بعد 10 أشهر من التصعيد «المحسوب».. ترامب وشي يبدأان حرب «الاحتمالات المفتوحة»

بعد 10 أشهر من التصعيد «المحسوب».. ترامب وشي يبدأان حرب «الاحتمالات المفتوحة»


يدخل الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين مرحلة “الاحتمالات المفتوحة” بعد نحو عشرة أشهر من التصعيد والهدن المؤقتة منذ عودة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض في يناير- كانون الثاني الماضي.
ومنذ فبراير- شباط الماضي شهدت الحرب التجارية تصعيداً سريعاً، بدءاً من فرض رسوم جمركية جديدة، مروراً بتبادل الردود في مارس وأبريل، وصولاً إلى هدن مؤقتة في مايو وأغسطس، وعبر سلسلة طويلة من المواقف الحادة المتبادلة التي تُنذر بإعادة ترتيب الاقتصاد العالمي.
ووسط التجاذب الحاد، يتوقع أن تشهد كوريا الجنوبية قمة استنثائية هذا الشهر بين ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ، وذلك على وقع التصعيد الأخير، عندما أعلنت بكين عن ضوابط تصدير جديدة وواسعة النطاق للمعادن النادرة التي تُعدّ أساسية لتطبيقات الدفاع والتكنولوجيا الأمريكية.
ومع غياب أفق واضح لمستقبل الصراع التجاري بين القوتين العظميين، اقتصادياً وعسكرياً، فإن ظلالاً ثقيلة ستلقيها هذه الحرب ستؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد لكلا الطرفين، مع تأثيرات سلبية على التجارة العالمية، الابتكار، والاستقرار الجيوسياسي.

نمو متعثر وأضرار متبادلة
يتوقع تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية أن تكون الحرب التجارية في إدارة ترامب الثانية أكثر شدة من الدورة الأولى في 2018، مشيرة إلى أن هذا تجلى في الرسوم الجمركية العالية التي وصلت إلى 245% على الواردات الصينية، مقابل ردود صينية وصلت إلى 125% على المنتجات الأمريكية.
ومن شأن هذه الرسوم أن تمثّل “حظراً تجارياً متبادلاً”؛ ما يعني انخفاضاً حاداً في التجارة بين أكبر اقتصادين في العالم، كما يصف جورج ماغنوس، الباحث في مركز الصين بجامعة أكسفورد، الحرب التجارية المتبادلة بأنها “مؤذية للجانبين».
وانخفضت الصادرات الأمريكية إلى الصين 150 مليار دولار بشكل سريع؛ ما ساهم في ركود خفيف خلال الصيف، بينما انخفضت الصادرات الصينية 440 مليار دولار بنسبة تصل إلى 75% خلال 18 شهراً، مع تعثّر مسار التفاوض. 
من جانب الصين، أظهر الاقتصاد مرونة مفاجئة في النصف الأول من العام الحالي، مع نمو الناتج المحلي الإجمالي 5.2% في الربع الثاني، متجاوزاً التوقعات رغم الضغوط. 
لكن الخبراء يعزون ذلك إلى تدابير الدعم الحكومية مثل الإنفاق على البنية التحتية والإعانات الاستهلاكية، بالإضافة إلى “تحميل الصادرات مسبقاً” خلال فترات الهدنة لتجنب الرسوم.
ومع ذلك، يتوقع وي ياو، خبير اقتصادي في سوسيتيه جنرال، أن يتدهور الوضع في النصف الثاني من هذا العام مع تلاشي زخم الصادرات وظهور تأثيرات الرسوم بشكل أوضح؛ ما يهدد هدف النمو السنوي بنسبة 5%. 
 أما في الولايات المتحدة، فقد حققت الرسوم إيرادات تجاوزت 100 مليار دولار (5% من الإيرادات الفيدرالية)، لكن مع آثار سلبية أدّت إلى رفع الأسعار والضغط على الدخل الأسري.

48 ساعة ساخنة
بعد نحو شهرين من هدنة، انقلبت الأمور رأساً على عقب في 10 أكتوبر الجاري، عندما أعلنت بكين عن ضوابط تصدير جديدة وواسعة النطاق للمعادن النادرة، ليردّ ترامب بسلسلة من التصريحات والوعيد برفع “جديد” للرسوم الجمركية، والتلويح بإلغاء القمة مع شي.
ووفق صحيفة “واشنطن بوست”، فقد أشارت الساعات الثماني والأربعون تلك إلى حقبة وشيكة من الاحتكاك المتزايد مع تحول القوى العظمى من المنافسة مع التعاون العرضي إلى الصدامات والصراع الصريح.
وتسيطر الصين على حوالي 70% من مناجم المعادن الأرضية النادرة في العالم، و90% من عمليات المعالجة العالمية. وكان من المتوقع تماماً أن تستخدم هذه القوة السوقية كورقة ضغط عندما افتعل ترامب خلافاً مع شي في وقت سابق من هذا العام.
وفي الوقت نفسه، للصين نقاط ضعفها الخاصة؛ إذ تهيمن الولايات المتحدة على أشباه الموصلات وبرمجيات تصميم الرقائق، وهي منتجات لا تستطيع الصين تصنيعها محلياً بعد، وتحتاج إلى المنافسة في طفرة الذكاء الاصطناعي. كما تظل الولايات المتحدة أكبر سوق استهلاكية في العالم، وتمثل حوالي 15% من صادراتها.
لكن “الحقيقة المُرة” التي تستنتجها “واشنطن بوست” هي أن الولايات المتحدة والصين ستظلان، في المستقبل المنظور، يعتمد كل منهما على الآخر، وأن الحرب التجارية ليست في مصلحة أي، من البلدين، معتقدة أن الانفصال غير واقعي، على الأقل في أي وقت قريب، ومن الأفضل أن تعود واشنطن وبكين إلى الحوار.

