لم يتضح إذا كان تضارب المصالح سيتطور إلى صدام واسع

الشرخ يتعمق بين رجال الدين والنخب الأمنية في إيران

الشرخ يتعمق بين رجال الدين والنخب الأمنية في إيران

   كتب الباحث سجاد صفائي أن ثمة نتيجة واحدة للاحتجاجات في إيران أشعلها موت مهسا أميني أثناء احتجازها في مركز للشرطة في سبتمبر(أيلول) 2022، هي الانسحاب الواسع لشرطة الأخلاق المسؤولة عن فرض قانون الحجاب من شوارع البلاد. ونتيجة أخرى، أقل بروزاً لكنها أكثر أهمية، هي الصدع المتزايد بين نخبة المتشددين الحاكمين، والمؤسسة العسكرية الأمنية.
عن اتساع الهوة بين رجال الدين والنخبة الأمنية في إيران، كتب الباحث سجاد صفائي في “فورين بوليسي” “شكلت معارضة الحجاب الإلزامي، محور الاحتجاجات، ولم يكن اختفاء دوريات الإرشاد المتطفلة، نصراً صغيراً  لدى المحتجين. لقد بات مشهد النساء يسرن في الشوارع الإيرانية دون الحجاب الإلزامي، أمراً معتاداً، الأمر الذي يثير استياءً شديداً في أوساط النخبة الحاكمة، ناهيك عن تناقص قاعدة داعميها».    لكن هذا الإلغاء للحجاب الإلزامي في مناطق واسعة من الحياة العامة، لا يرجح أنه نتيجة قرار سياسي واع بالإنصياع لإرادة الناس، وإدخال إصلاحات هيكلية عميقة بعيدة المدى.     وحتى في الوقت الذي كانت التظاهرات شاهداً على تراجع كبير في تأييد سيطرة الدولة على لباس النساء، فإن وسائل الإعلام الإيرانية تحدث عن تشدد السلطات في فرض الحجاب في المباني الحكومية، والمراكز المالية، بدل إبداء المرونة. وإمعاناً في إثارة مشاعر الرأي العام، فإن مسؤولين بارزين، وبينهم نواب وقضاة، يتعهدون عبر بيانات لاذعة بمضاعفة جهودهم لإرغام النساء على الامتثال للقانون، الذي ترفضه الغالبية الساحقة من الإيرانيين، أو لا تدعمه ببساطة.    
 
تحديات أمنية
في الوقت الذي أظهرت فيه احتجاجات “النساء، الحياة، الحرية” على نطاق واسع عجز  ورفض النخب السياسية المتشددة في التعامل بشكل مناسب مع المطالب الشعبية، فإنها أثبتت أيضاً أن في إمكانها في أي لحظة إثارة تحديات أمنية مستعصية وتقويض استقرار النظام.
ومتى برزت هذه التحديات، فلن تكون القيادة السياسية الإيرانية، وإنما قواتها المسلحة من سيتحمل آثار  الاضطراب السياسي. إنها القوى الأمنية، بما فيها الحرس الثوري، التي ستستدعى لاستعادة النظام العام، بقمع الاحتجاجات بوحشية، بدافع العناد والتردد وقلة كفاءة النخبة الحاكمة المتشددة المنفصلة عن واقع المجتمع الإيراني، وتشعر بأنها محمية من مضاعفات الاضطراب الاجتماعي.     
إن النتيجة التي لا يمكن تفاديها لهذا التوزيع غير العادل بين السبب والمضاعفات، فضلاً عن المقارنة بين أولويات القيادتين العسكرية والسياسية، تؤدي إلى تضارب محتمل في المصالح. وهذا النزاع الذي لا يزال في مراحلة الأولية يمكن ألا يتطور إلى مواجهة شاملة. وفي الحقيقة، من المهم التذكر أنه ورغم اختلاف الأولويات بين القوتين، فإن مصالح الحرس الثوري تتوافق مع المتشددين في قضايا كثيرة.
وعلاوة على ذلك، كان الحرس الثوري حتى الأمس القريب يشكل أداة أساسية لمساعدة المتشددين على توسيع سلطتهم، باستبعاد منافسيهم السياسيين من هيكلية السلطة. ومنها مثلاً الدور الرئيسي الذي لعبه الحرس الثوري في تأمين وصول إبراهيم رئيسي إلى الرئاسة.
 
