بسبب «الحزام والطريق».. بكين تهيمن على المعادن الثمينة في 3 قارات

بسبب «الحزام والطريق».. بكين تهيمن على المعادن الثمينة في 3 قارات

أرجع محللون قرار بكين الصادر بفرض قيود صارمة على تصدير 5 معادن ثمينة جديدة، إلى الهيمنة الاحتكارية التي باتت تفرضها على منظومة المعادن الثمينة.
وما كان لهذه السيطرة أن تحصل، دون نجاح مبادرة “الحزام والطريق” في فرض الصين كرقم صعب في مجال الاقتصاد والاستثمار بعد انضمام غالبية دول أفريقيا وآسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية لها ونجاحها في رسم معادلات سياسية وعسكرية واقتصادية جديدة في القارات الثلاث.وأضافت الصين 5 عناصر نادرة جديدة إلى قائمة المواد الخاضعة للرقابة، وهي: “الهولميوم” و”اليوروبيوم” و”الايتربيوم” و”الثوليوم” و”الإيربيوم”، هذا بالإضافة إلى عشرات من معدات التعدين، والتكرير، والتصنيع، المتعلقة بها.
ووفق الخبراء، فإنّ هذه المعادن متأتية من دول في آسيا على غرار (ميانمار) أو في القارة الأفريقية على غرار النيجر ومالي وتشاد وبوركينافاسو ومالي وغيرها، وهي دول تمكنت الصين بفضل مبادرة “الحزام والطريق” من السيطرة على معادنها الثمينة والنادرة بفضل إبرام شراكات اقتصاديّة طويلة المدى وبناء تحالفات سياسية وعسكرية واستثمارية مركبة ومتشابكة معها.
وفرضت مبادرة “الحزام والطريق” الصين كلاعب اقتصادي كبير على الساحة الدولية، وذلك بعد انضمام أكثر من 150 دولة و30 منظمة دولية للمبادرة، التي أعلنها الرئيس الصيني شي جي بينغ في 2013.

مستويات قياسية
وعلى الرغم من ندرة الأرقام والإحصائيات الرسمية الصينية حول تقدم مبادرة “الحزام والطريق”، إلا أنّ جهات اقتصادية مرموقة تؤكد أنّ قيمة الاستثمارات الجديدة التي نفذتها الشركات الصينية لدى الدول التي تقع ضمن المبادرة بلغت في 2025 مستويات قياسية.ووفقاً للدراسة التي نشرتها جامعة جيريفيث الاسترالية، ومركز التمويل والتنمية الخضراء ومقره بكين، فقد بلغت استثمارات الصين وعقود التشييد في الدول الأعضاء بالمبادرة مستوى الـ124 مليار دولار عبر 176 صفقة خلال الأشهر الستة الأولى فقط من 2025، وهو ما يتجاوز بمستويات كبيرة مبلغ 122 مليار دولار المسجل عن إجمالي العام الماضي.
وتشير الدراسة إلى أنّ قيمة العقود والاستثمارات في ظل “الحزام والطريق” بلغت، خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، 1.3 تريليون دولار، وهو مبلغ مقسم ما بين عقود البناء بقيمة 775 مليار دولار، وبين قطاع الاستثمارات غير المالية بقيمة 533 مليار دولار.
كما كشفت أن مشاركة الصين في مجال الطاقة خلال 2025، كانت الأعلى منذ إطلاق المبادرة، إذ حظيت أفريقيا بنصيب الأسد من حيث قيمة الاستثمارات وعقود البناء في هذا المجال بواقع 39 مليار دولار، فيما تم إفراد آسيا الوسطى بـ25 مليار دولار.

تغيير الخرائط
ويعتبر الخبراء أنّ مبادرة “الحزام والطريق” مكنت الصين من التوسع الاقتصادي والسياسي والعسكري في كافة أصقاع العالم، ومن الوصول إلى الحدائق الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية.
ويرون أنّ الطفرة الاقتصادية الحاصلة في المبادرة، تعود في جزء اساسي منها إلى السياسة الجمركية القاسية للولايات المتحدة الامريكية ضدّ باقي دول العالم، وهي سياسة حمائية دفعت بالكثير من هذه الدول إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الصين، والانضواء في صلب هذه المبادرة.
ولفت الخبراء، إلى أنّ أمريكا فشلت في فرض قراراتها على دول أمريكا الجنوبية والكاريبي، فعندما طالبها الرئيس دونالد ترامب بالخروج الفوري من هذه المبادرة، لم تستجب له إلا بنما. 
وبحسب الخبراء، فإنّ المبادرة أطلقت اليد الصينية في القارات الثلاث أي الأفريقية والأمريكية (تحديد الجنوبية منها)، والآسيوية بمعنى آسيا الوسطى.

