وفاة أيقونة السينما الفرنسية عن 91 عاما
بريجيت باردو من رمز للتحرّر إلى حاملة لواء الرفق بالحيوان
الرئيس الفرنسي وصفها بأنها "أسطورة" كانت تجسد حياة الحرية
توفيت أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو، النجمة العالمية والمدافعة الشرسة عن حقوق الحيوان، المعروفة بتصريحاتها المثيرة للجدل، عن 91 عاما بعد سنوات طويلة من الغياب عن عالم الشهرة والفن السابع.
فقد أعلنت مؤسسة بريجيت باردو "ببالغ الحزن والأسى وفاة مؤسستها ورئيستها بريجيت باردو، الممثلة والمغنية العالمية الشهيرة التي اختارت التخلي عن مسيرتها الفنية المرموقة لتكريس حياتها وجهودها لرعاية الحيوانات ودعم مؤسستها"، وذلك في بيان لوكالة فرانس برس.
وأكدت المؤسسة لوكالة فرانس برس أن الممثلة المعروفة خصوصا بدوريها في فيلمي "Et Dieu... crea la femme" ("وخلق الله المرأة") وLe mepris ("الازدراء")، توفيت صباح الأحد في دارتها الشهيرة "لا مادراغ" بمدينة سان تروبيه الساحلية في جنوب فرنسا.
وكانت قد دخلت المستشفى في تولون بجنوب شرق فرنسا في تشرين الأول/أكتوبر لإجراء عملية جراحية لم يُكشف عن طبيعتها، ثم عادت إلى منزلها في سان تروبيه للراحة.
نعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون النجمة الفرنسية عبر منصة إكس واصفا إياها بأنها "أسطورة" كانت تجسد "حياة الحرية.
وأشادت وزيرة الثقافة رشيدة داتي بها على المنصة نفسها بباردو، واصفة إياها بأنها "أيقونة بين الأيقونات، حرة وفرنسية بامتياز".
كذلك، أشادت مارين لوبن، زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الذي لم تخفِ باردو علاقاتها الوثيقة به، بالممثلة الراحلة واصفة إياها بأنها امرأة "فرنسية بكل معنى الكلمة: حرة، لا تُقهر، ومخلصة".
ونعت بلدية سان تروبيه النجمة الراحلة قائلة إن بريجيت باردو ساهمت في جعل المدينة "تتألق في جميع أنحاء العالم"، و"ستبقى ذكراها خالدة في قلوبنا".
في السنوات الأخيرة، اشتُهرت بريجيت باردو التي شكلت رمزا للتحرر في فرنسا خلال خمسينيات القرن العشرين، بتصريحاتها الجريئة حول السياسة والهجرة والنسوية والصيد، وقد دينت بتهمة الإدلاء بإساءات عنصرية على خلفية بعض مواقفها.
كانت بريجيت باردو أشبه بمارلين مونرو الفرنسية، شقراء مثلها، بجمال آسر وحياة خاصة مضطربة، مطاردة من المصورين.
كانت مارلين "امرأة تعرّضت للاستغلال ولم يفهمها أحد، وماتت في النهاية بسبب ذلك"، بحسب توصيف باردو التي التقتها في العام 1956.
لكن باردو حاولت تفادي تكرار هذا الخطأ، إذ سلكت دربا مختلفا في التاسعة والثلاثين من عمرها، تاركة وراءها نحو خمسين فيلما ومشهدين حُفرا في الذاكرة السينمائية.
لم يكن هناك ما يُهيئ بريجيت في شبابها لهذا الدرب، إذ وُلدت لعائلة برجوازية باريسية عام 1934، وكانت شغوفة بالرقص وجرّبت حظها في عرض الأزياء.
وفي الثامنة عشرة من عمرها، تزوجت من حبها الأول، المخرج روجيه فاديم الذي أسند إليها دور جولييت في فيلم "وخلق الله المرأة" الذي أثار صدمة لدى عرضه ورسّخ مكانتها كرمز للإغراء.
بعد نجاح الفيلم، انطلقت في سلسلة من المشاريع السينمائية التي أثارت فيها الجدل وتعرّضت من خلالها إلى ضغوط الشهرة.
في عام 1960، في أوج شهرتها، أنجبت ابنها الوحيد نيكولا في ظل متابعة واسعة من الصحافة. وقد كانت التجربة مؤلمة بالنسبة للممثلة التي قالت إنها تفتقر لغريزة الأمومة، فتركت زوجها جاك شاريه يربّي ابنهما.
تزوجت لاحقا من الألماني غونتر زاكس، المليونير المُولع بالنساء، ثم من الصناعي برنار دورمال، أحد مؤيدي الجبهة الوطنية.
في مقابلة أجرتها في أيار/مايو مع قناة "بي اف ام تي في" الإخبارية، صرّحت باردو بأنها تتوق إلى "السلام والطبيعة" وأن تعيش "كمزارعة"، مع حيواناتها، من دون "هاتف محمول أو حاسوب".
في تشرين الثاني/نوفمبر، وبعد أن أشارت تقارير صحافية إلى دخولها المستشفى للمرة الثانية في أسابيع قليلة، طمأنت بريجيت باردو الجمهور بشأن صحتها.
تجاوزت بريجيت باردو صفة الممثلة، فأصبحت في ستينات القرن العشرين نجمة عالمية جسّدت التحرر الجنسي، قبل أن تختار حياة مختلفة كرّست فيه نفسها للدفاع عن حقوق الحيوان، وكانت لها مواقف ذات توجهات يمينية متطرفة.
