منصور بن زايد: المتحف يعكس رؤية الإمارات نحو تعزيز الثقافة والسلام والتعايش
دوڤ كاميرون تحلق بعيدا عن منصة ديزني
بعد أن كانت ديزني أمامها منصّة إطلاق نحو سماء الشهرة، حان الأوان للأميركية دوڤ كاميرون (Dove Cameron) أن تُفلت من مدار المؤسسة الفنية العريقة العملاقة، وأن تبدأ مسعاها الخاص بتأسيس علامتها الفنية المستقلة كمغنية وممثلة وكاتبة أغانٍ. هكذا، أصدرت في بداية ديسمبر/كانون الأول الماضي أوّل جزء من أول ألبوم لابنة الـ27 عاماً، مسجّلاً في استوديو، تحت عنوان "خيميائي: جزء 1" (Alchemical: volume 1) يتألف من ثمانية تراكات.
كانت كاميرون قد أطلّت بطلةً في فيلم ديزني "سُلّان" (Descendants) إصدار عام 2015، الذي تمخّض عنه إنتاج تلفزيوني استمر عرضه لفترة طويلة، ولم تكن بعد تتجاوز التاسعة عشرة. "الطفلة النجمة" (Child star)، كما يُوصف أمثالها في أوساط الصناعة الترفيهية الأميركية، سبق لها أن تحدثت عن تجربتها ضمن مقابلة قائلة: "لئن بدأت مشوارك الفني في تلك السن الصغيرة، فقد أودعت حياتك في دليل مصوّر (كاتالوغ) لكي يجري بحسبه تأويلها من قبل الجماهير من طريق صورٍ تُغاير الواقع، تبدأ بالنظر إلى نفسك من منظور خارجي، فلا تُعود ترى لخبرتك الذاتية أي صلاحية". أي بمعنى آخر؛ يتحوّل الفنان إلى سلعة إعلامية، ومَلاكٍ عام، ليُحرَم فضاءً خاصاً من دون أن يحظى بصيرورة النضج عبر خوض معترك الحياة.
لم تكن كاميرون الأولى، بل نجمة أخرى بدأت طفلة مع ديزني ولم تنتهِ بها. سيلينا غوميز، بطلة فانتازيا الأطفال "مشعوذات ويڤرلي" (Wizards of Waverly Place) إنتاج سنة 2007، حين لم تزل في طور البلوغ، جذبت ملايين الأطفال والمراهقين، من خلال أدائها أغنية الفيلم المعنونة "سحر" (Magic)، ما حدا الشركة المنتجة إلى أن تعيد إصدارها كتراك مُفرد (Singal) لتنال شعبية واسعة. على إثرها، شقت لنفسها طريقاً نحو النجومية في عالم الغناء الجماهيري (Pop).
اسمٌ آخر ذاع صيته حديثاً هو ميلي سايريس (Miley Cyrus). شُدّت إليها الأنظار إثر ظهورها في مسلسل ديزني "هانا مونتانا" (Hannah Montana) إصدار سنة 2006. لعبت فيه دور مراهقة تعيش حياة مزدوجة، تكون في إحداهما نجمة غناء شهيرة، بينما تسعى في الأخرى لإخفاء هويتها عمّن حولها، أملاً بالعيش في صورة طبيعية بعيداً عن الأضواء. وقد مكّن نجاح السلسلة ديزني من العودة إلى باهر عهدها ضمن مجال الدراما الموسيقية أيام التسعينيات. حينذاك، صدّرت إلى السوق الفنية مواهب غنائية واستعراضية فتيّة مثل بريتني سبيرز.
لعل ثمانية تراكات لا تتجاوز في مجملها 22 دقيقة، لا تجدر بأن تكون وافية في عرف الإنتاج الموسيقي، لكي يُعدّ إصدار كاميرون بمثابة ألبوم. إن دل ذلك على شي، فإنما يدلّ على التوجّه العام لدى الشركات المنتجة لتجنّب طول المدة الزمنية وكثرة المحتوى تماشياً مع عدم قدرة الجمهور، في زمن قُصاصات "تيك توك" و"إنستغرام"، على استهلاك منتج فني واحد لأوقات طويلة، فضلاً عن الاستماع إلى ألبوم بأكمله.
إضافة إلى ذلك، إن الانتشار الفيروسي الذي حققه فيديو أغنية "عشيق" (Boyfriend) الذي رُفع على "يوتيوب" أول العام الماضي لتفوق نسبة مشاهدته 65 مليوناً، وستُدرَج ضمن الإصدار الجديد، قد ضمن للألبوم من جهة حسن الإقبال، ومن جهة استوجب التريّث إزاء طرح كل الأغاني دفعة واحدة، وإطلاقها على دُفعتين كألبوم من جزأين.
على ذات النهج الذي اتبعته النجمة بيلي آيليش في إصداراتها الأولى، تنأى كاميرون بعلامتها الفنية عن تبنّي صورة الطفلة الحلوة الرقيقة، لتنحو مساراً يتواءم مع الصحوة النسوية التي يشهدها الغرب في الآونة الخيرة. بهذا، تختار لنفسها جنساً موسيقياً، وإن ظل يستهدف جيل الصغار من المراهقين، إلا أنه يبقى أشدّ حلكةً وأخفّ أنوثة، مثل الروك القوطي (Gothic Rock) الذي شاع بين سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، حيث توحي موسيقاه وسلوكيات موسيقييه بالكآبة، تأثّراً بأساطير السحر والشعوذة، وتميّزاً بالأزياء السوداء القروسطية المثيرة للتوجّس والرعب.
تبدو النزعة القوطية جليّةً أيضاً في فاتحة الألبوم المعنونة "امرأة فتّاكة" (Lethal Woman). تبدأ الأغنية بصوت عزفٍ مريبٍ على آلة بيانو، صُمم صوتياً لكي يُسمع أصداءً تتردد في بيت مهجور. بُعيد ذلك، يرِد صوت دوڤ مشوّشاً متكسّراً مركّباً بوسائل التركيب الصوتي الرقمي، على خبط إيقاع الكترونيّ هدّار. لن يلبث أن يتداخل الغناء مع جوقة لُحّنت لأجلها توافقات هارمونية، تشحن الأذن بعنصر الرهبة والترقّب. يتجلى الأسلوب القوطي السوداوي من خلال المعنى كما المغنى. تتحدث الكلمات عن أنثى تمشي كقديسة، تطوف كملاك، حادة كسكّين من تحت الطاولة. هذا وإن ظلت التعابير تُشير مجازاً إلى مغبّة الوقوع في شرك الحب أكثر مما هي وصفٌ لمسرح جريمة.
أما التراك الرابع المعنون "رمل" (Sand)، فيُسمع أكثر شاعرية بعيداً عن الأجواء القوطية. تبدأ الأغنية بسلاسل هارمونية مينيمالية شجيّة تُعزف على آلة البيانو، تذكّر بموسيقى الصوفية الجماهيرية الشائعة بين ممارسي التأمل ورياضات اليوغا، والمعروفة بمصطلح "موسيقى العصر الجديد" (New Age).بصوت مُنهَك مبحوح، تدخل كاميرون على التراك، تردد كلمات نمطية تصف حال الحب وعذابه، وإن تناهت بنبرة الشاعر بالوحدة، المشغول بقلق وجودي، لتسأل: "ما الأسوأ؟ أن تكون مرغوباً لكن غير محبوبٍ، أم أن تكون محبوباً لكن غير محبوب".
تتميز الأغنية بكثافة توزيعية ناتجة من استغلال عالي الحرفية للإمكانات التكنولوجية من أجل خلق مناخات نفسية متنوّعة الأطياف اللونية، فتكتسب بذلك سمة الموسيقى المصاحبة للفيلم السينمائي.بانتقالها إلى الإنترنت سنة 2019، من طريق منصّة ديزني بلاس، تبقى شركة الصناعة الترفيهية التي أسسها كل من والت وروي ديزني سنة 1923 وعلى مدى قرنٍ بأكمله أحد أقطاب صناعة النجوم. إلا أنها ظلت دوماً تُشبه عشّاً للطيور، ما إن يكبر طيرٌ، فيقوى على خفق جناحيه حتى يترك العش ليُحلّق بعيداً في الفضاء. كذلك فعلت دوڤ كاميرون، كما فعلت فتيات عديدات قبلها، ممن كُتب لهن أن يتابعن مشوار الفن بعد بلوغهنّ، متجاوزين ظاهرة "الطفل النجم".