هدفها كان تحقيق الاستقرار في البلد:
مالي: هل كان من الصواب تجديد ولاية مينوسما...؟
- قوة الأمم المتحدة لا يمكنها قيادة طائراتها دون طلب إذن، ودون سابق إعلام، مما يعقّد عملياتها
- تحقق مينوسما وظائف لا يبدو أن الدولة المالية قادرة وحدها على توفيرها على المدى القصير
- مينوسما في مرمى حركة مالية موالية للمجلس العسكري ومؤيدة لروسيا
- انسحاب مينوسما المبكر وغير المنظم من مالي سيكون له تأثير سلبي
في 29 يونيو، قرر مجلس الأمن الدولي تجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) لسنة أخرى.
أُنشئت هذه البعثة في أبريل 2013، وكان قوامها 13 ألف جندي، وهدفها، تسهيل تطبيق اتفاق السلام الناتج عن عملية الجزائر، الموقعة بين الدولة المالية والجماعات التي تمثل تمرد الطوارق، الذي كان قد بدأ قبل عام، لتعزيز سلطة الدولة وسط مالي وحماية المدنيين. بعد تسع سنوات، ليس من المؤكد أن هذه الأهداف قد تحققت.
مينوسما في مرمى النيران
تدرك الحركة البانافريكانية والموالية لروسيا “ييروولو، واقف على الأسوار”، نقاط الضعف هذه، وقد تكون على وشك جعل مجلس الأمن يندم على قراره.
بعد أقل من شهر على تجديد الولاية، في 20 يوليو 2022، انتقل المتحدث باسمها أداما بن ديارا -وهو أيضًا عضو في المجلس الوطني الانتقالي، الهيئة التشريعية للمرحلة الانتقالية في مالي -إلى مقر مينوسما من أجل تسليم رسالة لقادتها تطالبهم بمغادرة مالي قبل 22 سبتمبر، يوم ذكرى استقلال مالي.
هذه التطورات ما كانت لتكون ذات أهمية كبرى، ولتلفت انتباهنا، لو لم تُظهر لنا حركة ييروولو أنها كانت رأس الحربة في إدانة الوجود الفرنسي العسكري في مالي.
أدت هذه الديناميكية إلى ظهور ما أسماه الكثيرون “المشاعر المعادية للفرنسيين” وانتشرت إلى دول أخرى في منطقة غرب إفريقيا، وأسفرت عن نهاية مبكرة لعملية برخان (بدأت عام 2014، وتضم 5100 جندي) وفرقة عمل تاكوبا في مالي. (بدأت عام 2020، قوامها 900 جندي). ونتيجة لذلك، تدهورت العلاقات الفرنسية المالية بشكل حاد.
ومن هنا السؤال التالي: في مواجهة المعارضة الشعبية والقيود التي فرضتها عليها الحكومة المالية، هل كان صائبا تجديد ولاية مينوسما؟ أم أن بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على وشك الوقوع فريسة لحركة ييروولو كما حدث للعمليات العسكرية الفرنسية؟
نفوذ موسكو في مالي
من المهم أن نتذكر أنه تم تشكيل حركة ييروولو عام 2019 بهدف واضح هو إخراج فرنسا من مالي وإفساح المجال لروسيا. منذ القمة الروسية الأفريقية التي عقدت في أكتوبر 2019 في سوتشي، ورد أنها تلقت أموالًا لدعم الدعاية الروسية في البلاد.
وسعت إلى القيام بذلك، على وجه الخصوص، من خلال تنظيم مظاهرات مناهضة للفرنسيين (وموالية لروسيا) بانتظام. في مطلع شهر يناير 2019، سلم ديارا إلى السفارة الروسية في مالي عريضة جمعت 9 ملايين توقيع، تطالب بتكثيف التعاون العسكري بين بلاده وروسيا. وفي الاحتجاجات التي نظمها، باع أيضًا جمهوره فكرة مغرية للغاية مفادها أن الروس هم الوحيدون الذين يمكنهم إنهاء الحرب في مالي في غضون ستة أشهر.