تضارب في المصالح
لكن هذا التضارب الناشئ في المصالح قد تترتب عليه نتائج أوسع، إذا استمر المتشددون في المضي في سياسات تثير غضب الرأي العام، وتغذي الاضطرابات الاجتماعية، وتعرض للخطر النجاحات الشاقة للقوات المسلحة. وفي سيناريو مماثل، فإن القادة العسكريين في البلاد سيواجهون صعوبات إذا ظلوا غير مبالين، بينما القيادة السياسية غير الكفؤة وغير الشعبية تتسبب في أزمة تلو أخرى. وتتعزز مسألة التدخل بنشاط أكبر في الميدان السياسي، مع إدراك أن خلافة القائد الأعلى علي خامنئي الذي بلغ الآن الـ84، تبدو أكثر إلحاحاً يوماً بعد يوم.  
 
صدام أوسع
وبينما لم يتضح إذا كان تضارب المصالح بين القوات المسلحة الإيرانية والنخبة السياسية المتشددة، سيتطور إلى صدام على نطاق واسع، فإن هناك فعلاً علامات على نفاد صبر متزايد في أوساط الجنرالات الإيرانيين على طريقة معالجة السلطات للاحتجاجات ضد إلزامية الحجاب.      
وبعيد تفجر الاحتجاجات، تحدث قائد بارز في الشرطة صراحة عن الوضع المرفوض لدوريات الإرشاد. وأقر بأن “أياً من زملائنا أراد أن يخدم في هذه الفرقة”. لذلك لم يكن مستغرباً أن تسارع الشرطة إلى سحب دوريات الإرشاد من الكثير من المراكز المدينية فور وفاة مهسا أميني.    ولم يجد رئيس مجلس الشورى باقر قاليباف، القائد السابق في الحرس الثوري، سوى الإقرار بأنه “في بعض القضايا، لسنا قادرين على حل بعض المشاكل، وعندما نفعل، فإننا لا نفعل ذلك في الوقت المناسب».  
 
وحتى في الوقت الذي كانت السلطات تتحدث فيه عن إجراءات جديدة للتشدد في ضبط لباس النساء، حملت وسيلة إعلامية موالية للحرس الثوري على السياسيين بسبب طريقة تعاملهم مع “الأزمة” التي تلت وفاة مهسا أميني، خاصةً “التصريحات المتناقضة والإجراءات التي اتخذت” رداً على الاضطرابات.   وفي منتصف مايو (أيار)، قال رئيس تحرير صحيفة “جافان” عن خطباء الجمعة إنهم “بعيدون” عن تقدم المجتمع الإيراني وتعقيداته. وحذر الخطباء، الذين يعينهم خامنئي شخصياً، من إطلاق تصريحات تحتقر النساء غير المحجبات. وكان يرد بذلك على خطيب الجمعة في مدينة رشت، الذي ترك الصلاة لأن امرأة غير محجبة كانت تجلس على الطريق.   ويبقى من المبكر التكهن بتطور تضارب المصالح الناشئ بين القوات المسلحة الإيرانية والنخب السياسية المتشددة، إلى مواجهة شاملة. لكن المؤكد هو أن المؤسسة العسكرية الأمنية تجد نفسها على نحو متزايد غير قادرة على الوقوف على الحياد، فيما النخب السياسية تدفع البلاد إلى أزمة أمنية أخرى، بالإصرار على فرض قوانين غير شعبية، من نتائجها إثارة الرأي العام.