محمد بن زايد وسام موستين يؤكدان أهمية استقرار المنطقة وحل النزاعات في العالم بالحوار
تخلت عن مبدأ الابتعاد عن النزاعات الدولية
ألمانيا في مواجهة حرب أوكرانيا، «تغيّر عصر»...؟
-- لطالما سعت السياسة الخارجية لألمانيا الاتحادية منذ عام 1949 إلى استخلاص الدروس من ماضيها
-- على رد الفعل النهائي لألمانيا، سيتم تحديد الدور المستقبلي للاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية
-- اعتمدت برلين سياسة خارجية جديدة أكثر التزامًا بالصراعات الدولية بدءا من أوكرانيا
-- قطعت مواقف شولتز تقليدًا راسخًا منذ إنشاء الدولة في مسائل السياسة الخارجية والأمنية
«إننا نعيش تغيّر عصر”، قال المستشار الاشتراكي الديمقراطي، أولاف شولتز، خلال الجلسة الاستثنائية للبوندستاغ في 27 فبراير 2022، في إشارة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ قبل ثلاثة أيام من خطابه. وكرر نفس هذه الصيغة خلال الخطاب الذي ألقاه في 29 أغسطس الماضي في جامعة تشارلز في براغ حول السياسة العامة الأوروبية.
«تغيّر العصر” هذا، يتميز بشكل خاص، بالنسبة لبرلين، بسياسة خارجية جديدة، أكثر التزامًا بالصراعات الدولية، والتي تبدأ بالطبع بالحرب في أوكرانيا.
نهاية تقليد راسخ لضبط النفس
هل يجب أن تسمح القوة لمن يمتلكها بانتهاك القانون؟ هل يمكن السماح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالعودة إلى عصر القوة العظمى في القرن التاسع عشر؟
أو “هل لدينا القوة لوضع قيود على المتحاربين مثل بوتين؟
تساءل شولتز في فبراير امام البوندستاغ.
في أعقاب هذا التساؤل الخطابي، أعلن المستشار مشاركة ألمانيا في عمليات تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا -وهو التزام أكده لمستمعيه في براغ -بالإضافة إلى عقوبات جديدة ضد روسيا ونشر قوات إضافية على الجناح الشرقي لحلف الناتو. كما أعلن أن ألمانيا ستزيد ميزانيتها الدفاعية بمقدار 100 مليار يورو على مدى السنوات الخمس المقبلة امتثالا لالتزام جميع دول الناتو بإنفاق 2 بالمائة من ميزانيتها على نفقاتها العسكرية.
وتمثل هذه الإعلانات، بلا شك، نقطة تحول في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية، لأنها قطعت تقليدًا راسخًا منذ إنشاء الدولة في مسائل السياسة الخارجية والأمنية -وهو تقليد لم يؤثر فيه حتى توحيد ألمانيا إلا جزئيًا.
شبح الحرب العالمية الثانية
لطالما سعت السياسة الخارجية لجمهورية ألمانيا الاتحادية منذ عام 1949 إلى استخلاص الدروس من ماضيها: فقد أثّرت ذكرى أخطاء السياسة الخارجية في زمن الإمبراطورية الألمانية، وخاصة جرائم الرايخ الثالث، بشكل كبير على موقف البلاد على الساحة الدولية. ونتيجة لذلك، طورت الحكومة الفيدرالية على مدى السبعين عامًا الماضية، سياسة خارجية وأمنية كانت كلماتها الرئيسية هي التأثير والتكامل في الغرب، ولكن أيضًا، ضبط النفس والبعد عن النزاعات الدولية.
علاوة على ذلك، على الأقل حتى إعادة التوحيد، استجابت هذه السياسة تمامًا للوضع الخاص -جيوسياسيًا وعسكريًا ونفسيًا -لحكومة جمهورية ألمانيا الاتحادية. لذلك كانت دبلوماسية بون دائمًا متوافقة مع “مصلحتها الوطنية” وقد أثمرت: بفضل اندماجها في الغرب، وبشكل ملموس، في الهياكل متعددة الأطراف، بل وحتى فوق الوطنية، التابعة للجماعة الاقتصادية الأوروبية / الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، استعادت ألمانيا الغربية سيادتها وسمعة دولية معينة. وفي نفس الوقت، استفادت من الدعم السياسي والعسكري للحلفاء الغربيين في مواجهة التهديد السوفياتي.
