إشارات إلى غياب أي نوع من الشراكة الفعلية بينهما

تقرير: الروس والإيرانيون متنافسون لا شركاء

تقرير: الروس والإيرانيون متنافسون لا شركاء


دحض الكاتب السياسي إسفنديار باتمانقليدج فكرة وجود شراكة بين روسيا وإيران. وتعليقاً على قول مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إن إيران على وشك بيع “مئات عدة” من الدرونز إلى روسيا، دعا في موقعه “بورس أند بارزار” المخصص للشؤون الإيرانية إلى أخذ المزاعم الأمريكية بجدية.
لكن هنالك أسئلة كبيرة بشأن ما إذا كانت إيران قادرة على إتمام صفقة كهذه لو توفرت النية. لقد استثمرت إيران بشدة في تطوير قدراتها على مستوى المسيّرات كجزء من نهجها الدفاعي اللاتماثلي، لكن ثمة أدلة قليلة إلى امتلاكها القدرة على إنتاج “المئات” من الدرونز بناء على إخطار سريع.
مبالغات
في 2019، أصدرت وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية تقييماً للقوة العسكرية الإيرانية وجد أنه “على الرغم من التطورات في إمكانات تصنيع الطائرات بلا طيار، تبقى إيران معتمدة على المحركات المصنوعة في الغرب لدعم إنتاجها من الطائرات بلا طيار. تطور إيران محركاً محلياً للطائرات بلا طيار لكنها تعاني من مشاكل في الجودة”. ورأى باتمانقليدج أنه ما لم تحقق إيران خرقاً في الصناعة المحلية لأجزاء أساسية من المسيرات، يبقى هنالك تضخيم في التهديد الصادر عن التحذيرات الأمريكية بشأن مبيعات الأسلحة الإيرانية إلى روسيا.

لماذا قد تتعثر الصفقة المفترضة؟
يفترض باتمانقليدج جدلاً أن إيران تملك النية والوسيلة لإنتاج الدرونز وتصديرها إلى روسيا. حتى عندها، ثمة ما يكفي من الأدلة لاقتراح تعثر الصفقة. سجل مبيعات الأسلحة بين إيران وروسيا كئيب. في 2007، وقعت إيران عقداً عسكرياً بقيمة 800 مليون دولار مع روسيا لشراء منظومة أس-300 الروسية. علقت روسيا الاتفاق في 2010 امتثالاً للعقوبات الأممية وحاولت إيران مقاضاة روسيا بأربع مليارات دولار. تم تسليم المنظومة أخيراً في 2016، لكن ملحمة أس-300 برهنت للعديد من المشرعين الإيرانيين أنه لم يكن بالإمكان الوثوق بالروس. ولم يكن بالإمكان تلميع هذه السمعة عبر تقارير تفيد بأن روسيا كانت تسمح لإسرائيل بضرب أهداف في سوريا.
يسلك غياب الثقة مساراً معاكساً أيضاً. روسيا هي المتعاقد الأساسي لبناء منشأة بوشهر النووية لتوليد الطاقة. كان التعاون حول هذا المشروع المهيب مضطرباً. نشرت صحيفة الشرق الإصلاحية الأسبوع الماضي على صفحتها الأولى مقابلة مع السفير الروسي في طهران ليفان جاغاريان. سئل السفير عن الانقطاعات المتكررة في الطاقة التي تعاني منها المنشأة في بوشهر. توتر السفير واشتكى من أن المشكلة الحقيقية تكمن في كون إيران مدينة لروسيا بـ”مئات الملايين من اليورو”. يتمتع جاغاريان بالكثير من الخبرة وقد تم تعيينه في إيران منذ أكثر من عقد. إن عدم قدرته على إكمال مقابلة بسيطة من دون انتقادات شخصية يوضح مدى ضآلة العلاقات بين روسيا وإيران.

نمو تجاري... مخادع
لفت باتمانقليدج إلى أن العلاقات الاقتصادية بين الدولتين تشير أيضاً إلى غياب أي نوع من الشراكة الفعلية بينهما. شدد مسؤولون مؤخراً على نمو التجارة بين الدولتين ذاكرين فرصاً خلقها انسحاب الشركات الغربية من الأسواق الروسية والإيرانية معاً. أشار هؤلاء إلى ارتفاع في التجارة الثنائية حتى بلغت 4 مليارات دولار في 2021. وأصبحت روسيا السنة الماضية واحداً من أكبر خمسة مصدرين إلى إيران. لكن هذا النمو مخادع ولا يمثل تعمق الشراكة الاقتصادية.
أولاً إن الرقم 4 مليارات دولار هو مستوى بائس من التجارة بين اقتصادين بهذا الحجم. على سبيل المقارنة، تمثل التجارة الإيرانية مع العراق ثلاثة أضعاف حجم التجارة مع روسيا. وبلغ الحجم الإجمالي للتجارة الروسية مع تركيا 33 مليار دولار. ثانياً، التجارة بين روسيا وإيران هي أساساً تجارة سلع غذائية. ويفسَر كل النمو في الصادرات الروسية سنة 2021 بالارتفاع الحاد في صادرات الحبوب. كذلك، يفسر الارتفاع المطرد في الصادرات الإيرانية إلى روسيا بالنمو في مبيعات الفاكهة والمكسرات. تجارة الغذاء مهمة لكنها لا تعكس نوع التعاون الاقتصادي الذي سيجعل روسيا وإيران تقاومان العقوبات. في الواقع، تنمو تجارة المواد الغذائية بالتحديد لأنها معفية من العقوبات، وهي واحدة من المجالات القليلة التي يسمح من خلالها للبنوك بإجراء المعاملات.

