ستجرى رغم الوباء في العاشر من مايو

انتخابات بولندا: ثلاث معارك حاسمة لمستقبل أوروبا

انتخابات بولندا: ثلاث معارك حاسمة لمستقبل أوروبا

-- الخيارات التي توشك بولندا على اتخاذها ستضع أوروبا في مواجهة أسئلة ستحدد مستقبلها
-- أحد أعمق الانقسامات بين مؤيدي دودا وأنصار المعارضة هو الموقف تجاه أوروبا
-- لا توجد حملة انتخابية في حد ذاتها،  حيث لا يُسمح بتنظيم اجتماعات عامة
-- لن يتم تحديد مستقبل المشروع الأوروبي في بروكسل وإنما داخل المجتمعات الأوروبية
-- يعتقد37 %  من البولنديين أن أوروبا تعرّض  القيم البولندية للخطر


بولندا هي مستقبل أوروبا -أو، على الأقل، إن الخيارات التي توشك على اتخاذها ستضع أوروبا في مواجهة أسئلة ستحدد مستقبلها... ثلاث معارك كبرى تدور رحاها الآن.
   الأولى هي الصدام بين الديمقراطية والسلطوية. لقد فتح الوباء الطريق لانحراف غير ليبرالي: في عديد البلدان، كانت غريزة الحكومة هي الرغبة في الاستيلاء على السلطة، على حساب الحريات المدنية واحترام الخصوصية. وحتى أكثر الديمقراطيات رسوخا لم تكن محصنة ضد هذه الإغراءات.
   ولكن في البلدان التي ليس لديها أساس ديمقراطي متين، فإن مستقبل الديمقراطية نفسها بات على المحك -وبولندا على حافة الهاوية.

 ورغم أنه لم يتم الوصول الى ذروة الوباء بعد، فـــإن الحكومـــة الشعبوية القومية لحزب القانون والعدالة، لا تزال ملتزمة بخطتها لإجراء انتخابات رئاسية في 10 مايو، وهدفها هو تأمين انتصار الرئيس المنتهية ولايته، أندريه دودا.

   ويعلم قادة الحزب أن الأزمة الاقتصادية التي ستتبع ذروة الوباء تهدد بتقويض موقع هذا الأخير، المنفذ الأمين لإرادة ياروسلاف كاتشينسكي، زعيم الحزب. وما يقدمه حزب القانون والعدالة على أنه احترام للإجراءات الديمقراطية، هو في الواقع مجرد خدعة اذ لا توجد حملة في حد ذاتها، حيث لا يُسمح بالاجتماعات العامة.
   قام البرلمان بمراجعة قانون الانتخابات في 6 أبريل بحيث يمكن إجراء الاقتراع بالكامل عن طريق المراسلة، الا ان ذلك لا يزال غامضًا ومربكًا: وقبل أقل من ثلاثة أسابيع، لا يعرف البولنديون متى سيصوتون، وحتى هل سيصوتون ام لا. والواقع أن 9 بالمئة فقط من البولنديين يؤيدون انتخابات مايو، وأقل من ثلث السكان يرغبون في المشاركة.    هكذا وُلدت أوتوقراطية كورونا فيروس في أوروبا. فمن خلال تنظيم انتخابات تنتهك المعايير الديمقراطية الأساسية، ستنزلق بولندا إلى أعماق الهاوية. وستصبح شرعية الرئيس موضع تساؤل بحق، وسيبدأ نزاع سياسي مدمر آخر. وفي ظل الوباء، سيسيطر حزب القانون والعدالة أيضًا على المحكمة العليا، وكانت استقلالية هذه المؤسسة في قلب الصراع حول دولة القانون مع بروكسل في السنوات الأخيرة.

   وتتعلق المعركة الثانية بسردية مقاومة كوفيد-19. من سيفوز بها: الاتحاد الأوروبي أم الدولة-الامة؟ إن تقديم النقاش بهذه الطريقة الثنائية هو بالطبع مغالطة تماما. الأوبئة ليست لعبة، ولا يوجد فائز: الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء ليسوا متنافسين بل شركاء. ويعرف طلاب السنة الأولى من الدراسات الأوروبية فكرة ألان ميلوارد عن “الإنقاذ الأوروبي للدولة -الامة”، والتي تنص على أنه إذا استمد الاتحاد الأوروبي جزءً كبيرًا من شرعيته من الدول، فإنه في المقابل، يضمن بدوره الازدهار والاستقرار والنظام الديمقراطي لهذه الاخيرة.

