ترصد وتسقط الطائرات والمسيرات والصواريخ الجوالة

القبة التايوانية.. مشروع دفاع جوي يختبر صبر بكين

القبة التايوانية.. مشروع دفاع جوي يختبر صبر بكين


يتفق الخبراء والمتابعون العسكريون للشأن التايواني بأنّ العلاقات بين تايوان والصين أخذت مسارًا تصعيديًّا خطيرًا، عقب إعلان الرئيس التايواني “لاي تشينغ تي” عن إطلاق مشروع “تي دوم t-dome» لتعزيز قدرات الردع العسكرية في مواجهة الصين والتي يبدو أنّ صبرها حيال التغييرات العسكرية التي قد تخرق موازين في المنطقة بدأ ينفد. 
وخلال احتفال بالعيد الوطني، أشار الرئيس التايواني “لاي تشينغ تي”، والذي تولى منصب الرئاسة في ماي 2024، إلى أنّ بلاده ستتبنى نظام دفاع جوي متعدد الطبقات، وستعمل على تسريع بناء نظام القبة التايوانية وإقامة شبكة دفاع جوي صارمة وقادرة على الرصد عالي المستوى والاعتراض الفعال. 
وأكّد أنّ بلاده تنسج  -ما سماها- “شبكة أمان تحمي حياة وممتلكات المواطنين، داعيًا الصين إلى التخلي عن استخدام القوة لضم الجزيرة. 

منعرَج خطير 
ويؤكد مراقبون للعلاقات الصينية التايوانية، أنّ العلاقات بين الطرفين دخلت منعرَجًا خطيرًا، عقب تولي “لاي” دفة السلطة في البلاد، إذ إنه يعتمد سياسة تصعيدية ضدّ بكين على خلاف باقي الرؤساء السابقين له. 
وحسب المراقبين، فإنّ “لاي”، يؤمن بقدرة “الردع” على خلق السلام في المنطقة، وأنّ الصين لن تتخلى عن فكرة الضمّ القسري- وفق عبارته- إلا عندما تتيقن أنّ فاتورة أي عمل عسكري ستكون باهظة من حيث العتاد والعدّة، ولن تكون بأي جدوى إستراتيجية حقيقية لصالحها. 
ويضيف المتابعون أنّ “لاي”، مقتنع بالنموذج العسكري الذي تقدمه أوكرانيا في حربها ضدّ روسيا، وأنّ نموذج الاستنزاف الذي تعتمده كييف ضدّ القوات الروسية عسكريًّا وضدّ الدولة الروسية اقتصاديًّا وبشريًّا، لا بدَّ أن يُطبق في حال أقدمت بكين على الخيار العسكري ضدّ “تايوان». 
وتتابع المصادر التايوانية المطلعة أنّ الرئيس الجديد يريد من خلال سياساته وتصريحاته الأخيرة التأكيد أنّ بلاده تعلمت وتتعلم الكثير من الدروس العسكرية والإستراتيجية من الحرب في أوكرانيا، حيث إنّ التهديدات هي بالأساس تهديدات جوية وتتكرس من خلال الأنظمة المقاتلة والقاذفات وصواريخ كروز والصواريخ البالسيتية والطائرات المقاتلة. 
وبمقتضى هذا التصور، فإنّ نجاح تايوان في مقاومة أي هجوم صيني يُبنى على منع الهجمات الجوية من تأدية أدوارها والحيلولة دون إلحاق الأذى بالمنشآت العسكرية والإستراتيجية في بلاده.

القبة التايوانية وشبكة الأمان
وخلال حديثها وعرضها لتفاصيل القبة التايوانية، تشير المصادر القريبة من “لاي” إلى أنّ الأخير يتبنى إستراتيجية تأمين الحماية وتقوية الدفاعات ضدّ بكين، وأنّ فكرة القبة التايوانية صارت أولوية له. 
وتضيف أنّ القبة التايوانية ستكون مختلفة عن القبة الحديدية الإسرائيلية التي تم تصنيعها – في مرحلة أولى - لمواجهة الصواريخ قريبة ومتوسطة المدى، وستكون أيضًا متباينة عن القبة الذهبية الأمريكية والتي تركز على صدّ الهجمات بصواريخ فرط صوتية أو النووية من دول كبرى، مثل: الصين وروسيا. 
أمّا القبة التايوانية فإنّها تعمل على نظام “الكاشف المطلق” الذي يرصد ويسقط الطائرات والمسيرات والصواريخ الجوالة، وتهدف إلى دمج منظومات الصواريخ والرادرات ومراكز القيادة في نظام واحد متكامل. 
ولتصنيع هذه القبة، ستعتمد تايوان على قدراتها المحلية في تصنيع الرقاقات والتكنولوجيا، إضافة إلى شراكات إستراتيجية مع شركات دفاع أمريكية. 
وخلال شرحه لمنظومة “القبة الصاروخية التايوانية”، أكّد وزير الدفاع التايواني ويلينغتون كو، أن نظام الدفاع الجوي التايواني الجديد سيدمج قدرات كشف واعتراض متطورة؛ ما يخلق ”شبكة أمان“ على مستوى البلاد ضد الصواريخ والطائرات المسيّرة وغيرهما من التهديدات الجوية الصينية.
ونقل كو عن الرئيس التايواني اعتقاده الراسخ بأنّ منظومة القبة التايوانية لا بدَّ أن تبنى وفق إستراتيجية التحول والانتقال السريع والحيني من “أنظمة الاستشعار إلى أنظمة إطلاق النار” وهو ما يعبر عنه بـsensor to shooter، وذلك بقصد تأمين تكامل الأنظمة لتحقيق النجاعة المطلوبة في التعامل مع تهديدات “العدو”، وفق وصفه. 
ووفق خبراء عسكريين في المجال، فإنّ منظومة “التحول من الاستشعار إلى إطلاق النار”، يشتغل عليها الجيش الأمريكي منذ نحو عقد، وهي عبارة عن آلية عسكرية وتقنية جدّ متطورة تدمج أجهزة الاستشعار مع أنظمة الاستهداف بشكل أكثر فاعلية ونجاعة لتعزيز معدل إصابة الأهداف.
وفي تصريح يؤكد استعداد تايوان لمواجهة عسكرية مع الصين، أشار المصدر ذاته إلى أنّ نظام “القبة التايوانية” يتناسب مع نهج الحرب غير المتماثلة، وهو نهج يسمح للقوات الأقل عددًا من أعدائها، بمرونة أفضل وقدرة على توجيه الضربات وشلّ حركة الخصم.   
وفي سياق التحضير ذاته، لهذه النوعية من الحرب غير المتكافئة، خاضت القوات التايوانية مؤخرًا، تدريبات عسكرية تقوم على محاكاة قيام الجيش الصيني بتوجيه ضربات للموانئ التايوانية الرئيسية مع التدرب على تنفيذ حصار وإجراء مناورات لحاملة الطائرات. 

عوائق أمام القبة التايوانية 
ورغم أهمية الخطوة تايوانيًّا، فإنّ مشاكل عديدة تواجه تنفيذه، وهي أساسًا المشاكل المالية والتقنية والبشرية. 
حيث تؤكد مصادر تايوانية أنّ المشروع يحتاج لموازنة كبيرة، ستزيد في حال إقرارها من حدّة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها تايوان. 
ووفق الجهات ذاتها، فإنّ الانخراط في القبة التايوانية يفترض زيادة تدريجية في موازنة وزارة الدفاع لتبلغ 5 في المائة من الناتج المحلي بحلول 2030، وحتى هذه الزيادة فلن تكون كافية دون دعم مالي أمريكي مباشر.  
أمّا الإشكال التقني فهو متعلق بالمنظومة الإستراتيجية القائمة على ثنائية “الاستشعار وإطلاق النار” وهي منظومة موجودة حصرًا لدى البنتاغون، ولا يبدو أنّ الأخير يقبل بمشاركة هذه الخبرات والمعارف العسكرية المتطورة مع تايوان، ناهيك عن الكلفة الباهظة جدّّا. 
أمّا الإشكال البشري فمتمثل في قلة إقبال فئة الشباب على التجنيد ورفضهم لخيار الحرب مع الصين، وبالتالي فإنّ القوة العسكرية الضاربة التايوانية غير قابلة للمقارنة أصلًا بالقوة البشرية العسكرية الصينية. 