في ذلك الوقت، لم تؤخذ مطالب ييروولو -التي كانت إلى حد ما طوباوية -على محمل الجد بما يكفي. يبقى أن نرى ما إذا كان التقارب الحالي مع روسيا هو في الحقيقة نتيجة لرغبة استراتيجية لإعادة توجيه الشراكة في مجال الأمن والدفاع؛ أو هو نتيجة لضغط شعبي، في وقت بدا فيه أن دعم السكان هو المورد السياسي الوحيد المتاح للمجلس العسكري المالي في مواجهة طبقة سياسية وطنية، والجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا المعاديان لاستمرار سلطة العسكريين.
هل تدفع الحكومة الشركاء الغربيين للخروج من مالي؟
في أعقاب “الانقلاب داخل الانقلاب” في 24 مايو 2021، وبعد أن سجل المجلس العسكري قرار ترسيخ الشراكة العسكرية مع روسيا، يبدو أن هذه الشراكة لا يمكن تطبيقها إلا من خلال طرد فرنسا -التي أصبحت عبئا-نهائيا خارج مالي.
سعت الحكومة الانتقالية إلى تحقيق هذا الهدف عبر سلسلة من الأعمال المعادية لفرنسا، منها: طرد السفير الفرنسي، وطرد الصحفيين الفرنسيين، ومنع طائرة شحن ألمانية تقل جنوداً من تاكوبا من التحليق فوق الأراضي المالية، وطرد الكتيبة الدنماركية التي جاءت أيضًا كجزء من تاكوبا، وحظر قنوات الإذاعة والتلفزيون الفرنسية (فرانس 24) المتهمة بكونها أدوات دعاية ضد المجلس العسكري.
وهكذا نرى بوضوح، أن شروط الابقاء على برخان وتاكوبا لم تعد مستوفاة، ومن هنا قرار فرنسا وشركائها الأوروبيين، تحت الاكراه، إعلان نهايتهما.
مسأُلة حقوق الإنسان
قد يكون عدم الرغبة في مينوسما ناتجًا جزئيًا عن الاختلاف العميق في القراءة بينها وبين الحكومة المالية بشأن القضية الحاسمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، في وقت تغيرت فيه الاستراتيجية العسكرية لمالي على الميدان لتصبح هجومية أكثر. ويتعلق الامر هنا بملاحظة مهمة سجلت منذ نهاية عام 2021، أي منذ وصول الجنود الروس إلى مالي (بغض النظر عما إذا كانوا مرتزقة أو مدربين عسكريين نظاميين).
أكدت تقارير شهود أيضًا، أن الشريكين يعملان معًا على الأرض، وقد أدى ذلك بوضوح إلى تغيير في العقيدة، على الرغم من أنه ليس من الواضح كيف يُترجم هذا إلى نتائج ملموسة.
على سبيل المثال، نعلم أن الجنود الماليين لم يعودوا ينتظرون بشكل سلبي في معسكراتهم، في موقع دفاعي، حتى يأتي الجهاديون ويهاجمونهم.
وفي العديد من الحالات، كان هؤلاء هم أصل العمليات التي تهدف إلى طرد الجهاديين، مثل ماليكو وكيليتيغي وفارابوغو كالافيا. ووصفت السلطات العسكرية هذه العمليات بأنها “زيادة في قوة” القوات المسلحة المالية. وغالبًا ما تُترجم إلى عمليات مميتة جدًا ضد أشخاص تقدمهم القوات المسلحة المالية على أنهم جهاديون، لكن غالبًا ما تصنفهم مينوسما ومنظمات حقوق الإنسان على أنهم مدنيون.
في مثل هذه الحالات، تقع على عاتق مينوسما مسؤولية إجراء تحقيقات في الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، والتي يعارضها المجلس العسكري بشكل منهجي عندما تتعلق الاتهامات بالجيش.
بالإضافة إلى ذلك، رفضت الحكومة الترخيص لمينوسما القيام بدوريات في مناطق معينة، ومنذ وصول الروس، فرضت منطقة حظر طيران واسعة عليها. وهذا يعني أن قوة الأمم المتحدة لا يمكنها قيادة طائراتها دون طلب إذن، ودون سابق إنذار، مما يُعقّد عملياتها.
في 20 يوليو 2022، ذهبت الحكومة الانتقالية إلى حد طرد المتحدث باسم مينوسما بسبب التعليقات التي أدلى بها على شبكة التواصل الاجتماعي، تويتر، حول اعتقال مالي لـ 49 جنديًا من كوت ديفوار في 10 يوليو. وأعقب هذا القرار على الفور التعليق الفوري لـ “جميع عمليات تناوب الوحدات العسكرية ووحدات الشرطة في مينوسما، بما في ذلك تلك التي كانت مقررة من قبل أو تم الإعلان عنها».
في الآونة الأخيرة، أغسطس 2022، على الرغم من “المفاوضات المكثفة بين وزيري الدفاع الألماني والمالي”، رفضت الحكومة المالية مرة أخرى السماح للبوندسفير بالقيام برحلة لإيصال “وحدة مشاة جبلية صلبة” إلى شمال مالي لحماية مطار جاو. الذي كان أمنه في السابق من مسؤولية برخان. ودفع هذا الظهور العنيف للعداء الحكومة الألمانية إلى تعليق مهمة الجيش الألماني في مالي في 13 أغسطس 2022.
وبحسب الصحفي الفرنسي وسيم نصر، فقد ذهبت الحكومة المالية إلى حد مطالبة مينوسما بعدم الإفصاح علنًا عن المساعدات التي تقدمها لـ القوات المسلحة المالية، لا سيما فيما يتعلق بإجلاء جرحى الحرب. طريقة لعدم إظهار فائدة بعثة الأمم المتحدة للجمهور في مالي.
هذا العداء تجاه مينوسما ليس مفاجئًا. أثناء مناقشات مجلس الأمن الدولي بشأن تجديد التفويض، كان سفير مالي لدى الأمم المتحدة، عيسى كونفورو، في غاية الوضوح، مبرزا أن “حكومته لا تستطيع ضمان حرية حركة قوات حفظ السلام التي تتنقّل في جميع أنحاء البلاد للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان ... ولن تسمح مالي للبعثة المجددة بالوفاء بولايتها».
هل يمكن لمالي (حالا) الاستغناء عن مينوسما؟
على أي حال، فإن الانسحاب المبكر وغير المنظم لـ مينوسما سيكون له تأثير سلبي على حياة العديد من الماليين الذين يعيشون في المناطق التي تنتشر فيها. في الواقع، يُظهر البحث الذي أجريناه أنه بينما يعتقد غالبية السكان أن قوة حفظ السلام غير فعالة في حماية المدنيين، فإنهم يجدونها مفيدة في مشاركتها في المشاريع الاجتماعية والاقتصادية والتنموية. على سبيل المثال، تساعد المشاريع سريعة الأثر، التي تستهدف الفئات الضعيفة، ولا سيما برامج الإدماج المهني للشباب، على الحيلولة دون إغراء الشباب بالانضمام إلى الجماعات المسلحة مقابل أجر. ومن خلال هذه الإجراءات، تحقق مينوسما وظائف لا يبدو أن الدولة المالية قادرة بمفردها على توفيرها على المدى القصير.
في الختام، يبدو من الغباء تجديد المهمة دون الحصول أولاً على ضمان من الحكومة المالية بأنها ستعمل بالتعاون الوثيق مع مينوسما. والآن بعد أن فشل مجلس الأمن الدولي في القيام بذلك، يبدو مستقبل البعثة هشّا جدا ومحفوفًا بالمخاطر. تظهر فرضيتان رئيسيتان: إما أن الحكومة الانتقالية المالية تريد وضع حد لـ مينوسما، أو أن استراتيجيتها هي تحويل مينوسما إلى شيء أكثر رصانة وأقل انتقائية بشأن قضايا حقوق الإنسان والقانون الدولي. مثاليّا، مهمة يتم إفراغها من الشركاء الغربيين الذين هم أكثر انتباهاً لهذه القضايا. إلى جانب تأثير ييروولو، من الضروري السعي لمعرفة من الذي يسعى في النهاية إلى إضعاف أو طرد مينوسما. هل قرارات الحكومة الانتقالية هذه سيادية أم إملاءات من الخارج ولا سيما من الشريك الروسي الجديد؟ بالنظر إلى كيف تدهورت العلاقات مع الشركاء الغربيين مع وصول العناصر الروسية الذين قدمتهم حكومة المجلس العسكري كمدربين عسكريين ومن قبل المجتمع الدولي كمرتزقة لفاغنر، يبدو أن الخيار الثاني هو احتمال حقيقي للغاية.