في بداية السبعينات، سمحت سياسة “السياسة الجديدة تجاه الشرق” لفلي برانت، لألمانيا الغربية، من ناحية، بالاندماج في سياسة الانفراج، التي يفضلها حلفاؤها ، ومن ناحية أخرى، لإيجاد تسوية مؤقتة مع الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية بأكملها. هذه السياسة المزدوجة فيما يتعلق بالغرب والشرق لم تمنع جمهورية ألمانيا الاتحادية من أن تصبح، على مدى عقود، قوة اقتصادية عظمى، بل على العكس تمامًا: لقد مكنها “امتناعها” العسكري من إقامة وتطوير علاقات اقتصادية ممتازة مع العديد من البلدان حول العالم. علاوة على ذلك، تمتعت البلاد بثقة دولية كبيرة عندما أتيحت فرصة إعادة التوحيد عام 1990.
خلال السنوات التالية، وعلى الرغم من ظهور صراعات جديدة في أوروبا (الحرب في يوغوسلافيا السابقة) وأماكن أخرى (حرب الخليج الثانية)، حافظت ألمانيا الموحدة، مما خيب أمل حلفائها، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي عرضت عليها “الشراكة في الزعامة”، حافظت على سياستها لضبط النفس الدولي والامتناع عن أي تدخل عسكري.
التزام خجول في التسعينيات
كان على ألمانيا انتظار نهاية التسعينيات وتحالفًا بين الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر بقيادة المستشار جيرهارد شرودر (الحزب الاشتراكي الديمقراطي، 1998-2005) لاتخاذ قرار بالمشاركة في غارات الناتو الجوية ضد صربيا. وفي النهاية، يبقى هذا الاشتباك العسكري حلقة معزولة ولا يمكن تفسيره إلا من خلال تشكّل سياسي فريد تقريبًا: المعارضة السلمية السابقة، المكونة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر، والتي في الحكومة، كانت تعلم أن خصومها السياسيين داخل حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي -الاتحاد المسيحي الاجتماعي والليبراليون لن يعارضوا هذا القرار. خاصة أن هذا الالتزام طلب بشدة من الحلفاء، وخاصة من قبل الأمريكيين.
أما بالنسبة للمشاركة الألمانية في التدخل في أفغانستان عام 2001، فقد كانت أيضًا نتيجة وضع معين: لقد تسببت هجمات 11 سبتمبر في صدمة عالمية وتضامنًا فريدًا مع الولايات المتحدة لا يمكن للجمهورية الفيدرالية التهرب منه. في نفس الوقت، أكدت الحكومات الفيدرالية المتعاقبة، بقيادة غيرهارد شرودر ثم أنجيلا ميركل “2005-2021”، دائمًا على الأهداف الأمنية والمدنية لهذه المهمة، من خلال مشاركة الوحدات العسكرية الألمانية في قوة المساعدة الأمنية الدولية (إيساف).
علاوة على ذلك، عززت تجربة فشل التدخلات العسكرية الغربية في أفغانستان والعراق وأماكن أخرى، قناعة معظم الألمان أنه سيكون من الأفضل الامتناع عن جميع الأعمال العسكرية، حتى تلك التي تشمل الحلفاء، سواء في إطار الاتحاد الأوروبي أو الناتو.
ومع ذلك، منذ تسعينات القرن الماضي، نفذ البوندسفير حوالي خمسين نشاطًا محدودًا في المسارح الخارجية (لا يزال عشرة منها قيد التنفيذ). حتى عسكريا، ألمانيا حاضرة جدا على الساحة الدولية.
ولئن يوجد مع ذلك تصور مخالف في الداخل والخارج، فهذا يرجع إلى حقيقة أنه التزام أصغر عددًا ونوعية مقارنة بالتزام بعض حلفاء ألمانيا. من جهة اخرى، فإن الالتزام العسكري الألماني يجري تحت أنظار الرأي العام. مع استثناءات قليلة -مثل عندما يتعين على البرلمان إعطاء موافقته على عملية أو أخرى للبوندسفير -لا تثير هذه المسائل نقاشًا مجتمعيًا حقيقيًا في ألمانيا، خاصة أنه ليس من مصلحة الحكومة. هذا الاختلاف في الثقافة السياسية العسكرية، وهو نوع من “الاستثناء الألماني”، هو بلا شك أحد الأسباب التي تحول دون تموضع موحد للاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والأمنية.
التورط في الصراع
الروسي الأوكراني
بعد احتلال شبه جزيرة القرم ومنطقة دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا عام 2014، لعبت جمهورية ألمانيا الاتحادية دورًا رئيسيًا في التوسط بين طرفي النزاع، إلى جانب فرنسا، كجزء من “صيغة نورماندي”. من جهة اخرى، على الرغم من اعتماد بلادها الكبير في مجال الطاقة على روسيا، فقد دعمت حكومة ميركل أيضًا عقوبات اقتصادية صارمة ضد المعتدي وشاركت في تأمين المجال الجوي لإستونيا ولاتفيا وليتوانيا من قبل الناتو.
ومع ذلك، ظلت الأولوية المعطاة للوسائل الدبلوماسية والرغبة في عدم فقدان خيط الحوار مع موسكو في المقدمة. هذا هو السبب في أن “التحالف الكبير” الذي شكله الاتحاد المسيحي الديمقراطي -الاتحاد المسيحي الاجتماعي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، قد حافظ دائمًا على مشروع خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، الوفي لأحد المبادئ الأساسية لسياسة “السياسة الجديدة تجاه الشرق” الألمانية: “التغيير من خلال التجارة”. لقد تطلب الأمر عدوانًا روسيًا حتى تتخلى الحكومة الجديدة عن هذا المشروع نهائيًا في فبراير 2022.
لذلك من الصعب التكهن بما إذا كان النقاش الحالي حول “نقطة التحول” في السياسة الخارجية والأمنية الألمانية سيكون له عواقب دائمة، بما في ذلك في مجال العمليات. فعلى الرغم من الكلمات القوية لشولتز وآخرين خلال المناظرة داخل البوندستاغ في 27 فبراير، تظل الشكوك قائمة، بسبب مسألة إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا، ولكن أيضًا بشأن التدابير المناسبة لتحسين الجيش الألماني الذي يحتاج إلى تطهير، تنافر واضح يُسمع حتى داخل الائتلاف الحكومي.
إذن، ما مدى فعالية المساعدة المعلنة لأوكرانيا؟ وهل ستزيد ميزانية الدفاع حقًا وبشكل مستدام بما يتماشى مع هدف الناتو، المتفق عليه من حيث المبدأ، وهو 2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا؟ وهل الإدانة الواسعة النطاق للعدوان الروسي في الرأي العام الألماني تعني حقًا التأييد الدائم لمشاركة سياسية عالمية أقوى من قبل جمهورية ألمانيا الاتحادية؟ وهل ستكون الحكومة الفيدرالية الحالية قادرة على استخدام تطوير استراتيجية للأمن القومي، المعلن عنها أيضًا، لتأسيس ثقافة جديدة للسياسة الخارجية والأمنية في ألمانيا -وهو شرط أساسي أيضًا لهذا التعاون الأوروبي في السياسة الخارجية والأمنية الذي دعا إليه شولتز في براغ؟ بعد ما يزيد قليلاً عن 30 عامًا على إعادة التوحيد، تخلى الألمان أخيرًا عن “نسيان العالم”، فهل وصلوا إلى الواقع الجديد للسياسة الأمنية -وهو شرط لا غنى عنه لتنفيذ رؤية “السيادة الأوروبية” التي يرعاها إيمانويل ماكرون منذ سنوات، والتي جعلها المستشار ملكًا له أيضًا في براغ؟
منذ نهاية الثنائية القطبية، نواجه نظامًا متعدد الأقطاب متصارعًا بشكل متزايد، وبالتالي عدوانيًا أكثر، حيث لم يعد الفاعلون العدوانيون يحترمون القواعد التقليدية للعبة الدبلوماسية ويرغبون في فرض مصالحهم من جانب واحد على حساب الآخرين عبر اللجوء إلى العنف الجسدي. وفي مثل هذا العالم، لا غنى عن استخدام وسائل القوة -السياسية والاقتصادية، ولكن أيضًا، العسكرية إذا اقتضى الأمر -لأغراض الردع أو، إذا لزم الأمر، لفرض القواعد. بناء على رد الفعل النهائي لألمانيا على هذا التطور، سيتم تحديد استمرارية خطاب أولاف شولتز حول “تغيّر العصر”، ولكن أيضًا الدور المستقبلي للاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية.