نبرة التحدي
لكن تقرير “نيويورك تايمز” يستبعد أي فرص قريبة للحل، خصوصاً مع القوة التي تشعر بها بكين و”العناد” الذي يظهره ترامب، مرجّحة أن تمتدّ الأعمال العدائية الجديدة إلى ما هو أبعد من التجارة، وقد تؤثر أيضاً على مجالات أخرى كان البلدان يأملان في تحقيق تقدم فيها في علاقتهما، مثل الاتصالات العسكرية وإدارة الذكاء الاصطناعي.
وأظهرت التوترات التجارية الجديدة أن الولايات المتحدة والصين تُعرّفان التنافس بينهما بطرق مختلفة جذرياً؛ إذ يرى  ترامب أنه يمكن معالجة قضايا مثل التجارة والتكنولوجيا بشكل منفصل، أي أن الولايات المتحدة تتوقع أن تتمكن من مواصلة تصعيد قيودها التكنولوجية، مع السعي إلى إبرام صفقة تجارية كبرى بين البلدين.
لكن بالنسبة للصين، تشكل التجارة والتكنولوجيا جزءاً مما تعتبره بكين جهداً شاملاً من جانب الولايات المتحدة لقمع بكين؛ وهو ما يدفع “نيويورك تايمز” إلى التحذير من أن “المواجهة الشاملة” بين البلدين تقترب وتتصاعد بشكل خطير.

«استراتيجية الصفقات” تتعثر
ويبدو أن الاستراتيجية التي يفضلها ترامب لعقد صفقات فردية مع الحلفاء والخصوم، والتي كانت بمثابة السمة المميزة لـ “سحره” تواجه إمكانية التعثر مع الصين التي ربّما كشفت عن “هشاشة” هذا النهج، بحسب وكالة بلومبرغ».
ويمكن للولايات المتحدة أن تتفاوض بسهولة أكبر مع الدول الأصغر حجماً التي هي في وضع أضعف، ولكن عندما يتعلق الأمر بدول أكبر مثل الصين، فإن الاستجابات الجماعية تكون أكثر فعالية، وفقاً لـ “بلومبرغ».
وأثار ترامب فكرة أنه قد لا يلتقي “شي” في كوريا الجنوبية بسبب التصعيد، لكن يعتقد الخبراء أن الإعلان الصيني وردّ ترامب جزء من المفاوضات التي تسبق اللقاء الفعلي. إلا أن القلق يساور الكثيرين، بمن فيهم المتشددون ومسؤولون سابقون في إدارة ترامب، من أن نفوذ الصين أقوى من أي وقت مضى.

مستقبل القمة و”الصفقة الواحدة»
أطلق ترامب إشارات متناقضة حول مستقبل لقائه مع نظيره الصيني، لكن تقارير غربية ترجح انعقاد القمة بالنظر إلى سوابق الرئيس الأمريكي في التراجع عن العديد من التصريحات، وأنه قد يكون لها دور في تحويل الهدن المؤقتة إلى اتفاق دائم، لتجنّب الأضرار على الجانبي.
بالنسبة لـ “شي”، ووفق شبكة “سي إن إن”، ستكون القمة فرصة لعرض الصين كشريك مسؤول، كما في خطاباتها في الأمم المتحدة حيث تروج لتجارة أكثر عدلاً مقابل تراجع ترامب. 
وبالطبع ستُركز القمة على قضايا جوهرية مثل الرسوم الجمركية، ضوابط التصدير، والتوازن التجاري، وأزمة المعادن المتفاعلة، لكن تقريراً سابقاً لصحيفة “الغارديان” في سبتمبر الماضي، كان حذّر من أن ترامب قد يقدم “تنازلات كبيرة” في ملف تايوان، الجزيرة التي تدّعي الصين ملكيتها.
وكان ترامب أعطى إشارات سلبية لتايوان بوقف مساعدات أسلحة بقيمة 400 مليون دولار، بعيد مكالمة أجراها مع “شي”؛ ما عزّز حينها من توقعات بصفقة “تنازل”، تقوّض الحكم الذاتي لتايبيه.
ووفق وكالة “أسوشيتد برس” تخشى تايوان أن “يُجبر” ترامب على دعم مبدأ الصين الواحدة، الذي تتبناه بكين،
 والذي يُقرّ بسيادتها على الجزيرة.
 كما تخشى من أن يُصرّح الرئيس الأمريكي بأيّ تصريح يدعم “التوحيد”، خصوصاً في ظل سعيه المحموم لعقد صفقات متعددة مع “شي” تغلق الملفات الكثيرة العالقة بين الدولتين.