يحملون ملحمة معاصرة
قضية الهجرة والمهاجرين في صلب الأفلام السينمائية الأوروبية
بعيداً عن التجاذب السياسي، باتت شخصية المهاجر حاضرة بشكل متزايد في أفلام سينمائية يكون فيها بطلاً، مثل فيلم "إيو كابيتانو"، الذي بدأ عرضه أخيراً في عدد من الدول الأوروبية للمخرج الإيطالي ماتيو غاروني.وفي 7 فبراير/شباط سيُعرض فيلم "غرين بوردر" للمخرجة البولندية أنييشكا هولاند، حول محن المهاجرين العالقين على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا.
وبعد خمسة عشر عاماً من فيلم "غومورا" عن المافيا في نابولي، اختار غاروني في فيلمه الجديد أن يصور بشكل ملحمي قصة مؤثرة لشابين سنغاليين تجمعهما قرابة عائلية، يقرّران مغادرة بلدهما والانتقال إلى أوروبا لتحسين حياتهما، فيخوضان رحلة محفوفة بالمخاطر، عبر أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط.
حصل "إيو كابيتانو" على عدد من الجوائز في مهرجان البندقية السينمائي الأخير، واختارته إيطاليا لتمثيلها في السباق إلى جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي. ولهذا الفيلم دلالة رمزية معبّرة جداً في بلد تتولى السلطة فيه حكومة يمينية متطرفة، ويقع على خط المواجهة في موضوع المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا.
يروي الفيلم قصة المراهقين السنغاليين سيدو (سيدو سار) وموسى (مصطفى فال)، وهما قريبان يقرران ترك أسرتهما من دون أن ينبسا بكلمة واحدة لتجربة حظهما في أوروبا. غيّر الفيلم حياة ممثله الرئيسي، سيدو سار، السنغالي البالغ من العمر 19 عاماً، والذي كانت بالنسبة له أول تجربة سينمائية نال عنها جائزة أفضل ممثل صاعد في البندقية.
وقال سيدو سار في مقابلة مع وكالة فرانس برس في باريس "كنت أحلم بأن أكون لاعب كرة قدم، لكن مشيئة الله" تسود.وصُوّر الفيلم "إيو كابيتانو" في السنغال لكن أيضاً في المغرب، حيث التقى سيدو سار بمهاجرين عالقين هناك، بعد محن عدة.
المهاجر لإظهار ما يحصل
يقول "أكثر ما حفزني لصنع هذا الفيلم هو أنني قلت لنفسي إنه قد يأتي أوروبيون لمساعدة هؤلاء الأشخاص العالقين في المغرب منذ حوالى عشر سنوات (...) الفيلم مهم أيضاً لأفريقيا لإظهار ما يحصل هناك".
وإذا كان موضوع المهاجر والهجرة حاضراً في وسائل الإعلام والخطاب السياسي في أوروبا، فإن ماتيو غاروني فضّل أن يتطرق إليه في فيلمه من دون أجواء بؤس، لكن من دون أن يتغاضى عن المخاطر على الحياة خلال مسيرات العبور الشاقة. انتهى الأمر بالشابين بالوصول إلى إيطاليا على متن قارب مكتظ جداً.
هؤلاء الأشخاص "يحملون ملحمة معاصرة" كما يقول المخرج البالغ من العمر 55 عاماً، الذي وثّق على نطاق واسع في الموقع، خاصة في السنغال. وقال "عند تأليف هذه القصة، كنت أفكر في مغامرة كبرى تعيدنا إلى كونراد، إلى جاك لندن أو هوميروس".
وأضاف "لم أصنع هذا الفيلم بهدف تغيير العالم، بل لإعطاء الجمهور الفرصة لعيش هذه المغامرة من منظور مختلف. خلف الأرقام هناك أشخاص لديهم أحلام مثلنا".
ومثل فيلم "غرين بوردر"، يتساءل فيلم "إيو كابيتانو" عن مسؤولية الأوروبيين تجاه حال المهاجر. بحسب الأمم المتحدة، فإن عبور المتوسط هو أخطر طريق هجرة بحرية في العالم مع إحصاء أكثر من 2571 حالة وفاة عام 2023.
في إيطاليا، عُرض الفيلم في مدارس عدة، كما أكد ماتيو غاروني.
لكن عرض الأفلام لا يمر أحياناً من دون إثارة جدل. ففي 2022 رافقت إطلاق فيلم "أنغاجيه"، وهو فيلم فرنسي عن المهاجرين في جبال الألب، حملة كراهية موجهة ضد مخرجته إميلي فريش.
اما أنييشكا هولاند (75 عاماً)، التي حصلت على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في البندقية عن فيلمها "غرين بورد"، فقد تعرّضت أيضاً لهجمات عنيفة من القوميين البولنديين قبل أن يخسروا السلطة هذا الخريف في وارسو، وتهديدات بالقتل.