لقمان الحكيم في القرآن
يلقي القرآن ضوءا كاشفا عن الحكمة التي تسمو فوق ما يعرف من شرائع، والتي إن شاءت قد تتجاوز الشريعة، وجاء ذكر لقمان الحكيم فى الآية التى تقول « وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (لقمان:12) في أدق ما يدعو إليه، وهو عدم الشرك بالله والتوجه الدائم لشكر الله فى السراء والضراء وعلى كل حال، وذلك توجه أخلاقي من شأنه أن يجعل الإنسان مطمئنا في حياته، لا يراوده أو يداهمه القلق النفسي والشعور بالكآبة والإحباط، فالشكر لله دواء لكل داء، فبينت الآية قيمة الشكر وما له من مردود نفسي لجلب السعادة في نفس الإنسان، بدلا من التعاسة والشقاء، كما أن الشكر على قلة الشيء من شأنه أن يحول القلة إلى الكثرة وزيادة، لما للشكر من أدوات تواجه الطمع الذي يجعل الإنسان لا يشبع ولا يقنع، وقد جاء الشكر في آية في القرآن «ولئن شكرتم لأزيدنكم (إبراهيم: 9)، فشكر الله زيادة ودون نقصان، لأن فيه بركة تجعل الإنسان راضيا عما قسمه الله له، فقليل من الطعام قد يكون أنفع من كثرة طعام تؤدي إلى التخمة والمرض، وكان الرسول عليه السلام يقول « نحن قوم لانأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع»، فالجوع في الحكمة أفضل من الشبع الذي قد يأتي من حرام يبغضه الله، كما فرض الله على الإنسان أن يلتزم بالشكر، وإلا فإنه يهوي إلى الكفر، وقد بينت الآيات القرآنية مثل هذا المعنى في قولها « إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيل إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (الإنسان: 3)، كما على الإنسان ألا يضعف إيمانه بالله في كل الأحوال وإن الله غني حميد.
ويواصل لقمان نصائحه بالبعد عن عبادة الشرك بالله، فهي خطيئة كبرى كما أبرزها القرآن على لسان لقمان « وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان: 13)، وليس بعجيب أو غريب أن يقع الشرك من الذين يلقون بأنفسهم في مواقف الريبة والشبهة، وكان الرسول الكريم يحذر المؤمنين به أن يتقوا الشبهات، وقد فطن أقطاب أولياء الله مثل أبي الحسن الشاذلي، الذي كان ينصح تلميذه أبا العباس المرسي رضي الله عنه قائلا «يا بني إذا ذهبت إلى الكعبة فلا تعبد الكعبة ولكن اعبد رب الكعبة»، كما اعتاد الناس أن يؤلهوا فردا، سواء أكان حاكما أم ملكا ويقولون كلمة الملوك لا ترد، كذلك يبتغي البعض من الحكام أو الملوك أن يؤلهوا أنفسهم على رعيتهم، ويُروى أن الحجاج بن يوسف الثقفي قال « إني أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها، لو أمرت أحدكم أن يخرج من باب من أبواب المسجد وخرج من الباب الذي يليه لقطعت رأسه»، وقد يتجاوز الإنسان ليفعل ما يريد حتى ولو تخطى الحدود العامة، واستمرأ الظلم وهو يعلم أنه يفعل ما لا يرضى الله، وكأنه إله مع الله، وهكذا كانت نصائح الحكيم لقمان لابنه تتوالى بصوت مرتفع، ليمتد إلى آخرين من حوله، فمن أجل موعظة سجل القرآن اسمه كما لو كان نبيا أو رسولا، ولتظل كلماته على مدى الزمان قائمة ومحذرة وقائلة « يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ».
www.zeinelsammak.com