيراً إلى أن أي تهاون الآن سيمنح موسكو فرصة لترسيخ مكاسبها وتحويل الحرب إلى صراع طويل الأمد، يستهلك أوروبا سياسياً واقتصادياً.

3مراحل في استراتيجية بوتين
وبيّن الكاتب أن روسيا تسعى إلى تحقيق أهدافها عبر ثلاث مراحل:
1- السيطرة على أراضٍ كافية لإخضاع الاقتصاد الأوكراني وجعله معتمداً على موسكو، عبر ضم مناطق خاركيف وميكولايف وأوديسا إلى المناطق الأربع التي أعلنت روسيا ضمها مسبقاً.
2-  استخدام النفوذ الاقتصادي والسياسي لفرض تبعية كييف، تحت تهديد دائم بإعادة الغزو.
3- دمج أوكرانيا بالكامل في المدار الروسي على غرار بيلاروسيا.
وقال ووتلنغ إن روسيا لا تزال بعيدة عن تحقيق المرحلة الأولى رغم تقدمها الميداني، إذ أن قدرتها على تجنيد مقاتلين بدأت تتراجع مع انخفاض أعداد المتطوعين، وزيادة التجنيد القسري في أواخر 2025.

 اختبار صعب
وأضاف الكاتب أن استمرار الهجمات الأوكرانية على مصافي النفط داخل روسيا، بدأ يترك أثراً واضحاً على قدراتها التمويلية، لا سيما بعد انخفاض أسعار النفط. وأوضح أن موسكو تعتمد على بيع النفط والغاز لتمويل الحرب، وأن أي عجز في العائدات النقدية، سيؤدي إلى أزمة سيولة بحلول 2026. ورغم نجاح الدفاعات الروسية في إسقاط معظم الطائرات الأوكرانية دون طيار، يرى ووتلنغ أن كييف تطور قدراتها الصاروخية لتوجيه ضربات أكثر فعالية في العام المقبل، ما قد يهدد بنية التصدير الروسية.

 نقطة ضعف موسكو
وتناول الكاتب أسطول الظل الروسي، أي شبكة من ناقلات النفط القديمة غير المؤمنة التي تنقل الخام إلى الهند والصين عبر مضيق الدنمارك. وقال إن وقف نشاط هذا الأسطول هو أسرع وسيلة لخنق اقتصاد الكرملين، داعياً أوروبا إلى فرض معايير جديدة للتأمين والسلامة البيئية تمنع عبور تلك السفن. وأوضح أن معاهدة كوبنهاغن في 1857، التي تتيح حرية العبور التجاري لا تمنع تعديل الشروط الفنية للسفن، داعياً دول بحر البلطيق إلى تنسيق معاهدة جديدة تحظر مرور السفن غير المؤهلة بيئياً أو أمنياً. وأضاف أن هذا الإجراء لن يضر بالأسواق العالمية، بل سيسمح لدول أوبك، بملء الفراغ الروسي دون اضطراب الأسعار.

 اختبار القدرة الأوروبية
وقال الكاتب إن مستقبل الصمود الأوكراني يعتمد على ثلاثة عناصر أساسية، هي العتاد والرجال والإرادة. وأوضح أن أوروبا بدأت تتحمل العبء الأكبر في تسليح أوكرانيا، بينما تراجعت الإمدادات الأمريكية بشكل شبه كامل. ودعا ووتلنغ إلى تعزيز الإنتاج الأوروبي من الذخائر والدفاعات الجوية والطائرات دون طيار، مؤكداً أن الاستثمار الدفاعي بدأ يتحول من الوعود إلى التنفيذ. وأضاف أن مشكلة أوكرانيا ليست في عدد المقاتلين بل في ضعف التدريب وغياب التنسيق الميداني بين الوحدات، مشيراً إلى أن الحل يكمن في تدريب القوات داخل الأراضي الأوكرانية بإشراف مباشر من مدربين أوروبيين، حتى لو شكل ذلك هدفاً مغرياً لروسيا.
وأوضح الكاتب أن الخطة الأوروبية لإرسال قوات إلى أوكرانيا بعد وقف إطلاق النار تمنح موسكو سبباً إضافياً لمواصلة الحرب. واقترح أن تبدأ بعض الدول، مثل بولندا، ورومانيا، مراقبة الأجواء الأوكرانية لحماية حدود ناتو. وأضاف أن دمج القدرات الأوروبية داخل أوكرانيا الآن سيعزز الردع ويقنع الكرملين بأن استمرار القتال سيؤدي إلى عكس ما يسعى إليه، مؤكداً أن أوكرانيا في حاجة إلى أسباب واقعية للأمل قبل دخول الشتاء الأقسى منذ اندلاع الحرب.

مصير مجهول
وقال الباحث إن الشتاء القادم سيكون مفصلياً، فروسيا تنتج الآن صواريخ أكثر من أي وقت مضى، في حين تعاني شبكة الكهرباء الأوكرانية، من عجز مزمن، حتى أن العاصمة كييف تغرق في الظلام لساعات يومياً. وأضاف أن نجاح أوكرانيا في الصمود يعتمد على قدرتها على ضرب اقتصاد روسيا، وتكثيف الدعم الأوروبي العسكري والاقتصادي.
 وأضاف الكاتب أن وقف النار لن يتحقق بالرمزيات أو التنازلات، بل بضغط اقتصادي وعسكري مستدام يجعل بوتين يدرك أن استمرار الحرب أكثر كلفة من إنهائها، مضيفاً أن أوكرانيا لا تستطيع المقاومة إلى الأبد، لكنها لا تزال قادرة على شراء الوقت اللازم لانتصار الاستراتيجية الأوروبية إن وُجدت الإرادة.
يرى جاك ووتلنغ أن الصراع في أوكرانيا تجاوز معناه المحلي، ليصبح اختباراً حقيقياً لقدرة أوروبا على الدفاع عن النظام الدولي القائم على القانون. فإذا عجزت القارة العجوز عن فرض كلمتها هذا الشتاء، فإن موسكو ستقرأ ذلك ضعفاً وتعيد رسم حدود أوروبا على طريقتها.