*باحث أول في مركز بون الدولي لدراسات الصراع، وباحث مشارك في مختبر أفريقيا في العالم، معهد الدراسات السياسية في معهد العلوم السياسية ببوردو، جامعة بوردو مونتين.
- تحقق مينوسما وظائف لا يبدو أن الدولة المالية قادرة وحدها على توفيرها على المدى القصير
- مينوسما في مرمى حركة مالية موالية للمجلس العسكري ومؤيدة لروسيا
- انسحاب مينوسما المبكر وغير المنظم من مالي سيكون له تأثير سلبي
في 29 يونيو، قرر مجلس الأمن الدولي تجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) لسنة أخرى.
أُنشئت هذه البعثة في أبريل 2013، وكان قوامها 13 ألف جندي، وهدفها، تسهيل تطبيق اتفاق السلام الناتج عن عملية الجزائر، الموقعة بين الدولة المالية والجماعات التي تمثل تمرد الطوارق، الذي كان قد بدأ قبل عام، لتعزيز سلطة الدولة وسط مالي وحماية المدنيين. بعد تسع سنوات، ليس من المؤكد أن هذه الأهداف قد تحققت.
مينوسما في مرمى النيران
تدرك الحركة البانافريكانية والموالية لروسيا “ييروولو، واقف على الأسوار”، نقاط الضعف هذه، وقد تكون على وشك جعل مجلس الأمن يندم على قراره.
بعد أقل من شهر على تجديد الولاية، في 20 يوليو 2022، انتقل المتحدث باسمها أداما بن ديارا -وهو أيضًا عضو في المجلس الوطني الانتقالي، الهيئة التشريعية للمرحلة الانتقالية في مالي -إلى مقر مينوسما من أجل تسليم رسالة لقادتها تطالبهم بمغادرة مالي قبل 22 سبتمبر، يوم ذكرى استقلال مالي.
هذه التطورات ما كانت لتكون ذات أهمية كبرى، ولتلفت انتباهنا، لو لم تُظهر لنا حركة ييروولو أنها كانت رأس الحربة في إدانة الوجود الفرنسي العسكري في مالي.
أدت هذه الديناميكية إلى ظهور ما أسماه الكثيرون “المشاعر المعادية للفرنسيين” وانتشرت إلى دول أخرى في منطقة غرب إفريقيا، وأسفرت عن نهاية مبكرة لعملية برخان (بدأت عام 2014، وتضم 5100 جندي) وفرقة عمل تاكوبا في مالي. (بدأت عام 2020، قوامها 900 جندي). ونتيجة لذلك، تدهورت العلاقات الفرنسية المالية بشكل حاد.
ومن هنا السؤال التالي: في مواجهة المعارضة الشعبية والقيود التي فرضتها عليها الحكومة المالية، هل كان صائبا تجديد ولاية مينوسما؟ أم أن بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على وشك الوقوع فريسة لحركة ييروولو كما حدث للعمليات العسكرية الفرنسية؟
نفوذ موسكو في مالي
من المهم أن نتذكر أنه تم تشكيل حركة ييروولو عام 2019 بهدف واضح هو إخراج فرنسا من مالي وإفساح المجال لروسيا. منذ القمة الروسية الأفريقية التي عقدت في أكتوبر 2019 في سوتشي، ورد أنها تلقت أموالًا لدعم الدعاية الروسية في البلاد.
وسعت إلى القيام بذلك، على وجه الخصوص، من خلال تنظيم مظاهرات مناهضة للفرنسيين (وموالية لروسيا) بانتظام. في مطلع شهر يناير 2019، سلم ديارا إلى السفارة الروسية في مالي عريضة جمعت 9 ملايين توقيع، تطالب بتكثيف التعاون العسكري بين بلاده وروسيا. وفي الاحتجاجات التي نظمها، باع أيضًا جمهوره فكرة مغرية للغاية مفادها أن الروس هم الوحيدون الذين يمكنهم إنهاء الحرب في مالي في غضون ستة أشهر.
في ذلك الوقت، لم تؤخذ مطالب ييروولو -التي كانت إلى حد ما طوباوية -على محمل الجد بما يكفي. يبقى أن نرى ما إذا كان التقارب الحالي مع روسيا هو في الحقيقة نتيجة لرغبة استراتيجية لإعادة توجيه الشراكة في مجال الأمن والدفاع؛ أو هو نتيجة لضغط شعبي، في وقت بدا فيه أن دعم السكان هو المورد السياسي الوحيد المتاح للمجلس العسكري المالي في مواجهة طبقة سياسية وطنية، والجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا المعاديان لاستمرار سلطة العسكريين.
هل تدفع الحكومة الشركاء الغربيين للخروج من مالي؟
في أعقاب “الانقلاب داخل الانقلاب” في 24 مايو 2021، وبعد أن سجل المجلس العسكري قرار ترسيخ الشراكة العسكرية مع روسيا، يبدو أن هذه الشراكة لا يمكن تطبيقها إلا من خلال طرد فرنسا -التي أصبحت عبئا-نهائيا خارج مالي.
سعت الحكومة الانتقالية إلى تحقيق هذا الهدف عبر سلسلة من الأعمال المعادية لفرنسا، منها: طرد السفير الفرنسي، وطرد الصحفيين الفرنسيين، ومنع طائرة شحن ألمانية تقل جنوداً من تاكوبا من التحليق فوق الأراضي المالية، وطرد الكتيبة الدنماركية التي جاءت أيضًا كجزء من تاكوبا، وحظر قنوات الإذاعة والتلفزيون الفرنسية (فرانس 24) المتهمة بكونها أدوات دعاية ضد المجلس العسكري.
وهكذا نرى بوضوح، أن شروط الابقاء على برخان وتاكوبا لم تعد مستوفاة، ومن هنا قرار فرنسا وشركائها الأوروبيين، تحت الاكراه، إعلان نهايتهما.
مسأُلة حقوق الإنسان
قد يكون عدم الرغبة في مينوسما ناتجًا جزئيًا عن الاختلاف العميق في القراءة بينها وبين الحكومة المالية بشأن القضية الحاسمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، في وقت تغيرت فيه الاستراتيجية العسكرية لمالي على الميدان لتصبح هجومية أكثر. ويتعلق الامر هنا بملاحظة مهمة سجلت منذ نهاية عام 2021، أي منذ وصول الجنود الروس إلى مالي (بغض النظر عما إذا كانوا مرتزقة أو مدربين عسكريين نظاميين).
أكدت تقارير شهود أيضًا، أن الشريكين يعملان معًا على الأرض، وقد أدى ذلك بوضوح إلى تغيير في العقيدة، على الرغم من أنه ليس من الواضح كيف يُترجم هذا إلى نتائج ملموسة.
على سبيل المثال، نعلم أن الجنود الماليين لم يعودوا ينتظرون بشكل سلبي في معسكراتهم، في موقع دفاعي، حتى يأتي الجهاديون ويهاجمونهم.
وفي العديد من الحالات، كان هؤلاء هم أصل العمليات التي تهدف إلى طرد الجهاديين، مثل ماليكو وكيليتيغي وفارابوغو كالافيا. ووصفت السلطات العسكرية هذه العمليات بأنها “زيادة في قوة” القوات المسلحة المالية. وغالبًا ما تُترجم إلى عمليات مميتة جدًا ضد أشخاص تقدمهم القوات المسلحة المالية على أنهم جهاديون، لكن غالبًا ما تصنفهم مينوسما ومنظمات حقوق الإنسان على أنهم مدنيون.
في مثل هذه الحالات، تقع على عاتق مينوسما مسؤولية إجراء تحقيقات في الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، والتي يعارضها المجلس العسكري بشكل منهجي عندما تتعلق الاتهامات بالجيش.
بالإضافة إلى ذلك، رفضت الحكومة الترخيص لمينوسما القيام بدوريات في مناطق معينة، ومنذ وصول الروس، فرضت منطقة حظر طيران واسعة عليها. وهذا يعني أن قوة الأمم المتحدة لا يمكنها قيادة طائراتها دون طلب إذن، ودون سابق إنذار، مما يُعقّد عملياتها.
في 20 يوليو 2022، ذهبت الحكومة الانتقالية إلى حد طرد المتحدث باسم مينوسما بسبب التعليقات التي أدلى بها على شبكة التواصل الاجتماعي، تويتر، حول اعتقال مالي لـ 49 جنديًا من كوت ديفوار في 10 يوليو. وأعقب هذا القرار على الفور التعليق الفوري لـ “جميع عمليات تناوب الوحدات العسكرية ووحدات الشرطة في مينوسما، بما في ذلك تلك التي كانت مقررة من قبل أو تم الإعلان عنها».