آسيا الوسطى
وبالنسبة لآسيا الوسطى ممثلة في الدول الخمس الكبرى “كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان وأوزباكستان”، شرعت الصين في توسيع تعاونها مع هذه الدول في المجالات الاستثمارية المهمة. 
واتفقت هذه الدول مع الصين على تحديد عامي 2025 و2026، كعامين للتنمية عالية الجودة، مع ضرورة التركيز على “التجارة السلسة” والاستثمار الصناعي والتعدين الأخضر والتحديث الزراعي.
كما قررت الصين إنشاء 3 مراكز تعاون، بشأن للحد من الفقر ومقاومة التصحر والتجارة السلسة بين الصين وآسيا الوسطى.
وفي دلالة على ارتباط الاقتصادي بالسياسي وبالعسكري بالنسبة لبكين في مبادرة “الحزام والطريق”، دعا الرئيس الصيني، هذه الدول إلى تعميق التعاون لمنع وإحباط الأيديولوجيات المتطرفة، و”محاربة الإرهاب”، والانفصالية، والتطرف، بحزم للمحافظة على السلام والاستقرار في المنطقة. 

إطلالة على الأطلسي
وفي الطرف الآخر من العالم، فتحت المبادرة المجال أمام الصين، ليس فقط لإبرام تحالفات اقتصادية وسياسية قوية مع الدول الأفريقية واللاتينية، بل أيضاً لفرض هيمنة وسيطرة شبه كاملة على منظومة المعادن النادرة والثمينة، والإطلال على المحيط الأطلسي من ضفتيه الشرقية (غرب أفريقيا)،
 والغربية (منطقة الكاريبي ودول أمريكا الجنوبية).وبحسب مراقبين ومتابعين للمشهد الاقتصادي والسياسي في أمريكا الجنوبية ومنطقة الكاريبي، فمن الواضح أنّ الصين وجدت في هذه المنطقة مجالاً مواتياً “للتوسع السهل” نسبيا، بالنظر للتراث السياسي المناوئ للولايات المتحدة الأمريكية والمرحب بأي قوة غير استعمارية، وهو ما يسّر وجودها وتمركزها في الحدائق الخلفية لواشنطن.  
وتُشير الدراسات الاقتصادية للواقع الاستثماري في المنطقة اللاتينية، إلى أنّ الصين نجحت في تعزيز نفوذها الاقتصادي في منطقة أمريكا اللاتينية عبر مجموعة من السياسات الاستراتيجية،
 وأنها بذلك صارت، اليوم، أحد أكبر الشركاء التجاريين لعدد من دول أمريكا الجنوبية، مثل: البرازيل، وتشيلي، وبيرو.
وتضيف أنّ الصين استثمرت بشكل كبير في مجالات استراتيجية على غرار الطاقة والتعدين والزراعة، والبنية التحتية، مثل بناء الموانئ،
 وتمويل مشاريع السكك الحديدية، وشبكات الكهرباء، كما صارت وجهة رئيسة لصادرات السلع الاولية من المنطقة على غرار فول الصويا، والنحاس، والليثيوم، والنفط، فيما تتدفق عليها الصادرات الصينية من إلكترونيات، وهواتف ذكية، ومعدات صناعية، وسلع استهلاكية عديدة جدّا.أمّا في القارة الأفريقية،
 فإنّ مبادرة “الطريق والحزام” مكنّت الصين من إطلالة على البحر الأحمر من خلال موانئ جيبوتي، وعلى المحيط الأطلسي، من خلال موانئ موريتانيا.
وبحسب متابعين أفارقة، فإنّ الصين باتت اللاعب الأساس في مجال استخراج المعادن الثمينة والنادرة، وفي المشاريع المتوسطة والعملاقة، وفي البنية التحتية.
وخلال عقد واحد فقط، أي خلال الفترة الممتدة ما بين 2013 و2023، وقعت الشركات الصينية عقودا تزيد على 700 مليار دولار، في ميادين شتّى. 
وشكل انسحاب القوات الأممية، والفرنسية، والأمريكية، من النيجر ومالي وبوركينافاسو، فرصة حقيقية للتمدد الصيني عسكريا – من خلال التدريب والتسليح وأيضاً عبر الشركات الصينية الأمنية- واقتصادياً من خلال السيطرة على منظومة استخراج المعادن النادرة هناك.