الحرب أعطت الديمقراطيات فرصة للتغلب على التحديات الوشيكة
أوكرانيا ميدان اختبار لحروب مستقبلية.. والغرب غير مستعد
لفت الأستاذ الجامعي والكاتب السياسي في شبكة “بلومبرغ” هال براندز إلى سؤالين استراتيجيين أثارتهما حرب روسيا على أوكرانيا منذ بدايتها، أولاً، هل ستنجو أوكرانيا كدولة مستقلة؟ ثانياً، هل سيستغل العالم الديموقراطي الحرب بحكمة، من أجل الاستعداد لمخاطر أكبر؟
بعد خمسة عشر شهراً من الصراع، ومع بدء الهجوم المضاد الذي طال انتظاره في أوكرانيا، يمكن للمراقبين أن يكونوا واثقين بحذر في الإجابة على السؤال الأول. ما لم يتم التخلي عن أوكرانيا من قبل داعميها الغربيين فإنها ستخرج من هذا الصراع مدمرة بشكل رهيب إنما غير مهزومة. مع ذلك، يمكن القول إن السؤال الثاني أكثر أهمية بالنسبة إلى مستقبل النظام العالمي، والإجابة أقل يقيناً بكثير، بحسب “بلومبرغ».
أزمة الخمسينيات
وولادة العالم الحر
الأزمات، كما يقول الكليشيه الحقيقي، توفر الفرص وكذلك التحديات. يمكنها زعزعة الأمم للخروج من السبات الاستراتيجي والإنكار العنيد المستمر للتهديدات التي تلوح في الأفق. خلال الحرب الباردة، كانت الحرب الساخنة في كوريا هي الأزمة التي صنعت العالم الحر. لقد أقنع الغزو المروع وغير المبرر لدولة ذات سيادة الغرب بالتخلي عن نهج المساومة الرخيصة للاحتواء وتشكيل الدرع العسكري الذي سيبقي الاتحاد السوفياتي مقيداً. احتاجت أمريكا وحلفاؤها إلى هزة مماثلة قبل فبراير (شباط) 2022.
دأبت الولايات المتحدة منذ سنوات على شن حرب خطابية مع الصين وروسيا. ولكن في ما يتعلق بقضايا تتراوح من الدفاع إلى التجارة، فقد كافحت لتأسيس السياسات اللازمة للمنافسة بفاعلية. في أوروبا، زادت ألمانيا ودول أخرى من إدمانها على الطاقة الروسية. في آسيا واليابان وتايوان، من بين أماكن أخرى، تم اتخاذ نهج بطيء لا يمكن تبريره بشأن التسلح استعداداً لصراع محتمل مع بكين.
تحذير... وردّ
تغير ذلك، لبعض الوقت، مع هجوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا. كان الغزو اعتداء شبيهاً بالاعتداء على كوريا ضد أعراف عالم متحضر. لقد كان تذكيراً بأن التنافس بين القوى العظمى يمكن أن يتحول بسرعة إلى صراع عنيف. كانت مأساة أوكرانيا تحذيراً للعالم الحر. لقد استجابت واشنطن وحلفاؤها لهذا التحذير عبر استنزاف روسيا في حرب بالوكالة هي الأكثر فتكاً في القرن الحادي والعشرين. لقد قدموا لأوكرانيا الدعم الذي احتاجته لإنقاذ نفسها وتدمير جيش بوتين في هذه العملية. أنتجت الحرب أيضاً حلفاً أطلسياً أقوى وأوسع حيث سعت فنلندا والسويد للانضمام إليه وتعهدت الدول في جميع أنحاء أوروبا بزيادة الإنفاق العسكري بشكل كبير.
كما أدى الصراع، إلى جانب أسوأ أزمة في تايوان منذ ربع قرن، إلى ظهور موقف أكثر تشدداً تجاه الصين. فرضت الولايات المتحدة وعدد قليل من الحلفاء عقوبات تحظر نقل أشباه الموصلات المتطورة إلى الصين مما جعلها طلقة مدمرة محتملة في الحرب الباردة التكنولوجية الجارية. وضعت اليابان خططاً لمضاعفة الإنفاق الدفاعي على مدى نصف عقد تقريباً؛ وتقربت دول شمال وجنوب غرب المحيط الهادئ أكثر من واشنطن ومن بعضها البعض. وبدلاً من تقسيم الغرب، عززت الحرب التحالفات على طرفي أوراسيا.
دفعات مقدمة ومفارقات
مع ذلك، تابع الكاتب، كانت هذه الخطوات مجرد دفعات مقدمة لاستراتيجية كاملة من أجل حماية العالم الديموقراطي من الاستبداد. ومن المفارقات أن الضرورة الملحة لصياغة تلك الاستراتيجية قد تلاشت بما أن أوكرانيا حمت نفسها. في ألمانيا، سعى المستشار أولاف شولتس إلى التملص من وعد سابق بإنفاق 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع. وتسارعت استعدادات تايوان للدفاع عن النفس، لكنها تواصل التسلح بهمة لا يتوقعها المرء من منطقة في خطر وجودي. قد تعيد الانتخابات الرئاسية العام المقبل إلى السلطة حزب الكومينتانغ الذي يفضل اتباع نهج أكثر ليونة في بكين ويمكن أن يخلخل الاستعدادات العسكرية لتايوان.
وإذا كان الحلفاء الكسالى جزءاً من المشكلة فإن واشنطن لا تعمل بشكل أفضل في بعض الحالات. إن اتفاق سقف الديون الأخير يخفض في الواقع نفقات الدفاع بالقيمة الحقيقية، وهو عمل من أعمال الجنون الاستراتيجي في وقت يتزايد فيه بوضوح خطر نشوب حرب في غرب المحيط الهادئ. يبدو أن الأمر التنفيذي الذي تم الترويج له كثيراً والذي تأخر طويلاً بشأن تقييد الاستثمار الأمريكي في الصين متواضع على الأرجح في النطاق والتأثير.
أكبر فجوة
حسب براندز، لم تقم إدارة الرئيس جو بايدن بالكثير لملء أكبر فجوة في استراتيجية أمريكا مع الصين: الافتقار إلى أي شيء يمكن مقارنته بالشراكة عبر المحيط الهادئ. كان الهدف من هذا الاتفاق التجاري الذي حركته أمريكا ثم تخلت عنه في عهد الرئيس دونالد ترامب تعزيز النمو الاقتصادي في آسيا ومنح اقتصادات المنطقة بديلاً عن الاعتماد على بكين. توصيف بديل الإدارة الحالية، أي مبادرة الإطار الاقتصادي للإندو-باسيفيك، بأنه “غامض” هو تقليل مهذب لما يجب أن يكون عليه.
ماذا ستفعل بهذه الفرصة؟
وفق الكاتب، ليست كل الأخبار سيئة بأي حال من الأحوال. تقوم بولندا بتحويل نفسها إلى قوة عسكرية كبرى وستربط التحالف المناهض لروسيا في أوروبا الشرقية لسنوات.
ورحب الكاتب بالالتزام الأخير من قبل مجموعة الدول السبع بمكافحة الإكراه الاقتصادي الصيني بشكل جماعي حتى ولو كان ما سيظهر بالفعل لا يزال غير مؤكد.
ولكن إذا كانت هناك مجالات يتم فيها إحراز تقدم حقيقي، فهناك أخرى كثيرة أخلى فيها الإلحاح المجال أمام الأعمال والسياسة والبيروقراطية المعتادة.
أكد الكاتب أخيراً أن هذه ليست طريقة لاستخدام أزمة أو للفوز بالتنافس على مستقبل النظام العالمي. أعطت الحرب في أوكرانيا الديمقراطيات فرصة للتغلب على التحديات الوشيكة من صين ميالة للقتال وروسيا غاضبة وتعاني من مرارة.
وقد لا تحصل على فرصة أخرى.