فيروس أربك العلاقات الدولية:

الجغرافيا السياسية لـ كوفيد- 19: أي حصاد بعد عام...؟

الجغرافيا السياسية لـ كوفيد- 19: أي حصاد بعد عام...؟

- يجب ألا نعتمد على مناعة المجموعة لحماية أنفسنا، فسيتعين علينا تطعيم الجميع بشكل فردي
- من الوهم الاعتقاد بأن بقية العالم لن يتذكر أنه في مواجهة عدو مشترك، أعطى الغرب الأولوية لمصالحه
- ستكون اللقاحات مصحوبة بعقود أخرى ترسم شيئًا فشيئًا ملامح دبلوماسية الغد ولسنوات قادمة
- إن استعادة نوع من الإهمال والاستهتار الصحي، لما قبل الأزمة، في الصيف أمر غير وارد


بعد مرور عام على تفشي هذا الوباء الذي هز الكوكب، لا بد من تقييم: الوضع الصحي العالمي، حملات التطعيم التي أصبحت دبلوماسية حقيقية، التأثير على العولمة، كيف أربك فيروس كورونا العلاقات الدولية؟ مقابلة مع آن سينكيير، الباحثة في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، والمديرة المشاركة لمرصد الصحة العالمي.

•بعد مرور عام على ظهور الوباء، أين هو الوضع الصحي العالمي؟
- بعد عام وما يقرب من ثلاثة أشهر من بدء الوباء، للأسف، لم نخرج بعد من الازمة. قريباً 124 مليون حالة مؤكدة رسمية حول العالم، وربما تتضاعف بسبب النسبة الكبيرة للحالات التي لا تظهر عليها أعراض، وجراء القدرة على الاختبار التي ليست مثالية في كل مكان حول العالم، و2.7 مليون حالة وفاة حسب منظمة الصحة العالمية.
من ناحية أخرى، يكون مصطلح الجائحة مضللًا في بعض الأحيان، لأنه يشير إلى أن المرض يصيب جميع القارات، ولكن من المهم ملاحظة أنه يحدث بشكل غير متساو. ومنذ البداية، تحملت أوروبا والأمريكيتان الثمن الباهظ.

بشكل عام، كان عدد الحالات يتزايد دائمًا في جميع أنحاء العالم حتى نهاية عام 2020. ومن يناير حتى نهاية فبراير 2021، شهدنا تقلّصا حقيقيًا في عدد الحالات بسبب الانخفاض المتزامن في أوروبا والأمريكيتين. ولسوء الحظ، أدى تطور متغير V1 (الأكثر قابلية للانتقال) إلى زيادة الأرقام، وهذا بشكل أساسي في أوروبا.
بينما كان من المتوقع انتشار وباء مدمر في القارة الأفريقية، فقد أظهرت هذه الاخيرة مقاومة كبيرة. وتفسر عدة عوامل هذا الحد في عدد الحالات والوفيات: متوسط عمر صغير جدًا، وحياة يومية أقل في الأماكن المغلقة والداخلية، وقارة بعيدة عن تدفقات حركة المرور الدولية الرئيسية، وسكان واجهوا للأسف العديد من الأوبئة هذا العقد، رغم الشكوك التي تحوم حول الأرقام الرسمية.
إن الأزمة التي تؤثر فعلا على القارة الأفريقية هي أزمة اقتصادية، فاقتصادات الشمال متوقفة، وفشلت تحويلات المغتربين الأفارقة في العمل كما جرت العادة، مما أثر على الاقتصاد في القارة بأكملها تقريبًا.

•بدأت حملات التطعيم، والتزمت بعض الدول بعودة الوضع “الطبيعي” في الصيف. متى يمكننا، على نطاق عالمي وبشكل معقول، تصور طريقة للخروج من الأزمة؟
- قيل الكثير مؤخرًا عن الوباء وما يمكن أن يأتي به التطعيم. لقد استنتجنا أولاً ما عرفناه عن الفيروسات التاجية الأولى، السارس ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية. واعتبرنا ان المناعة الجماعية حوالي 60 بالمائة من المرضى الملقّحين. ومع ذلك، اليوم في أوروبا، متغير V1، الذي يمثل أغلبية في العديد من البلدان، قد غير الوضع. وبالتالي، فإن قابلية انتقاله السريع تتطلب تقديرًا جديدًا لهذه المناعة الجماعية، بما يتجاوز 60 بالمائة. من ناحية أخرى، يوجد في أوروبا ما يقرب من 20 إلى 25 بالمائة من الشباب (أقل من 18 عامًا) الذين لن يتم تطعيمهم ... لذلك يجب ألا نعتمد على مناعة المجموعة لحماية أنفسنا، فسيتعين علينا تطعيم الجميع بشكل فردي.

إن امتلاك نظرة متفائلة للأشياء تجعلنا نفوّت المخاطر الحتمية التي يمكن أن تنشأ عن موقف مثل جائحة مرض ناشئ. ان التعلم يحدث على مراحل ، حيث تتحدى المتغيرات لقاحاتنا، ولا يمكن للصناعة الدوائية، رغم الجهود التي لا يمكن إنكارها والنجاحات في الأشهر الأخيرة، أن تعوض التأخير في الإنتاج والخيبات الأخرى.
وفي ضوء كل هذه العناصر، إن استعادة نوع من “الإهمال والاستهتار” الصحي لما قبل الأزمة في الصيف أمر غير وارد. سيتعين علينا أن نظل يقظين على الأقل طوال عام 2021 على المستوى الوطني والأوروبي. اما على الصعيد العالمي، من المحتمل أن نحتاج إلى سنة إضافية على الأقل. نذكّر أن نظام كوفاكس، الذي يهدف إلى تطعيم 27 بالمائة من البلدان الضعيفة والمتوسطة الدخل في نهاية عام 2021، لن يكون كافيًا للقضاء على تهديد الفيروس.