في الآونة الأخيرة، أغسطس 2022، على الرغم من “المفاوضات المكثفة بين وزيري الدفاع الألماني والمالي”، رفضت الحكومة المالية مرة أخرى السماح للبوندسفير بالقيام برحلة لإيصال “وحدة مشاة جبلية صلبة” إلى شمال مالي لحماية مطار جاو. الذي كان أمنه في السابق من مسؤولية برخان. ودفع هذا الظهور العنيف للعداء الحكومة الألمانية إلى تعليق مهمة الجيش الألماني في مالي في 13 أغسطس 2022.
وبحسب الصحفي الفرنسي وسيم نصر، فقد ذهبت الحكومة المالية إلى حد مطالبة مينوسما بعدم الإفصاح علنًا عن المساعدات التي تقدمها لـ القوات المسلحة المالية، لا سيما فيما يتعلق بإجلاء جرحى الحرب. طريقة لعدم إظهار فائدة بعثة الأمم المتحدة للجمهور في مالي.
هذا العداء تجاه مينوسما ليس مفاجئًا. أثناء مناقشات مجلس الأمن الدولي بشأن تجديد التفويض، كان سفير مالي لدى الأمم المتحدة، عيسى كونفورو، في غاية الوضوح، مبرزا أن “حكومته لا تستطيع ضمان حرية حركة قوات حفظ السلام التي تتنقّل في جميع أنحاء البلاد للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان ... ولن تسمح مالي للبعثة المجددة بالوفاء بولايتها».
هل يمكن لمالي (حالا) الاستغناء عن مينوسما؟
على أي حال، فإن الانسحاب المبكر وغير المنظم لـ مينوسما سيكون له تأثير سلبي على حياة العديد من الماليين الذين يعيشون في المناطق التي تنتشر فيها. في الواقع، يُظهر البحث الذي أجريناه أنه بينما يعتقد غالبية السكان أن قوة حفظ السلام غير فعالة في حماية المدنيين، فإنهم يجدونها مفيدة في مشاركتها في المشاريع الاجتماعية والاقتصادية والتنموية. على سبيل المثال، تساعد المشاريع سريعة الأثر، التي تستهدف الفئات الضعيفة، ولا سيما برامج الإدماج المهني للشباب، على الحيلولة دون إغراء الشباب بالانضمام إلى الجماعات المسلحة مقابل أجر. ومن خلال هذه الإجراءات، تحقق مينوسما وظائف لا يبدو أن الدولة المالية قادرة بمفردها على توفيرها على المدى القصير.
في الختام، يبدو من الغباء تجديد المهمة دون الحصول أولاً على ضمان من الحكومة المالية بأنها ستعمل بالتعاون الوثيق مع مينوسما. والآن بعد أن فشل مجلس الأمن الدولي في القيام بذلك، يبدو مستقبل البعثة هشّا جدا ومحفوفًا بالمخاطر. تظهر فرضيتان رئيسيتان: إما أن الحكومة الانتقالية المالية تريد وضع حد لـ مينوسما، أو أن استراتيجيتها هي تحويل مينوسما إلى شيء أكثر رصانة وأقل انتقائية بشأن قضايا حقوق الإنسان والقانون الدولي. مثاليّا، مهمة يتم إفراغها من الشركاء الغربيين الذين هم أكثر انتباهاً لهذه القضايا. إلى جانب تأثير ييروولو، من الضروري السعي لمعرفة من الذي يسعى في النهاية إلى إضعاف أو طرد مينوسما. هل قرارات الحكومة الانتقالية هذه سيادية أم إملاءات من الخارج ولا سيما من الشريك الروسي الجديد؟ بالنظر إلى كيف تدهورت العلاقات مع الشركاء الغربيين مع وصول العناصر الروسية الذين قدمتهم حكومة المجلس العسكري كمدربين عسكريين ومن قبل المجتمع الدولي كمرتزقة لفاغنر، يبدو أن الخيار الثاني هو احتمال حقيقي للغاية.
*باحث أول في مركز بون الدولي لدراسات الصراع، وباحث مشارك في مختبر أفريقيا في العالم، معهد الدراسات السياسية في معهد العلوم السياسية ببوردو، جامعة بوردو مونتين.