أمريكا وسياسة المشي على حافة الهاوية
أمريكيًّا، تؤكد التقديرات العسكرية والإستراتيجية أنّ واشنطن مترددة – إلى حدّ اللحظة على الأقل- في اختيار واعتماد منسوب الانخراط في الصراع التايواني الصيني.  
وتستنتج التقديرات أنّ واشنطن تعرف جيدًا حساسية الموضوع التايواني بالنسبة لبكين، وأنّ الخيار الأرجح حاليًّا يتمثل في استخدام الورقة التايوانية لإخضاع بكين لشروطها الاقتصادية والتجارية دون الانجرار لحرب ضدّها أو إغلاق باب التفاوض معها.
ويمكن تلمس إستراتيجيا “المشي على حافة الهاوية” في أربعة معطيات مهمة للغاية، أولها تقديم السيناتور الجمهوري – المعروف بقربه من ترامب- جيم ريش، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، مؤخرًا لمشروع قانون “ردع عدوان الصين على تايوان”، يهدف إلى تعزيز جاهزية الولايات المتحدة وحلفائها لفرض عقوبات اقتصادية فورية على الصين، في حال أقدمت على غزو تايوان أو محاولة الإطاحة بحكومتها.
وينص مشروع القانون على تحديد الأهداف العسكرية وغير العسكرية الصينية التي من الممكن فرض عقوبات عليها، كفرض ضوابط على التصدير، أو اتخاذ تدابير اقتصادية أخرى يُمكن تطبيقها بسرعة في حال أقدمت الصين على أي إجراءات لإسقاط حكومة تايوان.
ثانيها، تبني مجلس النواب والكونغرس الأمريكي مؤخرًا لقانون تفويض الدفاع الوطني الجديد وهو قانون يخصص مليار دولار للمساعدات العسكرية الأمريكية لتايوان ويكثف من التدريبات العسكرية معها. 
ثالثها، التصريح اللافت لوزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث أنّ بلاده ستوفر ردعًا موثوقًا به في منطقة المحيطين الهندي والهادي لحلفائها، بما في ذلك منطقة مضيق تايوان، وهو تصريح جاء عقب توصيف الرئيس التايواني الصين للمرة الأولى بأنها قوة أجنبية معادية. 
رابعها، تقرير سري صادر عن الاستخبارات العسكرية الأمريكية يؤكد أنّ الصين تعمل على تعزيز أسطول العبارات التجارية لديها استعدادًا لغزو محتمل لتايوان. 
ولئن مثلت هذه المقدمات مؤشرات على نزعة أمريكية للانحياز لتايوان ضدّ الصين، إلا أنّها لا تعني أبدًا قرارًا أمريكيًّا بالدفاع عن تايوان ضدّ الصين، أو انخراطًا أمريكيًّا في الحرب التجارية والسياسية ضدّ بكين بسبب تايوان.  
ولكنه في المقابل قد يعني إمكانية استخدام ترامب للورقة التايوانية خلال مشاوراته القادمة مع الرئيس الصيني حول قضايا التجارة والتكنولوجيا وتقاسم النفوذ. 

للصبر حدود 
حيال كلّ ما سبق، يبدو أنّ الصبر الصيني بدأ ينفد حيال المواقف التصعيدية من تايوان وأيضًا حيال الموقف الأمريكي المنحاز لتايوان في النزاع القديم المستجد. 
وتؤكد التقديرات الصادرة من بكين أنّ الأخيرة تنظر للقبة الصاروخية التايوانية على أنّها خطوة جديدة وخطيرة نحو الانفصال.  
حيث حذٍّر الرئيس الصيني “شي جين بينغ” من أيّ تحركات انفصالية نحو استقلال تايوان عن بلاده، قائلًا إنّ العدوان يفشل والوحدة تنتصر والسلام يُنتزع بالقوة. كما أجرت القوات الصينية تدريبات ومناورات عسكرية ضخمة في أبريل 2025، في رسالة واضحة لتايوان بأنّها قد تلجأ للخيار العسكري لتبيث تبعية إقليم تايوان لها، وهو الإقليم الذي يتكون من أرخبيل من الجزر ويبلغ عدد سكانه 23 مليون نسمة. ولم تفوت الصين الفرصة لتوجيه رسالة واضحة لواشنطن قوامها أنّها ترفض أيّ سياسات أمريكية نحو دعم انفصال “تايوان».  ودعت بكين واشنطن إلى التوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للصين والكف عن إرسال إشارات خاطئة إلى القوى الانفصالية التي تسعى إلى “استقلال تايوان».وقال المتحدث باسم الجيش الصيني: “مسألة تايوان هي شأن داخلي محض للصين ولا نقبل أي تدخل خارجي. نحن نعارض بشدة إدراج أي محتوى متعلق بتايوان في مشاريع القوانين ذات الصلة في الكونغرس الأمريكي، ونعارض بشدة أي شكل من أشكال الاتصال العسكري بين الولايات المتحدة وتايوان الصينية».