•هل تعتقد أن كوفيد -19 والأزمة التي تليه سيغيران على المدى الطويل وفي العمق العولمة؟
- اليوم، هذا مرجح للغاية، لعدة أسباب. خلال بداية الوباء، دفعت إدارة ترامب الولايات المتحدة إلى أقصى عزلتها، بانسحابها من مقدمة المسرح الدولي. من ناحية أخرى، انتهزت الصين الفرصة لتطوير دبلوماسية ... أولاً الكمامة، والآن اللقاح. وأدركت الدول الأوروبية، من جانبها، ورغم رحيل المملكة المتحدة، أن العمل معًا سيكون أفضل من العمل بشكل منفصل. ولئن لم يكن كل شيء مثاليا، ويصعب الاقرار ان الإدارة الأوروبية للوباء عملت بشكل فعال، فانه تم وضع الأسس التي ستعمل بشكل جيد فيما بعد الأزمة الصحية.

من ناحية أخرى، على المستوى الدولي، خلال أزمة العمل المتعدد الاطراف (ربيع 2020، بإعلان الولايات المتحدة رغبتها في مغادرة منظمة الصحة العالمية)، وقفت اوروبا إلى جانب منظمة الصحة العالمية، وعملت على وضع نظام كوفاكس. إن الاتحاد الأوروبي -إذا لم يغرق في “قومية اللقاح” وانحرافاتها -يمكن أن يقدم إمكانية طريق ثالث في مواجهة المبارزة الصينية الأمريكية. وفي الواقع، عندما تصل اللقاحات إلى السوق، تصبح الأمور معقدة حقًا.

ورغم اعلان القوى العظمى ومنظمة الصحة العالمية اللقاح “مصلحة عامة للبشرية”، في ربيع عام 2020، فقد أصبح المعيار الآن هو الأولوية الوطنية. وفي ملخص موجز، يمكن القول إن الدول الغنية قد اختارت اللقاحات على مستوى العالم من خلال إبرام اتفاقيات ثنائية مع الصناعات الدوائية الغربية الرئيسية، وتركت العدالة في اللقاح جانبًا، وشددت على قومية اللقاح.

إلى جانب ذلك، لا يزال نظام كوفاكس يفتقر إلى التمويل، ولن يكون 27 بالمائة من البلدان الضعيفة والمتوسطة الدخل كافية لضمان حماية حقيقية للشعوب. فبالنسبة لهذه الدول، يرى الغرب نفسه شرعيا صاحب الأولوية، خاصة انه منذ وقت قريب، وفي مواجهة التأخير في تسليم لقاحات استرا زينيكا، هدد الاتحاد الأوروبي بحظر تصدير اللقاحات المنتجة على أراضيه إلى وجهات دولية، أي بشكل أساسي نظام كوفاكس -لقاح أسترا زينيكا هو الوحيد الذي تم التحقق من سلامته حاليًا من قبل منظمة الصحة العالمية لهذا البرنامج.

لذلك من الوهم الاعتقاد بأن بقية العالم لن يتذكر أنه في مواجهة عدو مشترك، أعطى الغرب الأولوية لمصالحه مع الحرص على تمويل كوفاكس في البداية كستار دخان.
وفي مواجهة هذه العملية، كان على البلدان ذات الدخل المتوسط ، التي ليست غنية بما يكفي للدخول في اتفاقيات مباشرة مع المختبرات، ولا فقيرة بما يكفي لتكون جزءاً من نظام كوفاكس، التفاوض مع قوى لقاح معينة (الصين وروسيا) للحصول على لقاحات.

وهكذا اتجهت البرازيل إلى الصين من خلال “عرض” تجارب إكلينيكية على سكانها مقابل الحصول على اللقاحات الصينية. وتلعب الهند دبلوماسية اللقاح من خلال تقديم جرعات إلى الدول المجاورة لها، وبالتالي تعزيز نفوذها الإقليمي. وتعمل روسيا على استمالة أمريكا اللاتينية ودولها “الصديقة”، بينما تنسج الصين الاتفاقيات على طول طرق الحرير لتعزيز وجودها في عدة قارات. بالطبع، لا تأتي هذه اللقاحات بمفردها، بل ستكون مصحوبة بعقود أخرى ترسم شيئًا فشيئًا ملامح دبلوماسية الغد ولسنوات قادمة.

من ناحية أخرى، ماذا سيحدث عندما يتعلق الأمر “بفعل كل ما هو ممكن لمواجهة التغيّر المناخي”؟ هل ستكون الدول التي تخلى عنها الغرب على استعداد لتقليل غازات الاحتباس الحراري على النحو المطلوب في اتفاقية باريس - الغرب؟ لقد أعادتنا أزمة كوفيد-19 25 عامًا إلى الوراء فيما يتعلق بالتنمية على المستوى العالمي، من حيث الوصول إلى الصحة، وعدم المساواة بين الجنسين، والتعليم، والحصول على المياه ... ومن المحتمل جدًا ألا تكون حماية البيئة في المقدمة (وهذا هو الحال من الان) عندما نتحدث عن بناء عالم ما بعد كورونا.
•عن موقع معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية