كيف ترسم روسيا خطوط نفوذها النووي في قلب «آسيان»؟

كيف ترسم روسيا خطوط نفوذها النووي في قلب «آسيان»؟


أعادت  روسيا صياغة توازنات القوة في آسيا، من خلال تمدد شركة «روساتوم» في دول رابطة “آسيان”؛ في خطوةٍ تجسد محاولات موسكو لتجاوز طوق العقوبات الغربية وخلق موطئ قدم جديد في معركة  النفوذ .
ففي أكتوبر الماضي، وقّعت «روساتوم» مذكرة تفاهم مع مركز الطاقة التابع لـ”آسيان”، على هامش منتدى الطاقة الإقليمي في ماليزيا، في خطوة اعتُبرت الأوسع نحو تعاون مؤسسي بعد سنوات من الشراكات الثنائية المحدودة.
وتمتد الاتفاقيات الروسية الحالية لدولٍ بما فيها لاوس وكمبوديا وميانمار، فيما تجري محادثات مع إندونيسيا وماليزيا والفلبين وتايلاند بشأن استخدام المفاعلات المعيارية الصغيرة والمفاعلات العائمة، التي تعد روسيا الدولة الوحيدة في العالم التي نجحت في تشغيلها تجاريا.
ويعتقد الخبراء أن هذه المفاعلات تمنح موسكو فرصة للدخول إلى أسواق الطاقة الآسيوية من بوابة التكنولوجيا النظيفة، خصوصا في وقت تتزايد فيه حاجة دول المنطقة إلى مصادر طاقة آمنة لتلبية الطلب المتنامي، ومن المتوقع أن يتضاعف استهلاك الكهرباء في دول “آسيان” ثلاث مرات بحلول عام 2050؛ ما يجعل الطاقة النووية خيارا مغريا لتعزيز الأمن الطاقي وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وبحسب محللين فإن هناك أبعادا سياسية واضحة وراء هذا التمدد التكنولوجي؛ فـ«روساتوم» ليست مجرد شركة طاقة، بل أداة من أدوات السياسة الخارجية الروسية، تعمل تحت إشراف مباشر من الكرملين، وتستخدم موسكو حضورها في قطاع الطاقة النووية كوسيلة لتخفيف العزلة المفروضة عليها منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، من خلال بناء علاقات استراتيجية مع دول تتجنب الاصطفاف في المعسكرات الدولية.
وبينما لا تزال الخيارات الأخرى سواء في الغرب أو الصين على الورق أو في مراحل تجريبية، فإن موسكو توفر حلولاً جاهزة وفعّالة، متقدمة بخطوة على الجميع بعد تجربتها التجارية الأولى وخطة التصدير إلى أوزبكستان؛ ما يجعل رابطة “آسيان” بيئةً مثاليةً لروسيا، لضمان أهميتها في الصناعة النووية العالمية.
ويحذر مراقبون من أنه ورغم نجاح روسيا في اختراق أسواق الطاقة النووية في دول “آسيان”، إلَّا أن طريقها محفوف بعقبات سياسية وقانونية معقدة؛ فالعقوبات الغربية تقيّد بعض أنشطة «روساتوم» وتحدّ من قدرة موسكو على التمويل والتحويلات التقنية، كما تواجه روسيا تباينًا في مواقف دول “آسيان” تجاه حرب أوكرانيا؛ ما يجعل التعاون معها سياسيا أمرا حساسا للغاية.
وفي هذا السياق، تُعيق البيروقراطية، ونقص الأُطر القانونية النووية في بعض الدول، سرعة تنفيذ المشاريع؛ ما يجعل نفوذ موسكو عرضة للاختبار كلَّما تغيّر المزاج الجيوسياسي الآسيوي، لكن كلَّما زادت قدرة روسيا على مواصلة مشروعاتها في المنطقة، زادت صعوبة ممارسة ضغوطٍ حقيقيةٍ على الكرملين من خلال العقوبات.