*أستاذ -مركز الدراسات الجرمانية ما بين الثقافات باللورين، جامعة لورين.
-- على رد الفعل النهائي لألمانيا، سيتم تحديد الدور المستقبلي للاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية
-- اعتمدت برلين سياسة خارجية جديدة أكثر التزامًا بالصراعات الدولية بدءا من أوكرانيا
-- قطعت مواقف شولتز تقليدًا راسخًا منذ إنشاء الدولة في مسائل السياسة الخارجية والأمنية
«إننا نعيش تغيّر عصر”، قال المستشار الاشتراكي الديمقراطي، أولاف شولتز، خلال الجلسة الاستثنائية للبوندستاغ في 27 فبراير 2022، في إشارة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ قبل ثلاثة أيام من خطابه. وكرر نفس هذه الصيغة خلال الخطاب الذي ألقاه في 29 أغسطس الماضي في جامعة تشارلز في براغ حول السياسة العامة الأوروبية.
«تغيّر العصر” هذا، يتميز بشكل خاص، بالنسبة لبرلين، بسياسة خارجية جديدة، أكثر التزامًا بالصراعات الدولية، والتي تبدأ بالطبع بالحرب في أوكرانيا.
نهاية تقليد راسخ لضبط النفس
هل يجب أن تسمح القوة لمن يمتلكها بانتهاك القانون؟ هل يمكن السماح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالعودة إلى عصر القوة العظمى في القرن التاسع عشر؟
أو “هل لدينا القوة لوضع قيود على المتحاربين مثل بوتين؟
تساءل شولتز في فبراير امام البوندستاغ.
في أعقاب هذا التساؤل الخطابي، أعلن المستشار مشاركة ألمانيا في عمليات تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا -وهو التزام أكده لمستمعيه في براغ -بالإضافة إلى عقوبات جديدة ضد روسيا ونشر قوات إضافية على الجناح الشرقي لحلف الناتو. كما أعلن أن ألمانيا ستزيد ميزانيتها الدفاعية بمقدار 100 مليار يورو على مدى السنوات الخمس المقبلة امتثالا لالتزام جميع دول الناتو بإنفاق 2 بالمائة من ميزانيتها على نفقاتها العسكرية.
وتمثل هذه الإعلانات، بلا شك، نقطة تحول في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية، لأنها قطعت تقليدًا راسخًا منذ إنشاء الدولة في مسائل السياسة الخارجية والأمنية -وهو تقليد لم يؤثر فيه حتى توحيد ألمانيا إلا جزئيًا.
شبح الحرب العالمية الثانية
لطالما سعت السياسة الخارجية لجمهورية ألمانيا الاتحادية منذ عام 1949 إلى استخلاص الدروس من ماضيها: فقد أثّرت ذكرى أخطاء السياسة الخارجية في زمن الإمبراطورية الألمانية، وخاصة جرائم الرايخ الثالث، بشكل كبير على موقف البلاد على الساحة الدولية. ونتيجة لذلك، طورت الحكومة الفيدرالية على مدى السبعين عامًا الماضية، سياسة خارجية وأمنية كانت كلماتها الرئيسية هي التأثير والتكامل في الغرب، ولكن أيضًا، ضبط النفس والبعد عن النزاعات الدولية.
علاوة على ذلك، على الأقل حتى إعادة التوحيد، استجابت هذه السياسة تمامًا للوضع الخاص -جيوسياسيًا وعسكريًا ونفسيًا -لحكومة جمهورية ألمانيا الاتحادية. لذلك كانت دبلوماسية بون دائمًا متوافقة مع “مصلحتها الوطنية” وقد أثمرت: بفضل اندماجها في الغرب، وبشكل ملموس، في الهياكل متعددة الأطراف، بل وحتى فوق الوطنية، التابعة للجماعة الاقتصادية الأوروبية / الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، استعادت ألمانيا الغربية سيادتها وسمعة دولية معينة. وفي نفس الوقت، استفادت من الدعم السياسي والعسكري للحلفاء الغربيين في مواجهة التهديد السوفياتي.