   إن تقديم السياسة الأوروبية على أنها معركة بين بروكسل والعواصم القومية ليس خطأً جوهريًا فحسب، بل خطير أيضًا على المشروع الأوروبي.
   للأسف، هذا ما نراه اليوم. “أنا مقتنع بأن أزمة كوفيد جعلت الكثير من الناس يدركون ضعف الاتحاد الأوروبي والدور الرئيسي الذي تلعبه الدولة-الامة”، هذا ما قاله كازينسكي في مقابلة أجريت معه مؤخرًا، داعياً إلى إصلاح بعيد المدى للاتحاد الأوروبي من شأنه أن يقلل من طموحاته. وقد ردد هذا الرأي رئيس الوزراء البولندي ماتيوز موراويكي، الذي أخبر البرلمان أن بولندا “لم تتلق قرشًا واحدًا من الاتحاد الأوروبي “لمحاربة الفيروس”.  

  وذهب وزير العدل القوي، زبيغنيو زيوبرو، إلى حد القول إن “الاتحاد الأوروبي وضع نفسه في خطر” في هذه الأزمة. ولذلك أرسلت المفوضية الأوروبية رسالة إلى وارسو تعرب فيها عن قلقها بشأن “الثغرات الاتصالية” فيما يتعلق بدور المساعدة المالية للاتحاد الأوروبي.    إن إقامة تعارض وتضاد بين الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، يزيد فقط من مخاطر المعركة الحاسمة الثالثة الجارية بين رؤيتين في غاية الاستقطاب للاتحاد الأوروبي. إنها مسألة اختيار بين مشروع سياسي وجمعية اقتصادية غير رسمية.

   قبل الانتخابات الأوروبية في مايو 2019، عرّف بعض الباحثين هذا الانقسام على أنه الشرخ الرئيسي في مجتمعاتنا، مما يقوض الإجماع الذي يقوم عليه المشروع الأوروبي بأكمله. وقد عاد هذا الخطر، وهو يغذي المقاربات القومية.
   لقد كشف استطلاع جديد للرأي أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية هذا الشهر في بولندا، أن أحد أعمق الانقسامات بين مؤيدي دودا وأنصار المعارضة الديمقراطية هو الموقف من أوروبا. وقد يبدو هذا مفاجئًا نظرًا لأن الدعم لعضوية الاتحاد الأوروبي أقوى في بولندا منه في أي دولة عضو أخرى.

   لكن مسائل أعمق تكشف مدى هذا الاستقطاب. يعتقد 37 بالمئة من البولنديين أن أوروبا تعرّض القيم البولندية للخطر، في حين يرفض 31 بالمئة هذا البيان. وهذا الخوف ملحوظ بشكل خاص بين ناخبي دودا، حيث يشك أكثر من نصفهم في أن أوروبا تعرّض هذه القيم للخطر.     أسئلة أخرى تؤكد مدى الخلاف: حوالي نصف أنصار المعارضة، يعتقدون أن عضوية الاتحاد الأوروبي ستصبح “أكثر أهمية” لبولندا في السنوات القادمة، لكن 23 بالمائة فقط من ناخبي دودا يتقاسمون هذا الرأي.

   ويعتقد ما يقرب من ثلثي المتعاطفين مع الرئيس، أن القانون البولندي يجب أن يعلو دائمًا على القانون الأوروبي، ويعتقد ما يقرب من الثلثين أنه لا يجب تطبيق قرارات محكمة العدل الأوروبية تلقائيًا. وحول هذه النقطة، ينقسم المجتمع البولندي: تريد الغالبية العظمى من أنصار المعارضة احترام أحكام أعلى محكمة في أوروبا.
  من ناحية أخرى، يقول 60 بالمئة من مؤيدي دودا أنهم في عالم اليوم يعتمدون بشكل أساسي على الدولة البولندية لمواجهة التحديات، بينما يعتمد أنصار المعارضة بشكل أساسي على الاتحاد الأوروبي.

   هذه المعارك الثلاث من اجل أوروبا ستتفاقم وتعزز بعضها البعض في سياق الوباء وعواقبه. لن يتم تحديد مستقبل المشروع الأوروبي في بروكسل وانما في المجتمعات الأوروبية. وهذا هو السبب في أن الصراع الثالث -الاستقطاب الناشئ بين الرؤى المتنافسة للاتحاد الأوروبي -هو الأكثر أهمية. ولكن يصعب أن نرى كيف يمكن أن ينتصر في هذه المعركة أنصار أوروبا القوية وذات السيادة، إذا لم يقودوا ايضا المعركة على الجبهتين الأخريين، حيث الديمقراطية نفسها وسردية أزمة فيروس التاجي مهددة. ان بولندا اليوم هي ساحة المعركة حيث تدور هذه الصراعات الثلاثة... وإن مسألة من سيفوز هي مسألة تخص كل أوروبا.
مدير مكتب وارسو للمجلس الأوروبي للعلاقات الدولية، وهو مركز أبحاث معترف
 به دوليًا.


 

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot