حسابات الداخل والخارج.. كيف دفعت موسكو نحو إلغاء قمة ترامب وبوتين؟

حسابات الداخل والخارج.. كيف دفعت موسكو نحو إلغاء قمة ترامب وبوتين؟


اعتبر خبراء أن إلغاء القمة المرتقبة بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في بودابست جاء نتيجة مواجهة توقعات سياسية متضاربة وفرض الشروط من الجانب الروسي، والتي اعتبرها صانعو القرار الأمريكيون “غير قابلة للقبول».
وقال الخبراء إن المذكرة الروسية التي وصلت إلى واشنطن واشتملت على مطالب تتعلق بتنازلات إقليمية وقيود دائمة على قدرة أوكرانيا العسكرية وضمانات بعدم انضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي، مثلت في تقدير واشنطن نقطة فاصلة أفقدت اللقاء المرتقب أية فرصة للتقدم التفاوضي الفوري.
وقالت ماريه مندراس الباحثة الفرنسية المتخصصة في السياسة الروسية لـ”إرم نيوز” إن سبب الإلغاء لا يكمن في رفض واشنطن الحوار بحد ذاته، بل في توقيت وشروط موسكو التي كرّست حسماً سياسياً قبل المفاوضات. 
وأضافت أن المذكرة الروسية لم تكن مجرد وثيقة تفاوضية تقليدية، بل محاولة لفرض نتائج مسبقة تتضمن اعترافاً بحدود نفوذ موسكو وتثبيت مكاسب ميدانية على حساب سيادة أوكرانيا، وفق قولها.
وأوضحت أن “روسيا أرادت أن تجعل من القمة منصة لتحويل مكاسبها العسكرية إلى تسويات سياسية ملزمة، بدلاً من الدخول في مفاوضات تفتح الباب أمام تنازلات متبادلة».
وأضافت مندراس أن هناك عاملين داخليين لعبا دوراً محركاً لدى الكرملين: الأول، الحاجة إلى تأكيد المكاسب أمام الجمهور المحلي وإظهار قدرة على ترجمة الانتصارات العسكرية إلى مكاسب دبلوماسية، والثاني، حسابات التفاوض مع الحلفاء الإقليميين، خصوصاً حلفاء صغار وحلفاء أقوياء، لضمان أن أي اتفاق لن يفتح الباب أمام ضغط خارجي مضاد. 
وتابعت: “لذلك رفضت واشنطن قبول شروط تُحوّل المفاوضات إلى إعلان عن استسلام أوكراني أو تفكيك لحق التكامل الأوروبي للأمن” وفق تعبيرها.
واعتبرت الباحثة أن إلغاء القمة مؤشر على أن واشنطن لا تقبل بآلية تفاوضية تنقلب إلى عملية إحكام لوقائع قبل الوصول إلى مباحثات جوهرية.
 ولفتت إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أو قيادات أوروبية قد تضغط من أجل استئناف المسار الدبلوماسي، لكن دون قبول صيغة تتضمن اعترافًا أو تنازلاً أحادي الجانب من أوكرانيا.من جانبه، قال برونو تيرتريه، الباحث في شؤون الإستراتيجية والأمن لـ”إرم نيوز” إن المذكرة الروسية تضمنت “مطالب إقصائية” تتطلب من الجانب الأوكراني تنازلات جوهرية في المجال الإقليمي والعسكري، وإلزامات قد تعيد رسم الحدود الإستراتيجية في أوروبا. 
وأضاف: “الجانب الأمريكي يقيّم أي مفاوضة ليس على أساس نية اللقاء فحسب، بل على المؤشرات العملية لقدرة الطرف الآخر على التفاوض بمرونة».
 وأوضح أن روسيا في هذه الوثيقة قدمت شروطاً تبدو وكأنها تهدف إلى تقسيم مسار التفاوض إلى مسبقات تجعل من إبرام تسوية مقبولة دولياً أمراً بالغ الصعوبة».
وأكد تيرتريه أن واشنطن، رغم انفتاحها الظاهري على لقاء مباشر بين قادة العدوين، لا ترغب في أن يتحول الاجتماع إلى حدث “تحكم”: لقاء يُعلن أمامه عن شروط روسية مُطبَّقة أو شبه مُطبَّقة، فيغدو التفاوض إعلاناً عن وقائع بدل إطار لحل متبادل. 
ورأى: “أن إدارة تفاوضية كهذه تتطلب وجود أرضية تفاوضية متبادلة وإشارات جدية قبل اللقاء، وإلا فسيكون خطر تحويل القمة إلى مناسبة لتكريس نتائج أحادية واقعاً سياسياً غير مقبول».
وأشار تيرتريه إلى بعد داخلي أمريكي؛ فالإدارة الأمريكية، خاصة في موسم سياسي حافل، لا تريد أن تبدو متساهلة مع مطلب يعرض التزاماتها تجاه حلفائها الأوروبيين والأوكرانيين للخطر، موضحاً أن رفض المذكرة يمثل أيضاً رغبة في الحفاظ على تماسك التحالف الغربي ومنع حصول شرخ إستراتيجي ممكن كنتيجة لقبول شروط أحادية.
واعتبر أن إلغاء القمة يعكس بالأساس فشلَ مطابقة الهدف من اللقاء (بدء مفاوضات جدية نحو حل) مع إستراتيجية موسكو القائمة على تثبيت مكاسب ميدانية وتحويلها إلى شروط تفاوضية مسبقة. 
وأضاف أنه في هذه المعادلة، رفض واشنطن قبول شروط تُغيّب الرضى الأوكراني وتضع ضمانات بإقصاء أطر التوازن الأوروبية كان منطقياً إذا ما اعتُبر أن القمة ستكرّس وقائع بدلاً من فتح باب تفاوض حقيقي.