في بداية السبعينات، سمحت سياسة “السياسة الجديدة تجاه الشرق” لفلي برانت، لألمانيا الغربية، من ناحية، بالاندماج في سياسة الانفراج، التي يفضلها حلفاؤها ، ومن ناحية أخرى، لإيجاد تسوية مؤقتة مع الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية بأكملها. هذه السياسة المزدوجة فيما يتعلق بالغرب والشرق لم تمنع جمهورية ألمانيا الاتحادية من أن تصبح، على مدى عقود، قوة اقتصادية عظمى، بل على العكس تمامًا: لقد مكنها “امتناعها” العسكري من إقامة وتطوير علاقات اقتصادية ممتازة مع العديد من البلدان حول العالم. علاوة على ذلك، تمتعت البلاد بثقة دولية كبيرة عندما أتيحت فرصة إعادة التوحيد عام 1990.
خلال السنوات التالية، وعلى الرغم من ظهور صراعات جديدة في أوروبا (الحرب في يوغوسلافيا السابقة) وأماكن أخرى (حرب الخليج الثانية)، حافظت ألمانيا الموحدة، مما خيب أمل حلفائها، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي عرضت عليها “الشراكة في الزعامة”، حافظت على سياستها لضبط النفس الدولي والامتناع عن أي تدخل عسكري.
التزام خجول في التسعينيات
كان على ألمانيا انتظار نهاية التسعينيات وتحالفًا بين الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر بقيادة المستشار جيرهارد شرودر (الحزب الاشتراكي الديمقراطي، 1998-2005) لاتخاذ قرار بالمشاركة في غارات الناتو الجوية ضد صربيا. وفي النهاية، يبقى هذا الاشتباك العسكري حلقة معزولة ولا يمكن تفسيره إلا من خلال تشكّل سياسي فريد تقريبًا: المعارضة السلمية السابقة، المكونة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر، والتي في الحكومة، كانت تعلم أن خصومها السياسيين داخل حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي -الاتحاد المسيحي الاجتماعي والليبراليون لن يعارضوا هذا القرار. خاصة أن هذا الالتزام طلب بشدة من الحلفاء، وخاصة من قبل الأمريكيين.
أما بالنسبة للمشاركة الألمانية في التدخل في أفغانستان عام 2001، فقد كانت أيضًا نتيجة وضع معين: لقد تسببت هجمات 11 سبتمبر في صدمة عالمية وتضامنًا فريدًا مع الولايات المتحدة لا يمكن للجمهورية الفيدرالية التهرب منه. في نفس الوقت، أكدت الحكومات الفيدرالية المتعاقبة، بقيادة غيرهارد شرودر ثم أنجيلا ميركل “2005-2021”، دائمًا على الأهداف الأمنية والمدنية لهذه المهمة، من خلال مشاركة الوحدات العسكرية الألمانية في قوة المساعدة الأمنية الدولية (إيساف).
علاوة على ذلك، عززت تجربة فشل التدخلات العسكرية الغربية في أفغانستان والعراق وأماكن أخرى، قناعة معظم الألمان أنه سيكون من الأفضل الامتناع عن جميع الأعمال العسكرية، حتى تلك التي تشمل الحلفاء، سواء في إطار الاتحاد الأوروبي أو الناتو.
ومع ذلك، منذ تسعينات القرن الماضي، نفذ البوندسفير حوالي خمسين نشاطًا محدودًا في المسارح الخارجية (لا يزال عشرة منها قيد التنفيذ). حتى عسكريا، ألمانيا حاضرة جدا على الساحة الدولية.
ولئن يوجد مع ذلك تصور مخالف في الداخل والخارج، فهذا يرجع إلى حقيقة أنه التزام أصغر عددًا ونوعية مقارنة بالتزام بعض حلفاء ألمانيا. من جهة اخرى، فإن الالتزام العسكري الألماني يجري تحت أنظار الرأي العام. مع استثناءات قليلة -مثل عندما يتعين على البرلمان إعطاء موافقته على عملية أو أخرى للبوندسفير -لا تثير هذه المسائل نقاشًا مجتمعيًا حقيقيًا في ألمانيا، خاصة أنه ليس من مصلحة الحكومة. هذا الاختلاف في الثقافة السياسية العسكرية، وهو نوع من “الاستثناء الألماني”، هو بلا شك أحد الأسباب التي تحول دون تموضع موحد للاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والأمنية.