ساهمت باردو بفضل الشهرة العالمية التي اكتسبتها في جعل شواطئ منطقتي سان تروبيه الفرنسية وبوزيوس البرازيلية أسطورتين سياحيتين، وأرست أسلوبا في اللباس يتميز بالأحذية المسطحة، والقمصان المخططة المعروفة بالـ"مارينيير"، والفساتين أو التنانير المطبعة بالأنماط المربعة، ومثّلت صورة المرأة الحرة "التي لا تحتاج إلى أحد".
وقالت النجمة لوكالة فرانس برس عام 2024، بمناسبة عيد ميلادها التسعين "أنا فخورة جدا بالجزء الأول من حياتي الذي نجحت فيه والذي يوفّر لي راهنا سمعة طيبة على مستوى العالم، مما يساعدني كثيرا في حماية الحيوانات".
تابعت الشابة المتحدرة من عائلة برجوازية دروسا في الرقص، ثم دخلت مجال عرض الأزياء، وفي الثامنة عشرة بدأت المرأة التي عٌرفت لاحقا بالحرفين الأولين من اسمها (ب.ب.) تشقّ طريقهعا في عالم السينما.
وفي 1956، عندما كانت في الثانية والعشرين، برزت في فيلم من إخراج زوجها روجيه فاديم "إيه ديو كريا لا فام" Et Dieu... crea la femme ("وخلق الله المرأة").
وأثار هذا الفيلم الذي رقصت فيه على طاولة، حافية القدمين بشعرها المنسدل وتنورتة طويلة مفتوحة، ضجة كبيرة، ولم يلقَ في البداية استحسانا في فرنسا، لكنه تحوّل ظاهرة في الولايات المتحدة، وبفضله ولدت أسطورة بريجيت باردو.
وساهمت الممثلة التي أصبحت مثلا أعلى تحتذي به شابات تلك الحقبة في تحقيق تحرر جسدي في مجتمع كانت القيود لا تزال سائدة فيه، وأصبحت النجمة الصاعدة هدفا لانتقادات ذوي التوجهات المحافِظة.
أما الكاتبة والمفكرة الفرنسية سيمون دو بوفوار التي كانت من أبرز شخصيات الحركة النسوية، فأعجبت بها لكونها "تمشي حافية القدمين، وتتخلى عن الملابس الأنيقة، والمجوهرات، والعطور، والتبرّج، وكل مظاهر التكلف (...) وتفعل ما يحلو لها".
- مصورون في زي أطباء -
ولشدّة ما كان المصورون يلاحقون باردو، لم تعد لحياتها أية خصوصية، حتى عندما وضعت مولودها عام 1960.
وروَت بعد سنوات "كانت الهستيريا التي كانت تحيط بي أشبه بالجنون. فعندما أقيمت غرفة الولادة في منزلي، وقف المصورون عند النوافذ، وبعضهم تنكروا في زي أطباء ليلتقطوا لي صورا مفاجئة".
وأشارت إلى أن رَبطَها ولادة ابنها الوحيد نيكولا "بهذه الصدمة" أثّر على علاقتها به التي لم تتطور إلا في وقت لاحق من حياتها، بعدما تولى والده الممثل جاك شارييه تربيته.
وبلغ عدد أزواج النجمة أربعا هم، إضافة إلى روجيه فاديم وجاك شارييه، كل من المليونير الألماني غونتر زاكس، والصناعي برنار دورمال الذي رافقها في المرحلة الأخيرة من حياتها.
وقال عنها زوجها السابق روجيه فاديم إن "شخصيتها في الحياة كانت تتسم بالحرية نفسها التي تجسدها شخصيتها في فيلم +وخلق الله المرأة"، إذ "كانت بنت عصرها، وتحررت من كل مشاعر الذنب، ومن كل المحرمات التي يفرضها المجتمع".
وتجلى هذا التحرر على الشاشة في "لو ميبري" Le Mepris للمخرج جان لوك غودار عام 1963.
- الابتعاد عن الأضواء -
وبعد أن أنهكت الشهرة الممثلة المولودة في 28 أيلول سبتمبر 1934، أنهت فجأة مسيرتها الفنية عام 1973 لتتفرغ لقضية الرفق بالحيوان.
وتركزت حياتها الجديدة في جنوب فرنسا، وتوزعت بين دارتها "لا مادراغ" La Madrague في سان تروبيه التي ساهمت في تحويلها من قرية صيادي سمك هادئة إلى وجهة للمشاهير، ومنزلها الثاني المنعزل في الريف "لا غاريغ" La Garrigue.
ومن دون ضجة، كانت تؤوي في "لا غاريغ" حيوانات معرضة للخطر، وتدير منها مؤسستها التي أسستها عام 1986.
وشملت القضايا التي ناضلت من أجلها حماية صغار الفقمة، وإغلاق مسالخ الخيول، والدفاع عن الأفيال الإفريقية.
مع تقدمها في السن، تبنت مواقف اليمين الفرنسي المتطرف، وجاهرت بعلاقاتها الوثيقة مع زعيمة حزب الجبهة الوطنية (الذي أصبح لاحقا حزب التجمع الوطني) مارين لوبان، ودعمتها علنا خلال الانتخابات الرئاسية عام 2012، واصفة إياها بـ"جانّ دارك القرن الحادي والعشرين".