«البيئة… التزام ومسؤولية»
اليوم العالمي للتطوع
يأتي اليوم العالمي للتطوّع ليعيد التذكير أن العطاء ليس فعلًا هامشيًا، بل قيمة إنسانية راسخة تتجذر في أعماق الوعي، وتشكل صلة وصل بين الإنسان وفضائه الطبيعي والاجتماعي، ففي الخامس من ديسمبر من كل عام، يحتفي العالم بأناس يؤمنون بأن الخير يتجاوز حدود الذات، ويمنحون من وقتهم وجهدهم لبناء عالم أكثر توازناً وعدلاً، ويبرز التطوع البيئي باعتباره أحد أرقى أشكال هذا العطاء، لأنه يتوجه مباشرة نحو الأرض التي أنهكتها تقلبات المناخ، واستنزاف الموارد، وتراجع التوازن البيئي، فعندما نزرع شجرة، نحن لا نضيف عنصرًا جماليًا فحسب، بل نعيد للحياة قدرتها على التنفس، وعندما نرفع نفاية من الشاطئ، نحن نمنح البحر جزءًا من حقه في النقاء.
ويتجاوز العمل البيئي الجانب الميداني ليصل إلى نشر المعرفة، لأن الوعي هو حجر الأساس في أي تغيير حقيقي. فالمتطوع الذي يكتب مقالاً، أو يقدّم محاضرة، أو ينشر معلومة موثوقة، إنما يزرع بذورًا من الفهم الذي يتحول لاحقًا إلى سلوك مسؤول، وهكذا يصبح التطوع المعرفي جزءًا من جهد عالمي يهدف إلى بناء مجتمعات أكثر إدراكًا لعلاقة الإنسان ببيئته، وأكثر قدرة على مواجهة التحديات الوجودية التي يفرضها تغيّر المناخ.
وفي هذا الإطار، تشكل "شبكة بيئة أبوظبي" نموذجًا عربيًا رائدًا أثبت أن التطوع يمكن أن يتحول إلى منظومة معرفة متكاملة، فمنذ تأسيسها، حملت الشبكة رسالة تقوم على إتاحة المعرفة البيئية للجميع، وبناء إعلام علمي موثوق يربط بين الفكرة والممارسة، وبين الخبر والمبادرة، وقد توسعت مبادرات الشبكة لتشمل متطوعين يعملون في الكتابة والتوثيق وتنظيم الفعاليات البيئية، مما جعلها منصة ملهمة للباحثين والطلاب وصنّاع القرار والجمهور العام.
إن نجاح شبكة بيئة أبوظبي ليس نتيجة حجمها أو مواردها، بل نابع من صدق رسالتها وإيمانها أن حماية البيئة مسؤولية مشتركة تتطلب تعاونًا مجتمعيًا واسعًا، وفي اليوم العالمي للتطوع، يتجلى أثر هذه التجربة في المدارس والجامعات والمجتمعات التي تبنت ثقافة الاستدامة، وفي الوعي الذي بدأ ينمو بأن الأرض ليست مجرد مساحة نعيش عليها، بل بيتٌ نتقاسم مسؤوليته جميعًا.
وفي النهاية، يبقى المتطوع البيئي شاهداً على أن العطاء قادر على تغيير العالم، وأن كل فعل صغير نحو حماية الطبيعة هو خطوة كبيرة نحو مستقبل أفضل.
عماد سعد
info@abudhabienv.ae