التورط في الصراع
الروسي الأوكراني
بعد احتلال شبه جزيرة القرم ومنطقة دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا عام 2014، لعبت جمهورية ألمانيا الاتحادية دورًا رئيسيًا في التوسط بين طرفي النزاع، إلى جانب فرنسا، كجزء من “صيغة نورماندي”. من جهة اخرى، على الرغم من اعتماد بلادها الكبير في مجال الطاقة على روسيا، فقد دعمت حكومة ميركل أيضًا عقوبات اقتصادية صارمة ضد المعتدي وشاركت في تأمين المجال الجوي لإستونيا ولاتفيا وليتوانيا من قبل الناتو.
ومع ذلك، ظلت الأولوية المعطاة للوسائل الدبلوماسية والرغبة في عدم فقدان خيط الحوار مع موسكو في المقدمة. هذا هو السبب في أن “التحالف الكبير” الذي شكله الاتحاد المسيحي الديمقراطي -الاتحاد المسيحي الاجتماعي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، قد حافظ دائمًا على مشروع خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، الوفي لأحد المبادئ الأساسية لسياسة “السياسة الجديدة تجاه الشرق” الألمانية: “التغيير من خلال التجارة”. لقد تطلب الأمر عدوانًا روسيًا حتى تتخلى الحكومة الجديدة عن هذا المشروع نهائيًا في فبراير 2022.
لذلك من الصعب التكهن بما إذا كان النقاش الحالي حول “نقطة التحول” في السياسة الخارجية والأمنية الألمانية سيكون له عواقب دائمة، بما في ذلك في مجال العمليات. فعلى الرغم من الكلمات القوية لشولتز وآخرين خلال المناظرة داخل البوندستاغ في 27 فبراير، تظل الشكوك قائمة، بسبب مسألة إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا، ولكن أيضًا بشأن التدابير المناسبة لتحسين الجيش الألماني الذي يحتاج إلى تطهير، تنافر واضح يُسمع حتى داخل الائتلاف الحكومي.
إذن، ما مدى فعالية المساعدة المعلنة لأوكرانيا؟ وهل ستزيد ميزانية الدفاع حقًا وبشكل مستدام بما يتماشى مع هدف الناتو، المتفق عليه من حيث المبدأ، وهو 2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا؟ وهل الإدانة الواسعة النطاق للعدوان الروسي في الرأي العام الألماني تعني حقًا التأييد الدائم لمشاركة سياسية عالمية أقوى من قبل جمهورية ألمانيا الاتحادية؟ وهل ستكون الحكومة الفيدرالية الحالية قادرة على استخدام تطوير استراتيجية للأمن القومي، المعلن عنها أيضًا، لتأسيس ثقافة جديدة للسياسة الخارجية والأمنية في ألمانيا -وهو شرط أساسي أيضًا لهذا التعاون الأوروبي في السياسة الخارجية والأمنية الذي دعا إليه شولتز في براغ؟ بعد ما يزيد قليلاً عن 30 عامًا على إعادة التوحيد، تخلى الألمان أخيرًا عن “نسيان العالم”، فهل وصلوا إلى الواقع الجديد للسياسة الأمنية -وهو شرط لا غنى عنه لتنفيذ رؤية “السيادة الأوروبية” التي يرعاها إيمانويل ماكرون منذ سنوات، والتي جعلها المستشار ملكًا له أيضًا في براغ؟
منذ نهاية الثنائية القطبية، نواجه نظامًا متعدد الأقطاب متصارعًا بشكل متزايد، وبالتالي عدوانيًا أكثر، حيث لم يعد الفاعلون العدوانيون يحترمون القواعد التقليدية للعبة الدبلوماسية ويرغبون في فرض مصالحهم من جانب واحد على حساب الآخرين عبر اللجوء إلى العنف الجسدي. وفي مثل هذا العالم، لا غنى عن استخدام وسائل القوة -السياسية والاقتصادية، ولكن أيضًا، العسكرية إذا اقتضى الأمر -لأغراض الردع أو، إذا لزم الأمر، لفرض القواعد. بناء على رد الفعل النهائي لألمانيا على هذا التطور، سيتم تحديد استمرارية خطاب أولاف شولتز حول “تغيّر العصر”، ولكن أيضًا الدور المستقبلي للاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية.
*أستاذ -مركز الدراسات الجرمانية ما بين الثقافات باللورين، جامعة لورين.