ماذا لو رحل بوتين غداً...هل تتغير روسيا؟

ماذا لو رحل بوتين غداً...هل تتغير روسيا؟


لنفترض أن فلاديمير بوتين سقط ميتاً غداً، هو سيموت يوماً ما رغم كل شيء، فهل ستقرر النخبة والشعب الروسي المظلوم التخلي عن أحلام الإمبراطورية والتعهد بتجنب الوقوع مرة أخرى في إغراء الرجل القوي المستبد؟
سؤال طرحه الكاتب الصحافي نيك كوهين، صاحب كتابَي “ما تبقى” و “لا يمكنك قراءة هذا الكتاب» What>s Left and You Can>t Read This Book، في مقال نشرته مجلة “سبكتايتور” البريطانية.

ويجيب كوهين قائلاً: “سيترك بوتين دولة مريضة يجب أن تتوق للتغيير. إن الأسطورة القائلة إن روسيا قوة عسكرية عظمى، وفعلت الكثير لتخويف جيرانها، تكمن في قلب مكبات الذخيرة المحترقة. دفع هجوم بوتين غير المبرر على أوكرانيا، فنلندا، والسويد للانضمام إلى الناتو. وأعاد عدوانه تنشيط الغرب ودفعه إلى إمداد أوكرانيا بأسلحة متطورة. روسيا أفقر وأضعف وتتطلع إلى المستقبل بوصفها دولة عميلة للصين محكوماً عليها بالارتباط بالأحلام التوسعية لأنها كانت ذات يوم تشيد بإمبراطورية المغول».وأضاف كوهين “تزعم مصادر روسية لم يتسنى التحقق منها أن فلاديمير بوتين نفسه مريض، يعاني من مرض السرطان، أو مرض باركنسون. لا تصدق وكالة المخابرات المركزية هذه المزاعم، وتؤكد أنه يتمتع بصحة جيدة جداً»
.
قصة روسيا
وتابع الكاتب “لكن، لنفترض أنه مات غداً. وفقاً لرواية أورلاندو فيغيس في “قصة روسيا» The Story of Russia الصادرة هذا الأسبوع عن دار “بلومزبري”، فإن فرص كارثة أوكرانيا التي تدفع روسيا في طريق الليبرالية عندما يغادر بوتين السلطة في وقت لاحق، تكاد تكون معدومة. ورغم المواضيع القاتمة التي يثيرها الكتاب، يجب أن أقول إنها رواية رائعة سرد فيها فيغيس تفاصيل الحياة حول التاريخ الروسي لإنتاج سرد شامل

لعبء هذا الماضي».وأشار الكاتب إلى أنه عندما أعاد ستالين كتابة التاريخ في ثلاثينيات القرن الماضي، كانت النكتة السوفيتية تقول إن “الماضي يتغير كثيراً لدرجة أنك لا تعرف ما الذي سيحدث بالأمس».في القرن الحادي والعشرين، من الواضح بشكل محبط أن أسوأ جوانب ماضي روسيا لم تتغير.. فهناك دائماً ما يكفي في الثقافة السياسية الروسية لتبرير العنف والشفقة على الذات والاستثنائية والجنون والاستبداد وحروب التعظيم الإمبريالي.واستشهد الكاتب في هذا السياق بحكام الأقلية من أصحاب النفوذ اليوم، الذين كانوا في يوم من الأيام قادة في الابتذال. رغم كل نجاحهم في إغواء المصرفيين والسياسيين الغربيين في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إلا أنهم لم يكونوا شخصيات قوية ومستقلة، ولهذا السبب لم تغير العقوبات الغربية ضدهم السياسة الروسية.كانت ثروتهم تعتمد دائماً على بوتين.

 منذ أن أُجبر بوريس بيريزوفسكي على المنفى في 2000 واعتُقل ميخائيل خودوركوفسكي في 2003، أرسل بوتين رسالة قديمة وصريحة، طالما ظلت مصالح أصحاب النفوذ خاضعة لمصالح النظام، فإنه سيسمح لهم بالتمتع بثرواتهم. أما إذا تجاوزوا هذا الخط بتأييد سياسيي المعارضة، أو برفضهم دفع الرشاوى المطلوبة، فإنه سيدمرهم.

لم يتغير شيء منذ أن أخبر القيصر النبلاء في موسكو بأن ثروتهم وقوتهم تعتمد على أهوائه. لم تطور روسيا الحديثة المبكرة مطلقاً مفاهيم المِلكية الخاصة أو المؤسسات المستقلة القوية التي ربما كانت تعمل على ترويض الاستبداد، ولا يزال غيابها محسوساً حتى يومنا هذا.
ولفت الكاتب إلى أن فيغيس يسوق حجة مثيرة للجدل للمؤرخين القوميين الروس بأن هيمنة الامبراطورية المغولية على موسكو من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر، عملت أكثر من أي عامل آخر على “إصلاح الطبيعة الأساسية لسياستها”. في البداية، حاكى أمراء موسكو ثم القياصرة  قادة خانات المغول و”طالبوا وفرضوا بلا رحمة الخضوع الكامل لإرادتهم من جميع طبقات المجتمع».
في هذه القراءة للتاريخ الروسي، لم تكن الشيوعية السوفيتية في قطيعة كاملة مع الماضي. كان الرجل الشيوعي القوي مختلفاً عن الخان أو القيصر في حدود قوته فقط، وكان ستالين يعرف ذلك.

عزز حكم بوتين النظرة إلى روسيا على أنها “استبداد آسيوي” وهو ما كان شائعاً جداً بين الليبراليين والاشتراكيين في القرن التاسع عشر.
كان مقال بوتين في2021 “عن الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين’’ الذي صور فيه الأوكرانيين “صغار الروس’’ مقدمة للحرب.
لقد أظهر ما يمكن أن يؤدي إليه الجمع بين الحنين المر إلى العظمة الإمبراطورية المفقودة والخيال المسيحي المخلِّص. فلا يحق للأطفال الأوكرانيين الصغار الهروب من تبعية “الأخ الأكبر”، وإذا حاولوا يجب أن يعاقبوا.

ومضى الكتاب يقول: “كنت محظوظاً في الثمانينيات لأنني تلقيت تعليمي على يد آرتشي براون، المتخصص في شؤون الاتحاد السوفيتي. في أحد الأيام، قال لطلابه إنه حتى لو سقطت الشيوعية، فإن تاريخ روسيا يعني أن شعوبها ستقبل شكلاً جديداً من الديكتاتورية. كنا صغاراً ومثاليين وتمردنا على الفكرة. ألم يكن من الحتمية، بل والعنصرية تقريباً، التأكيد أن الروس مبرمجون على رفض الحرية؟ ولكن العقود اللاحقة لم تبرهن لنا حقيقة ذلك».

ويضيف الكاتب “يكره فيغيس تلك الفكرة أيضاً، بينما لا يقدم لنا أي مهرب معقول منها. لا يسعك إلا أن تعتقد أنه إذا مات فلاديمير بوتين غداً، فإن شخصاً مثله سيتولى السلطة. كتب كارل ماركس إن تقاليد جميع الأجيال الميتة لها وزنها مثل كابوس في أدمغة الأحياء”. ويرى كوهين أن لا مكان فيه يعتبر فيه هذا الكابوس أكثر قسوة منه في أول دولة ماركسية في العالم.