ماذا عن الصناعة؟
ستتطلب المقاومة الفعلية للعقوبات تعاوناً صناعياً أعمق. عند النظر إلى البيانات الجمركية عن التجارة الثنائية في الآلات والمركبات، يجد المراقب أن روسيا صدرت نحو 115 مليون دولار من الآلات والمركبات إلى إيران في 2021 وهي جزء صغير من صادراتها الإجمالية. في هذه الأثناء، باعت إيران أقل من 15 مليون دولار من السلع الصناعية إلى روسيا. في الأساس، ما من شراكة صناعية بين روسيا وإيران. باستثناء الارتفاع في التجارة بالمواد الغذائية، من الواضح أن التجارة الروسية مع إيران لم تتعاف بعد فرض العقوبات المالية على إيران في 2012. يمكن أن يتغير ذلك خصوصاً مع بحث المصنعين الروس للسيارات والمركبات عن أسواق جديدة رداً على العقوبات الأمريكية والأوروبية.

بعض الحقائق
يرى الكاتب أن تقليص الحواجز التجارية سيفتح نصف الطريق أمام ارتفاع حجم التجارة الثنائية، لكن واقع تعثر العلاقات التجارية بين الدولتين يخبر المعنيين ببضعة أمور. أولاً تستمر العقوبات في إعاقة العلاقات الاقتصادية بين روسيا وإيران. واقع أن روسيا عرضة للعقوبات لا يجعل العمل مع إيران أكثر جاذبية. تفتقر الدولتان إلى قنوات مصرفية كافية وشبكات لوجستية. لا تريد الشركات الإيرانية أن تتلقى مدفوعات بالروبل وبالتأكيد لا تريد الشركات الروسية أن تتلقى المدفوعات بالريال.
وبسبب النطاق الواسع للتصنيفات التي تخضع لها الشركات الإيرانية الرسمية، يكشف العمل في إيران الشركات الروسية أمام مخاطر العقوبات الثانوية في وقت لا تعد العقوبات الثانوية بعد سمة للإجراءات الأمريكية والأوروبية بحق روسيا. وهذا يعرض قدرة الشركات الروسية على العمل في دول ثالثة للخطر.

العقوبات ستفرقهما أكثر
حسب باتمانقليدج، ثمة مشكلة أخرى كامنة في امتلاك روسيا وإيران مستوى متشابهاً من التصنيع. هناك تطور تقني مماثل في السيارات والأجهزة المنزلية والإلكترونيات الاستهلاكية المنتجة في كلا البلدين لتلبية احتياجات أسواقهما الاستهلاكية الكبيرة. والدولتان منتجتان كبيرتان للمعادن والبتروكيميائيات. هذا يعني أن روسيا وإيران ليستا متنافستين بارزتين في أسواق الطاقة العالمية وحسب، بل سيزداد تنافسهما حين يتصل الموضوع بتطوير الصادرات غير النفطية كجزء من استجابتهما لضغط العقوبات.
الإيرانيون يشكون همهم
خلال السنوات القليلة الماضية، كانت إيران تسعى إلى زيادة صادراتها نحو الأسواق في آسيا الوسطى التي تشكل روسيا الشريك التجاري الأساسي فيها. ويمكن توقع أن تقوم روسيا بأخذ حصة من السوق الإيرانية في تركيا. لكن الأهم أن الدولتين ستنخرطان في سباق محموم نحو الصين، المشتري الذي يمثل الملاذ الأخير للمصدرين المتضررين من العقوبات. واشتكى المدراء التنفيذيين لبونوا فوكون من صحيفة “وول ستريت جورنال” من أن المنافسين الروس يخفضون أسعارهم بشكل كبير لدرجة أن أحدهم وصف التنافس بأنه “قاتل».
تعني الحقائق الاقتصادية أن روسيا وإيران هما بشكل تلقائي متنافستان لا شريكتان. ويفتقر أصحاب المصلحة الروس والإيرانيون للثقة والوعي الثقافي المتبادل والحوافز للعمل مع بعض. حين يجتمعان في طهران، سيبدو بوتين ورئيسي على الأرجح متحالفين. لكن مشاطرة الضغينة تجاه الغرب ليست شرطاً كافياً لشراكة جيوسياسية هادفة، ختم باتمانقليدج.